ما الذي كان قبل الله؟ - خدمات ليجونير
ما هو الإيمان الذي للخلاص
٦ أبريل ۲۰۲۳
إنْ كان الله يتمتّع بالسيادة، فلماذا نصلي؟
۱۹ أبريل ۲۰۲۳
ما هو الإيمان الذي للخلاص
٦ أبريل ۲۰۲۳
إنْ كان الله يتمتّع بالسيادة، فلماذا نصلي؟
۱۹ أبريل ۲۰۲۳

ما الذي كان قبل الله؟

قد يُجادل الناسُ أنه لو كان لكلّ نتيجة عِلّة، فلا بدّ أنْ يكون لله عِلّة. لهذا السبب قد يتساءَلون: ما الذي كان موجودًا قبل وجود الله؟ لكن الله الأزلـيّ ليس نتيجة. لم يكن هنالك أبدًا وقت لم يكن فيه الله موجودًا. إنّ وجودَ الله غير مُستمدّ من شيء خارجَ نفسه، ولا يعتمد على أيّ شيء خارج نفسه. لا شيء يُميِّز الله عن المخلوق بشكل أكثر شدَّة من هذا، لأنّ المخلوقَ، بحكم تعريفه، هو كائن اعتماديّ، وطارئ، ومُستمدّ من آخر، ويفتقر إلى قدرة الوجود في ذاته ومن ذاته. لكنّ الله لا يعتمد على شيء؛ إنّ وجودَه أزليّ؟

تسير أزليّة الله في الاتّـجاه الآخر أيضًا. لن يكون هناك وقت في المستقبل يتوقَّف فيه الله عن الوجود. فكينونته تبقى ذاتيّة الوجود إلى كلّ الأبديّة. لو كان هناك شيء موجود، فهو موجود دائمًا. وإن لم يكن هناك أيّ شيء على الإطلاق، فلا شيء يمكن أنْ يكون موجودًا الآن، لأنّه لا يمكن الحصول على شيء من لا شيء. على العكس من ذلك، إنْ وُجد شيء الآن، فهذا في حدّ ذاته دليل على أنّه كان هناك شيء ما دائمًا. وما هو موجود فهو موجود دائمًا في ذاته ومن ذاته. إنّه الذي لديه القدرة على الوجود من داخل ذاته، أي الإله الحيّ. إذن، إنّ سرمديّته هي سمة أخرى يجب أن تستحثّ نفوسَنا على العبادة والتسبيح: فنحن مخلوقون بواسطة مَن لديه القدرة على الوجود في ذاته منذ الأزل وإلى الأبد. تخيّل عظمة كائن مثل هذا.

إنّ سرمديّته هي التي تُميّز الله عنّا أكثر من أيّ أمر آخر. فقداسته لا تشير إلى نقائه فحسب، بل أيضًا إلى اختلافه أو سموّه، بمعنى أنّه يختلف عنَّا. الأمر المشترك بيننا نحن البشر هو أنّنا مخلوقات، بطبيعتها زمنيَّة. عند نهاية حياة الإنسان، وعندما يُدفن، يوضع شاهد على قبره منقوش عليه اسمه وتاريخ ولادته ووفاته. نحن نعيش على هذه الأرض بين هذَيْن التاريـخَيْن: الميلاد والوفاة. لا توجد تواريخ مثل هذه عند الله. فهو غير محدود ليس فقط فيما يتعلَّق بالمكان، بل أيضًا بالزمان. لم يكن هناك وقت لم يكن فيه الله موجودًا. إنه موجود منذ الأزل وإلى الأبد. ترتبط سرمديَّة الله بشكل لا ينفصل عن وجوده الذاتيّ، أي ذاتيَّة وجوده (aseity). ومع ذلك، فإنّ مُصطلح "ذاتيَّة الوجود" غائب فعليًّا عن مفردات المسيحيّ العادي. إنّ المقصود بذاتيَّة الوجود هو أنّ "الكيان أو الوجود هو من الذات".

أوضح عالم الرياضيّات والفيلسوف برتراند راسل (Bertrand Russell)، في كتابه "لماذا أنا لست مسيحيًّا" أسبابَ عدم إيمانه. فحتى سنّ المراهقة، كان راسل مقتنعًا بأنّه لا بُدّ أنّ يكون الله موجودًا لتبرير وجود الكون. ثمّ قرأ كتابات جون ستيوارت ميل (John Stuart Mill) الذي اعترض على الحجّة الكونيَّة التقليديَّة لوجود الله، والتي تُرجع سبب وجود الأشياء الموجودة الآن إلى العلَّة الأولى. يعتمد هذا المنطق على قانون السببيَّة، الذي ينصّ على أنّه لا بدّ أن يكون لكلّ نتيجة علّة سابقة. أكَّد ميل أنّه إنْ كان لا بدّ أنْ يكون هناك علَّة سابقة لكلّ شيء، فإنّ الله نفسه يجب أنّ يكون له علَّة سابقة. ولكن إنْ كان لله علَّة سابقة، فهو مخلوق كأي مخلوق آخر. عندما قرأ راسل هذا في أواخر سنّ المراهقة، قرَّر أنّ الحجة الكلاسيكيَّة لوجود الله قائمة على مُغالطة. احتفظ راسل بهذا الرأي حتّى وفاته، وفشل في إدراك أنّ رأيَه قد بُني على تعريف خاطئ لقانون السببيَّة.

يُعلِّم قانون السببيَّة أنّه لا بدّ أن يكون لكلّ نتيجة علّة، وليس أنّه لا بدّ أن يكون لكلّ شيء علّة. فالنتائج، بحكم تعريفها، ناتجة عن شيء خارج نفسها. ومع ذلك، لا يجب أنْ نفترضَ أنّ كلّ شيء هو نتيجة —زمنيَّة، محدودة، معتمِدة ومُستمدّة. فلا يوجد شيء غير منطقيّ في فكرة كائن موجود بذاته، أو بكائن أزليّ لديه قُدرة الوجود داخل ذاته. في الواقع، مثل هذا المفهوم ليس فقط ممكنًا من الناحية المنطقية فحسب، بل هو (كما أوضح توما الأكويني) ضروريّ من الناحية المنطقيّة. لكي يكون أيّ شيء موجودًا، فلا بدّ لشيء ما، في مكان ما، بطريقة ما، أنْ يتمتّع بقدرة الوجود، لأنّه بدونها، لا شيء يمكن أنْ يكون موجودًا. إنّ الذي له قدرة الوجود في ذاته، والذي لا يعتمد على أيّ شيء خارج نفسه، يتمتّع بالتأكيد بقدرة الوجود السرمديّ. هذا ما يُميِّز الله عنَّا. فلنتذكَّر الآية الأولى من العهد القديم: "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ" (تكوين 1: 1). كلّ شيء في الكون مخلوق ما عدا الله. كلّ شيء في الخليقة —في الكون— له بداية في الزمن. الله وحده موجود منذ الأزل وإلى الأبد وهو وحده من يمتلك صفة السرمديَّة. يتجاوز تمامًا هذا الجانب المهيب من طبيعة الله أيّ شيء نتخيَّله في هذا العالم، بحيث يجب أنْ يكون وحده كافيًا لدفع نفوسنا لتسبيحه وعبادته. فالله وحده يتمتّع بقدرة الوجود في ذاته وبذاته. نحن لا نفكّر في هذه الأمور في كثير من الأحيان بما فيه الكفاية. إنْ فكّرنا في كائن أزليّ، يخلق القوّة لكلّ شيء آخر موجود، بما في ذلك أنفسنا، فيجب أنْ نندفعَ لعبادته.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.