ما هو اسم الله؟
۱۹ أكتوبر ۲۰۲۰عيد الميلاد هو للكبار
۱۳ نوفمبر ۲۰۲۰كيف ننضج روحيًا؟
لا نريد أن نظل أطفالًا روحيِّين، عالقين على الدوام في الطفولة. لا نريد أن نكون ضعفاء، وبلا أمان، وغير ناضجين. ولا نريد أن نكون جاهلين بالحق الإلهي، لأننا نريد أن نمجِّده بالكامل على كل ما صنعه. نريد أن نقدِّره في كل كماله، ونعرفه ونحبه بالتمام. إن كان هذا هو الهدف، فكيف إذن نصل إليه؟ كيف نتجاوب مع كلمة الله بطريقة تدفع هذا التقدُّم؟
أرى ثلاث خطوات محدَّدة في النموذج الكتابي للتقديس. الأول هو الإدراك. يسجِّل يوحنا 17: 17 صلاة الرب: "قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌ". علينا أن نفهم ما يقوله الكتاب المُقدَّس وما يقصده لكي يحقِّق نموًا في داخلنا. يبدأ التقديس بتجديد الذهن روحيًّا، أي تغيير طريقة تفكيرنا. نحن نحتاج "فِكْرُ الْمَسِيحِ" (1 كورنثوس 2: 16). لا يوجد مكان للجهل أو السذاجة في التقديس. إن التدرب على وضع الحق نصب أعيننا بشكلٍ دائم هو أمر بالغ الأهميَّة.
إن كنَّا نفتقر إلى النضوج الروحي، فعلينا أن نقرأ كل ما يمكننا قراءته والذي يشرح لنا كلمة الله بأمانةٍ ودقَّة. يجب أن ندرس الكتاب المُقدَّس وأن نحفظه عن ظهر قلب، ويجب علينا قراءة تفسيرات علماء الكتاب المُقدَّس، والاستماع إلى عظات من مُفسِّرين أمناء، وقراءة السير الذاتيَّة للقديسين الأتقياء الذين تُظهر حياتهم نوع النضوج الذي نرغب أن نراه في حياتنا الشخصيَّة. يجب أن تنغمس أذهاننا في الكتاب المُقدَّس، فنزوِّد بهذا الوقود لعمل تقديس الروح القدس فينا.
تبدو هذه هي خطوة أولى واضحة، لكنها خطوة يفشل الكثير من المؤمنين في اتخاذها. فهم لا يستطيعون فهم سبب استمرار الخضوع لنفس التجارب ولماذا فترت محبتهم للرب وتلاشى اهتمامهم بكنيسته. كما لا يفهمون أن غياب المعرفة الكتابيَّة يعيق التفكير الروحي ويُبطئ النمو الروحي.
لا تخلط بين الإيمان الذي يشبه إيمان الأطفال والتفكير الطفولي. لن تقودنا الناموسيَّة إلى القداسة والنضج الروحي. كما أن التصوُّف والباطنيَّة السريَّة لن يقودنا إلى ذلك. في الغالب ستقودنا البراغماتيَّة إلى الاتجاه الخاطئ، وهي تدعونا إلى السعي وراء الإصلاحات السريعة والحكمة الدنيويَّة بدلًا من أن نثبت في الحق في كلمة الله. إن النشاط الوحيد الذي يحفِّز عمليَّة التقديس المستمرة هو قبول الحق الكتابي. إن الإدراك —أي معرفة الحق وفهمه— هو الخطوة الأولى في السعي إلى النمو الروحي من خلال كلمة الله.
بعد الإدراك تأتي القناعة. عندما نتعلَّم الحق الكتابي، يجب أن نبدأ في نقل المعتقدات الإيمانيَّة إلى قناعات. تتحكَّم قناعاتنا في حياتنا. عندما يبدأ الحق الكتابي في شغل أذهاننا وتشكيل أفكارنا، فإنه سينتج مبادئ لا نرغب في انتهاكها. هذا هو المقصود بالتقديس —الحافز الداخلي إلى الطاعة.
عانى الرسول بولس من العديد من الأشياء خلال خدمته —منها السجن، والضرب المبرح، وتحطُّم السفينة به، وتدفُّق مستمر من الاتهامات التي لا أساس لها من قبل المُعلِّمين الكذبة.
في 2 كورنثوس 4، يصف صعوبات هذه الحياة قائلًا: "مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ. مُضْطَهَدِينَ، لكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ" (الآيات 8-9). في الآية 11، يُكمل قوله: "أَنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ نُسَلَّمُ دَائِمًا لِلْمَوْتِ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ". كل يوم، أدرك أن أيًّا من المؤامرات العديدة ضده يمكن أن تنجح. يمكن أن يموت في أي لحظة. أينما ذهب كان يُغضب أناسًا. فكان يُطرد باستمرار من المجامع اليهوديَّة ويُلقى في السجن. لقد عاش في حلقة دائمة من المعارضة والقمع.
ما الذي دفعه إلى الاستمرار بالرغم من كل الصعوبات التي واجهها؟ في الآية 13، اقتبس من سفر المزامير قائلًا: "آمَنْتُ لِذلِكَ تَكَلَّمْتُ". هذه هي القناعة. كان من الممكن لبولس أن يقول: "ماذا تريدونني أيضًا أن أفعل؟ لا توجد بدائل بالنسبة لي. هذه قناعتي من كلمة الله".
شكَّلت هذه القناعة حياة بولس وخدمته. في وقتٍ سابق في 2 كورنثوس، شهد قائلًا: "لأَنَّ فَخْرَنَا هُوَ هذَا: شَهَادَةُ ضَمِيرِنَا أَنَّنَا فِي بَسَاطَةٍ وَإِخْلاَصِ اللهِ، لاَ فِي حِكْمَةٍ جَسَدِيَّةٍ بَلْ فِي نِعْمَةِ اللهِ، تَصَرَّفْنَا فِي الْعَالَمِ، وَلاَ سِيَّمَا مِنْ نَحْوِكُمْ" (1: 12). كان بولس مخلصًا إلى حكمة الله، ولم يشتكي عليه ضميره، بالرغم من الاتهامات المُوجَّهة ضدَّه. في سفر أعمال الرسل 23: 1، يقول: " أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، إِنِّي بِكُلِّ ضَمِيرٍ صَالِحٍ قَدْ عِشْتُ للهِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ"، وفي أعمال الرسل 24: 16، يقول: "لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ". ساعدت قناعات بولس الراسخة، والمُتأصِّلة في الكتاب المُقدَّس، على عيش حياة بارة، دون أي شيء يخجل منه.
جون بنيان (John Bunyan)، الواعظ البيوريتاني العظيم ومُؤلِّف كتاب "سياحة مسيحي" (The Pilgrim’s Progress)، ظل في السجن لمدة اثني عشر عامًا، لكن لم تكن قضبان السجن هي التي احتجزته هناك. كان بإمكانه أن يخرج حرًا إذا وعد ببساطة أن يتوقَّف عن الوعظ. في وجه هذا الخيار، كتب بنيان قائلًا: "إن لم ينفع شيء، غير أن أجعل من ضميري مجزرة مستمرة، وغير أن أقلع عينيَّ وأسلم نفسي للعميان ليقودوني، فقد قررت، وليكن الله القدير عوني وترسي، أن أتألم أيضًا، وإن استمرت الحياة الضعيفة لفترة طويلة، حتى وإن نمت الطحالب على حاجبي فلن أنتهك إيماني ومبادئي". هذه هي القناعة. عندما نقرأ الكتاب المُقدَّس، نتعلَّم كلمة الله من أجل تطوير قناعات تحكم حياتنا وتأسر ضمائرنا، حتى تنشط حين نبدأ في انتهاك المعيار الصالح لله. يُنشئ الحق الكتابي الإدراك في الذهن ويُطوِّر ضبط النفس في الضمير.
الأمر الثالث هو المحبة. محبة الحق الإلهي هي موضوع ثابت في جميع أنحاء الكتاب المُقدَّس، وخاصةً في سفر المزامير. مزمور 119 هو سرد شامل لمحبة كاتب المزمور للحق وابتهاجه بالناموس. يقول داود في مزمور 19 إن كلمة الله: "أَشْهَى مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ الْكَثِيرِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَادِ" (الآية 10). ثمَّ انظر إلى مزمور 1، الذي يصف البركات العظيمة التي لمَن "فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلًا" (الآية 2). عندما نُعرِّض أنفسنا إلى كلمة الله، نبدأ في فهم ما تقوله. وهي تبدأ في تشكيل قناعاتنا، ثم تصبح هي محور محبتنا الصادقة.
ما مدى قوَّة هذه المحبَّة؟ عبَّر بطرس عن الأمر قائلًا: "وَكَأَطْفَال مَوْلُودِينَ الآنَ، اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ" (1بطرس 2: 2). يأتي النمو الروحي عندما نعرف كلمة الله، وعندما تُشكِّل قناعاتنا، وعندما نتعلَّم أن نتوق إلى القوت الذي لا يمكن لسواها أن تُقدِّمه.
يقول مزمور 42: 1: "كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ، هكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ". لا يشير كاتب المزمور إلى الطريقة التي يقرأ بها البعض الكتاب المُقدَّس كفضولٍ أو كأدبٍ قديم. فهو لا يتحدَّث عن مطالعة الكتاب المُقدَّس من أجل التحفيز الفكري أو جمع ذخيرة من الحجج لكسب جدال ما. بل إنها دراسة الكتاب المُقدَّس بشغفٍ وجديَّة، جائعين لاستخلاص كل التغذية التي نحن بأمس الحاجة إليها من كلمة الله.
إن كلمة الله هي قوتنا الروحي. أتمنَّى أن يكون لدينا نفس الشوق الوحيد الذي لدى الطفل للبن —لأننا بها نتشكَّل على صورة المسيح، الذي قدَّس نفسه من أجلنا. تعلن كلمة الله المسيح لنا، والكلمة تشكِّلنا لنكون على شبهه. نتذكَّر ما كرَّره مخلِّصنا ثلاث مرات في العليَّة —أنه سيرسل لنا الروح القدس. نحن نعلم أن التقديس هو عمل إلهي من خلال كلمة الله بروح الحق. لذلك، يجب أن نتضرَّع إلى الروح القدس أن يُغيِّرنا ويشكِّلنا على صورة المسيح، من خلال الحق، من مستوى من المجد إلى آخر. كما يشرح الرسول بولس قائلًا: "وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ" (2كورنثوس 3: 18).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.