من هو رب: المسيح أم قيصر؟
۱٦ ديسمبر ۲۰۱۹لماذا يجب على المسيحيين دراسة الكتاب المقدس؟
۳ يناير ۲۰۲۰هل الخلاص مشروط؟
في صيف عام 1925، ألقى ج. جريشام مايتشين (J. Gresham Machen) سلسلة من المحاضرات في كلية جروف سيتي للكتاب المقدس بولاية بنسلفانيا — محاضرات شكلَّت فيما بعد محتوى كتابه "ما هو الإيمان؟" في هذه المحاضرات، شرح مايتشين طبيعة ما يعتقد أنه أحد أكثر المشاكل الدينيَّة السائدة في عصره. فكتب قائلاً: "إن الفرق كبير ومختلف تمامًا بين الإيمان بأن المبادئ الأخلاقيَّة التي أعلنها يسوع ستحل مشاكل المجتمع، وبين أنه نأتي إلى تلك العلاقة الحميمة والحاضرة معه التي نسميها الإيمان؛ فأن تحذو حذو يسوع شيء وأن نثق به شيء أخر مختلف تمامًا".
كان مايتشين يواجه مشكلة البر الذاتي وروح الإنسانيَّة السائدة في العصر الذي عاش فيه. وغني عن القول، لم تكن هذه مجرد مشكلة في عصره. إنها مشكلة في عصرنا كذلك. في الواقع، إنها مشكلة في قلوبنا وعقولنا يوميًّا. إن قلب الإنسان الطبيعي ممتلئ بالبر الذاتي العميق والثقة بالنفس. لقد صارع يسوع والرسل باستمرار ضد البر الذاتي للمعلمين الكذبة في يومهم، وحذَّروا المسيحيِّين الأوائل من خطر اعتناق إنجيل كاذب يسعى إلى إضافة الأعمال الصالحة إلى مكانتنا أمام الله.
إن الكتاب المقدس واضح أنه لا يوجد سوى طريقتين ممكنتين للخلاص — واحدة بالأعمال والأخرى بالنعمة، واحدة عن طريق حفظ الناموس والأخرى بالإيمان. لقد دخل الله في عهدٍ مع آدم قبل السقوط فيه تطلَّب طاعة كاملة وشخصيَّة ومستمرة لوصايا الله. إن وصل آدم إلى مكانة آمنة في القداسة والبركة أمام الله، سواء بالنسبة لنفسه أو لنسله، لكان ذلك قائمًا على طاعته وحدها. ولكن في بداية الكتاب المقدس نعرف أن آدم قد فشل في الطاعة في الاختبار الأول في جنة عدن. صرَّح عهد الأعمال المكسور بلعنات العهد على آدم ونسله بدلاً من بركات العهد. ومع ذلك، لم يترك الرب البشريَّة بأكملها دون رجاء. بل أعلن الله بنعمته عن عهد آخر لآبائنا الأوائل، وهو عهد النعمة، الذي يقدِّم طريقًا جديدًا للحياة والبركة — أي طريق للخلاص بالنعمة وحدها من خلال الإيمان وحده بالفادي وحده.
في عهد النعمة، لا تزال الشروط القانونيَّة لعهد الاعمال المكسور ملزِمة لنسل آدم. فالله لا يمكن أن يتغير؛ لذلك، لا يمكن تغيير مطالبته بالقداسة الكاملة لحاملي صورته. إن عبارة "إِذَا فَعَلَهَا [أي وصايا الله] الإِنْسَانُ يَحْيَا [أي يبلغ الحياة] بِهَا" (لاويين 18: 5) تحمل معها جميع المطالب القانونيَّة ووعود عهد الأعمال — المتضمَّن الآن في عهد النعمة بإعطاء الناموس في سيناء. إذًا ما هي المشكلة؟ المشكلة إنه لا يمكن لمجرد شخص من نسل آدم أن يحفظ مطالب الناموس. لماذا؟ لأن كل الذين قد جاءوا من نسل آدم الطبيعي أخطأوا في أدم وسقطوا معه؛ وهكذا، يُولدوا أمواتًا بالخطايا والذنوب وهم تحت غضب الله ولعنته (أفسس 2: 1-4). وبسبب الحالة الطبيعيَّة للإنسان منذ السقوط، نحتاج إلى شخص من نسل آدم يكون بلا خطية ليحفظ مطالب الناموس من أجلنا. إن يسوع المسيح، آدم الأخير، الله المتجسِّد، فعل ذاك من خلال أنه عاش حياة خالية من الخطية، إذ حفظ بالكامل جميع أحكام شريعة الله من أجلنا. فقد أطاع يسوع الشروط القانونيَّة لعهد النعمة بصفته ممثلاً لشعبه.
ومع ذلك، هناك أيضًا شروط إنجيليَّة لعهد النعمة يجب طاعتها إن أردنا أن ننال بركات عهد النعمة. عادةً ما ميَّز اللاهوتيُّون في القرن السابع عشر بين الشروط القانونيَّة والإنجيليَّة لعهد النعمة. على سبيل المثال، أوضح فرانسيس توريتين (Francis Turretin) أن "الإيمان والتوبة (وهما شرطان للعهد الجديد) لم يتم إلزامهما في العهد الأول".[1] وهنا يتحدث توريتين عن عهد الأعمال عندما أشار إلى "العهد الأول". وقد أوضح في مكان آخر أن "الإيمان هو شرط إنجيلي حسب عمل النعمة الخارق للطبيعة، والذي يقود إلى الله، الفادي".[2] مرة أخرى، قال، "في هذا. . . المعنى، الإيمان هو الشرط الوحيد للعهد لأنه وحده يقبل المسيح ببركاته".[3] السبب الذي يجعل من الإيمان الشرط الإنجيلي الرائد هو أنه يُمكِّننا من قبول المسيح كالفادي، وبالتالي الحصول على جميع البركات التي قد أمَّنها لنا الله فيه.
بالتأكيد، يذكر الكتاب المقدس شروط إنجيليَّة أخرى لعهد النعمة. فيمكن اعتبار التوبة، والمحبة، والطاعة، والأعمال الصالحة من بين الشروط الإنجيليَّة لعهد النعمة. ومع ذلك، فإن الشروط الإنجيليَّة لا تعمل جميعها بنفس الطريقة بالضبط فيما يتعلَّق بقبول المسيح وبركات الفداء. على سبيل المثال، وفقًا للكتاب المقدس وقوانين الإيمان المُصلَحة، فإن الإيمان — وليس التوبة، أو المحبة، أو الطاعة، أو الأعمال الصالحة — هو الأداة الوحيدة لقبول المسيح والحصول علي بركة التبرير.
حتى التحدُّث عن الإيمان كشرط قد يقودنا إلى منطقة ضبابيَّة يجب أن نخوضها بعناية. فمن الممكن تمامًا وضع قيمة غير لائقة للإيمان — ليظهر كعمل نقوم به من أجل استحقاق بركات العهد. فهناك العديد من المسيحيِّين بنوايا حسنة ينظرون إلى دور الإيمان في الحياة المسيحيَّة بالطريقة التالية: "لقد قام يسوع بدوره من أجل فدائي؛ الآن، لا بد لي أن أقوم بدوري وأؤمن به لكي أتمِّم ما بدأه". تكشف هذه الطريقة من التفكير عن اعتقاد خاطئ بأن الإيمان هو عمل نقوم به من أجل المساهمة في خلاصنا.
ولكن على العكس تمامًا، يعلِّمنا الكتاب المقدس أن الإيمان نعمة مُخلِّصة — أي عطية من الله الذي أرسل ابنه ليموت من أجلنا. عندما جادل اليهود الرب يسوع في يوحنا 6، أخبرهم: "هذَا هُوَ عَمَلُ اللهِ: أَنْ تُؤْمِنُوا بِالَّذِي هُوَ أَرْسَلَهُ" (الآية 29). إن عمل الله هو خلق الإيمان في نفوس شعبه. شرح الرسول بولس أيضًا طبيعة نعمة الإيمان الخلاصي عندما أخبر أهل فيليبي "أَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ" (فيلبي 1 :29).
على الرغم من أن الإيمان عطية من نعمة الله، يجب أن نفهم أنه لا يزال من مسؤوليَّتنا أن نؤمن بالرب يسوع المسيح. بينما أطاع يسوع الشروط القانونيَّة لعهد النعمة من أجل شعبه، فإنه لا يحفظ الشروط الإنجيليَّة من أجلهم. فيسوع لا يؤمن من أجلي. وضع يسوع ثقته في أبيه خلال خدمته الأرضيَّة (إشعياء ٨: ١٨؛ عبرانيين ٢: ١٣) باعتباره آدم الأخير وإسرائيل الحقيقي. ومع ذلك، فإن إيمان المسيح لا يُنسب إلينا. بره (أي وضعه في حفظ الناموس) يُنسب إلى أولئك الذين يؤمنون به.
إذًا كيف يمكنك تعريف الإيمان الخلاصي إن طلب منك شخص ما تعريفه؟ قدَّم لنا أعضاء مجمع وستمنستر تعريفًا مفيدًا عندما كتبوا، "الأعمال الرئيسيَّة للإيمان الخلاصي هي قبول، واستلام، واتكال على المسيح وحده للتبرير، والتقديس، والحياة الأبديَّة، بفضل عهد النعمة" (إقرار إيمان وستمنستر 14: 2). في دليل أسئلة وأجوبة وستمنستر المُوجز، أجابوا على السؤال، "ما هو الإيمان بيسوع المسيح؟" على النحو التالي: "الإيمان بيسوع المسيح هو نعمة مُخلِّصة، من خلالها نقبل المسيح ونتّكل عليه وحده للخلاص، كما هو مقدّم لنا في الإنجيل" (دليل أسئلة وأجوبة وستمنستر المُوجز 86). وبالتالي، فإن الإيمان يقبل كل ما يقوله الله في كلمته. كما يوضح إقرار إيمان وستمنستر:
بهذا الإيمان، يؤمن المسيحي بصدق كل ما هو مُعلن في الكلمة، بسبب سلطان الله نفسه المتكلِّم فيها؛ ويتصرف بطريقة مختلفة بموجب ما يتضمنه كل نص بوجه خاص فيها؛ مقدمًا الطاعة للوصايا، مرتعدًا من إنذاراتها، ومعتنقًا مواعيد الله لهذه الحياة، وللعتيدة أن تأتي." (إقرار إيمان وستمنستر 14: 2)
الإيمان ليس مجرد الموافقة الذهنيَّة على الحق الإلهي المُعلَن في الكتاب المقدس. بل هو أداه حيَّة ونشطة تمكِّننا من القيام بما يُرضي الله. وكما كتب كاتب العبرانيين، "بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ" (11: 6). سيتبرهن على الإيمان الحي بتلك النعم الأخرى (مثل التوبة والطاعة والأعمال الصالحة) التي تصاحبه دائمًا أو تتدفَّق منه. إن الإيمان الخلاصي لا يضع جانبًا التعاليم الأخلاقيَّة للكتاب المقدس. بل يقبل التعاليم الأخلاقيَّة للكتاب المقدس ويستجيب بشكل مناسب لها بنعمة الله. ومع ذلك، فان الإيمان الخلاصي لا يفعل ذلك إلا بالارتباط بالمسيح بصفته المخلِّص لأولئك الذين لم يحافظوا على هذا النموذج الأخلاقي وبصفته الرب الذي يخلق نعمة التجديد والتقديس في قلوبهم وحياتهم. ولهذا السبب فان أعضاء مجمع وستمنستر يشرحون أن "الأعمال الرئيسيَّة للإيمان الخلاصي هي قبول، واستلام، واتكال على المسيح وحده للتبرير، والتقديس، والحياة الأبديَّة، بفضل عهد النعمة" (إقرار إيمان وستمنستر 14: 2).
[1] Francis Turretin, Institutes of Elenctic Theology, ed. James T. Dennison Jr., trans. George Musgrave Giger (Phillipsburg, N.J.: P&R, 1994), 2:512.
[2] Turretin, Institutes, 2:191.
[3] Turretin, Institutes, 2:189.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.