ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر أعمال الرسل
۸ يناير ۲۰۲۵ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن رسالة كورنثوس الأولى
1. كانت كنيسة كورنثوس تمتلئ بالتحدّيّات.
كان الرسول بولس هو مؤسِّس الكنيسة التي في مدينة كورنثوس. أي أنّه كان الأداة البشريّة التي استخدمها الله في ولادة هذه الكنيسة. وقد أتى إلى هذه المدينة في رحلته التبشيريّة الثانية، في بدايات خمسينيّات القرن الأوّل. امتازت هذه المدينة تشكِّل جسرًا برّيًّا يصل ما بين منطقة أخائيّة في الشمال وبيلوبونيس في الجنوب. كانت مدينة تمتَّعت بوجود ميناءَين (لكيوم وكنخريا)، وبحوالي 150 ألفًا من سكّانٍ من مختلف الخلفيّات والأعراق. كانت مأهولة جدًّا، وتتّصف بطابعها الوثني، وفاسدةً أخلاقيًّا لدرجة الفجور.
بدأت خدمة بولس في المجمع، ولكنْ حين ازدادت المُقاومة هناك بصورة كبيرة، واصل في خدمته في بيت رجلٍ يُدعى تيطس يوستس، الذي كان متعبِّدًا لله. لا شكّ أنّه كرز في السّوق وأماكن كثيرة، "وَكَثِيرُونَ مِنَ الْكُورِنْثِيِّينَ إِذْ سَمِعُوا آمَنُوا" (أعمال الرسل 18: 8). شجَّع الله بولس في رؤيا ليليّة على أنْ يستمرّ بالخدمة من دون خوف، لأنّ كثيرين من سكّان المدينة سيؤمنون. وقد استمرّ في خدمته في تلك المدينة مدّة سنة ونصف. وهكذا، لا بدّ أنّها كانت كنيسة كبيرة، تألَّفت من مهتدين كان معظمهم قد عبدوا الأصنام، بالإضافة إلى أقلّيّة صغيرة من اليهود. ويُشير الرسول بولس إلى نفسه بأنّه أبوهم الروحيّ (1كورنثوس 4: 15).
ولكنّ هذه لم تكن كنيسة تسهل الخدمة فيها. فقد كان بعضهم منخرطين في السابق في الممارسات الجنسيّة المنحرفة التي كانت هذه المدينة تشتهر بها، وكان آخرون عابدي أوثان ولصوصًا وسكارى (1كورنثوس 6: 9-11). وعلاوةً على هذا، يُشير الرسول بولس إلى أنّهم كانوا مفتونين بالحكمة اليونانيّة (1كورنثوس 2: 4-5)، وكانوا غير ناضجين (1كورنثوس 3: 1)، ومنتفخين ومتكبّرين ومتعجرفين (1كورنثوس 4: 6؛ 5: 2)، ومتفاخرين (1كورنثوس 5: 6)، ولا يراعون ظروف الآخرين ومشاعرهم (1كورنثوس 6: 1؛ 11: 21-22)، وتطول القائمة. كيف خدم بولس هؤلاء النّاس في هذه الظروف؟
ويجدر الانتباه إلى أنّه من بداية الرسالة، يشكر بولس الله عليهم، ويمتدحهم، ويُشير إلى إدراكه بأنّهم لا يفتقرون إلى أيّة موهبة روحيّة (1كورنثوس 1: 4-7). ولاحقًا، يوضِّح أنّه لم يكتب إليهم ليخجّلهم ويحرِجهم، بل ليحثَّهم بوصفهم أولاده الأحباء (1كورنثوس 4: 14). ومحبّته الراعويّة لهم واضحة في كلّ الرسالة. وقد كانت كلماته الأخيرة في الرسالة: "مَحَبَّتِي مَعَ جَمِيعِكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. آمِينَ" (1كورنثوس 16: 24).
2. محتوى رسالة كورنثوس الأولى أكثر تنوُّعًا في محتواها ومواضيعها من أيّة رسالة أخرى كتبها بولس.
كتب چيه. غريشيم ميتشين (J. Gresham Machen): "تقدِّم رسالة كورنثوس الأولى معلوماتٍ أكثر من أيّ سفر آخر في العهد الجديد عن الشؤون الداخليّة في كنيسةٍ رسوليّة (أي كنيسة أسَّسها رسولٌ). فكورنثوس الأولى هي الرسالة الوحيدة التي تعرِّف بمشكلاتٍ عمليّة عند كنيسة أولى في كل تنوُّعها المُربِك والمُحيِّر".i وتُظهِر قراءة هذه الرسالة تنوُّع موضوعاتها. فقد أُخبِر الرسول بولس عن هذه القضايا من خلال مراسلات له مع طرفين: تقرير وصله من بعض سكّان خلوي، ربما كانوا خدّامًا (1كورنثوس 1: 11)، وتقرير آخر من استفانوس وفرتوناتوس وأخائيكوس، ربّما في شكلِ رسالة بَعَثَتْ بها الكنيسة (1كورنثوس 16: 17).
كانت هناك انشقاقات (1كورنثوس 1: 11-12)، حالة سفاح قربى صاعقة حتّى للوثنيّين (1كورنثوس 5: 1)؛ ومحاكمات لأجلِ قضايا تافهة انتشرت أخبارها (1كورنثوس 6: 1)؛ والحاجة إلى التعليم عن الزواج والطلاق (1كورنثوس 7)، وخلافات حول أكل اللحم الذي ذُبِح لأصنامٍ وثنيّة (1كورنثوس 8: 1 – 11: 1)؛ وقضايا عديدة تتعلَّق بالعبادة واستخدام المواهب الروحيّة (1كورنثوس 12-14)، وإنكار بعض الذين في الكنيسة لحقيقة القيامة (1كورنثوس 15: 12). هذه قائمة بمشاكل صادمة تسبِّب الدوار، وليسَتْ قائمةً كاملة بكلّ القضايا والمشاكل. كانت كنيسة لديها مجموعة كبيرة وواسعة من المسائل والقضايا.
3. مع أنَّ الكورنثيّين ومشاكلهم بعيدةٌ بصورة عامّة عنّا زمنيًّا وثقافيًّا، فإنّ الطريقة التي يتّبعها بولس في التعامل معها ملائمة تمامًا لنا وتخاطِب أوضاعها.
ومرّة أخرى، تستحقّ ملاحظات ميتشين الانتباه إليها:
تتعامل رسالة كورنثوس الأولى مع مشكلاتٍ حقيقيّة وملموسة في كنيسة قديمة. ليست هذه المشكلات مشكلاتنا. ... ولكنّ بولس امتلك قدرةً عظيمة في رؤية حتّى المشاكل السخيفة في ضوء المبادئ الأبديّة. لدينا هناك أمرٌ لافت جدًّا بشأن رسالة كورنثوس الأولى: كلّ مسألة تُناقَش في الرسالة تُمتحَن بنار حقّ الإنجيل. ومن هنا تأتي القيمة الدائمة لهذه الرسالة. كيفيّة تطبيقنا مبادئ بشارة الإنجيل السامية على روتين الحياة اليوميّة مسألة أساسيّة في السّلوك المسيحي. لا يمكن حلّ هذه المشكلة عند أيِّ إنسان بالتفصيل، لأن تفاصيل الحياة متنوِّعة بصورة لا نهاية لها، ولكنّ نهج الحلّ هو ما تقدِّمه لنا رسالة كورنثوس الأولى.ii
هذا تذكيرٌ جيّد بأنّ على كلِّ مؤمن في كلّ زمن وجيل أن يسعى إلى أن يطبِّق الكتاب المُقدَّس على سياقه الخاصّ. ونحنُ نحتاج إلى المعونة لأجل هذا الغرض. ابدأ باستخدام كتابٍ دراسيّ جيّد للكتاب المُقدَّس، مثل "الكتاب المُقدَّس الدراسي الإصلاحي" (Reformation Study Bible). وتفاسير كلّيّة فولر للاهوت متوفّرة عبر الإنترنت، وهي تتراوح ما بين التفاسير البسيطة إلى التفاسير التقنيّة جدًّا. وقد أعدّ كيث ماثيسون (Kieth Mathison) وتيم تشاليز (Tim Challies) وآخرون قوائم بأفضل التفاسير. وتذكَّر دائمًا أنَّ أفضل معونة هي تلك التي تأتي من الله. ومزمور 119: 18 صلاة ممتازة ترفعها إلى الله حينما تقرأ أو تدرس الكتاب المُقدَّس: "اكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ".
هذه المقالة هي جزء من سلسلة "ثلاث حقائق يجب أن تعرفها".
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.