عهد الأعمال - خدمات ليجونير
التعزية التي لنا في صلاة يسوع
۷ نوفمبر ۲۰۲۵
مَحبَّةُ اللهِ الَّتي لا يَفصِلُها شَيء
۲۱ نوفمبر ۲۰۲۵
التعزية التي لنا في صلاة يسوع
۷ نوفمبر ۲۰۲۵
مَحبَّةُ اللهِ الَّتي لا يَفصِلُها شَيء
۲۱ نوفمبر ۲۰۲۵

عهد الأعمال

يُعَدُّ لاهوتُ العهدِ مُهمًّا لأسبابٍ عديدةٍ. فمع أنّ لاهوتَ العهدِ موجودٌ منذ آلاف السنين، إلّا أنّه وجَدَ في الإصلاح البروتستانتي صياغتَه الأكثرَ دقّةً ونظاميّةً. ولكنّ أهمّيّته ازدادت في أيّامنا بسبب علاقته بلاهوتٍ جديدٍ نسبيًّا. ففي نهايات القرن التاسع عشر، ظهر اتّجاه لاهوتيّ يُدعى "اللاهوت التدبيري"، فصار نهجًا جديدًا في فهم الكتاب المُقدَّس. وقد عرّفت "نسخة سكوفيلد للكتاب المُقدَّس المشوهد" المدرسةَ التدبيريّة بكونها تؤكِّد على سبعة تدابير أو فترات زمنيّة/ دهور تُرى في الكتاب المُقدَّس. وعُرِّف كلّ تدبير بكونه "فترة من الزمن تُمتحَن فيها طاعة الإنسان لإعلان مُعيَّن عن إرادة الله."[1] ميّز سكوفيلد بين سبعة تدابير: تدبير البراءة، تدبير الضمير، تدبير الحكم المدني، تدبير الوعد، تدبير الناموس، تدبير النعمة، تدبير الملكوت. وردًّا على هذا الرأي المُتبايِن بشأن تاريخ الفداء، يسعى لاهوت العهد إلى تقديم صورة واضحة لوحدة تاريخ الفداء، حيث تُرى الوحدة في استمراريّة العهود التي أعطاها الله عبر التاريخ والكيفيّة التي بها تتحقَّق في شخصِ يسوع المسيح وعمله.

وفيما وراء النقاش المُستمرِّ بين التدبيريّين التقليديّين واللاهوت المُصلَح بخصوص البنية الأساسيّة للوحي الكتابيّ، ظهرتْ في أيّامنا أزمةٌ أعظم وأعمق تتعلَّق بفهمنا للفداء. تركّز هذه الأزمة على مكانة الحُسبان في فهمنا لعقيدة التبرير. فكما كانت عقيدة الحُسبان المسألة المحوريّة في جدل القرن السادس عشر بين المُصلِحين والفهم الكاثوليكيّ للتبرير، ظهرت الآن مسألة الحُسبان ثانيةً وسط مَن يدّعون أنّهم إنجيليّون وينكِرون فهم الإصلاح للحسبان. جوهر مسألة التبرير والحسبان هو رفض ما يُدعى عهد الأعمال. يفرِّق لاهوتُ العهدِ التّاريخيُّ بين عهد الأعمال وعهد النعمة بصورة واضحة. فيُشير عهد الأعمال إلى العهد الذي صنعه الله مع آدم وحوّاء في حالة النقاء الأصليّة قبل السقوط، والتي فيها وعدهما الله بالسعادة بشرط إطاعتهما أمرَه. وبعد السقوط، استمرّ الله يعِد بالفداء للخلائق التي تعدّت عهد الأعمال، ويُعرَّف هذا الوعد المستمرّ بالفداء بعهد النعمة.

من الناحيةِ الفنّيّة، يُمكِن القول إنّ جميعَ العهودِ التي يقطعُها اللهُ مع المخلوقات هي عهود نعمة، بمعنى أنّ الله غيرُ مُلزَم بأن يقطعَ أيَّ وعدٍ مع مخلوقاتِه، بل هو يعطيها ويقطعها على أساس نعمته. ولكنّ الفرق بين عهد الأعمال وعهد النعمة يتعلَّق بأمرٍ ذي أهمّيّة حيويّة وكبيرة، يختصّ بالإنجيل. فيُشير عهد النعمة إلى وعد الله بأن يخلِّصنا حتّى حين لا نطيع الالتزامات الواجبة التي فُرِضت في الخلق. يُرى هذا الأمر بصورة بالغة الأهمّيّة في عمل يسوع المسيح بوصفه آدم الجديد. فبصورة متكرِّرة يفرِّق العهد الجديد ويقابل ما بين الفشل والكوارث التي أتت على البشرية بعصيان آدم الأول، وبين البركات التي تتدفَّق بعمل طاعة يسوع، الذي هو آدم الجديد. ومع أنّ هناك فرقًا واضحًا ما بين آدم الأخير وآدم القديم، فإنّ نقطة الاستمرار التي يلتقيان فيها هي أنّ كليهما دُعيا إلى الخضوع لطاعةٍ كاملةٍ لله.

إن استبعدنا عهد الأعمال، فإنّنا نستبعد طاعة يسوع الإيجابيّة.

حينما نفهم عمل المسيح الفدائي في العهد الجديد، فإنّنا نركّز انتباهنا بصورةٍ رئيسيّة على ناحيتَين فيه. فمن ناحية، ننظر إلى الكفّارة. فيتّضِح من تعاليم العهد الجديد أنّ يسوع في كفّارته يحمل خطايا شعبه ويُعاقَب لأجلهم بدلاً عنهم. أي أنَّ الكفّارة نيابيّة وبديليّة. وبهذا المعنى، حمل يسوع المسيح على الصليب في نفسه جزاءات العهد القديم السلبيّة، بمعنى أنّه حمل في جسده العقاب المُستحقّ لمن تعدّوا لا ناموس موسى فقط، بل والناموس الذي فُرِض في الفردوس أيضًا. فقد حمل في نفسه اللعنة التي يستحقّها جميع مَن عصوا قانون الله. يصف اللاهوت المُصلَح هذا الأمر بعبارة "طاعة يسوع السلبيّة." يُشير هذا المفهوم إلى استعداد يسوع لأن يخضع ويقبل لعنة الله بدلًا عنّا.

ووراء تتميم يسوع السّلبيّ لعهد الأعمال، فإنّه بأخذ يسوع العقاب الذي يستحقّه العصاة، يقدِّم بُعدًا إيجابيًّا ضروريًّا لفدائنا. فهو فاز ببركة عهد الأعمال لصالح كلّ نسل آدم الذين يضعون ثقتهم به. فحين تعدّى آدم العهد كان يسوع حافظًا له. وحيث فشل آدم في أن يحرز غبطة وبركة شجرة الحياة، نرى يسوع يفوز بتلك الغبطة والبركة بطاعته، وهي غبطة وبركة يمنحها للذين يثقون به. وفي وصف عمل يسوع لتتميم العهد لنا بدلًا عنّا، يتكلَّم اللاهوت عن "طاعة المسيح الإيجابيّة." فعمل المسيح الفديوي يتضمّن لا موته فقط، بل حياته أيضًا. فتصير حياةُ الطاعةِ الكاملةِ الأساسَ الوحيد لتبريرنا. برّه الكامل، الذي اكتسبه بطاعته الكاملة، هو ما يُحسَب للذين يثقون به. ولذا، فإنّ عمل إطاعة المسيح الإيجابيّة ضروريّ تمامًا لأجل تبرير أيِّ إنسان. فمن دون طاعة يسوع المسيح الإيجابيّة لعهد الأعمال، لا يكون هناك أساسٌ للحسبان، ولا يكون هناك أساسٌ للتبرير. إن استبعدنا عهد الأعمال، فإنّنا نستبعد طاعة يسوع الإيجابيّة. وإن استبعدنا طاعة يسوع الفاعلة نستبعد حسبان برّه لنا. وإن استبعدنا حسبان برّ المسيح لنا، فإنّنا نستبعد التبرير بالإيمان وحده. وإن استبعدنا التبرير بالإيمان وحدة نستبعد الإنجيل، ونُترَك في خطايانا. نُترَك في بؤس أولاد آدم، الذين لا يتطلَّعون إلا إلى الشعور بكامل لعنة الله لنا بسبب عصياننا وفيه. طاعة المسيح هي أساس خلاصنا، في طاعته السلبيّة على الصليب وفي طاعته الإيجابيّة في حياته. كلّ هذا مرتبطٌ ارتباطًا غير قابل للفصل مع فهمنا لكون يسوع آدم الجديد (رومية 5: 12-20)، الذي نجح حيث فشل آدم الأوّل، الذي انتصر حيث خسر آدم الأوّل. ليس على المحكّ في هذه المسألة شيءٌ أقلُّ من خلاصنا.


تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.