المحاضرة 12: السَبْيُ البِيلاجِيُّ لِلْكَنِيسَةِ

عِنْدَمَا أَلَّفْتُ كِتَابَ "الْإِرَادَةُ لِكَيْ نُؤْمِنَ"، الَذِي بُنِيَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمُحَاضَرَاتُ عَنْ حُرِّيَّةِ الْإِرَادَةِ، أَدْلَيْتُ بِمُلَاحَظَةٍ تَخْمِينِيَّةٍ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لُوثَرُ حَيًّا الْيَوْمَ، يُرَاقِبُ الْعَالَمَ الْإِنْجِيلِيَّ فِي مُجْتَمَعِنَا، لِأَلَّفَ كِتَابًا، غَيْرَ ذَلِكَ الَذِي أَثَارَ جَدَلًا كَبِيرًا فِي أَيَّامِهِ، وَالَذِي دَعَاهُ "السَبْيُ الْبَابِلِيُّ لِلْكَنِيسَةِ". اعْتَقَدَتُ بِأَنَّ الْكِتَابَ الَذِي كَانَ لِيُؤَلِّفَهُ الْيَوْمَ سَيَحْمِلُ عُنْوَانَ "السَبْيُ الْبِيلَاجِيُّ لِلْكَنِيسَةِ". وَسَبَبُ إِدْلَائِي بِهَذَا التَعْلِيقِ التَخْمِينِيِّ هُوَ أَنَّنِي حِينَ أَنْظُرُ حَوْلِي، أُلَاحِظُ تَأْثِيرًا غَيْرَ مَسْبُوقٍ لِلْبِيلَاجِيَّةِ، يَتَجَلَّى فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْعَالَمِ الْإِنْجِيلِيِّ فِي هَذَا الْعَصْرِ. وَبِصَرَاحَةٍ، يُثِيرُ ذَلِكَ قَلَقِي الشَدِيدَ.

هُنَاكَ عِدَّةُ عَوَامِلَ تُسَاهِمُ فِي صَحْوَةِ الْفِكْرِ الْبِيلَاجِيِّ الَذِي اجْتَاحَ الْكَنِيسَةَ، لَكِنْ بِالتَأْكِيدِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْعَوَامِلِ الْمُسَاهِمَةِ هُوَ خِدْمَةُ وَعَمَلُ وَلَاهُوتُ قِسٍّ مِنَ الْقَرْنِ التَاسِعَ عَشَرَ يُدْعَى تْشَارْلْزْ فِينِي (Charles Finney). مُؤَخَّرًا، أُعِيدَ إِصْدَارُ كِتَابِ "اللَاهُوتُ النِظَامِيِّ" لِتْشَارْلِزْ فِينِي فِي طَبْعَةِ عَامِ 1994. وَعَلَى غِلَافِ الْكِتَابِ، وُصِفَ بِأَنَّهُ "أَعْظَمُ صَانِعِ نَهْضَةٍ فِي أَمْرِيكَا". يَرَى كَثِيرُونَ أَنَّ فِينِي هُوَ مُؤَسِّسُ الْكِرَازَةِ الْجَمَاعِيَّةِ الْحَدِيثَةِ. وَقِيلَ عَنْ تْشَارْلِزْ فِينِي إِنَّهُ مِنْ خِلَالِ خِدْمَتِهِ الْكِرَازِيَّةِ فِي الْقَرْنِ التَاسِعَ عَشَرَ، قَادَ أَكْثَرَ مِنْ 500 أَلْفِ نَفْسٍ إِلَى الْمَسِيحِ. وَأَصْبَحَ أُسْلُوبُهُ فِي الْكِرَازَةِ هُوَ الْبِنْيَةُ الْأَسَاسِيَّةُ لِلْكِرَازَةِ الْجَمَاعِيَّةِ فِي أَمْرِيكَا مُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ. وَكَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ كَبِيرٌ، مَثَلًا، عَلَى بِيلِي سَانْدَايْ (Billy Sunday)، الَذِي كَانَ مَعْرُوفًا فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، وَعَلَى الْكَارِزِينَ اللَاحِقِينَ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا.

لَكِنْ فِي أَيَّامِهِ، تَعَرَّضَ لِانْتِقَادَاتٍ لَاهُوتِيَّةٍ لَاذِعَةٍ مِنْ بَعْضِ اللَاهُوتِيِّينَ الْأَكْثَرِ عِلْمًا فِي تِلْكَ الْحِقْبَةِ. كَتَبَ الدُكْتُورُ بِي. بِي. وَارْفِيلْدْ (B.B. Warfield) مِنْ بْرِينْسْتُونْ (Princeton) ذَاتَ مَرَّةٍ عَنْ فِينِي يَقُولُ: "يُمْكِنُ حَذْفُ اللَّهِ تَمَامًا مِنْ لَاهُوتِهِ" -أَيْ لَاهُوتِ فِينِي- "دُونَ أَنْ يَتَأَثَّرَ ذَلِكَ اللَاهُوتُ". هَذَا نَقْدٌ لَاذِعٌ، أَنْ تَقُولَ إِنَّهُ يُمْكِنُ حَذْفُ اللَّهِ تَمَامًا مِنْ لَاهُوتِ أَحَدِهِمْ دُونَ أَنْ يُحْدِثَ ذَلِكَ تَغْيِيرًا فِي لَاهُوتِهِ. وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأُعْلِمَكُمْ بِأَنَّ الْبَعْضَ فِي أَيَّامِهِ انْتَقَدُوا تَعْلِيمَهُ بِشِدَّةٍ.

فِي هَذَا الْعَصْرِ، الدُكْتُورُ رُوبَرْتْ جُودْفْرِي (Dr. Robert Godfrey)، رَئِيسُ كُلِّيَّةِ وَسْتْمِنِسْتِرْ لِلَاهُوتِ فِي إِسْكَانْدِيدُو (Escondido) بِكَالِيفُورْنِيَا، وَهُوَ أَيْضًا مُؤَرِّخٌ كَنَسِيٌّ، عَلَّقَ قَائِلًا إِنَّهُ حِينَ كَانَ يُعَلِّمُ طُلَّابَهُ عَنْ لَاهُوتِ تْشَارْلِزْ فِينِي، كَانَ يَحْرِصُ عَلَى مَرِّ السِنِينَ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ كِتَابَاتِ فِينِي نَفْسِهِ، وَقَالَ إِنَّ السَبَبَ هُوَ: "لِأَنَّنِي تَعَلَّمْتُ أَنَّ الطُلَّابَ لَنْ يُصَدِّقُوا كَلَامِي كَمَا هُوَ. وَمَا لَمْ أُوثِّقْهُ بِتَكْلِيفِهِمْ بِقِرَاءَةِ الْكَلَامِ الَذِي كَتَبَهُ فِينِي بِنَفْسِهِ، سَيَشُكُّونَ تَمَامًا فِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ قَدْ عَلَّمَ بِمَا عَلَّمَهُ فِينِي، وَظَلَّ مَعَ ذَلِكَ يَحْظَى بِالِاحْتِرَامِ وَالشُهْرَةِ دَاخِلَ الْأَوْسَاطِ الْإِنْجِيلِيَّةِ اللَذَيْنِ يَحْظَى بِهِمَا الْيَوْمَ". وَتَابَعَ جُودْفْرِي قَائِلًا إِنَّهُ، بِحَسْبِ رَأْيِهِ، لَمْ يَأْتِ لَاهُوتِيٌّ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ الْمَسِيحِيَّةِ كَانَ أَكْثَرَ ثَبَاتًا عَلَى الْبِيلَاجِيَّةِ -لَيْسَ شِبْهَ البِيلَاجِيَّةِ، بَلِ الْبِيلَاجِيَّةُ- مِنْ فِينِي نَفْسِهِ. وَفِي الْوَاقِعِ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ إِلَى حَدٍّ مَا إِنَّ فِينِي فَاقَ بِيلَاجْيُوسْ نَفْسَهِ. وَسَنَرَى الْمَدَى الَذِي وَصَلَ إِلَيْهِ.

مَرَّةً أُخْرَى، سَبَبُ إِصْرَارِ الدُكْتُور جُودْفْرِي عَلَى أَنْ يَقْرَأَ الطُلَابُ كِتَابَاتِ فِينِي نَفْسَهَا - وَأَنْصَحُكُمْ بِفِعْلِ الْأَمْرِ نَفْسِهِ، بِأَنْ تُمْسِكُوا كِتَابَهُ "اللَاهُوتُ النِظَامِيُّ"، وَتُفَتِّشُوا فِيهِ بِأَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَكْتَفُوا بِكَلَامِي عَمَّا قَالَهُ فِينِي أَوْ عَلَّمَهُ. فَالسَبَبُ الَذِي دَعَا جُودْفْرِي إِلَى فِعْلِ ذَلِكَ، وَاَلَذِي يَدْعُونِي إِلَى أَنْ أَنْصَحَكُمْ بِفِعْلِ الْأَمْرِ نَفْسِهِ، هُوَ أَنَّ تْشَارْلْزْ فِينِي بَطَلٌ إِنْجِيلِيٌّ حَقِيقِيٌّ. لَكِنَّ السُؤَالَ الَذِي يُرَاوِدُنِي بَيْنَمَا أَقْرَأُ كِتَابَاتِ فِينِي هُوَ إِنْ كَانَ فِينِي إِنْجِيلْيًّا مِنَ الْأَسَاسِ. فَبِحَسْبِ التَارِيخِ، حِينَ نُفَكِّرُ فِي مَعْنَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ إِنْجِيلِيًّا، لَسْنَا نُدْرِجُ الْبِيلَاجِيِّينَ عَادَةً تَحْتَ هَذِهِ الْفِئَةِ، وَلَسْنَا نُدْرِجُ تَحْتَ فِئَةِ الْإِنْجِيلِيِّينَ أُنَاسًا يُنْكِرُونَ فِي ثَبَاتٍ وَحَزْمٍ النَظَرِيَّةَ الْبَدَلِيَّةَ الِاسْتِرْضَائِيَّةَ لِلْكَفَّارَةِ. لَكِنَّ الْأَهَمَّ هُوَ أَنَّ مُصْطَلَحَ "إِنْجِيلِيٍّ" اسْتُخْدِمَ عَبْرَ التارِيخِ لِوَصْفِ الْبْرُوتِسْتَانْتِيِّينَ الَذِينَ يَعْتَنِقُونَ الْعَقِيدَةَ الْكِتَابِيَّةَ لِلتَبْرِيرِ بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ. وَدُعِيَ الْإِنْجِيلِيُّونَ "إِنْجِيلِيِّينَ" أَوَّلًا فِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ. وَالْكَلِمَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كَلِمَةِ "إِنْجِيلٍ" فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ صِفَةً تُنْسَبُ إِلَى أَشْخَاصٍ. فَإِنَّ "الْإِنْجِيلِيَّ" هُوَ شَخْصٌ يَقْبَلُ رِسَالَةَ الْإِنْجِيلِ مِثْلَمَا قَدَّمَهَا الْمُصْلِحُونَ الْبُرُوتِسْتَانْتِيُّونَ، وَالَتِي تَتَعَلَّقُ بِعَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ.

إِذَا صَرَفْتُمْ بَعْضَ الْوَقْتِ فِي قِرَاءَةِ "اللَاهُوتِ النِظَامِيِّ" لِتْشَارْلِزْ فِينِي، سَتَكْتَشِفُونَ أَنَّهُ يَسْتَفِيضُ فِي اعْتِرَاضِهِ عَلَى عَقِيدَةِ التَبْرِيرِ الْقَضَائِيِّ، وَعَلَى عَقِيدَةِ "سُولَا فِيدِي". عَلَى سَبِيلِ الْمُرَاجَعَةِ، عَقِيدَةُ "سُولَا فِيدِي"، أَوْ "التَبْرِيرُ بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ"، تَقُولُ إِنَّهُ حِينَ يَلْتَفِتُ الْخَاطِئُ إِلَى الْمَسِيحِ بِإِيمَانٍ، وَيَضَعُ ثِقَتَهُ فِي الْمَسِيحِ دُونَ سِوَاهُ، يُعْلِنُ اللَّهُ قَضَائِيًّا بِرَّ هَذَا الْخَاطِئِ، بِفَضْلِ الِاحْتِسَابِ، أَوْ انْتِقَالِ اسْتِحْقَاقِ الْمَسِيحِ وَبَرِّهِ إِلَى الْحِسَابِ الْقَانُونِيِّ لِلْخَاطِئِ، الَذِي يَفْتَقِرُ إِلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَإِلَى أَيِّ بَرٍّ فِي ذَاتِهِ.

بِحَسْبِ رَأْيِ فِينِي، هَذِهِ النَظْرَةُ لِلتَبْرِيرِ هِيَ تَشْوِيهٌ لِلْعَدْلِ الْإِلَهِيِّ. فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُصَدِرَ اللَّهُ حُكْمًا قَضَائِيًّا بِتَبْرِيرِ أَحَدِهِمْ، بَيْنَمَا هُوَ فِعْلِيًّا لَيْسَ بَارًّا فِي ذَاتِهِ. وَفِي هَذَا الصَدَدِ، اشْتَرَكَ فِينِي فِي اعْتِرَاضِهِ عَلَى التَبْرِيرِ الْقَضَائِيِّ مَعَ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ فِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ.

قَالَ فِينِي عَنْ تَبْرِيرِ الْخَاطِئِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُبَرِّرُ الْخُطَاةَ، لَكِنَّهُ يَصْفَحُ عَنْهُمْ. فَهُوَ لَا يُعْلِنُ بِرَّهُمْ. وَقَالَ فِينِي إِنَّ عَقِيدَةَ الْبِرِّ الْمُحْتَسَبِ "مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَكْثَرِ الِافْتِرَاضَاتِ زَيْفًا وَلَامَعْقُولِيَّةً. فَاسْتِحْقَاقُ الْمَسِيحِ لَيْسَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ، هُوَ أَسَاسُ خَلَاصِنَا". إِذَنْ، دُونَ شَكٍّ، رَفَضَ تْشَارْلِزْ فِينِي عَقِيدَةَ الِاحْتِسَابِ، وَرَفَضَ مَعَهَا الْعَقِيدَةَ الْبُرُوتِسْتَانْتِيَّةَ الْعَرِيقَةَ لِلتَبْرِيرِ بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ.

دَعُونِي أُرَاجِعُ ذَلِكَ قَلِيلًا. إِذَا كَانَتْ "سُولَا فِيدِي"، أَوْ عَقِيدَةُ التَبْرِيرِ بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ، بَنْدًا أَسَاسِيًّا فِي الْإِنْجِيلِيَّةِ التَارِيخِيَّةِ، وَقَدْ رَفَضَهَا تْشَارْلِزْ فِينِي، فَالسُؤَالُ الْبَدِيهِيُّ هُوَ: كَيْفَ يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ إِنْجِيلِيًّا؟ وَفِي الْوَاقِعِ، يُمْكِنُ طَرْحُ سُؤَالٍ أَعْمَقَ مِنْ ذَلِكَ: فَإِذَا كَانَتْ "سُولَا فِيدِي" تَعْكِسُ الْإِنْجِيلَ الْكِتَابِيَّ بِدِقَّةٍ، وَقَدْ رَفَضَ تْشَارْلِزْ فِينِي الْإِنْجِيلَ الْكِتَابِيَّ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ نَدْعُوَهُ مَسِيحِيًّا؟ رُبَّمَا يَكُونُ مَسِيحِيًّا بِسَبَبِ إِعْجَابِهِ الشَدِيدِ بِفَضَائِلِ يَسُوعَ. وَبِصِفَتِهِ مُحَامِيًا ضَلِيعًا، اسْتَخْدَمَ شَتَّى وَسَائِلِ الْإِقْنَاعِ الَتِي أُتِيحَتْ لَهُ، وَتَوَلَّى مُهِمَّةَ جَذْبِ الْبَشَرِ لِيَكُونُوا أَتْبَاعًا لِيَسُوعَ، لَكِنْ لَيْسَ بِالْمَعْنَى الْكِتَابِيِّ لِمَفْهُومِ أَتْبَاعِ يَسُوعَ. فَقَدْ كَانَ مَاهِرًا فِي أُسْلُوبِهِ الْكِرَازِيِّ وَفِي وَسَائِلِ الْإِقْنَاعِ.

أَتَذَكَّرُ أَنَّهُ فِي السَنَةِ الْأُولَى مِنْ إِيمَانِي، جَاءَ كَارِزٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ لِي شَخْصِيًّا: "دَعْنِي أَجْلِسُ مَعَ أَيِّ شَخْصٍ عَلَى انْفِرَادٍ لِمُدَّةِ رُبْعِ سَاعَةٍ، وَسَأَجْعَلُهُ يَتَّخِذُ قَرَارًا بِاتِّبَاعِ الْمَسِيحِ". كُنْتُ حَدِيثَ الْإِيمَانِ، لَكِنْ أَذْهَلَنِي هَذَا التَصْرِيحُ. فَكَيْفَ يَظُنُّ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُودَ أَيَّ شَخْصٍ إِلَى الْمَسِيحِ فِي غُضُونِ رُبْعِ سَاعَةٍ؟ فَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَمْزَحُ. بَلْ كَانَ جَادًّا. وَكَانَ عَلَى قَنَاعَةٍ بِأَنَّ كُلَّ مَا يَلْزَمُ لِاقْتِيَادِ أَحَدِهِمْ إِلَى الْمَسِيحِ هُوَ حُجَّةٌ جَيِّدَةٌ، وَسَلِيمَةٌ، وَمُقْنِعَةٌ. وَبِحَسَبِ قُوَّةِ هَذِهِ الْحُجَّةِ الْمُقْنَعَةِ وَحْدَهَا، يُمْكِنُ دَفْعُ أَحَدِهِمْ إِلَى اتِّخَاذِ قَرَارٍ بِاتِّبَاعِ الْمَسِيحِ.

يُسَمَّى ذَلِكَ، بِصِفَةٍ عَامَّةٍ، "كِرَازَةَ الْقَرَارِ"، حَيْثُ تَتَمَحْوَرُ الْكِرَازَةُ بِرُمَّتِهَا حَوْلَ إِقْنَاعِ أَحَدِهِمْ بِمُمَارَسَةِ إِرَادَتِهِ لِاتِّخَاذِ قَرَارٍ بِاتِّبَاعِ الْمَسِيحِ.

لَا بَأْسَ أَنْ نُحَاوِلَ أَنْ نَكُونَ مُقْنِعِينَ قَدْرَ الْإِمْكَانِ عِنْدَ دَعْوَةِ النَاسِ لِقُبُولِ الْمَسِيحِ. فَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ كِرَازَةَ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ دَعَتِ النَاسَ إِلَى قُبُولِ الْمَسِيحِ، وَمِنْ هَذِهِ النَاحِيَةِ، اسْتَعْمَلَ الْكَارِزُونَ كُلَّ وَسِيلَةٍ مُقْنِعَةٍ لَدَيْهِمْ. لَكِنَّهُمْ أَخْبَرُونَا فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ بِأَنَّ فَاعِلِيَّةَ الْإِنْجِيلِ لَا تَكْمُنُ فِي فَصَاحَةِ الْبَشَرِ، أَوْ فِي حُجَجِهِمْ الْمُقْنِعَةِ، وَإِنَّمَا فِي شَخْصِ الرُوحِ الْقُدُسِ وَعَمَلِهِ، الَذِي يُطَبِّقُ الْإِنْجِيلَ فِي قُلُوبِ الْمُسْتَمِعِينَ. لَكِنْ هُنَاكَ مَنْ يُؤْمِنُونَ حَقًّا بِأَنَّ الرُوحَ الْقُدُسَ لَيْسَ ضَرُورِيًّا، وَبِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدِهِمْ أَنْ يَتَجَدَّدَ بِالرُوحِ الْقُدُسِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى اللَّهِ.

قَبْلَ أَنْ أَقُولَ الْمَزِيدَ عَنْ ذَلِكَ بِحَسْبِ مَنْظُورِ فِينِي، لِنَنْتَقِلْ إِلَى الْفِكْرَةِ التَالِيَةِ، الْمُتَعَلِّقَةِ بِرَأْيِهِ عَنِ الْكَفَّارَةِ. فَقَدْ رَفَضَ تَمَامًا الرَأْيَ الْبَدَلِيَّ الِاسْتِرْضَائِيَّ عَنِ الْكَفَّارَةِ، بِنَاءً عَلَى أُسُسٍ قَانُونِيَّةٍ. فَقَالَ إِنَّهُ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يَتَمَتَّعَ أَحَدٌ بِاسْتِحْقَاقٍ إِضَافِيٍّ، يُمْكِنُ نَقْلُهُ قَضَائِيًّا إِلَى شَخْصٍ يَفْتَقِرُ إِلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ الْمَسِيحُ قَدْ عَاشَ حَيَاةً كَامِلَةً، يُحْسَبُ كَمَالُهُ لَهُ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ لِشَخْصٍ آخَرَ. وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ نَفْسِهِ، لَمْ يَكُنْ بِإِمْكَانِهِ إِرْضَاءُ عَدْلِ اللَّهِ بِحَمْلِهِ لِخَطَايَانَا، وَاحْتِسَابِ ذَنْبِنَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ اللَّهُ عَادِلًا، وَإِنْ كَانَ يُطَبِّقُ شَرِيعَةَ اللَّهِ بِدِقَّةٍ، فَلَنْ يَقْبَلَ أَنْ يَدْفَعَ أَحَدٌ حَيَاتَهُ عَنْ حَيَاةِ شَخْصٍ آخَرَ. وَلِهَذَا رَفَضَ تَمَامًا الْجَانِبَ الْبَدَلِيَّ لِلْكَفَّارَةِ، وَكَذَلِكَ الْبُعْدَ الِاسْتِرْضَائِيَّ لِلْكَفَّارَةِ - وَكِلَاهُمَا عَقِيدَتَانِ أَسَاسِيَّتَانِ فِي الْمَسِيحِيَّةِ الْكْلَاسِيكِيَّةِ وَالْعَرِيقَةِ.

وَفِي الْمُقَابِلِ، تَبَنَّى مَا يُعْرَفُ بِاسْمِ "النَظَرِيَّةِ الْحُكُومِيَّةِ" لِلْكَفَّارَةِ، أَوْ مَا يُعْرَفُ أَحْيَانًا بِاسْمِ "رَأْيِ التأْثِيرِ الْأَخْلَاقِيِّ" عَنِ الْكَفَّارَةِ. فَبِحَسَبِ رَأْيِ فِينِي، الْمَسِيحُ لَمْ يُرْضِ عَدْلَ اللَّهِ. وَبِكَلِمَاتِ فِينِي، تَحَدَّثَ عَنْ "نَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ إِرْضَاءِ الْعَدَالَةِ الْعَامَّةِ". فَمِنْ خِلَالِ الصَلِيبِ وَإِيقَاعِ الدَيْنُونَةِ عَلَى الْمَسِيحِ، أَظْهَرَ اللَّهُ لِلْعَالَمِ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْخَطِيَّةَ عَلَى مَحْمَلِ الْجِدِّ، وَأَنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَأْخُذَ الْخَطِيَّةَ عَلَى مَحْمَلِ الْجِدِّ. وَإِنْ لَمْ نَتُبْ عَنْ خَطَايَانَا، سَيَحِلُّ عَلَيْنَا غَضَبُ اللَّهِ الْعَادِلُ. كَذَلِكَ، يُخَلِّصُنَا اللَّهُ بِالصَفْحِ عَنَّا، وَلَيْسَ بِتَبْرِيرِنَا عَلَى أَسَاسِ بِرِّ شَخْصٍ آخَرَ. لَكِنَّهُ يَصْفَحُ عَنَّا. وَيُمْكِنُ لِحَقِيقَةِ أَنَّ اللَّهَ يَصْفَحُ عَنَّا بِرَحْمَتِهِ أَنْ تَقُودَ النَاسَ إِلَى الِاسْتِهَانَةِ بِالشَرِيعَةِ وَالْبِرِّ، وَإِلَى انْعِدَامِ حَاجَتِهِمْ إِلَى التَوْبَةِ، ظَنًّا مِنْهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَأْخُذُ الْخَطِيَّةَ عَلَى مَحْمَلِ الْجِدِّ. وَكَيْ يُظْهِرَ لِلْعَالَمِ أَنَّ اللَّهَ يَأْخُذُ الْخَطِيَّةَ عَلَى مَحْمَلِ الْجِدِّ، حَدَثَ الصَلِيبُ. لَكِنَّ الصَلِيبَ لَيْسَ فِدَائِيًّا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ تُصْنَعْ فِيهِ كَفَّارَةٌ لِأَجْلِكَ وَلِأَجْلِي. لَكِنَّهُ يُظْهِرُ لِلْعَالَمِ مَدَى جِدِّيَّةِ دَعْوَتِنَا إِلَى الْبِرِّ، وَمَدَى خُطُورَةِ الشَرِّ. فَهُوَ مِثَالٌ تَوْضِيحِيٌّ يَقْضِي عَلَى التَوَجُّهِ الِاسْتِبَاحِيِّ. وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِمُصْطَلَحِ "إِرْضَاءِ الْعَدَالَةِ الْعَامَّةِ". فَهُوَ يُحَذِّرُ مِنَ الظَنِّ بِأَنَّهُ بِمَا أَنَّ اللَّهَ رَحُومٌ وَرَؤُوفٌ، يَصِيرُ لَدَيْنَا تَصْرِيحٌ بِارْتِكَابِ الْخَطِيَّةِ.

إِذَنْ، كَانَ جَوْهَرُ كِرَازَةِ فِينِي وَتَعْلِيمِهِ هُوَ دَعْوَةُ النَاسِ إِلَى تَغْيِيرِ حَيَاتِهِمْ، وَالتَحْسِينِ مِنْ سُلُوكِهِمْ، وَالتَوَقُّفِ عَنِ ارْتِكَابِ الْخَطِيَّةِ، وَالسُلُوكِ بِالطَاعَةِ وَالْبِرِّ، لِأَنَّ فِينِي رَأَى أَنَّ الْوَسِيلَةَ الْوَحِيدَةَ لِيُبَرِّرَ اللَّهُ أَحَدَهُمْ هِيَ أَنْ يَتَقَدَّسَ أَوَّلًا. فَلَنْ يُعْلِنَ اللَّهُ بِرَّ أَحَدِهِمْ إِلَّا حِينَ يَكُونُ بَارًّا بِالْفِعْلِ.

إِذَنْ، بِحَسَبِ فِينِي، التَبْرِيرُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَقْدِيسِ. لَكِنْ بِحَسَبِ اللَاهُوتِ الْبُرُوتِسْتَانْتِيِّ الْكْلَاسِيكِيِّ، التَقْدِيسُ نَاتِجٌ عَنِ التَبْرِيرِ، وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى تَبْرِيرِنَا. فَإِنَّنَا نَتَبَرَّرُ بِفَضْلِ بِرِّ الْمَسِيحِ. ثُمَّ تُشِيرُ عَمَلِيَّةُ تَقْدِيسِنَا إِلَى كَيْفِيَّةِ مُشَابَهَتِنَا لِصُورَةِ الْمَسِيحِ. لَمْ يَكُنْ هَذَا رَأْيَ فِينِي. فَقَدْ قَالَ إِنَّهُ عَلَى الشَخْصِ أَنْ يَتَجَدَّدَ بِتَوَقُّفِهِ عَنِ ارْتِكَابِ الْخَطِيَّةِ، وَالرُجُوعِ عَنْهَا، وَالْمَجِيءِ إِلَى الْمَسِيحِ، وَالسُلُوكِ بِالِاسْتِقَامَةِ، وَبِأَنْ يَكُونَ بَارًّا. وَفَقَطْ حِينَ يَكُونُ بَارًّا، يُعْلِنُ اللَّهُ بِرَّهُ.

عَلَى نَقِيضِ فِكْرِ إِدْوَارْدْزْ، وَاللَاهُوتِ الْكْلَاسِيكِيِّ، يَكْمُنُ جَوْهَرُ لَاهُوتِ فِينِي فِي رَفْضِهِ الْقَاطِعِ لِلْخَطِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ. فَنَظِيرُ بِيلَاجْيُوسْ مِنْ قَبْلِهِ، أَقَرَّ فِينِي بِأَنَّ الْبَشَرَ يُخْطِئُونَ، لَكِنْ لَيْسَ بِسَبَبِ وُجُودِ فَسَادٍ مُتَأَصِّلٍ فِي طَبِيعَتِهِمْ. لَكِنَّهُمْ يُخْطِئُونَ نَتِيجَةَ مُمَارَسَتِهِمْ لِإِرَادَتِهِمْ. فَالْإِنْسَانُ، فِي حَالَتِهِ الطَبِيعِيَّةِ، الَتِي يُولَدُ بِهَا، لَدَيْهِ كُلٌّ مِنَ الْقُدْرَةِ الطَبِيعِيَّةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَارًّا، وَكَذَلِكَ الْقُدْرَةِ الْأَخْلَاقِيَّةِ.

فِي فَتْرَةٍ مُبَكِّرَةٍ، انْبَهَرَ فِينِي بِتَعَالِيمِ جُونَاثَانْ إِدْوَارْدْزْ. لَكِنْ بِحُلُولِ وَقْتِ كِتَابَةِ "اللَاهُوتُ النِظَامِيُّ"، كَانَ قَدْ تَحَوَّلَ إِلَى انْتِقَادِ لَاهُوتِ جُونَاثَانْ إِدْوَارْدْزْ، وَلَا سِيَّمَا تَمْيِيزِ إِدْوَارْدِزْ بَيْنَ الْقُدْرَةِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَالْقُدْرَةِ الطَبِيعِيَّةِ. قَالَ إِدْوَارْدْزْ إِنَّ لَدَيْنَا الْقُدْرَةَ الطَبِيعِيَّةَ عَلَى الِاخْتِيَارِ، لَكِنْ لَيْسَتْ لَدَيْنَا الْقُدْرَةُ الْأَخْلَاقِيَّةُ عَلَى فِعْلِ أُمُورِ اللَّهِ. رَفَضَ فِينِي ذَلِكَ تَمَامًا، قَائِلًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَا تَزَالُ لَدَيْهِ، فِي طَبِيعَتِهِ، وَبِدُونِ مُسَاعَدَةِ النِعْمَةِ، الْقُدْرَةُ عَلَى السُلُوكِ فِي طَاعَةٍ تَامَّةٍ. وَفِي هَذَا الصَدَدِ، كَانَ بِيلَاجِيًّا حَتَّى النُخَاعِ.

وَقَدْ عَرَّفَ التَجْدِيدَ بِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ يَحْدُثُ بِقَرَارٍ مِنَ الْإِنْسَانِ. وَهُوَ تَغْيِيرٌ فِي الْفِكْرِ، وَالسُلُوكِ، يَحْدُثُ حِينَ يَقْتَنِعُ الشَخْصُ بِحَاجَتِهِ إِلَى التَغْيِيرِ، وَيُقَرِّرُ أَنْ يَتَغَيَّرَ.

دَعُونِي أَقْرَأُ لَكُمْ مَا قَالَهُ فَينِي نَفْسُهُ فِي رَأْيِهِ عَنِ التَجْدِيدِ. قَالَ: "يَتَمَثَّلُ التَجْدِيدُ فِي تَغَيُّرِ تَوَجُّهِ الْإِرَادَةِ، أَوْ تَغَيُّرِ قَرَارِهَا النِهَائِيِّ، أَوْ مَا تُفَضِّلُهُ". ثُمَّ قَالَ: "هَذَا التَغَيُّرُ سَلْبِيٌّ وَإِيجَابِيٌّ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ". مَا مَعْنَى ذَلِكَ؟ أَوْضَحَ ذَلِكَ قَائِلًا: "هُوَ سَلْبِيٌّ مِنْ حَيْثُ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ الَذِي يُقَدِّمُهُ الرُوحُ الْقُدُسُ. أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ لَيْسَتْ جُزْءًا مِنَ التَجْدِيدِ، لَكِنَّهَا مُتَزَامِنَةٌ مَعَ التَجْدِيدِ. وَهِيَ تُحْدِثُ التَجْدِيدَ. فَهِيَ شَرْطٌ وَسَبَبٌ لِلتَجْدِيدِ. وَبِالتَالِي، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَخْصُ الْخَاضِعُ لِلتَجْدِيدِ مُسْتَقْبِلًا أَوْ مُتَلَقِّيًا سَلْبِيًّا لِلْحَقِّ الَذِي يُقَدِّمُهُ الرُوحُ الْقُدُسُ، فِي لَحْظَةٍ، وَفِي أَثْنَاءِ التَجْدِيدِ. ثُمَّ يَعْمَلُ الرُوحُ الْقُدُسُ فِيهِ بِوَاسِطَةِ الْحَقِّ. وَحَتَّى الْآنَ، يَظَلُّ سَلْبِيًّا. ثُمَّ حِينَ يَقْبَلُ الْحَقَّ، يَصِيرُ إِيجَابِيًّا. فَلَا يَسْتَطِيعُ اللَّهُ أَوْ أَيُّ كَائِنٍ آخَرَ أَنْ يُجَدِّدَهُ مَا لَمْ يَتَحَوَّلْ عَنْ طَرِيقِهِ. فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ مِنْ قَرَارِهِ، مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يَتَغَيَّرَ، لِأَنَّ التَجْدِيدَ هُوَ تَغْيِيرٌ لِلْقَرَارِ".

أَتَسْمَعُونَ مَا يَقُولُهُ؟ إِنَّنَا نَكُونُ سَلْبِيِّينَ فِي فَهْمِنَا وَمَعْرِفَتِنَا لِمَا يُعَلِّمُهُ الرُوحُ الْقُدُسُ. وَلِهَذَا مِنَ الْمُهِمِّ أَنْ يَكُونَ الْكَارِزُ مُقْتَنِعًا وَوَاضِحًا فِي حُجَّتِهِ، حَتَّى يُغَيِّرَ فِكْرَ الشَخْصِ، بِحَيْثُ يَتَّخِذُ الْقَرَارَ السَلِيمَ. لَكِنْ، لَا حَاجَةَ إِلَى اجْتِيَاحِ الرُوحِ الْقُدُسِ لِلْقَلْبِ أَوِ النَفْسِ، حَتَّى يُغَيِّرَ مِنْ طَبِيعَةِ الْخَاطِئِ الْجَوْهَرِيَّةِ، كَيْ يَتُوبَ. فَالْأَمْرُ يَتَعَلَّقُ فَقَطْ بِقَرَارٍ، تَتَّخِذُهُ إِرَادَةٌ لَمْ تَعُدْ، أَوْ لَمْ تَكُنْ يَوْمًا، مُسْتَعْبَدَةً لِلْخَطِيَّةِ.

فَالْإِنْسَانُ الطَبِيعِيُّ، بِحَسْبِ فِينِي، حَيٌّ وَعَلَى مَا يُرَامُ. فَهُوَ مُصَابٌ بِمَرَضِ اتِّخَاذِ الْقَرَارَاتِ الْخَاطِئَةِ، لَكِنْ يُمْكِنُهُ التَعَافِي بِقَرَارٍ أَخْلَاقِيٍّ مِنْهُ. هَذِهِ النَظْرَةُ لِلرُجُوعِ إِلَى اللَّهِ أَصْبَحَتْ، وَفْقًا لِاسْتِطْلَاعَاتِ الرَأْيِ، سَائِدَةً فِي غَالِبِيَّةِ الْكَنَائِسِ الَتِي تَدَّعِي كَوْنَهَا إِنْجِيلِيَّةً. وَأَعْتَقِدُ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْبِدَايَةِ، أَنَّ الْمُشْكِلَةَ الَتِي نُوَاجِهُهَا هِيَ تُسَرُّبُ نَظْرَةٍ وَثَنِيَّةٍ عَنِ الْإِنْسَانِ إِلَى الْمُجْتَمَعِ الْمَسِيحِيِّ، وَنَظْرَةٍ وَثَنِيَّةٍ وَإِنْسَانَوِيَّةٍ عَنِ الْإِرَادَةِ، تُنْكِرُ فِي الْأَسَاسِ تَأْثِيرَ السُقُوطِ عَلَيْنَا، وَعُبُودِيَّةِ الْإِرَادَةِ الَتِي يَتَحَدَّثُ عَنْهَا الْعَهْدُ الْجَدِيدُ.

وَصَلْنَا الْآنَ إِلَى خِتَامِ اسْتِطْلَاعِنَا الْمُوجَزِ لِتَارِيخِ الْجِدَالَاتِ الَتِي نَشَأَتْ فِي الْمَاضِي، بِشَأْنِ مَدَى وَنِطَاقِ فَسَادِ الْإِنْسَانِ، نَتِيجَةَ الْخَطِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ. وَقَدْ رَكَّزْنَا عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ حَتَّى نُدْرِكَ عِظَمَ رَوْعَةِ النِعْمَةِ. يُخْبِرُنَا الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ بِأَنَّهُ "حَيْثُ رُوحُ ٱلرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ". وَيُخْبِرُنَا أَيْضًا فِعْلِيًّا بِأَنَّهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ رُوحُ الرَبِّ، لَا تُوجَدُ سِوَى عُبُودِيَّةٍ. وَنَقْرَأُ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ أَنَّهُ إِنْ حَرَّرَنَا الِابْنُ، فَبِالْحَقِيقَةِ نَكُونُ أَحْرَارًا. فَهُوَ قَدْ أَعْتَقْنَا مِنْ عُبُودِيَّةِ الْخَطِيَّةِ، وَمِنَ السَبْيِ الْأَخْلَاقِيِّ. وَقَدْ تَنَاوَلْنَا ذَلِكَ لَيْسَ فَقَطْ لِنُفَكِّرَ فِي أُمُورٍ فَلْسَفِيَّةٍ وَلَاهُوتِيَّةٍ نَظَرِيَّةٍ، وَإِنَّمَا كَيْ نَنْسُبَ، بِهَذِهِ الْحُرِّيَّةِ الْجَدِيدَةِ، الْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْحَمْدَ، عَلَى هَذِهِ الْحُرِّيَّةِ، إِلَى مَصْدَرِهَا الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ نِعْمَةُ اللَّهِ، وَنِعْمَةُ اللَّهِ وَحْدَهَا.