
ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر زكريّا
۲۹ يوليو ۲۰۲۵
ثلاث حقائق يحب أن تعرفها عن رسالة بطرس الأولى
٤ أغسطس ۲۰۲۵ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر ميخا
بقلم جورج جرانت
نبوّة ميخا هي النبوّة السادسة ضمن أسفار الأنبياء الصغار الاثني عشر. أنبأت أقواله النبويّة الثلاثة (ميخا 1: 2 – 2: 13؛ 3: 1 – 5: 15؛ 6: 1 – 7: 20) بدينونة الربّ على مملكة إسرائيل الشماليّة المتمرّدة، ووبّختْ الظلم المنتشر في مملكة يهوذا الجنوبيّة المزدهرة، وأعلنت الرجاء بالمسيّا القادم الموعود به.
1. كان ميخا معاصرًا لإشعياء وهوشع، وقد تشارك معهما في رسالة دعوة إسرائيل إلى التوبة.
خدم ميخا في النصف الثاني من القرن الثامن قبل الميلاد، خلال فترة حُكم يوثام وآحاز وحزقيا، أي بعد جيلٍ من النبيّين عاموس ويونان. كانت تلك الأيّام فترةً مضطربة. فقد غزا الملك الأشوري شلمنأسر السامرةَ ونهبها، وهزم مملكة إسرائيل، وهدّد مملكة يهوذا. وكان الأغنياء يُضايقون الفقراء ويظلمونهم، وقد انتشر الفساد السياسيّ، والانحدار الثقافيّ، والانحراف الروحيّ بصورة خرجت عن السيطرة. ومثل كلّ الأنبياء الآخرين، تشارك ميخا وإشعياء وهوشع برسالة مشتركة هي دعوة شعب الله المختار إلى التوبة. ومثل زكريّا، كانت رسالته إعلان كلام الرب وأحكامه وأوامره بأنّ الشعب سيُؤخَذ إلى السبي ويتوب (زكريا 1: 6). ومثل يوئيل، كانت رسالته أنّ على الشعب أن يلبسوا المسوح وينوحوا (يوئيل 1: 13). ومثل حزقيال، كانت الرسالةُ أن يتوبوا ويتركوا تعديّاتهم وآثامهم، لئلّا تصير خطاياهم هذه سبب تعثُّرهم وسقوطهم (حزقيال 18: 30). وهذا هي لازمة الرجاء المتكرّرة في الأنبياء:
"صِهْيَوْنُ تُفْدَى بِالْحَقِّ (العدل)،
وَتَائِبُوهَا بِالْبِرِّ." (إشعياء 1: 27)
طبعًا لم تكن رسالة التوبة التي نادى بها ميخا رسالةً مُرحَّبًا بها، وإن كانت لازمةَ رجاء. فلم تكن تلك الأيّام أيّامًا يُقبَل الأنبياء فيها، ولم تزل أيّامنا ليست أيّام قبولٍ لهم.
2. بسبب مقاومة الشعب هذه لرسالة التوبة، كثيرًا ما يُصوَّر الأنبياء بدور "المدّعين العامّين" الذين يُرسِلهم الله.
يكون دور النبي في الادّعاء والإدانة واضحًا تمامًا، كما في نبوة ميخا (ميخا 6: 1-8). فتلاحظ هنا كل عناصر مشهد المحكمة الدراميّ، إذ يوجِّه الربُّ الاتّهامات إلى شعبه المختار. تُرفَع القضيّة من عرش السماء نفسه (ميخا 6: 1). وكلّ الخليقة المُحتشِدة، من الجبال والتلال إلى أساسات الأرض، تُستدعى إلى سماع الأدلّة وإلى أن تشهد إجراءات المحاكمة (ميخا 6: 2). وبعد ذلك يقدِّم المدّعي العام أدلّته (ميخا 6: 6-7). كان الشعب قد "أضجر" الربّ وأتعبه (ميخا 6: 3). وهكذا، فإنَّ الاتّهام المُوجَّه ضدّهم كان اتّهامًا جادًّا وخطيرًا: الخيانة. وهذا الاتّهام مبنيّ على أربعة حوادث تتعلَّق بتاريخ فداء الشعب. كان الحدث الأوّل إنقاذهم الدراماتيكيّ من العبوديّة في مصر (ميخا 6: 4). والحدث الثاني هو إقامة الربّ قادةً أتقياء (هم موسى وهارون ومريم) في التيهان في البرّيّة (ميخا 6: 4). والحدث الثالث هو تعطيل لعنات بلعام وتحويلها إلى بَرَكة حين كانوا يوشِكون أن يدخلوا أرض الموعد التي تتدفَّق باللّبن والعسل (ميخا 6: 5). والحدث الرابع هو عبور نهر الأردنّ الذي طال انتظاره، حيث كانت شطّيم آخر محطّة تخييم للشعب شرق نهر الأردنّ، وكانت الجلجال أولّ محطّة تخييم لهم غرب نهر الأردنّ (ميخا 6: 5).
وفي كلّ حالة، كان الله قد أظهر أمانته نحو العهد والتزامه نحوه. وفي عناية الربّ الصالحة، كان قد أجاز وأخرج الشعبَ من كلّ خطر، وسدَّد احتياجهم. ولكنّ الشعب لم يتجاوب بصورة ملائمة، إذْ كانت محبّتهم قد فترت.
لاحظْ أنّ المُتّهمين يقبلون التُّهَم المُوجَّهة إليهم، ولكنّهم يتساءلون عن الطريقة التي بها يمكنهم إصلاح الأمر. ربما بالمُحرَقات؟ ربما بعجول أبناء سنة؟ أو ربما بآلاف الكباش؟ أو بعشرات ألوف أنهار الزيت؟ أو بأبكار أولادهم (ميخا 6: 6-7)؟ لكنّ الملكَ القاضيَ والمُشرِّعَ يجيب بلا، قائلًا إنّه يطلب أمرًا أعظم جدًا وأكثر قيمة من كلّ هذه الأشياء. إنّه لا يريد عطيةً، بل يريد المُعطي:
قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ،
وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ،
إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ،
وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلهِكَ؟ (ميخا 6: 8)
الدعوة إلى التوبة هنا واضحةٌ بصورة لا يمكن الهروب منها. ولذا لا عجب أنّ يسوع لخَّص "أَثْقَلَ النَّامُوسَ" بتكرار ثلاثة الفضائل التي تحدَّث عنها النبي ميخا: الحقّ (العدل) والرحمة والتواضع (متّى 23: 23)، داعيًا الفريسيّين والكتبة إلى التوبة. لكنّ المؤسِف أنّهم لم يقبلوا هذه الدعوة، تمامًا مثلما فعل أسلافهم. وهكذا: "إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ" (يوحنا 1: 11). لكن بالتوبة المتواضعة تحديدًا نجد طريق الرجوع إلى الشفاء والرجاء، وبها نكتسب القدرة على الإصغاء إلى رسالة النعمة.
3. رسالة النعمة مُعلَنة بنفس وضوح رسالة التحذير من الدينونة والدعوة إلى التوبة.
تصدح نبوّة ميخا برجاء الفداء والاسترداد. وقد اقتبس إشعياء وإرميا من ميخا لتكرار وعده النبويّ بأنّه وإن كانت "تُفْلَحُ صِهْيَوْنُ كَحَقْلٍ" و"تَصِيرُ أُورُشَلِيمُ خِرَبًا" فإنّه "يَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ، وَتَجْرِي إِلَيْهِ شُعُوبٌ" (إشعياء 2: 2-4؛ إرميا 26: 17-19؛ ميخا 3: 12 – 4: 3). ويقتبس متّى من ميخا إعلانه عن مجيء المسيح من بيت لحم: "بِعَظَمَةِ اسْمِ الرَّبِّ إِلهِهِ" يرعى رعيته (متّى 2: 6؛ ميخا 5: 2-4). ويقتبس لوقا أيضًا من ميخا (لوقا 12: 53؛ ميخا 7: 6، ولوقا 11: 42-43؛ ميخا 6: 8)، فيصوغ إعلان الخبر السارّ بلغة النبي.
حين ننظر إلى الأمرين معًا، الفداء والاسترداد، تظهر رسالة ميخا إعلانًا موجزًا لعظمة سيادة الله، وطبيعة عهد الله التي لا يُنقض، ويقينيّة عدله، وروعة نعمته الغنيّة.
هذه المقالة هي جزء من سلسلة "ثلاث حقائق يجب أن تعرفها".
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

