إقرارات الإيمان والعبادة
۱۸ يناير ۲۰۲۳إقرارات الإيمان والعضوية الكنسية
۲۰ يناير ۲۰۲۳إقرارات الإيمان والقيادة الكنسية
ملاحظة المُحرِّر: المقالة 5 من سلسلة "الكنيسة الملتزمة بقوانين وإقرارات الإيمان التاريخي المصلَح"، بمجلة تيبولتوك.
تمثِّل المعايير العقائدية أهمية كبيرة للعمل الأمين والمثمر الذي يؤديه قادة الكنيسة. مثل هذه المعايير تقدِّم بعضًا من أهم تعاليم الكتاب المقدس في صورة موجزة، ونظامية، وهو الشكل الذي أُخضِع في كثير من الأحيان لاختبار الزمن، وأثبت أمانته تجاه مصدره. وعندما يتبنَّى قادة الكنيسة هذه المعايير طوعًا، تكون بمثابة رابط يوحد بين أولئك الذين اجتمعوا معًا من أجل الاعتناء بالكنيسة بصفتها "عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ" (1 تيموثاوس 3: 15).
مَيَّزت الكنائس الملتزمة بقوانين وإقرارات الإيمان بوجه عام وظيفة المعيار العقائدي في علاقته بأعضاء الكنيسة عن وظيفته في علاقته بقادة الكنيسة. فلأن أعضاء الكنيسة قد أقرُّوا بأساسيات الإنجيل، يجوز لهم أن يختلفوا إلى حد كبير في فهمهم للمعايير العقائدية للكنسية، وفي التزامهم بها. وبالتالي، يكون قبولهم الناضج للبيان العقائدي الأكثر تفصيلًا للحق هدفًا يرنون إليه في حياة التلمذة، وليس شرطًا مُسبقًا للتلمذة. في المقابل، إن قادة الكنيسة مطالَبون بقبول معايير الكنيسة وتبنِّيها، بصفتها تصريحًا دقيقًا عن بعضٍ من الحقائق العظيمة التي يجدونها هم أنفسهم في كلمة الله، والتي من شأنها أن توجِّههم في عملهم وخدمتهم. وبذلك، يُودَع الحق لدى "أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا" (2 تيموثاوس 2: 2).
ومن ثَمَّ، فإن المعايير العقائدية مهمة لأنها تُسهِّل التدريب العقائدي لأولئك المرشحين للقيادة الكنسية. فهي توفر منهجًا ثابتًا لعمل مثل هذا التدريب. والهدف من هذا التدريب يجب أن يكون قبولًا قلبيًّا لهذه التعاليم. كذلك، من الضروري أن يتمتع هؤلاء المرشَّحون بقدرة على شرح هذا التعليم للأعضاء، وإثبات أساسه الكامن في الكتاب المقدس.
وبعدما تسهم المعايير العقائدية في الإعداد والتدريب، تكون لازمة لفحص قادة الكنيسة والمصادقة عليهم. فكي يؤهَّل المرشحون للقيادة من الناحية العقائدية، عليهم جميعًا أن يكونوا قادرين على إظهار أنهم اكتسبوا فهمًا واعيًا ودقيقًا لتعليم الكنيسة، واستعدادًا للسلوك والخدمة في التزام أمين بتلك المعايير.
علاوة على ذلك، تمثِّل المعايير العقائدية أهمية كبيرة لسلطة قادة الكنيسة وإدارتهم للكنيسة. فلأن هؤلاء المسؤولين في الكنيسة هم أناسٌ خطاة مُخلَّصون بالنعمة، فإن سلطتهم ليست نابعة من ذواتهم، بل إن السلطة التي لهم بالفعل هي سلطة أخلاقية وروحية. يعني ذلك أن سلطتهم تعتمد على تقديمهم الحقَّ بأمانة لشعب الله، ذلك الحق الذي يقبله الذين هم تحت رعايتهم، ويتبعونه، بعمل الروح القدس. لهذا السبب، ينبغي ألا يلجأ قادة الكنيسة في إدارتهم للكنيسة إلى استعمال القوة (كما تفعل الحكومات المدنية)؛ بل في المقابل، إن إدارتهم للكنيسة تكون "وساطية وإعلانية"، تُمارَس من خلال التوجيه والتعليم، بصفتهم مقدِّمين لكلمة الله. فالإدارة في الكنيسة تتعلق دائمًا بتعليم الحق؛ وتقدِّم المعايير العقائدية ملخصًا مُعتمَدًا لهذا الحق. فإن المسيح يمارس سلطانه وحكمه في الكنيسة "بواسطة كلمته وروحه، عن طريق خدمة البشر. وهكذا، فإنه يمارس سلطانه الخاص، ويفرض قوانينه الخاصة بواسطة هؤلاء، بصفتهم وسطاء له".
الفكرة الأخيرة هنا هي أن قائد الكنيسة مدعوٌّ ليس فقط إلى أن "يَكُونَ قَادِرًا أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ"، بل أيضًا إلى أن يكون على استعداد أن "يُوَبِّخَ الْمُنَاقِضِينَ" (تيطس 1: 9). يجب أن يتَنَبّهَ قادة الكنيسة في كلِّ عصر لذلك التحذير الذي وجهه بولس لشيوخ الكنيسة في أفسس قائلًا: "لأَنِّي أَعْلَمُ هذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ. وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ" (أعمال الرسل 20: 29-30). وبالتالي، فإن قادة الكنيسة مدعوون، بحُكم وظيفتهم، إلى أن يجتهدوا "لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ" (يهوذا 3). وتزداد أهمية ذلك بسبب الضرر الرهيب الذي يتسبَّب فيه المعلِّمون الكذبة، الذين "يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ"، و"ٱلَّذِينَ بِسَبَبِهِمْ يُجَدَّفُ عَلَى طَرِيقِ ٱلْحَقِّ (2 بطرس 2: 1-2).
تُعَد المعايير العقائدية بمثابة أداة قوية وفعالة في حسم الجدالات. فلا داعي أن نبدأ من نقطة الصفر مرة أخرى كلما اندلع نزاعٌ حول تعليم جديد. فالسؤال الأهم يظل دائمًا هو: بمَ يُعَلِّم الكتاب المقدس؟ وإن المعايير العقائدية تعرض الأمور التي حسمتها الكنيسة بالفعل، والتي يعلِّم بها الكتاب المقدس. فهي توفر إطارًا، وبنودًا ثابتة، جرى الاتفاق عليها مُسبقًا، وبالتالي يلزم تطبيقها على الأزمة الجديدة المَعنيَّة. وبذلك، يُمكن الحفاظ على طهارة الكنيسة وسلامها، بأن يحفظ قادة الكنيسة "الْوَدِيعَةَ" التي اؤتُمِنوا عليها (1 تيموثاوس 6: 20)، ويرعوا "كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ" (أعمال الرسل 20: 28).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.