المحاضرة 10: القيامة

نُتابِعُ الآنَ دِرَاسَتَنَا لِعَمَلِ الْمَسِيحِ. فِي مُحَاضَرَتِنَا السَّابِقَةِ، تَكَلَّمْنا بِإِيجازٍ عَنْ مَوْتِهِ الْكَفَّارِي عَلَى الصَّلِيبِ، وَالْيَوْمَ سَنَتَكَلَّمُ عَنِ الْقِيامَةِ. قَدْ يَبْدُو مِنَ الْغَرِيبِ قَلِيلًا الْكَلامُ عَنْ قِيامَةِ الْمَسِيحِ عَلَى أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ عَمَلِهِ، لأَنَّ حَدَثَ الْقِيامَةِ بِرُمَّتِهِ كَانَ يَسُوعُ هَامِدًا تَمامًا خِلالَهُ، فَهْوَ لَمْ يُقِمْ نَفْسَهُ مِنَ الْمَوْتِ لَكِنَّهُ أُقِيمَ مِنَ الْمَوْتِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ.

بُغْيَةَ فَهْمِ مَا جَرَى فِي الْقِيامَةِ، أَوَّلُ أَمْرٍ يَجِبُ أَنْ نُدْرِكَهُ هُوَ أَنَّهُ حِينَ مَاتَ يَسُوعُ عَلَى الصَّلِيبِ، هُوَ كانَ مَيْتًا فِعْلًا، وَلَمَّا دُفِنَ فِي الْقَبْرِ، كَانَ مَيْتًا فِعْلًا. فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ كانَ جَسَدُ يَسُوعَ جُثَّةً هَامِدَةً. كَانَتْ رُوحُهُ أَوْ نَفْسُهُ قَدْ فَارَقَتْ جَسَدَهُ لِتَكُونَ مَعَ الآبِ، لَكِنَّ جُثْمَانَهُ كانَ مَوْضُوعًا فِي الْقَبْرِ. وَفِي ذَلِكَ الْجُثْمَانِ، وَكَما فِي أَيِّ جُثْمَانٍ آخَرَ، لَمْ يَكُنْ يُوجَدُ نَبْضُ قَلْبٍ، وَلَمْ تَكُنْ تُوجَدُ مَوْجَاتٌ دِمَاغِيَّةٌ. لَمْ يَكُنْ يُوجَدُ دَمٌ يَجْرِي فِي عُرُوقِهِ، فَهْوَ كانَ مَيْتًا. وَكَرَجُلٍ مَيِّتٍ، بِطَبِيعَتِهِ الْبَشَرِيَّةِ كانَ عَاجِزًا تَمامًا عَنِ الْقِيامِ بِأَيِّ عَمَلٍ هَامٍّ. وَمَعَ ذَلِكَ نَعْتَبِرُ الْقِيامَةَ جُزْءًا مِنْ عَمَلِ الْمَسِيحِ الْبَالِغِ الأَهَمِّيَّة.

بُغْيَةَ فَهْمِ ذَلِكَ، دَعُونِي أُكَرِّسُ بَعْضَ الْوَقْتِ لِلتَّأَمُّلِ فِي كَلامِ بُولُسَ عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. فِي 1 كُورِنْثُوسَ الأَصْحَاحِ 15 وَابْتِدَاءً مِنَ الآيَةِ 20، حَيْثُ يَكْتُبُ بُولُسُ الْكَلِمَاتِ الآتِيَةَ: "وَلَكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ. فَإِنَّهُ إِذِ الْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ، بِإِنْسَانٍ أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ. لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هَكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ. وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُتْبَتِهِ: الْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ لِلَّهِ الآبِ، مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ. لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ حَتَّى "يَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ". آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الْمَوْتُ. لأَنَّهُ أَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ".

إِذًا، فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنَ التَّفْسِيرِ الرَّسُولِيِّ لِمَعْنَى الْقِيامَةِ، نَرَى الْفِكْرَةَ الَّتِي تَنَاوَلْناها مِنْ قَبْلُ فِي هَذِهِ السِّلْسِلَةِ حَوْلَ الصِّلَةِ بَيْنَ يَسُوعَ وَآدَمَ، فِي دَوْرِ الْمَسِيحِ كَآدَمَ الْجَدِيدِ أَوْ آدَمَ الثَّانِي. آدَمُ الأَوَّلُ جَلَبَ الْمَوْتَ إِلَى الْعَالَمِ، وَآدَمُ الْجَدِيدُ جَلَبَ قِيَامَةً مِنَ الْمَوْتِ. إِذًا، الْعَدُوُّ الأَلَدُّ الَّذِي يُبْلِي الْحَياةَ الْبَشَرِيَّةَ – أَيِ الْمَوْتُ نَفْسُهُ – تَمَّ الانْتِصَارُ عَلَيْهِ بِالْقِيامَةِ. هُنَا نَرَى "كْرِيسْتُوس فِيكْتُور"، أَيْ الْمَسِيحَ الْمُنْتَصِرَ، لَيْسَ عَلَى الشَّيْطَانِ فَحَسْبُ، وَلا عَلَى الْخَطِيَّةِ فَحَسْبُ، بَلْ إِنَّهُ مُنْتَصِرٌ عَلَى الْمَوْتِ نَفْسِهِ. وَهَذَا لَيْسَ لأَجْلِ نَفْسِهِ.  بِبَساطَةٍ، مَا يَقُولُهُ لَنَا الرَّسُولُ هُنَا هُوَ إِنَّهُ أَصْبَحَ بَاكُورَةً، بِحَيْثُ إِنَّهُ فِي الْقِيَامَةِ، اللهُ لا يُقِيمُ يَسُوعَ فَحَسْبُ مِنَ الْمَوْتِ، بَلْ إِنَّهُ يُقِيمُ أَيْضًا جَمِيعَ الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ، الَّذِينَ سَيُشارِكُونَ فِي هَذَا الانْتِصارِ عَلَى الْمَوْتِ. لِذَا فَإِنَّ قِيامَةَ الْمَسِيحِ مُهِمَّةٌ جِدًّا لِلإِيمانِ الْمَسِيحِيِّ. وَمُجَرَّدُ تَجَمُّعِنَا سَوِيًّا لِلْعِبَادَةِ كُلَّ يَوْمِ أَحَدٍ بَدَلًا مِنْ يَوْمِ الْجُمْعَةِ، لأَنَّ الْمَسِيحَ قامَ مِنَ الْمَوْتِ يَوْمَ الأَحَدِ، نَحْنُ نُسَمِّي ذَلِكَ يَوْمَ الرَّبِّ. وَقَدْ أَصْبَحَ ذَلِكَ السَّبْتَ الْجَدِيدَ، والضَّمَانَةَ الْجَدِيدَةَ لِلْحَياةِ الأَبَدِيَّةِ لِجَمِيعِ الَّذِينَ تَوَكَّلُوا عَلَيْهِ.

وَالآنَ، فَلْنَرْجِعْ إِلَى الْقِيامَةِ. كَمَا قُلْتُ، كَانَ جَسَدُ يَسُوعَ هَامِدًا تَمامًا. قَدْ تُلاحِظُونَ وُجودَ تَشابُهٍ مَعَ لِعازَرَ الَّذِي أَقَامَهُ يَسُوعُ مِنَ الْمَوْتِ. حِينَ أُقِيمَ لِعازَرُ مِنَ الْمَوْتِ، لَمْ يَقُمْ لِعَازَرُ بِأَيَّةِ مُساهَمَةٍ فِي الأَمْرِ. تَذْكُرُونَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ مَضَى عَلَى مَوْتِ لِعَازَرَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ. وَحِينَ جَاءَ الْمَسِيحُ وَأَقَامَهُ مِنَ الْمَوْتِ، كَيْفَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ هُوَ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى الْقَبْرِ لِيُجْرِيَ لَهُ إِنْعَاشًا عَنْ طَرِيقِ الْفَمِ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَتَحَاجَجْ مَعَ الْجُثْمَانِ أَوْ يَتَمَلَّقِ الْجُثْمَانَ قَائِلًا: "هَيَّا يَا لِعَازَرُ، اسْتَجْمِعْ قُواكَ وَانْهَضْ". لا، بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ نَادَى بِصَوْتٍ عَالٍ قَائِلًا: "لِعَازَرُ هَلُمَّ خَارِجًا". وَفِي نِهَايَةِ إِصْدَارِ ابْنِ اللهِ لِلأَمْرِ، عَادَ هَذَا الْجَسَدُ الْمَيِّتُ إِلَى الْحَيَاةِ.

أَنَا أَسْتَخدمُ هَذَا التَّشابُهَ لأَنَّكَ تَرْجِعُ إِلَى فَجْرِ الْخَلِيقَةِ وَكَيْفِيَّةِ خَلْقِ الْكَوْنِ كُلِّهِ. كَيْفَ أُوجِدَتْ الْحَيَاةُ فِي الْمَقامِ الأَوَّلِ، هَلْ عَبْرَ التَّصَادُمِ التَّصادُفِيِّ لِلْذَّرَّاتِ فِي هَذَا الطِّينِ الأَساسِي؟ لا، بَلْ عَبْرَ الأَمْرِ الإِلَهِيِّ، عَبْرَ أَمْرِ الإِلَهِ السَّرْمَدِيِّ، الإِلَهِ الْكُلِّيِّ الْقُدْرَةِ الَّذِي قالَ: "فَلْيَكُنْ نُورٌ"، فَكانَ نُورٌ. قُوَّةُ أَمْرِه الْمُطْلَقَةُ، هَذَا مَا كانَ يَلْزَمُ لِجَعْلِ الْحَياةِ وَاقِعًا مَلْمُوسًا فِي الْمَقامِ الأَوَّلِ، وَهَذَا مَا كانَ يَلْزَمُ أَيْضًا لإِقَامَةِ لِعَازَرَ مِنَ الْمَوْتِ؛ قُوَّةُ رُوحِ اللهِ الْقُدُّوسِ نَفْسُها الَّتِي كانَتْ تُرَفْرِفُ فَوْقَ الْمِياهِ فِي الْبَدْءِ لِتَخْلُقَ كُلَّ الأَشْيَاءِ.

إذًا، ذَلِكَ الرُّوحُ نَفْسُهُ الآنَ جَاءَ إِلَى الْقَبْرِ، حَيْثُ وُضِعَ جُثْمَانُ يَسُوعَ مَلْفُوفًا بِكَفَنٍ مِنْ كَتَّانٍ وَأَقامَهُ رُوحُ اللهِ مِنَ الْمَوْتِ. فَكِّرُوا فِي الأَمْرِ. فَجْرَ يَوْمِ الأَحَدِ ذَاكَ، فَجْأَةً رَفَّ الْجَفْنَانِ وَبَدَأَتِ الْمَوْجَاتُ الدِّمَاغِيَّةُ تَتَحَرَّكُ، وَبَدَأَ الْقَلْبُ يَنْبِضُ، وَبَدَأَ الدَّمُ يَجْرِي فِي عُرُوقِ يَسُوعَ الْمَذْبُوحِ. وَبِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، خَرَجَ مِنَ الْكَفَنِ ذَاكَ وَمِنْ حَالَةِ الْمَوْتِ، وَخَرَجَ حَيًّا مُنْتَصِرًا عَلَى الْمَوْتِ.

يَقُومُ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِتَعْلِيقٍ لافِتٍ بِشَأْنِ قِيامَةِ يَسُوعَ، مَا جَعَلَ كَثِيرِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا مُعْجِزَةٌ لا تُصَدَّقُ. يَقُولُ الْعِلْمَانِيُّونَ وَالْمُشَكِّكُونَ إِنَّنَا إِنْ كُنَّا نَعْرِفُ أَمْرًا مَا عَلَى نَحْوٍ أَكِيدٍ، فَهْوَ أَنَّهُ حِينَ يَمُوتُ الإِنْسانُ فَهْوَ يَبْقَى مَيْتًا. وَبِالتَّالِي إِنْ كانَ يُوجَدُ أيُّ أَمْرٍ خُرَافِيٍّ فِي الْمَسِيحِيَّةِ، فَهْوَ عَقِيدَةُ الْقِيامَةِ الرَّئِيسِيَّةِ. لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: "إِنَّ حَدَثًا مُمَاثِلًا مُسْتَحِيلٌ بِبَسَاطَةٍ". لَكِنَّ الْعَهْدَ الْجَدِيدَ يَرَى الأَمْرَ مِنْ مِنْظارٍ مُخْتَلِفٍ تَمامًا، وَيَقُولُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا لِلْمَوْتِ أَنْ يُمْسِكَ بِهِ، لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْتِ أَيُّ مَمْسَكٍ عَلَيْهِ. الْمَوْتُ هُوَ الْعِقَابُ الَّذِي يُنْزِلُهُ اللهُ عَلَى الْبَشَرِ بِسَبَبِ الْخَطِيَّةِ، لَكِنَّ يَسُوعَ كَانَ بِلا خَطِيَّةٍ. بِالطَّبْعِ حِينَ نُسِبَتْ إِلَيْهِ خَطِيَّتُنا عَلَى الصَّلِيبِ هُوَ كَانَ مُمْتَلِئًا بِالْخَطايَا، لَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ خَطايَاهُ. وَخُلُوُّهُ مِنَ الْخَطِيَّةِ الْمُتَأَصِّلَةِ فِيهِ لا يُعْطِي الْمَوْتَ أَيَّ سُلْطَانٍ لِيَسْتَحْوِذَ عَلَيْهِ. إِذًا، كانَ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَلَّا يُقامَ مِنَ الْمَوْتِ. كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْمَوْتِ أَنْ يُحْكِمَ قَبْضَتَهُ عَلَى إِنْسَانٍ بِلا خَطِيَّةٍ؟ لا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ.

إِذًا، تَمَّتْ تَبْرِئَةُ يَسُوعَ فِي عَمَلِ الْقِيامَةِ هَذَا. يَقُولُ لَنَا الْعَهْدُ الْجَدِيدُ إِنَّ يَسُوعَ أُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنا. أَلَيْسَ الأَمْرُ غَرِيبًا؟ هُوَ عَاشَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا، وَمَاتَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنا، لَكِنَّهُ أُقِيمَ أَيْضًا لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا. إِذًا، عَمَلِيَّةُ مُصَالَحَتِنا مَعَ اللهِ بِالتَّبْرِيرِ تَقَعُ عَلَى عَاتِقِ شَخْصِ يَسُوعَ بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ وَقِيَامَتِهِ. لِمَاذَا؟ كَيْفَ تَعْمَلُ الْقِيامَةُ عَلَى تَبْرِيرِنا؟ لِنَفْرِضْ أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ يَسُوعُ هُوَ عَيْشُ حَياةِ الطَّاعَةِ الْكامِلَةِ – وَقَدْ سَبَقَ أَنْ تَكَلَّمْنَا عَنِ الأَمْرِ – بِالإِضَافَةِ إِلَى تَقْدِيمِ نَفْسِهِ ذَبِيحَةً كَامِلَةً، مَرَّةً وَإِلَى الأَبَدِ بِمَوْتِهِ. لَكِنْ كَيْفَ نَعْرِفُ ما إِذَا كَانَتِ الذَّبِيحَةُ قَدْ أَرْضَتِ اللهَ؟ كَيْفَ نَعْرِفُ مَا إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الذَّبِيحَةُ الْكَامِلَةُ عَلَى الصَّلِيبِ مَقْبُولَةً لَدَى اللهِ؟ كَيْفَ نَعْلَمُ مَا إِذَا كَانَتْ تَقْدِمَةُ الْكَفَّارَةِ تِلْكَ قَامَتْ فِعْلًا بِعَمَلٍ كَفَّارِيٍّ لَدَى الآبِ؟ فِي الْقِيامَةِ، يَقُولُ الآبُ إِنَّهُ قَبِلَ ذَبِيحَةَ الْمَسِيحِ الْكَامِلَةَ. لَقَدْ قَبِلَهَا كَعَمَلٍ لِتَبْرِيرِ الأَثَمَةِ. الآبُ يَقُولُ فِي الْقِيامَةِ "أنا راضٍ"، وَيَرْفَعُ اللَّعْنَةَ عَنَّا بِالْقِيامَةِ مِنَ الْمَوْتِ.

وَفِي وَقْتٍ لاحِقٍ هُنَا، فِي 1 كُورِنْثُوسَ ابْتِداءً مِنَ الآيَةِ 42 "هَكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ، الْجَسَدُ أَيْ أَجْسَادُنَا. أَيُّ جَسَدٌ يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ". أَكْثَرُ مِثالٍ حَيٍّ عَنِ الأَمْرِ هُوَ دَفْنُ لِعَازَرَ، حِينَ قِيلَ لَنَا إِنَّهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ انْبَعَثَتْ رَائِحَةُ نَتَانَةٍ رَهِيبَةٌ مِنَ الْقَبْرِ. جَاءَ فِي التَّرْجَمَةِ الْقَدِيمَةِ أَنَّهُ أَنْتَنَ. الرَّائِحَةُ النَّتِنَةُ النَّاتِجَةُ عَنْ فَسادِ الْجَسَدِ، كَانَتْ جُزْءًا مِنْ وَاقِعِ مَوْتِ لِعَازَرَ وَدَفْنِهِ. لِمَاذَا ذَهَبَتِ النِّساءُ إِلَى الْقَبْرِ فَجْرَ يَوْمِ الأَحَدِ، إِلَّا لِجَلْبِ الدُّهُونِ وَالْعِطْرِ لِمَسْحِ جَسَدِ إِنْسانٍ كانَ قَدْ بَدَأَ يَرَى فَسادًا بِسَبَبِ الْمَوْتِ؟

إِذًا، وُضِعَ الْجَسَدُ فِي الْقَبْرِ وَزُرِعَ فِي فَسادٍ. لَكِنْ حِينَ أُقِيمَ يَسُوعُ مِنَ الْمَوْتِ، لَمْ يَكُنِ الأَمْرُ مُجَرَّدَ إِنْعَاشٍ. لَمْ يَكُنْ مِثْلَمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَيَذْهَبَ إِلَى الْقَبْرِ، ثُمَّ أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الْمَوْتِ فَخَرَجَ بِالْهَيْئَةِ نَفْسِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْها مِنْ قَبْلُ. نَعَمْ، تُوجَدُ اسْتِمْرَارِيَّةٌ بَيْنَ الْجَسَدِ الَّذِي دَخَلَ إِلَى هُناكَ وَالْجَسَدِ الَّذِي خَرَجَ. كَانَ ذَلِكَ الْجَسَدُ نَفْسَهُ، وَكانَ لا يَزالُ يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ مِنْ خِلالِ آثَارِ الْمَسَامِيرِ وَالْحَرْبَةِ وَمَا شَابَهَ. كانَ يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ، لَكِنْ كَانَ قَدْ حَدَثَ أَيْضًا تَغْيِيرٌ هائلٌ فِي جَسَدِ رَبِّنا مُنْذُ وَقْتِ دُخُولِهِ إِلَى الْقَبْرِ، وَوَقْتِ خُرُوجِهِ مِنْهُ، حِينَ خَرَجَ فِي الْقِيامَةِ. هُوَ لَمْ يَسْتَعِدْ جَسَدَهُ السَّابِقَ بِبَساطَةٍ. لا، بَلْ إِنَّ جَسَدَهُ السَّابِقَ تَمَجَّدَ. مُجَدَّدًا، لاحِظُوا كَيْفِيَّةَ وَصْفِ بُولُسَ لِلأَمْرِ. إِنَّهُ مَزْرُوعٌ فِي فَسَادٍ، وَمُقَامٌ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. الْجَسَدُ الَّذِي خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْقَبْرِ لَمْ يُمْكِنْ لَهُ أَنْ يُصابَ أَبَدًا بِالانْحِلالِ أَوِ الْفَسادِ فِي الْجَسَدِ. حِينَ تَخْرُجُ أَجْسَادُنَا مِنَ الْقَبْرِ لَدَى قِيامَتِنَا، فَهْيَ لَنْ تَفْسُدَ أَبدًا مُجَدَّدًا. لَنْ تَتَعَرَّضَ أَبَدًا مُجَدَّدًا لِلتَّلَفِ، النَّاتِجِ عَنْ مُرُورِ الزَّمَنِ وَعَنِ الأَمْرَاضِ. سَوْفَ تَكُونُ غَيْرَ فَاسِدَةٍ. الْجَسَدُ يُزْرَعُ فِي هَوانٍ وَيُقامُ فِي مَجْدٍ.

سَبَقَ أَنْ رَأَيْنَا فِي هَذِهِ الدِّراسَةِ أَنَّ حَياةَ الْمَسِيحِ اتَّبَعَتْ نَمَطَ الإِذْلالِ الَّذِي انْتَقَلَ تَدْرِيجِيًّا نَحْوَ التَّمْجِيدِ، حَتَّى إِنَّ جَسَدَ يَسُوعَ زُرِعَ فِي هَوَانٍ وَتَواضُعٍ، وَصُلِبَ، لَكِنَّهُ أُقِيمَ فِي مَجْدٍ. لا أَعْرِفُ مَاذَا يُشْبِهُ الْجَسَدُ الْبَشَرِيُّ الْمُمَجَّدُ، لَكِنِّي أَعْرِفُ أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ عَنْ شَكْلِ أَجْسَادِنَا الآنَ. فِي وَقْتٍ سَابِقٍ كانَ الرَّسُولُ بُولُسُ قَدْ قَالَ: "لَيْسَ كُلُّ جَسَدٍ جَسَدًا وَاحِدًا، بَلْ لِلنَّاسِ جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَلِلْبَهَائِمِ جَسَدٌ آخَرُ، وَلِلسَّمَكِ آخَرُ، وَلِلطَّيْرِ آخَرُ. وَأَجْسَامٌ سَمَاوِيَّةٌ، وَأَجْسَامٌ أَرْضِيَّةٌ. لَكِنَّ مَجْدَ السَّمَاوِيَّاتِ شَيْءٌ وَمَجْدَ الأَرْضِيَّاتِ آخَرُ. مَجْدُ الشَّمْسِ شَيْءٌ وَمَجْدُ الْقَمَرِ آخَرُ، وَمَجْدُ النُّجُومِ آخَرُ لأَنَّ نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ". نَرَى تَدَرُّجاتٍ وَدَرَجاتٍ مِنَ الْمَجْدِ مِنْ حَوْلِنا. لَكِنْ مَا لَمْ نَرَهُ هُوَ الْبَشَرِيَّةُ الْمُمَجَّدَةُ. وَهَذا مَا خَرَجَ مِنَ الْقَبْرِ، "مَزْرُوعًا فِي هَوانٍ وَمُقامًا فِي مَجْدٍ".

ثُمَّ يُتابِعُ قَائِلًا: "إِنَّهُ مَزْرُوعٌ فِي ضَعْفٍ". الْكِتابُ الْمُقَدَّسُ يُمَجِّدُ خَلْقَنا. وَيَقولُ صَاحِبُ الْمَزْمُورِ إِنَّنَا امْتَزْنَا عَجَبًا. وَأَحْيَانًا، حِينَ أُفَكِّرُ فِي حَياتِي عَلَى مَرِّ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةِ عُقُودٍ، أَتَفاجَأُ أَحْيانًا، وَأَقُولُ: "كَيْفَ اسْتَطاعَ هَذَا الْجَسَدُ الضَّعِيفُ أَنْ يَعِيشَ سَبْعِينَ سَنَةً فِي هَذا الْعَالَمِ، عَلَى هَذَا الْكَوْكَبِ، مَعَ جَمِيعِ تِلْكَ الأَمْراضِ وَالْحَوادِثِ، وَجَمِيعِ الأُمُورِ الَّتِي تَحْدُثُ؟ أَلَا تَطْرَحُ أَبَدًا هَذَا السُّؤالَ؟ كَيْفَ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعِيشَ تِلْكَ الْفَتْرَةَ الطَّوِيلَةَ؟ لأَنَّكَ قَرِيبٌ لِهَذِهِ الدَّرَجَةِ مِنَ الْمَوْتِ فِي كُلِّ ثَانِيَةٍ، إِنَّهُ وَشِيكٌ. لأَنَّ أَجْسَادَنَا ضَعِيفَةٌ أَساسًا. هِيَ غَيْرُ قَادِرَةٍ عَلَى الْحِفاظِ عَلَى نَفْسِها إِلَى أَجَلٍ غَيْرِ مُسَمَّى. فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْشِ إِلَى الأَبَدِ، نَحْنُ عَاجِزُونَ تَمامًا بِحَالَتِنَا الطَّبِيعِيَّة. نَحْنُ مَزْرُوعُونَ فِي ضَعْفٍ، مِثْلَمَا وُضِعَ جَسَدُ يَسُوعَ فِي الْقَبْرِ بِضَعْفِ الْجَسَدِ الْبَشَرِيِّ. لَكِنَّ الْجَسَدَ الَّذِي خَرَجَ تَرَكَ ذَلِكَ الضَّعْفَ وَراءَهُ. الْجَسَدُ الَّذِي خَرَجَ، خَرَجَ قَوِيًّا وَصُلْبًا.

يُوجَدُ جَسَدٌ طَبِيعِيٌّ، كَمَا يُوجَدُ جَسَدٌ رُوحِيٌّ. "هَكَذَا مَكْتُوبٌ أَيْضًا: "صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا". لَكِنْ لَيْسَ الرُّوحَانِيُّ أَوَّلًا بَلِ الْحَيَوَانِيُّ، وَبَعْدَ ذَلِكَ الرُّوحَانِيُّ. الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. كَمَا هُوَ التُّرَابِيُّ هَكَذَا التُّرَابِيُّونَ أَيْضًا، وَكَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هَكَذَا السَّمَاوِيُّونَ أَيْضًا. وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ التُّرَابِيِّ، سَنَلْبَسُ أَيْضًا صُورَةَ السَّمَاوِيِّ". إِلَيْكُمْ أَسَاسَ عَمَلِ الْمَسِيحِ فِي الْقِيامَةِ وَهْوَ أَنَّهُ يُعْطِينَا طَبِيعَةً بَشَرِيَّةً جَدِيدَةً، وَيَرُدُّ صُورَةَ اللهِ الأَسَاسِيَّةَ فِي شَعْبِهِ، وَقَدْ أَعَدَّهُمْ لِيَعِيشُوا إِلَى الأَبَدِ.

ثُمَّ يَخْتِمُ بُولُسُ بِالْقَوْلِ: "فَأَقُولُ هَذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَا يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ، وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ. هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلَكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ، فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ. لأَنَّ هَذَا الْفَاسِدَ لاَ بُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهَذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ. وَمَتَى لَبِسَ هَذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ، وَلَبِسَ هَذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: "ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ" (التُهِمَ الْمَوْتُ وَبَادَ عَبْرَ الانْتِصَارِ). "أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟" أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ، وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. وَلَكِنْ شُكْرًا لِلَّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ".

هَذَا هُوَ الْهَدَفُ مِنْ عَمَلِهِ، وَهْوَ أَنَّ الآبَ أَقامَهُ بِقُوَّةِ الرُّوحِ، لَيْسَ لأَجْلِ تَبْرِئَتِهِ فَحَسْبُ، لَكِنَّهُ مُقامٌ لأَجْلِنا فَيَكُونُ باكُورَةَ مَنْ يُقامُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. فَيَخْرُجُ فِي جَسَدٍ مُمَجَّدٍ، لَكِنَّهُ لَيْسَ أَبَدًا الأَخِيرَ. كُلُّ مَنْ هُوَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ سَيُشارِكُ فِي مَجْدِ الْقِيامَةِ هَذَا. هَذَا هُوَ رَجَاؤُنا. هَذَا هُوَ مِحْوَرُ الإِيمانِ الْمَسِيحِيِّ وَجَوْهَرُهُ.