المحاضرة 4: اليَقِينُ المُزَيَّفُ

سَنُتَابِعُ سِلْسِلَتَنَا حَوْلَ التَيَقُّنِ مِنَ الْخَلَاصِ. فِي مُحَاضَرَتِنَا السَابِقَةِ، تَكَلَّمْنَا عَنْ أَرْبَعِ فِئَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ النَاسِ فِي الْعَالَمِ؛ تَكَلَّمْنَا عَنِ الْأَشْخَاصِ غَيْرِ الْمُخَلَّصِينَ وَالَذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَلَّصِينَ، وَتَكَلَّمْنَا عَنِ الْأَشْخَاصِ الْمُخَلَّصِينَ الَذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مُخَلَّصُونَ، وَعَنِ الْأَشْخَاصِ الْمُخَلَّصِينَ الَذِينَ لَا يَعْلَمُونَ بَعْدُ أَنَّهُمْ مُخَلَّصُونَ. أَمَّا الْفِئَةُ الَتِي تُفْسِدُ كُلَّ شَيْءٍ، فَهِيَ الْفِئَةُ الرَابِعَةُ الَتِي تَضُمُّ الْأَشْخَاصَ غَيْرَ الْمُخَلَّصِينَ لَكِنْ لَدَيْهِمْ يَقِينٌ بِأَنَّهُمْ مُخَلَّصُونَ.

وَمَا يُعَقِّدُ بَحْثَنَا عَنِ التَيَقُّنِ مِنَ الْخَلَاصِ هُوَ أَنَّنَا نَرَى أَنَّهُ تُوجَدُ فِئَتَانِ مِنَ النَاسِ هُنَا مِمَّنْ يَعْلَمُونَ بِالتَأْكِيدِ أَنَّهُمْ مُخَلَّصُونَ. لَكِنَّ الْمُشْكِلَةَ الْوَحِيدَةَ هِيَ أَنَّ وَاحِدَةً مِنْ هَاتَيْنِ الْفِئَتَيْنِ لَيْسَتْ مُخَلَّصَةً حَقًّا. إِذًا، عَلَى الْأَشْخَاصِ الْمُخَلَّصِينَ الْآنَ أَنْ يَسْأَلُوا أَنْفُسَهُمْ: "كَيْفَ يُمْكِنُنِي أَنْ أَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّ يَقِينِي لَا يُشْبِهُ الْيَقِينَ الزَائِفَ لَدَى الْأَشْخَاصِ الَذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُخَلَّصُونَ لَكِنَّهُمْ لَيْسُوا كَذَلِكَ؟" هَذَا يُرْجِعُنَا إِلَى الْمُحَاضَرَةِ الْأُولَى الَتِي تَكَلَّمْنَا فِيهَا عَنْ تَحْذِيرِ يَسُوعَ فِي الْمَوْعِظَةِ عَلَى الْجَبَلِ، حِينَ قَالَ إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ قَائِلِينَ: "يَا رَبُّ، يَا رَبُّ، أَلَمْ نَفْعَلْ ذَلِكَ؟" إِلَى آخِرِهِ. مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصَ سَيَأْتُونَ إِلَى يَسُوعَ مُتَيَقِّنِينَ تَمَامًا مِنْ أَنَّهُمْ خَاصَّتُهُ وَهُوَ سَيَرْفُضُهُمْ، مُبَيِّنًا بِذَلِكَ أَنَّ يَقِينَهُمْ مُزَيّفٌ وَمَغْلُوطٌ.

إِذًا، مَا سَأَفْعَلُهُ فِي هَذِهِ الْمُحَاضَرَةِ هُوَ طَرْحُ السُؤَالِ الْآتِي: كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ؟ أَوْ مَا هِيَ الطُرُقُ الْمُخْتَلِفَةُ الَتِي تَقُودُ إِلَى يَقِينٍ مُزَيَّفٍ؟ سَأَتَطَرَّقُ إِلَى مَشَاكِلَ مُخْتَلِفَةٍ وَعَدِيدَةٍ نُوَاجِهُهَا، لَكِنْ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ، يُمْكِنُ اخْتِصَارُهَا كُلِّهَا بِأَمْرَيْنِ: الْأَمْرُ الْأَوَّلُ هُوَ أَنَّ لَدَى النَاسِ يَقِينًا مُزَيَّفًا بِالْخَلَاصِ لِأَنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ شُرُوطَ الْخَلَاصِ، إِنَّهُمْ يُسِيئُونَ فَهْمَ مَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ الْخَلَاصُ. إِذًا، إِنْ كَانَ لَدَيْكَ لَاهُوتٌ خَاطِئٌ عَنِ الْخَلَاصِ فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ يَقُودُكَ إِلَى يَقِينٍ مُزَيَّفٍ. وَالْمُشْكِلَةُ الْكَبِيرَةُ الثَانِيَةُ هِيَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَدَيْكَ لَاهُوتٌ صَحِيحٌ –فَعَلَيْكَ أَنْ تَرَى أَيْضًا أَنَّهُ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ لَدَى الْإِنْسَانِ لَاهُوتٌ سَلِيمٌ وَفَهْمٌ صَحِيحٌ لِلْأُمُورِ الْمَطْلُوبَةِ لَكِنَّهُ يُخْطِئُ فِي تَتْمِيمِهِ لِهَذِهِ الشُرُوطِ شَخْصِيًّا بِشَكْلٍ صَحِيحٍ وَحَقِيقِيٍّ. إِذًا، هَذَا يَزِيدُ الْأُمُورَ تَعْقِيدًا. إِذًا، سَنَتَوَسَّعُ فِي الْكَلَامِ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ ابْتِدَاءً مِنَ الْآنَ.

أَوَّلُ خَطَأٍ كَبِيرٍ يَقُودُ إِلَى يَقِينِ خَلَاصٍ مُزَيَّفٍ هُوَ خَطَأُ مَذْهَبِ شُمُولِيَّةِ الْخَلَاصِ. يُعَلِّمُ مَذْهَبُ شُمُولِيَّةِ الْخَلَاصِ أَنَّ جَمِيعَ الْبَشَرِ سَيَنَالُونَ الْخَلَاصَ، وَالْجَمِيعَ سَيَذْهَبُونَ إِلَى السَمَاءِ. إِذًا، إِنْ كُنْتَ مُقْتَنِعًا بِمَذْهَبِ شُمُولِيَّةِ الْخَلَاصِ هَذَا فَإِنَّهُ لَمِنَ الْقِيَاسِ الْمَنْطِقِيِّ بِالنِسْبَةِ إِلَيَّ الِانْتِقَالُ مِنْ عَقِيدَةِ الْخَلَاصِ الشَامِلِ إِلَى حَالَةِ مَصِيرِي كَفَرْدٍ. يُمْكِنُنِي أَنْ أَقِيسَ الْأُمُورَ مَنْطِقِيًّا كَالْآتِي: جَمِيعُ النَاسِ مُخَلَّصُونَ، وَأَنَا وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ النَاسِ، إِذًا، أَنَا مُخَلَّصٌ. فَإِنْ كَانَ جَمِيعُ النَاسِ مُخَلَّصِينَ، وَأَنَا إِنْسَانٌ، عِنْدَئِذٍ، يُمْكِنُنِي أَنْ أَتَأَكَّدَ مِنْ أَنِّي سَأَخْلُصُ أَنَا أَيْضًا.

هَذَا يَنْطَوِي أَيْضًا عَلَى الْفِكْرَةِ الَتِي أُسَمِّيَهَا: "عَقِيدَةَ التَبْرِيرِ بِالْمَوْتِ"، وَهِيَ بِرَأْيِي عَقِيدَةُ التَبْرِيرِ الْأَكْثَرُ انْتِشَارًا فِي ثَقَافَتِنَا الْيَوْمَ. الْجَدَلُ الْأَكْبَرُ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ نَشَأَ فِي الْقَرْنِ ١٦ عَشَرَ بَيْنَ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ وَالْمُصْلِحِينَ الْبْرُوتِسْتَانْتِيِّينَ حَوْلَ مَسْأَلَةِ كَيْفِيَّةِ حُدُوثِ التَبْرِيرِ. وَمَسْأَلَةُ التَبْرِيرِ بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ أَوْ بِوَسَائِلَ أُخْرَى أَصْبَحَتْ مَوْضِعَ الْجَدَلِ الْأَكْثَرَ احْتِدَامًا عَلَى الْإِطْلَاقِ. لَكِنِ الْيَوْمَ، لَمْ تَعُدْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ سَائِدَةً فِي ثَقَافَتِنَا، وَإِنَّمَا الْعَقِيدَةُ الْأَكْثَرُ تَنَافُسًا مَعَ عَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هِيَ عَقِيدَةُ التَبْرِيرِ بِالْمَوْتِ.

سَبَقَ لِي أَنْ أَشَرْتُ إِلَى الْأَسْئِلَةِ الْكِرَازِيَّةِ التَشْخِيصِيَّةِ الْكَبِيرَةِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ إِنَّهُمَا سُؤَالَانِ. ذَكَرْتُ وَاحِدًا مِنْهُمَا حَيْثُ إِنَّهُ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ الْكِرَازِيِّ يُطْرَحُ عَلَى الْمَرْءِ السُؤَالُ الْآتِي: "هَلْ سَبَقَ لَكَ أَنْ تَوَصَّلْتَ إِلَى مَرْحَلَةٍ فِي حَيَاتِكَ الرُوحِيَّةِ أَوْ فِي تَفْكِيرِكَ تَعْلَمُ فِيهَا بِالتَأْكِيدِ أَنَّكَ حِينَ تَمُوتُ سَتَذْهَبُ إِلَى السَمَاءِ؟" ثُمَّ يَلِي هَذَا السُؤَالَ سُؤَالٌ ثَانٍ: "افْرِضْ أَنَّكَ مُتَّ اللَيْلَةَ وَمَثَلْتَ أَمَامَ اللَهِ، وَسَأَلَكَ اللَّهُ: لِمَاذَا أَسْمَحُ لَكَ بِالدُخُولِ إِلَى السَمَاءِ؟ فَمَاذَا سَيَكُونُ جَوَابُكَ؟" أَنَا طَرَحْتُ هَذَا السُؤَالَ عَلَى الْكَثِيرِ مِنَ الْأَشْخَاصِ. وَبِصَرَاحَةٍ، الْجَوَابُ الَذِي نَحْصُلُ عَلَيْهِ غَالِبًا هُوَ مَا يُعْرَفُ بِجَوَابِ بِرِّ الْأَعْمَالِ، أَيْ حِينَ يَقُولُ النَاسُ لِلَّهِ: "لَقَدْ عِشْتُ حَيَاةً صَالِحَةً"، أَوْ "بَذَلْتُ مَا فِي وُسْعِي"، إِلَى آخِرِهِ. لَكِنَّنَا سَنَتَكَلَّمُ أَكْثَرَ عَنِ الْأَمْرِ بَعْدَ قَلِيلٍ.

لَكِنِّي طَرَحْتُ هَذَا السُؤَالَ عَلَى ابْنِي عِنْدَمَا كَانَ فَتًى، قُلْتُ لَهُ: "يَا بُنَيَّ، إِنْ مُتَّ اللَيْلَةَ وَمَثَلْتَ أَمَامَ اللَّهِ، وَقَالَ لَكَ اللَّهُ: لِمَاذَا سَأَسْمَحُ لَكَ بِالدُخُولِ إِلَى السَمَاءِ؟ فَمَاذَا سَتَقُولُ لِلَّهِ؟" فَنَظَرَ ابْنِي إِلَيَّ وَكَأَنَّ هَذَا السُؤَالَ هُوَ الْأَكْثَرُ سَخَافَةً الَذِي يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَيّلَهُ، ثُمَّ قَالَ: "سَأَقُولُ لَهُ: لِأَنِّي مُتُّ". وَأَيُّ أَمْرٍ قَدْ يَكُونُ أَبْسَطَ مِنْ ذَلِكَ؟ وَقُلْتُ لِنَفْسِي: "هَا إِنَّهُ نَشَأَ فِي بَيْتٍ مُلْتَزِمٍ بِاللَاهُوتِ الْكِتَابِيِّ، وَأَنَا لَمْ أَفْشَلْ فَحَسْبُ فِي نَقْلِ عَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ لِابْنِي، بَلْ إِنَّهُ أَيْضًا مَأْخُوذٌ بِالنَظْرَةِ الْمُنْتَشِرَةِ فِي ثَقَافَتِنَا، وَالَتِي تَقُولُ إِنَّ الْجَمِيعَ سَيَذْهَبُونَ إِلَى السَمَاءِ، وَإِنَّ كُلَّ مَا عَلَيْكَ فِعْلُهُ لِتَصِلَ إِلَى هُنَاكَ هُوَ الْمَوْتُ".

لَقَدْ حَذَفْنَا فِكْرَةَ الدَيْنُونَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ تَفْكِيرِنَا، وَمَحَوْنَا أَيَّ مَفْهُومٍ لِلْعِقَابِ الْإِلَهِيِّ وَالْجَحِيمِ مِنْ تَفْكِيرِنَا وَمِنْ فِكْرِ الْكَنِيسَةِ، لِدَرَجَةِ أَنَّهُ يَتِمُّ الِاعْتِبَارُ الْآنَ أَنَّ كُلَّ مَا عَلَيْكَ فِعْلُهُ لِلذَهَابِ إِلَى السَمَاءِ هُوَ الْمَوْتُ. فِي الْوَاقِعِ، أَقْوَى سَبِيلٍ لِلْحُصُولِ عَلَى نِعْمَةِ التَقْدِيسِ فِي مُجْتَمَعِنَا هُوَ الْمَوْتُ، لِأَنَّ الْخَاطِئَ الْمُلَطَّخَ بِالْخَطِيَّةِ يَتَغَيَّرُ تِلْقَائِيًّا أَثْنَاءَ الِانْتِقَالِ بَيْنَ الْمَشْرَحَةِ وَالْمَقْبَرَةِ. وَبِالتَالِي، أَثْنَاءَ إِقَامَةِ مَرَاسِمِ الْجِنَازَةِ يَتِمُّ تَقْدِيمُ الْفَقِيدِ إِلَيْنَا كَمِثَالٍ لِلْكَمَالِ وَالْفَضِيلَةِ، وَفَجْأَةً تَزُولُ خَطَايَاهُ لِأَنَّهُ مَاتَ. هَذَا أَمْرٌ خَطِيرٌ جِدًّا، لِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يُحَذِّرُنَا مِرَارًا وَتَكْرَارًا مِنْ أَنَّهُ وُضِعَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَمُوتَ مَرَّةً، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الدَيْنُونَةُ.

يُحِبُّ النَاسُ أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ تَهْدِيدَ الدَيْنُونَةِ الْأَخِيرَةِ أَمْرٌ اخْتَرَعَهُ الْمُبَشِّرُونَ فِي الْحَمَلَاتِ الْكِرَازِيَّةِ مِثْلِ بِيلِي صَنْدَايْ (Billy Sunday)، أَوْ دْوَايِتْ مُودِي (Dwight Moody)، أَوْ بِيلِي جِرَاهَامْ، أَوْ جُونَاثَانْ إِدْوَارْدِزْ، أَوْ جُورْجْ وِيتْفِيلْدْ. لَا لَا لَا، لَا أَحَدَ يُعَلِّمُ بِوُضُوحٍ عَنِ الدَيْنُونَةِ الْأَخِيرَةِ وَالِانْفِصَالِ بَيْنَ السَمَاءِ وَالْجَحِيمِ أَكْثَرُ مِنْ يَسُوعَ نَفْسِهِ. فَالرَبُّ يَسُوعُ تَكَلَّمَ عَنِ الْجَحِيمِ أَكْثَرَ مِمَّا تَكَلَّمَ عَنِ السَمَاءِ، وَهُوَ حَذَّرَ الْمُسْتَمِعِينَ دَائِمًا مِنْ أَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ كُلُّ كَلِمَةٍ بَاطِلَةٍ سَوْفَ تُدَانُ. لَكِنْ إِنْ كَانَ هُنَاكَ أَمْرٌ نُرِيدُ أَنْ نَقْمَعَهُ نَفْسِيًّا فَهُوَ التَهْدِيدُ، لِأَنَّ لَا أَحَدَ بَيْنَنَا يُرِيدُ أَنْ يُحَاسَبَ عَلَى خَطَايَاهُ – هَذِهِ هِيَ طَبِيعَتُنَا. إِذًا، مَا مِنْ أَمْرٍ يَرُوقُ لِلْبَشَرِ أَكْثَرُ مِنْ مَذْهَبِ شُمُولِيَّةِ الْخَلَاصِ الَذِي يَقُولُ إِنَّ الْكُلَّ مُخَلَّصُونَ.

الْأَسَاسُ الْمُزَيَّفُ الثَانِي لِلتَيَقُّنِ مِنَ الْخَلَاصِ هُوَ مَا أُسَمِّيهِ النَامُوسِيَّةَ، وَهِيَ تَسْمِيَةٌ أُخْرَى لِبِرِّ الْأَعْمَالِ. تُعَلِّمُ هَذِهِ النَظَرِيَّةُ أَنَّ مَا عَلَيْكَ فِعْلُهُ لِتَذْهَبَ إِلَى السَمَاءِ هُوَ أَنْ تُطِيعَ نَامُوسَ اللَّهِ وَتَعِيشَ حَيَاةً صَالِحَةً. أَيْ أَنَّ أَعْمَالَكَ وَأَفْعَالَكَ الصَالِحَةَ سَتُوصِلُكَ إِلَى السَمَاءِ. إِذًا، يَظُنُّ النَاسُ أَنَّهُمْ وَفُّوا الشُرُوطَ الَتِي وَضَعَهَا اللَّهُ، وَعَلَى أَسَاسِ تَقْدِيرِهِمْ لِذَوَاتِهِمْ وَشَخْصِيَّتِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ هُمْ يَثِقُونَ بِأَنَّهُمْ سَيَنْجَحُونَ فِي الِامْتِحَانِ، وَبِأَنَّهُمْ سَيُوفُونَ الشُرُوطَ وَالْمُتَطَلَّبَاتِ لِلدُخُولِ إِلَى السَمَاءِ. وَكَمَا قُلْتُ مُنْذُ قَلِيلٍ، فِي بَرْنَامَجِ الْأَسْئِلَةِ الْكِرَازِيَّةِ التَشْخِيصِيَّةِ أَنَا لَمْ أَطْرَحْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةَ عَلَى عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنَ النَاسِ فَحَسْبُ، بَلْ أَيْضًا دَرَّبْتُ أَكْثَرَ مِنْ مائَتَيْ شَخْصٍ خَرَجُوا إِلَى الشَارِعِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فِي الْأُسْبُوعِ وَتَكَلَّمُوا مَعَ النَاسِ وَطَرَحُوا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةَ، وَيَنْدَرِجُ تِسْعُونَ فِي الْمائَةِ مِنْ أَجْوِبَتِهِمْ فِي فِئَةِ بِرِّ الْأَعْمَالِ. عِنْدَمَا نَقُولُ لِأَحَدِهِمْ: "إِنْ مِتَّ اللَّيْلَةَ وَمَثَلْتَ أَمَامَ اللَّهِ وَقَالَ لَكَ اللَّهُ: لِمَاذَا سَأَسْمَحُ لَكَ بِالدُخُولِ إِلَى السَمَاءِ؟ فَمَاذَا سَتُجِيبُهُ؟" فَكَانَ النَاسُ يُجِيبُونَ: "لَقَدْ عِشْتُ حَيَاةً صَالِحَةً"، أَوْ "قَدَّمْتُ عُشُورِي لِلْكَنِيسَةِ"، أَوْ "خَدَمْتُ مَعَ الْكَشَّافَةِ"، أَوْ "فَعَلْتُ هَذَا"، أَوْ "فَعَلْتُ ذَاكَ"، إِلَى آخِرِهِ. لَكِنَّ ثِقَتَهُمْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى أَسَاسِ الْأَعْمَالِ الَتِي قَامُوا بِهَا فِي حَيَاتِهِمْ. هَذَا أَيْضًا أَسَاسٌ مُزَيَّفٌ لِلْيَقِينِ، لِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يَقُولُ بِوُضُوحٍ إِنَّهُ بِأَعْمَالِ النَامُوسِ لَا يَتَبَرَّرُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ.

إِنْ تَبَنَّى أَحَدٌ هَذَا الْمَفْهُومَ الْخَاطِئَ لِلْخَلَاصِ فَإِنَّهُ الْحَاكِمُ الشَابُّ الْغَنِيُّ الَذِي تَقَابَلَ مَعَ يَسُوعَ خِلَالَ خِدْمَتِهِ الْأَرْضِيَّةِ. تَذْكُرُونَ تِلْكَ الْقِصَّةَ، حِينَ جَاءَ الشَابُّ الْغَنِيُّ إِلَى يَسُوعَ وَوَجَّهَ لَهُ الْإِطْرَاءَ وَالْمَدِيحَ قَائِلًا: "أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لِأَرِثَ الْحَيَاةَ الْأَبَدِيَّةَ؟" لَقَدْ سَأَلَهُ عَمَّا يَجْدُرُ بِهِ فِعْلُهُ لِيَنَالَ الْخَلَاصَ، لَكِنَّهُ أَسْمَى يَسُوعَ "صَالِحًا". وَقَبْلَ أَنْ يُجِيبَ يَسُوعُ عَنْ سُؤَالِهِ بِشَأْنِ مَا يَجْدُرُ بِهِ فِعْلُهُ لِكَيْ يَخْلُصَ، اسْتَوْقَفَهُ وَوَضَعَ أَمَامَهُ تَحَدِّيًا قَائِلًا لَهُ: "لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ". اسْتِنَادًا إِلَى هَذَا الْجَوَابِ يَقُولُ بَعْضُ النُقَّادِ: "هُنَا، يُنْكِرُ يَسُوعُ صَلَاحَهُ وَأُلُوهِيَّتَهُ بِكُلِّ وُضُوحٍ". لَا لَا لَا، فَيَسُوعُ يَعْلَمُ جَيِّدًا أَنَّ هَذَا الرَجُلَ لَا يَمْلِكُ أَدْنَى فِكْرَةٍ عَنِ الشَخْصِ الَذِي يَتَكَلَّمُ مَعَهُ – هُوَ لَا يَعْرِفُ مَنْ هُوَ يَسُوعُ، هُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَطْرَحُ هَذَا السُؤَالَ عَلَى اللَّهِ الْمُتَجَسِّدِ. فَكُلُّ مَا كَانَ الشَابُّ الْغَنِيُّ يَعْرِفُهُ، أَوْ كُلُّ مَا كَانَ الْحَاكِمُ الْغَنِيُّ يَعْرِفُهُ هُوَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ مَعَ مُعَلِّمٍ يَهُودِيٍّ يَقُومُ بِرِحْلَاتٍ تَبْشِيرِيَّةٍ، وَطَرَحَ عَلَيْهِ السُؤَالَ اللَاهُوتِيَّ: "مَاذَا أَعْمَلُ لِأَرِثَ الْحَيَاةَ الْأَبَدِيَّةَ؟" فَتَوَقَّفَ يَسُوعُ وَقَالَ: "مَهْلًا، لَدَيْكَ نَظْرَةٌ سَطْحِيَّةٌ لِلصَلَاحِ. لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ أَلَمْ تَقْرَأِ الْمَزَامِيرَ؟" أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ لَمْ تَقْرَأْ رِسَالَةَ بُولُسَ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ لِأَنَّهَا لَمْ تُكْتَبْ بَعْدُ، لَكِنْ فِي هَذِهِ الرِسَالَةِ، اقْتَبَسَ بُولُسُ كَلَامًا مِنَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ قَائِلًا: "لَيْسَ بَارٌّ وَلَاَ وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاَحًا".

مَهْلًا، هَذَا كَلَامٌ مُنَافٍ لِلْعَقْلِ، فَنَحْنُ نَرَى أَشْخَاصًا غَيْرَ مُؤْمِنِينَ يَعْمَلُونَ صَلَاحًا طَوَالَ الْوَقْتِ. لَكِنَّ الْأَمْرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا تَقْصِدُهُ بِالصَلَاحِ. فَالْمِعْيَارُ الْكِتَابِيُّ لِلصَلَاحِ هُوَ بِرُّ اللَّهِ. وَنَحْنُ نُدَانُ عَلَى أَسَاسِ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ هُوَ تَوَافُقُ سُلُوكِنَا مَعَ شَرِيعَةِ اللَّهِ، وَالثَانِي هُوَ الرَغْبَةُ الدَاخِلِيَّةُ فِي إِطَاعَةِ شَرِيعَةِ اللَّهِ. يُمْكِنُنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى النَاسِ ظَاهِرِيًّا، فَأَرَى مِنْ حَوْلِي أَشْخَاصًا غَيْرَ مُؤْمِنِينَ يَقُومُونَ بِمَا يُسَمِّيهِ جُونْ كَالْفِن "الْفَضَائِلَ الْمَدَنِيَّةَ"، أَيْ أَنَّهُمْ يَقُومُونَ بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، وَيُقَدِّمُونَ أَمْوَالَهُمْ لِمَشَارِيعَ خَيْرِيَّةٍ، وَيُسَاعِدُونَ الْفُقَرَاءَ، حَتَّى إِنَّهُمْ يُضَحُّونَ بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ أَجْلِ الْآخَرِينَ، وَيَفْعَلُونَ شَتَّى أَنْوَاعِ الْأُمُورِ الرَائِعَةِ عَلَى الْمُسْتَوَى الْأُفُقِيِّ، وَيَحْتَرِمُونَ الْحُدُودَ الْقُصْوَى لِلسُرْعَةِ عِنْدَمَا يَقُودُونَ سَيَّارَاتِهِمْ، لَكِنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ مَلِيئَةٌ بِمَحَبَّةٍ كَامِلَةٍ وَنَقِيَّةٍ لِلَّهِ. قَدْ يَكُونُونَ مَنْ يُسَمِّيهِمْ جُونَاثَانْ إِدْوَارْدِزْ الْمُسْتَنِيرِينَ الْحَرِيصِينَ عَلَى الْمَصَالِحِ الشَخْصِيَّةِ.

سَمِعْتُ مَرَّةً قِصَّةَ رَجُلٍ غَيْرِ مُؤْمِنٍ كَانَ وَاقِفًا فِي الشَارِعِ حِينَ شَبَّ حَرِيقٌ فِي أَحَدِ الْمَبَانِي، فَهُرِعَ الْجَمِيعُ لِإِنْقَاذِ السُكَّانِ الْمُحْتَجَزِينَ فِي النَارِ، وَدَخَلَ رِجَالُ الْإِطْفَاءِ وَأَخْرَجُوا أَكْبَرَ عَدَدٍ مُمْكِنٍ مِنَ الْأَشْخَاصِ، لَكِنِ الْآنَ أَصْبَحَ مِنَ الْخَطَرِ جِدًّا الدُخُولُ مُجَدَّدًا إِلَى الْمَبْنَى. ثُمَّ أَدْرَكُوا أَنَّ ثَمَّةَ وَلَدًا لَا يَزَالُ مُحْتَجَزًا فِي الْمَبْنَى. فَاخْتَرَقَ هَذَا الرَجُلُ جُمُوعَ الْمُتَفَرِّجِينَ، مُتَجَاهِلًا اللَهِيبَ وَأَلْسِنَةَ النَارِ، وَدَخَلَ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْمَبْنَى، فَبَدَأَ جَمِيعُ الْوَاقِفِينَ فِي الشَارِعِ يَهْتِفُونَ لَهُ تَشْجِيعًا. وَبَعْدَ قَلِيلٍ، خَرَجَ حَيًّا مُعَافًى حَامِلًا رُزْمَةً بِيَدِهِ، وَظَلَّ النَاسُ يَهْتِفُونَ لَهُ إِلَى أَنْ أَدْرَكُوا أَنَّهُ جَلَبَ مُدَّخَرَاتِهِ وَتَرَكَ الْوَلَدَ يَمُوتُ.

السُؤَالُ هُوَ الْآتِي: لِنَفْرِضْ أَنَّ الرَجُلَ مَاتَ فِي الْحَرِيقِ، لَكَانَ تَمَّ اعْتِبَارُهُ بَطَلًا مَحَلِّيًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خَاطَرَ بِحَيَاتِهِ لِيُخَلِّصَ وَلَدًا، لَا لِيُخَلِّصَ ثَرْوَتَهُ. لَكِنْ عَلَيْنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَى مَا أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ. أَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الْمُمْكِنِ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَهْرَعُوا إِلَى الْمَبْنَى لِإِنْقَاذِ الْوَلَدِ وَأَنْ يَخْسَرُوا حَيَاتَهُمْ أَثْنَاءَ الْقِيَامِ بِذَلِكَ – هَذِهِ هِيَ الْعَدَالَةُ الْمَدَنِيَّةُ، أَيْ الِاهْتِمَامُ الطَبِيعِيُّ الَذِي نُكِنُّهُ لِبَعْضِنَا الْبَعْضِ. لَكِنْ عِنْدَمَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى هَذَا الْعَمَلِ، فَهُوَ يُرِيدُ الْقَوْلَ: "هَلْ يَنْبُعُ هَذَا الْعَمَلُ مِنْ قَلْبٍ يُحِبُّ اللَّهُ مَحَبَّةً كَامِلَةً؟" تَذَكَّرُوا الْوَصِيَّةَ الْأُولَى: "تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ". وَإِنْ أَطَعْتُ الشَرِيعَةَ ظَاهِرِيًّا وَلَمْ أَكُنْ قَدْ سَلَّمْتُ قَلْبِي بِالْكَامِلِ لِلَّهِ، فَإِنَّ خَطِيَّتِي، عُذْرًا، فَإِنَّ فَضِيلَتِي أَصْبَحَتْ فَاسِدَةً. لِذَا قَالَ أُوغَسْطِينُوسُ إِنَّ أَفْضَلَ مَزَايَانَا لَيْسَتْ سِوَى نَقَائِصَ جَلِيَّةٍ، لِأَنَّنَا مَا دُمْنَا فِي هَذَا الْجَسَدِ سَيَكُونُ هُنَاكَ دَائِمًا خَطِيَّةٌ مُرْتَبِطَةٌ بِكُلِّ مَا نَفْعَلُهُ. لَكِنَّ هَذَا مَا لَمْ يَفْهَمْهُ الْحَاكِمُ الْغَنِيُّ الشَّابُّ – ظَنَّ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يُوفِيَ الشُرُوطَ.

مَرَّةً أُخْرَى يُوَجِّهُ بُولُسُ تَحْذِيرًا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، قَائِلًا إِنَّ الَّذِينَ يَقِيسُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَيُقَابِلُونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ لَا يَفْهَمُونَ، لِأَنَّ هَذَا مَا نَفْعَلُهُ: يَنْظُرُ الْوَاحِدُ إِلَى تَصَرُّفِ الْآخَرِ وَنَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يَضَعُ دَرَجَاتٍ عَلَى قَوْسٍ. وَإِنْ حَفِظْتُ نَفْسِي مِنَ الزِّنَى، أَوْ حَفِظْتُ نَفْسِي مِنَ الْقَتْلِ أَوْ مِنَ الِاخْتِلَاسِ وَمِنِ ارْتِكَابِ خَطَايَا فَظِيعَةٍ كَهَذِهِ، يُمْكِنُنِي دَائِمًا أَنْ أَجِدَ أَشْخَاصًا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنِّي، وَأظُنُّ أَنِّي مُقَارَنَةً بِهِمْ أَنَا بِأَحْسَنِ حَالٍ.

هَذِهِ هِيَ الْعَقْلِيَّةُ الَتِي أَتَى بِهَا الشَابُّ إِلَى يَسُوعَ. فَهُوَ ظَنَّ أَنَّ يَسُوعَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَاسْتَوْقَفَهُ فِي الطَرِيقِ وَقَالَ إِنَّهُ حَفِظَ الشَرِيعَةَ –"لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَزْنِ"– عِنْدَئِذٍ بَيَّنَ هَذَا الشَابُّ أَنَّ مَفْهُومَهُ لِلشَرِيعَةِ لَا يَزَالُ سَطْحِيًّا، لِأَنَّهُ قَالَ لِيَسُوعَ: "أَهَذَا كُلُّ شَيْءٍ؟ أَنَا أُتَمِّمُ هَذِهِ الْأُمُورَ كُلَّهَا مُنْذُ صِبَايَ. لَقَدْ حَفِظْتُ الْوَصَايَا الْعَشْرَ طَوَالَ حَيَاتِي". مَا كَانَ بِإِمْكَانِ يَسُوعَ فِعْلُهُ مَعَ هَذَا الشَابِّ هُوَ الْقَوْلُ: "إِنِّي أَرَى أَنَّكَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودًا حِينَ قَدَّمْتُ الْمَوْعِظَةَ عَلَى الْجَبَلِ وَشَرَحْتُ الْمَعَانِي الْمُتَضَمَّنَةَ فِي الشَرِيعَةِ، لَقَدْ فَاتَتْكَ تِلْكَ الْمُحَاضَرَةُ". لَكِنْ بَدَلًا مِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ اتَّبَعَ طَرِيقَةً تَدْرِيسِيَّةً جَمِيلَةً لِيُعَلِّمَ هَذَا الشَابَّ خَطَأَهُ – قَالَ: "أَحَقًّا حَفِظْتَهَا كُلَّهَا؟" كَانَ بِإِمْكَانِهِ الْقَوْلُ: "أَنْتَ لَمْ تَحْفَظْ أَيًّا مِنْهَا مُنْذُ أَنْ نَهَضْتَ مِنْ سَرِيرِكَ هَذَا الصَبَاحَ"، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: "حَسَنًا، بِعْ كُلَّ مَا لَدَيْكَ وَأَعْطِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَاحْمِلْ صَلِيبَكَ وَاتْبَعْنِي". فِي هَذَا الْإِطَارِ، لَمْ يَكُنْ يَسُوعُ يُبَيّنُ سَبِيلًا جَدِيدًا لِلْخَلَاصِ، قَائِلًا إِنَّهُ يُمْكِنُكَ أَنْ تَخْلُصَ عَبْرَ تَقْدِيمِ مُمْتَلَكَاتِكَ لِلْفُقَرَاءِ، كَمَا أَنَّ يَسُوعَ لَمْ يُنَفِّذْ أَمْرًا رَسْمِيًّا عَامًّا بِأَنْ يَتَخَلَّى النَاسُ عَنْ مُمْتَلَكَاتِهِمْ الْخَاصَّةِ. فَهُوَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ هَذَا الشَابِّ، وَالشَابُّ كَانَ ثَرِيًّا، وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ قَلْبَ الشَابِّ كَانَ مَأْسُورًا تَمَامًا بِثَرْوَتِهِ. وَبِالنِسْبَةِ إِلَيْهِ، كَانَتْ أَمْوَالُهُ إِلَهَهُ، الْوَثَنَ الَذِي يَعْبُدُهُ. فَقَالَ يَسُوعُ: "أَنْتَ حَفِظْتَ الْوَصَايَا الْعَشْرَ كُلَّهَا، حَسَنًا، فَلْنُرَاجِعْ الْأُولَى: لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. اذْهَبْ وَبِعْ كُلَّ مُمْتَلكاتِكَ". وَالرَجُلُ الَذِي كَانَ مُتَحَمِّسًا جِدًّا قَبْلَ لَحَظَاتٍ، قِيلَ لَنَا إِنَّهُ بَدَأَ يَهُزُّ رَأْسَهُ وَمَضَى حَزِينًا، لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ.

مِحْوَرُ هَذَا اللِقَاءِ بِرُمَّتِهِ هُوَ الصَلَاحُ. هَلْ لَدَيْنَا بِرٌّ كَافٍ يُرْضِي مُتَطَلَّبَاتِ إِلَهٍ قُدُّوسٍ؟ كُلُّ صَفْحَةٍ مِنْ صَفَحَاتِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ تُنَاقِضُ هَذِهِ الْفِكْرَةَ، وَتَقُولُ إِنَّ كُلَّ أَعْمَالِ بِرِّنَا كَثَوْبِ عُدَّةٍ، وَإِنَّ كُلَّ مَنْ يَثِقُ بِبِرِّهِ لِيَنَالَ الْخَلَاصَ لَدَيْهِ يَقِينٌ مُزَيَّفٌ. لَا تُوجَدُ أَعْمَالٌ كَافِيَةٌ فِي الْعَالَمِ يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ بِهَا لِكَيْ تَخْلُصَ. أَنْتَ خَادِمٌ عَدِيمُ الْجَدْوَى. كَانَ هَذَا مِحْوَرَ إِصْلَاحِ الْقَرْنِ ١٦.

إِلَيْكُمْ طَرِيقَةً مُزَيَّفَةً أُخْرَى لِنَيْلِ الْخَلَاصِ، وَهِيَ الْوَسَاطَةُ الْكَهَنُوتِيَّةُ. وَالْوَسَاطَةُ الْكَهَنُوتِيَّةُ تَعْنِي أَنَّ الْخَلَاصَ يَتِمُّ مِنْ خِلَالِ الْكَاهِنِ، وَمِنْ خِلَالِ الْأَسْرَارِ الْمُقَدَّسَةِ أَوْ مِنْ خِلَالِ الْكَنِيسَةِ. عِنْدَئِذٍ يُمْكِنُ لِلنَاسِ أَنْ يَقُولُوا: "أَنَا تَعَمَّدْتُ"، أَوْ "لَقَدْ نِلْتُ سِرَّ التَوْبَةِ وَالِاعْتِرَافِ"، أَوْ "لَقَدْ تَنَاوَلْتُ مِنَ الْعِشَاءِ الرَبَّانِيِّ"، أَوْ "نِلْتُ سِرَّ مَسْحَةِ الْمَرْضَى". "لَقَدْ تَلَقَّيْتُ هَذِهِ الْأَسْرَارَ الْمُقَدَّسَةَ، وَهَذِهِ الْأَسْرَارُ هِيَ وَسَائِطُ لِلنِعْمَةِ، إِنَّهَا تُخَلِّصُنِي. إِذًا، أَنَا أَسْتَمِدُّ ثِقَتِي أَوْ يَقِينِي مِنِ اخْتِبَارِ هَذِهِ الْأَسْرَارِ الْمُقَدَّسَةِ". هَذَا هُوَ الْخَطَأُ الَذِي ارْتَكَبَهُ الْفَرِيسِيُّونَ فِي أَيَّامِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لِأَنَّهُمْ افْتَرَضُوا أَنَّ خُضُوعَهُمْ لِلْخِتَانِ، أَيْ لِأَسْرَارِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ الْمُقَدَّسَةِ، ضَمِنَ لَهُمْ مَكَانًا فِي مَلَكُوتِ اللَّهِ. الْأَسْرَارُ الْمُقَدَّسَةُ مُهِمَّةٌ جِدًّا، فَهِيَ تَنْقُلُ لَنَا وُعُودَ اللَّهِ لِخَلَاصِنَا، وَهِيَ وَسَائِطُ لِلنِعْمَةِ، لَكِنْ لَمْ يَحْدُثْ لِلْأَسْرَارِ الْمُقَدَّسَةِ يَوْمًا أَنْ خَلَّصَتْ أَحَدًا. وَإِنْ وَضَعْتَ ثِقَتَكَ فِي الْأَسْرَارِ الْمُقَدَّسَةِ، فَبِالتَالِي لَدَيْكَ يَقِينُ خَلَاصٍ مُزَيَّفٍ، لِأَنَّكَ وَضَعْتَ ثِقَتَكَ لِلْخَلَاصِ فِي أَمْرٍ لَا يُخَلِّصُكَ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَكَ.

وَمَا يَرْتَبِطُ ارْتِبَاطًا وَثِيقًا بِهَذَا الْأَمْرِ، وَنَجِدُهُ لَدَى الْكَثِيرِ مِنَ الْأَشْخَاصِ، هُوَ أَنَّ كُلَّ مَا عَلَيْكَ فِعْلُهُ لِكَيْ تَخْلُصَ هُوَ الِانْضِمَامُ إِلَى الْكَنِيسَةِ. لِذَا، إِنِ انْضَمُّوا إِلَى الْكَنِيسَةِ فَهُمْ يُعْتَبَرُونَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي جَسَدِ الْمَسِيحِ الْمَنْظُورِ، وَهُمْ يَفْتَرِضُونَ أَنَّكَ إِنْ كُنْتَ عُضْوًا فِي الْجَسَدِ الْمَنْظُورِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنَّكَ أَيْضًا فِي الْكَنِيسَةِ غَيْرِ الْمَنْظُورَةِ. وَلِذَا، فَإِنَّهُمْ يَضَعُونَ ثِقَتَهُمْ الْآنَ فِي عُضْوِيَّتِهِمْ. إِذًا، إِنْ كُنْتَ عُضْوًا فِي الْكَنِيسَةِ - فَهَلْ أَنْتَ مُخَلَّصٌ؟ "طَبْعًا، فَأَنَا عُضْوٌ فِي كَنِيسَةِ نَهْضَةِ الْقَدَاسَةِ". "هَلْ أَنْتَ مُخَلَّصٌ؟" "بِالطَبْعِ، فَأَنَا عُضْوٌ فِي الْكَنِيسَةِ الْأُسْقُفِيَّةِ". "هَلْ أَنْتَ مُخَلَّصٌ؟" "بِالطَبْعِ، فَأَنَا مَشِيخِيٌّ". لَكِنَّ الْعُضْوِيَّةَ فِي الْكَنِيسَةِ لَا تُبَرِّرُ أَحَدًا. إِذًا، هَذِهِ طَرِيقَةٌ مُزَيَّفَةٌ أُخْرَى لِنَيْلِ الْيَقِينِ، وَهِيَ أَسَاسٌ غَيْرُ شَرْعِيٍّ لِلْيَقِينِ.

أَخِيرًا، وَكَمَا ذَكَرْتُ سَابِقًا، فِيمَا يُعْرَفُ بِالْعَالَمِ الْإِنْجِيلِيِّ نَجِدُ طُرُقًا أُخْرَى: صَلِّ صَلَاةَ الْخَلَاصِ، ارْفَعْ يَدَكَ عَلَى الطَرِيقَةِ الْإِنْجِيلِيَّةِ، تَقَدَّمْ إِلَى الْأَمَامِ بَعْدَ تَلَقِّي الدَعْوَةِ، قَرِّرْ أَنْ تَتْبَعَ الْمَسِيحَ – هَذِهِ كُلُّهَا تِقْنِيَّاتٌ أَوْ أَسَالِيبُ مُتَّبَعَةٌ لِدَعْوَةِ النَاسِ إِلَى التَوْبَةِ وَلِدَعْوَةِ النَاسِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَهِيَ كُلُّهَا جَيِّدَةٌ، لَكِنَّ الْأَمْرَ الْخَطِيرَ هُوَ أَنَّكَ إِنْ صَلَّيْتَ الصَلَاةَ وَرَفَعْتَ يَدَكَ وَسَلَكْتَ سُلُوكًا صَائِبًا وَاتَّخَذْتَ الْقَرَارَ الصَائِبَ، فَقَدْ تَضَعُ ثِقَتَكَ فِي ذَلِكَ. سَبَقَ أَنْ رَأَيْنَا أَنَّ هَذِهِ الِاعْتِرَافَاتِ الظَاهِرِيَّةَ قَدْ تَكُونُ خَادِعَةً، وَبِذَلِكَ أَنْتَ لَمْ تَقُمْ بِالْخُطُوَاتِ اللَازِمَةِ لِنَيْلِ الْخَلَاصِ. سَنَرَى فِي الْمُحَاضَرَةِ الْمُقْبِلَةِ كَيْفَ يُمْكِنُنَا أَنْ نَجِدَ طُرُقًا حَقِيقِيَّةً لِنَيْلِ الْخَلَاصِ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ التَغَلُّبُ عَلَى هَذِهِ الطُرُقِ الْمُزَيَّفَةِ.