المحاضرة 5: اكْتِسابُ الْيَقِينِ الْحَقِيقِيِّ
سَنُتَابِعُ الْآنَ دِرَاسَتَنَا لِمَسْأَلَةِ التَّيَقُّنِ مِنَ الْخَلَاصِ. لَقَدْ أَمْضَيْنَا بَعْضَ الْوَقْتِ فِي دِرَاسَةِ السُبُلِ الْمُزَيَّفَةِ وَالْمَغْلُوطَةِ لِنَيْلِ الْيَقِينِ، وَرَأَيْنَا أَنَّ إِحْدَى أَكْثَرِ الْمَشَاكِلِ خُطُورَةً الَتِي نُوَاجِهُهَا، فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ التَيَقُّنِ مِنَ الْخَلَاصِ، هِيَ إِسَاءَةُ فَهْمِ الْخَلَاصِ وَشُرُوطِهِ. وَالْآنَ، سَوْفَ نُرَكِّزُ عَلَى كَيْفِيَّةِ بِنَاءِ أَسَاسٍ صَحِيحٍ وَسَلِيمٍ لِلتَيَقُّنِ مِنْ خَلَاصِنَا. وَأَظُنُّ أَنَّ أَوَّلَ مَكَانٍ يَجِبُ أَنْ نَرْجِعَ إِلَيْهِ هُوَ اللَاهُوتُ. فِي أَيَّامِنَا وَعَصْرِنَا، يُحَاوِلُ النَاسُ التَقْلِيلَ مِنْ أَهَمِّيَّةِ اللَاهُوتِ، لَكِنْ عِنْدَمَا نَتَذَكَّرُ أَمْرَ بُطْرُسَ بِأَنْ نَجْتَهِدَ فِي جَعْلِ اخْتِيَارِنَا وَدَعْوَتِنَا ثَابِتَيْنِ لِكَيْ نَنْمُوَ وَنُعْطِيَ ثَمَرَ تَقْدِيسِنَا، فَإِنَّنَا نَرَى هُنَا فِي تَفْكِيرِهِ الْعَلَاقَةَ الْوَثِيقَةَ الْمَوْجُودَةَ بَيْنَ الِاخْتِيَارِ وَالْيَقِينِ. عَلَيْنَا أَنْ نَفْهَمَ عَقِيدَةَ الِاخْتِيَارِ الْكِتَابِيَّةَ الصَحِيحَةَ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَفْهَمَ عَقِيدَةَ الْخَلَاصِ الْكِتَابِيَّةَ الصَحِيحَةَ، لِأَنَّ هَذَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ مُرْتَبِطَانِ ارْتِبَاطًا وَثِيقًا. يُمْكِنُنَا أَنْ نُمَيِّزَ بَيْنَ الِاخْتِيَارِ وَالْخَلَاصِ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُنَا أَبَدًا أَنْ نَفْصِلَ أَحَدَهُمَا عَنِ الْآخَرِ.
يَظُنُّ الْبَعْضُ أَنَّنَا بَعْدَ أَنْ نَنَالَ الْخَلَاصَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُصْبِحُ أَسَاسَ اخْتِيَارِنَا. إِذًا، بِمَعْنًى آخَرَ الْخَلَاصُ يَسْبِقُ الِاخْتِيَارَ. هَؤُلَاءِ الَذِينَ يُؤْمِنُونَ بِنَظْرَةٍ لِلِاخْتِيَارِ نُسَمِّيهَا نَظْرَةَ الْعِلْمِ الْمُسْبَقِ أَوِ الِاخْتِيَارِ عَلَى أَسَاسِ الْمَعْرِفَةِ الْمُسْبَقَةِ، هُمُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ أَنْ يُخَلِّصَ هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصَ الَذِينَ عَرَفَهُمْ مُنْذُ الْأَزَلِ بِحُكْمِ مَعْرِفَتِهِ الْمُسْبَقَةِ لِلْأُمُورِ. فَهُوَ نَظَرَ عَبْرَ الزَمَنِ، وَعَرَفَ مُسْبَقًا مَنْ سَيَسْتَجِيبُ لِدَعْوَةِ الْإِنْجِيلِ وَمَنْ لَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَعَلَى أَسَاسِ مَعْرِفَتِهِ الْمُسْبَقَةِ لِمَا سَيَفْعَلُهُ النَاسُ تَجَاوُبًا مَعَ الْإِنْجِيلِ أَصْدَرَ قَضَاءَ الِاخْتِيَارِ. إِذًا، عِنْدَمَا رَأَى النَاسَ يُؤْمِنُونَ وَيَنَالُونَ الْخَلَاصَ عَلَى هَذَا الْأَسَاسِ قَدِ اخْتَارَهُمْ. لَكِنَّ هَذِهِ النَظْرَةَ لِلِاخْتِيَارِ لَا أَعْتَبِرُهَا نَظْرَةً كِتَابِيَّةً. لَا أَعْتَقِدُ أَنَّهَا تُفَسِّرُ الِاخْتِيَارَ، بَلْ أَعْتَقِدُ أَنَّهَا تُنْكِرُ النَظْرَةَ الْكِتَابِيَّةَ لِلِاخْتِيَارِ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ. وَالْمُؤْسِفُ هُوَ أَنَّهَا عَقِيدَةُ اخْتِيَارٍ تَجْعَلُ فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ عَامِلَ الْقَرَارِ رَاسِخًا فِي شَيْءٍ نَفْعَلُهُ بَدَلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ رَاسِخًا فِي نِعْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ. وَأَظُنُّ أَنَّ الْأَشْخَاصَ الَذِينَ يَتَبَنَّوْنَ هَذِهِ النَظْرَةَ لِلِاخْتِيَارِ هُمُ الْمَجْمُوعَةُ نَفْسُهَا الَتِي تُصَارِعُ حَتْمًا بِشَأْنِ مَوْضُوعِ يَقِينِ الْخَلَاصِ، لِأَنَّ يَقِينَهُمْ مُرْتَبِطٌ بِسُلُوكِهِمْ.
لَكِنْ بِحَسْبِ مَفْهُومِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ الِاخْتِيَارُ يُؤَدِّي إِلَى الْخَلَاصِ، بِحَيْثُ إِنَّكَ إِنْ كُنْتَ مُخْتَارًا، فَأَنْتَ مُخَلَّصٌ؛ وَإِنْ كُنْتَ مُخَلَّصًا، فَهَذِهِ أَوْضَحُ عَلَامَةٍ عَلَى أَنَّكَ مِنْ بَيْنِ الْمُخْتَارِينَ. فَلْنَقُلْ ذَلِكَ بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَيْنِ الْمُخَلَّصِينَ لَيْسَ مُخْتَارًا، وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَيْنِ الْمُخْتَارِينَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَخْلُصَ. الْخَلَاصُ نَاتِجٌ مِنَ الِاخْتِيَارِ. إِذًا، إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَتَأَكَّدَ مِنْ خَلَاصِي، فَأَوَّلُ أَمْرٍ عَلَيَّ أَنْ أَعْرِفَهُ هُوَ مَا إِذَا كُنْتُ مِنْ بَيْنِ الْمُخْتَارِينَ. إِذًا، أَنَا أَرَى فِي تَعْلِيمِ بُطْرُسَ سَبَبَ أَهَمِّيَّةِ اجْتِهَادِي لِأَجْعَلَ دَعْوَتِي وَاخْتِيَارِي ثَابِتَيْنِ، لِأَنِّي إِنْ كُنْتُ وَاثِقًا مِنْ أَنِّي مِنْ بَيْنِ الْمُخْتَارَيْنِ فَيُمْكِنُنِي أَنْ أَتَأَكَّدَ مِنْ خَلَاصِي، لَيْسَ الْيَوْمَ فَحَسْبُ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا، لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَهْدِفُ بِبَسَاطَةٍ إِلَى جَعْلِ الْخَلَاصِ مُمْكِنًا، وَلَكِنَّ هَدَفَ اللَّهِ مِنَ الِاخْتِيَارِ هُوَ أَنْ يُخَلِّصَ الْمُخْتَارِينَ، وَهَذَا الْهَدَفُ يَتَحَقَّقُ.
دَعُونِي أَقْرَأُ مَقْطَعًا لَا تَتِمُّ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ عَادَةً فِي هَذَا الْإِطَارِ، لَكِنَّهُ مَصْدَرُ تَعْزِيَةٍ كَبِيرَةٍ لِي – إِنَّهُ فِي الْأَصْحَاحِ ١٧ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا، وَهُوَ فِي قَلْبِ صَلَاةِ يَسُوعَ كَرَئِيسِ كَهَنَةٍ لِأَجْلِ تَلَامِيذِهِ وَلِأَجَلِ مَنْ سَيُؤْمِنُ بَعْدَهُمْ. إِنَّهُ نَصٌّ يُقَدِّمُ تَشْجِيعًا عَظِيمًا لِلْكَنِيسَةِ كُلِّهَا عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ. لَكِنْ فِي الْآيَةِ ٦، قَالَ يَسُوعُ فِي صَلَاتِهِ:
أَنَا أَظْهَرْتُ اسْمَكَ لِلنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعَالَمِ. كَانُوا لَكَ وَأَعْطَيْتَهُمْ لِي، وَقَدْ حَفِظُوا كَلَامَكَ. وَالآنَ عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَيْتَنِي هُوَ مِنْ عِنْدِكَ، لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ، وَهُمْ قَبِلُوا وَعَلِمُوا يَقِينًا أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِكَ، وَآمَنُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي. مِنْ أَجْلِهِمْ أَنَا أَسْأَلُ. لَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ الْعَالَمِ، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لِأَنَّهُمْ لَكَ. وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ، وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي، وَأَنَا مُمَجَّدٌ فِيهِمْ. وَلَسْتُ أَنَا بَعْدُ فِي الْعَالَمِ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَهُمْ فِي الْعَالَمِ، وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ. أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ، احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ. حِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي الْعَالَمِ كُنْتُ أَحْفَظُهُمْ فِي اسْمِكَ. الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي حَفِظْتُهُمْ، وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهَلاَكِ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ.
هَذِهِ الْفِكْرَةُ الَتِي يُعَبِّرُ يَسُوعُ عَنْهَا فِي هَذِهِ الصَلَاةِ هِيَ أَنَّ الْآبَ أَعْطَى نُفُوسًا كَعَطَايَا، أَعْطَى الْمَفْدِيِّينَ لِلِابْنِ، وَكُلُّ مَنْ أَعْطَاهُ الْآبُ لِلِابْنِ –قَالَ يَسُوعُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا– "فَإِلَيَّ يُقْبِلُ". وَجَمِيعُ الَذِينَ يُقْبِلُونَ إِلَيْهِ يَحْفَظُهُمْ بِنَفْسِهِ – وَهُوَ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى الْمُخْتَارِينَ، أَيْ هَؤُلَاءِ الَذِينَ أَعْطَاهُمُ الْآبُ لِلِابْنِ. وَالْمُخْتَارُونَ الَذِينَ أَعْطَاهُمُ الْآبُ لِلِابْنِ يَحْفَظُهُمْ الِابْنُ. وَلَا يَجْدُرُ بِأَسَاسِ يَقِينِنَا أَنْ يَسْتَنِدَ إِلَى الثِقَةِ فِي قُدْرَتِنَا عَلَى الْمُثَابَرَةِ. نَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَنْ مُثَابَرَةِ الْقِدِّيسِينَ، وَأَنَا أُؤْمِنُ بِأَنَّ الْقِدِّيسِينَ يُثَابِرُونَ فِعْلًا، لَكِنَّ سَبَبَ تَمَكُّنِهِمْ مِنَ الْمُثَابَرَةِ هُوَ كَوْنُهُمْ مَحْفُوظِينَ. وَمِنَ الْأَفْضَلِ التَكَلُّمُ عَنْ حِفْظِ الْقِدِّيسِينَ بَدَلًا مِنْ مُثَابَرَةِ الْقِدِّيسِينَ. إِذًا، نَحْنُ نَسْمَعُ فِي هَذَا الْأَصْحَاحِ مُنَاشَدَةَ يَسُوعَ لِلْآبِ بِأَنْ يَحْفَظَ جَمِيعَ الَذِينَ أَعْطَاهُ إِيَّاهُمْ.
عِنْدَمَا نَتَعَمَّقُ فِي الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الِاخْتِيَارِ وَالْخَلَاصِ، يَجِبُ أَنْ نَهْتَمَّ بِمَا نُسَمِّيهِ فِي اللَاهُوتِ "أُورْدُو سَالُوتِيسْ" (ordo salutis) – إِنَّهَا طَرِيقَةٌ رَائِعَةٌ لِوَصْفِ مَا نُسَمِّيهِ "تَرْتِيبَ الْخَلَاصِ". وَعِنْدَمَا نَتَكَلَّمُ عَنْ تَرْتِيبِ الْخَلَاصِ فَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَنْ سِلْسِلَةِ الْأُمُورِ أَوْ الْأَفْعَالِ أَوْ الْأَحْدَاثِ الَتِي تَتِمُّ، وَهِيَ الْجَوَانِبُ الضِمْنِيَّةُ لِكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِخَلَاصِنَا. لَكِنْ أَيْضًا، عِنْدَمَا نَتَكَلَّمُ عَنْ تَرْتِيبِ الْخَلَاصِ، فَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَمَّا نُسَمِّيهِ التَرْتِيبَ الْمَنْطِقِيَّ بَدَلًا مِنَ التَرْتِيبِ الزَمَنِيِّ.
إِلَيْكُمْ مَا أَقْصِدُهُ بِهَذَا التَمْيِيزِ. نَحْنُ نَقُولُ وَنُؤْمِنُ بِأَنَّنَا تَبَرَّرْنَا بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ، وَالسُؤَالُ هُوَ: كَمْ يَجِبُ أَنْ يَمْضِيَ مِنَ الْوَقْتِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَدَيْنَا الْإِيمَانُ الْحَقِيقِيُّ الَذِي يُخَلِّصُ لِكَيْ نَتَبَرَّرَ؟ هَلْ بَعْدَ خَمْسِ دَقَائِقَ؟ أَوْ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ؟ أَوْ خَمْسِ سَنَوَاتٍ؟ أَوْ خَمْسِ ثَوَانٍ؟ لَا، يُمْكِنُنَا الْقَوْلُ إِنَّ لِلتَبْرِيرِ وَالْإِيمَانِ حُدُودًا مُشْتَرَكَةً مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ. فَمَا إِنْ نَتَمَتَّعْ بِالْإِيمَانِ الْحَقِيقِيِّ، فِي هَذِهِ اللَحْظَةِ نَفْسِهَا يَقْبَلُنَا اللَّهُ كَأَشْخَاصٍ مُبَرَّرِينَ. لَكِنَّنَا نَقُولُ رَغْمَ ذَلِكَ إِنَّ الْإِيمَانَ يَأْتِي قَبْلَ التَبْرِيرِ، وَلَا يَأْتِي التَبْرِيرُ قَبْلَ الْإِيمَانِ. مَعَ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ يَتِمَّانِ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَسْبِقُ الْآخَرَ مَنْطِقِيًّا مِنْ حَيْثُ الْأَوْلَوِيَّةُ الْمَنْطِقِيَّةُ. وَمَا نَقْصِدُهُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ الْمَنْطِقِيَّةِ هُوَ الْآتِي: بِمَا أَنَّ تَبْرِيرَنَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِيمَانِ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مَطْلَبٌ وَشَرْطٌ أَسَاسِيٌّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا لِكَيْ يَتِمَّ التَبْرِيرُ. إِذًا، مَنْطِقِيًّا، الْإِيمَانُ ضَرُورِيٌّ لِلتَبْرِيرِ، إِنَّهُ يَسْبِقُ التَبْرِيرَ، لَا مِنْ حَيْثُ التَوْقِيتُ الزَمَنِيُّ وَإِنَّمَا مِنْ حَيْثُ الضَرُورَةُ الْمَنْطِقِيَّةُ. إِذًا، عِنْدَمَا نَتَكَلَّمُ عَنْ تَرْتِيبِ الْخَلَاصِ، تَذَكَّرُوا أَنَّ مَا نَقْصِدُهُ هُنَا هُوَ التَمْيِيزُ الْمُتَعَلِّقُ بِالشُرُوطِ الْأَسَاسِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الضَرُورَةُ الْمَنْطِقِيَّةُ.
فِي هَذَا الْإِطَارِ، فَلْنُرَكِّزِ انْتِبَاهَنَا بِاخْتِصَارٍ عَلَى مَا يُعْرَفُ بِالسِلْسِلَةِ الذَهَبِيَّةِ فِي الْأَصْحَاحِ ٨ مِنْ رِسَالَةِ رُومِيَةَ. فِي الْأَصْحَاحِ ٨ مِنْ رِسَالَةِ رُومِيَةَ نَجِدُ إِحْدَى الْآيَاتِ الْأَكْثَرِ شُهْرَةً وَتَفْضِيلًا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ كُلِّهِ؛ فِي الْآيَةِ ٢٨ نَقْرَأُ: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ". دَعُونِي أَتَوَقَّفُ قَلِيلًا لِلْقَوْلِ: لَاحِظُوا أَنَّ هَذَا الْوَعْدَ بِأَنْ تَعْمَلَ كُلُّ الْأَشْيَاءِ لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللَّهَ، تَمَّ وَصْفُهُمْ هُنَا عَلَى أَنَّهُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. إِذًا، هَذَا نَوْعٌ مُمَيَّزٌ مِنَ الدَعْوَةِ. يَتَكَلَّمُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ عَنْ دَعْوَةِ الْإِنْجِيلِ الَتِي تَصِلُ إِلَى الْجَمِيعِ –هَذَا مَا نُسَمِّيهِ الدَعْوَةَ الْخَارِجِيَّةَ. وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ الْإِنْجِيلَ بِأُذُنَيْهِ، لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ الدَعْوَةَ الْخَارِجِيَّةَ يَخْلُصُ. لَكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ أَيْضًا عَنِ الدَعْوَةِ الدَاخِلِيَّةِ، عَنْ دَعْوَةِ اللَّهِ فِي الْإِنْسَانِ، فِي الْقَلْبِ، وَهِيَ عَمَلُ اللَّهِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَهِيَ دَعْوَةٌ فَعَّالَةٌ. بِمُوجِبِ هَذِهِ الدَعْوَةِ يَفْتَحُ الرُوحُ الْقُدُسُ أُذُنَيْ الْمُؤْمِنِ، وَعَيْنَيْهِ وَقَلْبَهُ وَيَعْمَلُ فِي دَاخِلِنَا لِيُتَمِّمَ قَصْدَ اللَّهِ.
هَذِهِ عِبَارَةٌ أُخْرَى لِوَصْفِ الْمُخْتَارِينَ: جَمِيعُ الْمُخْتَارِينَ يَنَالُونَ هَذِهِ الدَعْوَةَ الدَاخِلِيَّةَ، جَمِيعُ الْمُخْتَارِينَ يَنَالُونَ دَعْوَةَ اللَّهِ الْمُؤَدِّيَةَ لِتَتْمِيمِ قَصْدِهِ. وَكُلُّ مَنْ يَنَالُ دَعْوَةَ اللَّهِ الدَاخِلِيَّةَ هَذِهِ يُحْصَى مِنْ بَيْنِ الْمُخْتَارِينَ. وَأَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ يُصْبِحُ وَاضِحًا جِدًّا فِي الْآيَاتِ التَالِيَةِ –فَلْنَقْرَأْهَا: "لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ". يَتَكَلَّمُ بُولُسُ هُنَا عَنْ مَقَاصِدِ اللهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْخَلاصِ، وَيَبْدَأُ بِالإِشَارَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ اللهِ الْمُسْبَقَةِ، قَائِلًا إِنَّ "الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ" لأَيِّ هَدَفٍ؟ مَاذَا كَانَ الْهَدَفُ مِنَ التَعْيِينِ الْمُسْبَقِ؟ التَشَبُّهَ بِصُورَةِ الْمَسِيحِ. إذًا، اخْتِيَارُنَا يَتِمُّ فِي الْمَسِيحِ.
نَصِلُ فِي الآيَةِ ٢٩ إِلَى مَا نُسَمِّيهِ فِي اللَاهُوتِ "السِلْسِلَةَ الذَهَبِيَّةَ" –عَفْوًا، إِنَّهَا الآيَةُ ٣٠: "وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، فَهَؤُلَاءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ، فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا". هَذَا اخْتِصَارٌ لِمَا يُعْرَفُ بِتَرْتِيبِ الْخَلَاصِ. تُوجَدُ أَوْجُهٌ أُخْرَى لِتَرْتِيبِ الْخَلَاصِ إِلَى جَانِبِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا. هَذِهِ خُطُوطٌ عَرِيضَةٌ. لَاحِظُوا أَنَّ التَقْدِيسَ لَيْسَ مُدْرَجًا فِي هَذِهِ الْقَائِمَةِ، لَكِنَّ مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْقَائِمَةِ يَتَضَمَّنُ الْمَوَاضِيعَ الْآتِيَةَ: أَوَّلًا، الْمَعْرِفَةَ الْمُسْبَقَةَ؛ ثَانِيًا، التَعْيِينَ الْمُسْبَقَ؛ ثَالِثًا، مَاذَا؟ الدَعْوَةَ؛ رَابِعًا، التَبْرِيرَ؛ خَامِسًا، التَمْجِيدَ. يُوجَدُ تَرْتِيبٌ هُنَا. لَقَدْ تَمَّ اتِّبَاعُ تَرْتِيبٍ مَنْطِقِيٍّ. مِنَ الْمُهِمِّ جِدًّا لِفَهْمِنَا لِيَقِينِ الْخَلَاصِ أَنْ نَفْهَمَ مَا يَجْرِي هُنَا فِي تَرْتِيبِ الْخَلَاصِ. إِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْمَعْرِفَةِ الْمُسْبَقَةِ. السَبَبُ الَذِي يَجْعَلُ نَظْرَةَ الْمَعْرِفَةِ الْمُسْبَقَةِ لِلِاخْتِيَارِ الَتِي ذَكَرْتُهَا سَابِقًا مَعْرُوفَةً جِدًّا هُوَ أَنَّ النَاسَ يَقْرَؤُونَ هَذَا النَصَّ وَيَقُولُونَ: "آهٍ! الْخُطْوَةُ الْأُولَى هِيَ الْمَعْرِفَةُ الْمُسْبَقَةُ. وَبِالتَالِي، هَذَا يَعْنِي أَنَّ الِاخْتِيَارَ أَوْ التَعْيِينَ الْمُسْبَقَ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَمْرٍ يَعْرِفُهُ اللَّهُ مُسْبَقًا عَنِ النَاسِ". لَكِنَ النَصَّ لَا يَقُولُ ذَلِكَ. فِي الْوَاقِعِ، حِينَ يَتَوَسَّعُ بُولُسُ فِي الْأَمْرِ فِي الْأَصْحَاحِ ٩ مِنْ رِسَالَةِ رُومِيَةَ، أَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُبَيِّنُ اسْتِحَالَةَ هَذَا الِاحْتِمَالِ. لَكِنْ بِمَا أَنَّهُ تَمَّ ذِكْرُ الْمَعْرِفَةِ الْمُسْبَقَةِ أَوَّلًا فَإِنَّ النَاسَ يَفْتَرِضُونَ أَنَّهُ عَلَى أَسَاسِ الْمَعْرِفَةِ الْمُسْبَقَةِ يَتِمُّ التَعْيِينُ الْمُسْبَقُ.
لَكِنْ نَفْهَمُ مِنَ الْمَنْظُورِ الْمُصْلَحِ لِلِاخْتِيَارِ مَا يَلِي: إِنَّ النَاسَ الْمُخْتَارِينَ بِمُوجِبِ مَرَاسِيمَ مِنَ اللَّهِ وَبِحَسَبِ مَقَاصِدِ اللَّهِ لَيْسُوا أَشْخَاصًا تَافِهِينَ وَلَا شَأْنَ لَهُمْ وَمَجْهُولِينَ. فَمُنْذُ الْأَزَلِ اخْتَارَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُنْذُ الْأَزَلِ اخْتَارَ اللَّهُ يَعْقُوبَ، لَكِنْ لِكَيْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمْ عَلَيْهِ أَنْ يُكَوِّنَ فِكْرَةً عَنْ هُوِيَّةِ الشَخْصِ الَذِي يَخْتَارُهُ. إِذًا، مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْمُسْبَقَةِ أَنْ تَسْبِقَ التَّعْيِينَ الْمُسْبَقَ، لِأَنَّ اللَّهَ يُعَيِّنُ مُسْبَقًا أَشْخَاصًا أَوْ شَعْبًا وَبِالتَالِي عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصَ قَبْلَ أَنْ يُعَيِّنَهُمْ. إِذًا، أَوَّلًا، مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ الْمُسْبَقَةُ، الْأَمْرُ الثَانِي هُوَ التَعْيِينُ الْمُسْبَقُ. لَكِنْ لَاحِظُوا الْبُنْيَةَ الِانْتِقَائِيَّةَ لِهَذَا النَصِّ. فَهُنَاكَ أُمُورٌ لَمْ يَتِمَّ ذِكْرُهَا لَكِنْ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ النَصَّ يَنْطَوِي عَلَيْهَا. وَمَا يَجْرِي هُنَا هُوَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَذِينَ سَبَقَ لَهُ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ لَهُ أَنْ عَيَّنَهُمْ، وَهَؤُلَاءِ الَذِينَ سَبَقَ لَهُ أَنْ عَيَّنَهُمْ، دَعَاهُمْ أَيْضًا، وَهَؤُلَاءِ الَذِينَ دَعَاهُمْ، بَرَّرَهُمْ أَيْضًا، وَهَؤُلَاءِ الَذِينَ بَرَّرَهُمْ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا. وَمَا نَفْهَمُهُ بِوُضُوحٍ هُنَا هُوَ أَنَّ جَمِيعَ الَذِينَ عَرَفَهُمْ مُسْبَقًا عَيَّنَهُمْ مُسْبَقًا. وَمَعْرِفَةُ اللَّهِ الْمُسْبَقَةُ بِشَكْلٍ عَامٍّ تَتَضَمَّنُ جَمِيعَ النَاسِ، وَلَيْسَ الْمُخْتَارِينَ فَحَسْبُ، لَكِنَّهُ يَتَكَلَّمُ هُنَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ الْمُسْبَقَةِ لِهَؤُلَاءِ الَذِينَ اخْتَارَهُمْ، لِأَنَّ جَمِيعَ الَذِينَ عَرَفَهُمْ مُسْبَقًا –أَيِ الَّذِينَ عَرَفَهُمْ هُنَا– عَيَّنُهُمْ مُسْبَقًا، وَجَمِيعَ الَّذِينَ عَيَّنَهُمْ مُسْبَقًا، مَاذَا؟ دَعَاهُمْ.
النُقْطَةُ الْمُهِمَّةُ هُنَا هِيَ كَالْآتِي: جَمِيعُ الْمَدْعُوِّينَ مُبَرَّرُونَ. إِذًا، إِنْ كَانَ جَمِيعُ الْمَدْعُوِّينَ مُبَرَّرِينَ فَمِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يُشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الدَعْوَةِ الْخَارِجِيَّةِ، بَلْ يُشَارُ بِهِ إِلَى الدَعْوَةِ الدَاخِلِيَّةِ، لِأَنَّ جَمِيعَ الَذِينَ يَنَالُونَ هَذِهِ الدَعْوَةَ الْخَاصَّةَ يَنَالُونَ التَبْرِيرَ، كَمَا أَنَّ جَمِيعَ الْمُبَرَّرِينَ يُمَجَّدُونَ. إِذًا، إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ إِنْ كُنْتُ مُمَجَّدًا، إِنْ كُنْتُ سَأَتَمَجَّدُ، وَإِنْ كُنْتَ سَأَخْلُصُ، فَفِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ إِنِ اسْتَطَعْتُ أَنْ أُحَدِّدَ مَا إِذَا كُنْتُ مُبَرَّرًا فَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي سَأَتَمَجَّدُ، وَإِنْ كُنْتُ مُبَرَّرًا الْآنَ، فَلَيْسَ لَدَيَّ مَا أَقْلَقُ بِشَأْنِهِ، لِأَنَّ الَذِي بَدَأَ فِيَّ عَمَلًا صَالِحًا هُوَ يُكَمِّلُهُ إِلَى النِهَايَةِ.
سَنَتَوَسَّعُ فِي هَذَا الْأَمْرِ فِي مُحَاضَرَتِنَا الْمُقْبِلَةِ، أَمَّا الْآنَ، فَلْنَسْأَلْ: "أَيْنَ تَتَلَاءَمُ الدَعْوَةُ مَعَ يَقِينِي؟" إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الدَعْوَةُ تُشِيرُ إِلَى عَمَلِ الرُوحِ الْقُدُسِ فِي النَفْسِ، الَذِي يُعِدُّنَا لِلْإِيمَانِ وَالتَبْرِيرِ، إِذًا، إِنْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنِّي مَدْعُوٌّ فَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي مُخْتَارٌ. وَكَيْفَ أَعْلَمُ إِنْ كُنْتُ مَدْعُوًّا؟ فَلْنَذْهَبْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْأَصْحَاحِ ٢ مِنْ رِسَالَةِ أَفَسُسَ. الْأَصْحَاحُ الثَانِي مِنْ رِسَالَةِ أَفَسُسَ يَبْدَأُ فِي الْآيَةِ ١ بِالْكَلِمَاتِ الْآتِيَةِ:
وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلًا حَسَبَ دَهْرِ هَذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلًا بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا، اللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ –بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ– وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ، بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ [الْكَلِمَةُ الَتِي سَبَقَتْ "ذَلِكَ" هِيَ "الإِيمَانُ"] لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا.
فِي هَذَا الْمُوجَزِ الْمُخْتَصَرِ، مَا يُرَكِّزُ بُولُسُ عَلَيْهِ هُنَا هُوَ عَمَلُ الرُوحِ الْقُدُسِ الَذِي يَصِفُهُ عَلَى أَنَّهُ عَمَلُ إِحْيَاءٍ، مَا يَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَنَا أَحْيَاءً. وَنَفْهَمُ مِنْ حَيْثُ الْمَفَاهِيمُ اللَاهُوتِيَّةُ أَنَّهُ يُشَارُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَى مِيلَادِنَا الثانِي، إِلَى تَجْدِيدِنَا. وَهَذَا مَا قَالَ يَسُوعُ عَنْهُ لِنِيقُودِيمُوسَ إِنَّهُ مَطْلَبٌ أَسَاسِيٌّ لِكَيْ يَرَى أَحَدُهُمْ مَلَكُوتَ اللَّهِ، نَاهِيكَ عَنِ الدُخُولِ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ. وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِالدَعْوَةِ الدَاخِلِيَّةِ. إِذًا، السُؤَالُ الْأَسَاسِيُّ الَذِي أَطْرَحُهُ بَيْنَمَا أَسْعَى وَرَاءَ الْيَقِينِ هُوَ الْآتِي: "هَلْ أَنَا إِنْسَانٌ مُتَجَدِّدٌ؟" وَإِنْ كُنْتُ إِنْسَانًا مُتَجَدِّدًا، فَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي مِنْ بَيْنِ الْمُخْتَارِينَ، فَمِنْ دُونِ الِاخْتِيَارِ لَا يُمْكِنُ لِعَمَلِ الرُوحِ الْقُدُسِ هَذَا أَنْ يَتِمَّ فِي نَفْسِكَ. إِذًا، جَمِيعُ الْمُخْتَارِينَ سَيُصْبِحُونَ فِي مَرْحَلَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ حَيَاتِهِمْ مُتَجَدِّدِينَ بِالرُوحِ الْقُدُسِ؛ وَجَمِيعُ الْمُتَجَدِّدِينَ يُحْصَوْنَ مِنْ بَيْنِ الْمُخْتَارِينَ. إِذًا، إِنْ كُنْتَ مُتَأَكِّدًا مِنْ تَجْدِيدِكَ، يُمْكِنُكَ أَنْ تَتَأَكَّدَ مِنِ اخْتِيَارِكَ؛ وَإِنْ كُنْتَ مُتَأَكِّدًا مِنِ اخْتِيَارِكَ، يُمْكِنُكَ أَنْ تَتَأَكَّدَ مِنْ خَلَاصِكَ.
الْمُهِمُّ فِي الْأَمْرِ هُوَ أَنْ نَفْهَمَ مَعْنَى التَجْدِيدِ. يُوجَدُ الْتِبَاسٌ كَبِيرٌ فِي الْعَالَمِ الْمَسِيحِيِّ حَوْلَ مَسْأَلَةِ طَبِيعَةِ التَجْدِيدِ. وَالْأَشْخَاصُ الَذِينَ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ إِنْجِيلِيِّينَ فِي أَمْرِيكَا يُجُولُونَ مُؤْمِنِينَ بِأُمُورٍ مُخْتَلِفَةٍ جِدًّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يَحْدُثُ لِلْمَرْءِ عِنْدَمَا يُحْيِيهِ الرُوحُ الْقُدُسُ أَوْ يُجَدِّدُهُ وَيُقِيمُهُ مِنَ الْمَوْتِ الرُوحِيِّ إِلَى الْحَيَاةِ الرُوحِيَّةِ. لِهَذَا السَبَبِ، أَنَا أَقُولُ مُجَدَّدًا إِنَّ التَوَصُّلَ إِلَى عَقِيدَةِ تَجْدِيدٍ سَلِيمَةٍ هُوَ أَمْرٌ مُهِمٌّ جِدًّا لِاكْتِسَابِ يَقِينٍ كَامِلٍ مِنْ كَوْنِنَا نِلْنَا النِعْمَةَ وَمِنَ التَيَقُّنِ مِنْ عَلَاقَتِنَا بِاَللَّهِ. إِذًا، فِي مُحَاضَرَتِنَا الْمُقْبِلَةِ وَالْأَخِيرَةِ، أُرِيدُ أَنْ أَتَكَلَّمَ عَنْ عَمَلِ اللَّهِ الرُّوحِ الْقُدُسِ فِي حَيَاتِنَا عَلَى أَنَّهُ الْأَسَاسُ الْأَهَمُّ لِلتَيَقُّنِ مِنْ خَلَاصِنَا بِشَكْلٍ كَامِلٍ وَحَقِيقِيٍّ.