ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر الجامعة
۲۱ يناير ۲۰۲۵ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن رسالة أفسس
تبرز رسالة بولس إلى أهل أفسس مع رسالة روميّة بكونهما مثالَين كلاسيكيَّين على فكره. رسالة أفسس سماوية في محتواها، وهي توسُّعية في الحقائق التي تُعلِنها، مع بقائِها سهلة الفهم وعمليّة في ما تقدِّمه من تعاليم. وفي ما يلي ثلاثة أمور عليك أن تعرفها حين تقرأ رسالة الرسول بولس إلى أهل أفسس.
1. رسالة أفسس واسعة وعامة عن قصد.
بخلاف رسالة كولوسي، التي لم يلتقِ بولس بمَن كان يكتب لهم، رعى بولس مؤمني أفسس ثلاث سنوات (أعمال الرسل 20: 31). وخلال ذلك الوقت، علَّم بانتظام في قاعةٍ عامّة لإلقاء المحاضرات (مدرسة)، فوضع بهذا أساسًا واسعًا من التعليم المسيحيّ في أفسس قبل أن يكتب هذه الرسالة (أعمال الرسل 19: 9-10). وهكذا، فإنّ ما يكتبه بولس ليس ردًّا على هرطقةٍ (كما في الرسالة إلى كولوسي)، أو على فضحية علنيّة (كما في رسالتَي كورنثوس الأولى والثانية)، بل هو يكتب جوهر رسالة الإنجيل. رسالة أفسس عامّة بصورة مجيدة ومهيبة. إنّها ملخَّص شامل يعزف النغمات العالية لسنوات تعليمه الإنجيل الذي قدّمه حين كان راعيًا لهم.
يقدِّم ملخَّص بولس المتوازن وظيفتَين عظيمتَين للإيمان: نوال الفداء الذي أنجزه يسوع المسيح، والاستجابة بطاعةٍ جديدة. تقدِّم الأصحاحات 1-3 حقائق الإنجيل. إنها تتحدَّث عن خطط الله الأزليّة بأنْ يبارك شعبه، وبأنَّ حياةً جديدة للذين كانوا موتى روحيًا، وأن يوحِّد الذين كانوا منقسمين وبعيدين في كنيسة واحدة، وأنْ "يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا" (أفسس 1: 3-14؛ 2: 1-10، 11-22؛ 3: 20). جوهر ما تسأله الأصحاحات الثلاثة الأولى هو: هل ستؤمن؟
وفي الأصحاحات الثلاثة الأخيرة، يعرض الرسول بولس الاستجابة الأمينة والمخلِصة للفداء. "سلوك" الإنسان موضوعٌ مهمّ في الرسالة. يظهر هذا التعبير أوّلًا في وصف كيف "سلك" غير المؤمنين في الذنوب والخطايا (أفسس 2: 1-2). ولكنْ بدءًا بأفسس 4، يُدعى المؤمنون إلى أنْ يسلكوا سلوك استجابة الإيمان. يدعو بولس المؤمنين إلى أن يسلكوا كما يليق بالمسيح ويحقّ له (أفسس 4: 1). وبعد ذلك، نقرأ دعواته لهم بألا يسلكوا مثل غير المؤمنين، بل بأن يسلكوا في المحبّة، وبأنْ يسلكوا كأولاد نور، وبأنْ يسلكوا في الحكمة (أفسس 4: 17؛ 5: 2، 8). وهكذا تطرح الأصحاحات 4-6 السؤال: هل ستطيع؟
2. كان مؤمنو أفسس مُهمَّشين.
كان مؤمنو أفسس أقلّيّة صغيرة في مدينة كبيرة وواسعة. كان عدد سكّان أفسس يُقدَّر بمئتي ألف نسمة إلى مئتين وخمسين ألفًا. لم يكن أكبر منها سوى مدينتي أثينا وروما. وكانَتْ الديانة الأبرز في أفسس تتعلّق بعبادة أرطاميس. ولكنْ كانت هناك ديانات وهرطقات كثيرة مختلفة، بما في ذلك عبادة الإمبراطور. ومع أنّه كان يُرحَّب بالديانات الأخرى، لم يكن يُرحَّب بالمسيحيّة. فقد كان يُنظَر إليها بصفتها تهديدًا لكرامة أرطاميس وجلالها وعظمتها (انظر أعمال الرسل 19: 27). وكان مؤمنو أفسس يحملون في ذاكرتهم الحديثة ثورة صائغي الذهب والفضّة، حين تعرَّض بعضهم لهجوم الغوغاء الذين جرّوهم إلى المسرح. كان بعضهم موجودين حين أخذت جماهير غوغائيّة مؤلَّفة من حوالي خمسين ألفًا من الأفسسيّين الغضبى في الصراخ: "عظيمة هي أرطاميس الأفسسيّين!" (أعمال الرسل 19: 23-41). عاش المسيحيّون في أفسس أقلّيّةً في ظلال هيكل أرطاميس، محاطين بممارسات السّحر والعرافة، وتحتَ تهديد العنف المتجدِّد والمتكرِّر.
رُفِض مؤمنو أفسس ليس فقط من العالم الروماني، بل من المجمع أيضًا. وقبل أن يدرِك بقية أهل أفسس وجود بشارة الإنجيل، كان مجمع اليهود قد رفضه، "شاتمين الطريق أمام الجمهور" (أعمال 19: 9). إن تهميش مؤمني أفسس يقف في خلفيَّةً تعليم بولس عن الكنيسة بوصفها بيت الله وجسد المسيح (أفسس 2: 11-22؛ 4: 1-16؛ 5: 23-30). في المسيح، جميع المؤمنين ينتمون إليه. وقد أُعلِن لهم سرُّ مقاصد الله الأزليّة. وهم آمنون.
3. نمت الكنيسة في أفسس وسط حرب روحيّة.
لم تكن المخاطر التي تواجه مسيحيي أفسس تهديدًا بالتعرُّض للعنف الجسدي أو التهميش الاجتماعي فقط، بل كانتْ هجومَ قوى الشّرّ الروحيّة أيضًا. فيحذِّر بولس بشأن "الرؤساء" و"السلاطين" و"ولاة العالم" (أفسس 6: 2). ومعظم المؤمنين يعرفون عن "سلاح الله" الوارد في الأصحاح 6 من الرّسالة. ولكن ربَّما معرفتهم للظّروف الكامنة وراء هذا النص ضعيفة وغير كافية.
كانت أفسس مركزًا لممارسة السّحر (أعمال الرسل 19: 18-19). فقد كانت ترحِّب بالسحرة والعرّافين. كان يُعتقَد أنَّ هؤلاء يستقون القوّة من عبادة أرطاميس والممارسات السحريّة الأخرى. وقد نكون مُجرَّبين بأنْ نقول إنَّ الإله المُزيَّف "ليس شيئًا"، وبالتالي فإنّه لا يشكِّل تهديدًا (1كورنثوس 8: 4)، ولكنّ بولس يصوِّب هذا النّهج الذي يتجاهل التأثيرات الروحيّة، ويحذِّر من أنَّ الشياطين تقف وراء الأصنام والأوثان، وأنَّها تتلقّى عبادة الناس المُقدَّمة لهذه الأصنام (1كورنثوس 10: 20). وبالتالي، كانت أفسس مركزًا للظّلمة الروحيّة والضّغط الشّيطاني.
وبالرغم من التهديد، نمت الكنيسة. فقد كان مؤمنو أفسس أمناء (أفسس 1: 15؛ انظر أيضًا رؤيا 2: 1-3). وقد أظهر الله فيهم وبهم ما يعِدُ به: حين نؤمن ببشارة الإنجيل، فإنّنا "[نُختَم] بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ، الَّذِي هُوَ عُرْبُونُ مِيرَاثِنَا، لِفِدَاءِ الْمُقْتَنَى، لِمَدْحِ مَجْدِهِ" (أفسس 1: 13-14).
هذه المقالة هي جزء من سلسلة "ثلاث حقائق يجب أن تعرفها".
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.