
ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر المزامير
۱۹ فبراير ۲۰۲۵
خمس حقائق يجب أن تعرفها عن مارتن لوثر
۲۸ فبراير ۲۰۲۵ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن رسالة رومية

تركتْ رسالة روميّة تأثيرًا لا يُمحى في حياة شعب الله عبر العصور. فقد كان لاهوتي الكنيسة الأولى أغسطينوس يهرب من الله طول حياته، لكنّ الله استمرّ يسعى وراءه بلا كلَل. وفي أحد الأيّام، كان يجلس في حديقته، وسمع أولاداً يغنّون قائلين: "خُذ واقرأ" (وفي اللاتينيّة tolle lege). ففتح أغسطينوس الكتاب المُقدَّس إلى رومية 13: 13-14، وقرأ: "لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ: لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ، لاَ بِالْمَضَاجعِ وَالْعَهَرِ، لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ. بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ".
وسُئِل مُصلِح القرن السادس عشر مارتن لوثر ذات مرّة هل يحبّ الله. فأجاب لوثر: "أحبّ الله؟ في بعض الأحيان أكرهه". فقد كان لوثر يخاف أن يعاقبه الله بغضِّ النظر عن الجهود التي يبذلها لمحاولة إرضائه. وقد فتح الله عينيه بالروح القدس ليفهم تصريح الرسول بولس الشهير: "لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ. لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ، لإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: ’أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا‘" (رومية 1: 16-17). وهكذا، أدرك لوثر أنّه حين كتب بولس عن برّ الله لم يكن يُشير إلى برّ الله نفسه، بل إلى هبة البرّ التي تأتي إلى الخطاة بالإيمان بالمسيح. وحين فتح الله عينَي لوثر، قال: "شعرتُ أنّني وُلِدتُ ثانيةً، وأن بوّابات الفردوس نفسها انفتحت أمامي".
ولم يكن واعظ القرن الثامن عشر جون وسلي كثير الاهتمام بالإنجيل إلى أن حضر اجتماعًا كان أحدُهم يقرأ من مُقدِّمة لوثر إلى رسالة رومية:
بينما كان (لوثر) يصف التغيير الذي يجريه الله في القلب بالإيمان بيسوع المسيح، قال: "شعرتُ بدفءٍ غريب في قلبي. شعرتُ أنّني وثقتُ بالمسيح، المسيح وحده، في ما يختصّ بالخلاص، ومُنحتُ يقينًا أنَّ خطاياي رُفِعتْ، وأنّه خلَّصني من ناموس الخطيّة والموت."
تؤكِّد هذه المقابلات مع هذا السّفر على ثلاث حقائق يجب أن نعرفها عن رسالة رومية:
1. الإنجيل هبةٌ مجّانيّةٌ من الله.
أولًا، الخلاص هبة مجانيّة. يمتلئ التاريخ بالأديان التي تنادي برسالة الفداء بصفقة تبادُليّة (بينَ الله والإنسان)، إذ عليك أنْ تعمل أعمالًا صالحةً لأجل أنْ تخلصَ. كان هذا هو ما أثقل كاهل لوثر، فخلق في قلبه خوفًا وقلقًا وعداوةً تجاه الله. عرف أنّ الله بارّ، وأنَّ ناموسَه صارم، ولذا ليس من سبيل لعمل ما يكفي من الأعمال الصالحة لتتجاوز وزن خطاياه. وقد صرخ الملك داود إلى الربّ قائلًا: "وَلاَ تَدْخُلْ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ عَبْدِكَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَتَبَرَّرَ قُدَّامَكَ حَيٌّ" (مزمور 143: 2). وقد ظهر الشعورُ نفسُه في أحد مزامير المصاعد: "إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ الآثَامَ يَا رَبُّ، يَا سَيِّدُ، فَمَنْ يَقِفُ؟" (مزمور 130: 3). وقد كان لوثر يدرِك هذه الحقيقة إدراكًا مؤلمًا، ولكنّ الله برحمته فتح عيني لوثر ليرى أنَّ الله أعطى طاعة المسيح الكاملة وألآمه بدلًا منا. ويقول بولس الرسول إنّ انسكاب هذه النعمة هي "هِبَةُ اللهِ" (رومية 6: 23؛ 5: 15-17)، أي أنّها عطيّةٌ مجّانيّةٌ من الله.
2. يُنال الخلاص بالنعمة وحدها، بالإيمان وحده، في المسيح وحده.
ثانيًا، شابه وسلي لوثر في أنّه أدرك، بعمل نعمة الله السياديّة، أنَّ الطريق الوحيد لنوال هبة الخلاص هو بالثّقة بالمسيح وحده لنوال الخلاص. فيكتب الرسول بولس: "وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ، مَشْهُودًا لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ، بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ" (رومية 3: 21-22؛ انظر أيضًا رومية 5: 1؛ 10: 6-7). ويتوسَّع بولس في مواقع أخرى في هذا الحقّ، فيكتب في رسالته إلى أفسس: "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ" (أفسس 2: 8-9).
3. حرَّرنا الإنجيل من الشيطان والخطيّة والموت، لنستطيع أن نسلك في جدّة الحياة.
ثالثًا، حين يخلِّصنا الله بالنعمة وحدها، بالإيمان وحده، في المسيح وحده، فإنّه يفعل هذا لأجل هدفٍ هو أن نسلك في جدّة الحياة، أي أنْ نعيش في القداسة والبرّ. ليست هبتا الإنجيل والإيمان بالمسيح تصريحًا لنا لنخطئ، وهو أمرٌ يرفضه الرسول بولس بكلّ تشديد وحزم:
... أَنَبْقَى فِي الْخَطِيَّةِ لِكَيْ تَكْثُرَ النِّعْمَةُ؟ حَاشَا! ... فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟ (رومية 6: 1-4)
واجه الله أغسطينوس بهذا الحقّ حين سمع الأولاد يغنّون: "خُذْ واقرأ"، ففتح الكتاب المُقدَّس إلى رومية 13: 13-14. كان أغسطينوس يعرف أنّ عليه أن يتوب عن خطاياه، وأنّ نعمة الله في المسيح هي الوحيدة التي تمكّنه من أن يعمل هذا ليحيا في القداسة.
هذه هي الأشياء التي ينبغي أن تعرفها عن رسالة رومية: (1) الإنجيل هبة مجانية من الله، (2) والخلاص هبة ننالها بالنعمة وحدها، بالإيمان وحده، في المسيح وحده، (3) والإنجيل حرَّرنا من الشيطان والخطيّة والموت لنستطيع أن نسلك في جدّة الحياة. تعلَّم أغسطينوس ولوثر ووسلي هذه الحقائق بنعمة الله، وصلاتنا أن يطبعها روح الله القدّوس في قلوبنا نحنُ أيضًا.
هذه المقالة هي جزء من سلسلة "ثلاث حقائق يجب أن تعرفها".
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.