المحاضرة 2: التَمْجِيدُ
رُبَّمَا مِنَ الْغَرِيبِ قَوْلُ ذَلِكَ، لَكِنْ تَسَنَّتْ لِي فُرْصَةُ حُضُورِ بَعْضِ أَكْثَرِ الْجِنَازَاتِ رَوْعَةً وَعَظَمَةً وَإِثَارَةً لِلْمَشَاعِرِ فِي حَيَاتِي. لَكِنْ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الْجِنَازَاتِ الَتِي حَضَرْتُهَا تِلْكَ الَتِي أَتَذَكَّرُهَا بِوُضُوحٍ تَمَّتْ مُنْذُ سَنَوَاتٍ عِدَّةٍ فِي بِيتْسِبِرْجْ، حِينَ تُوُفِّيَ فَجْأَةَ كَاهِنٌ أُسْقُفِيٌّ عَنْ سِنِّ ٤٢. وَبِمُنَاسَبَةِ مَرَاسِمِ جِنَازَتِهِ، قَامَ كَافَّةُ الْكَهَنَةِ فِي أَبْرَشِيَّةِ بِيتْسْبُرْجْ بِلَعِبِ دَوْرِ جَوْقَةِ الترَانِيمِ فِي تِلْكَ الْمُنَاسَبَةِ. وَكَانَتِ الْكَاتِدْرَائِيَّةُ مُكْتَظَّةً بِالْحُشُودِ، وَكَانَتِ الْمَقَاعِدُ كُلُّهَا مَحْجُوزَةً. وَفِي آخِرِ تِلْكَ الْجِنَازَةِ، كَانَ النَشِيدُ الْخِتَامِيُّ بِعُنْوَانِ "لِأَنَّ جَمِيعَ الْقِدِّيسِينَ يَرْتَاحُونَ مِنْ أَتْعَابِهِمْ". وَشَعَرْتُ بِأَنِّي طَفَوْتُ خَارِجَ تِلْكَ الْكَنِيسَةِ بَعْدَ تِلْكَ الْعِظَةِ. لَكِنِّي لَمْ أَمْتَنِعْ عَنِ الْبُكَاءِ فِي تِلْكَ الْأَثْنَاءِ، لِأَنَّ تِلْكَ كَانَتْ جِنَازَةَ صَدِيقٍ مُقَرَّبٍ جِدًّا وَرَفِيقٍ فِي الْخِدْمَةِ يُدْعَى دُونْ جَايْمْسْ. وَهُوَ كَانَ لَدَى مَمَاتِهِ الْمُدِيرَ التنْفِيذِيَّ لِمُنَظَّمَةٍ تُدْعَى The Pittsburgh Experiment، أَيِ "اخْتِبَارِ بِيتْسْبُرْجْ". وَهِيَ مُنَظَّمَةٌ أَسَّسَهَا الرَاحِلُ سَامْ شُومَيْكَرْ (Sam Shoemaker) الْكَبِيرُ.
وَكَانَتْ خِدْمَةُ اخْتِبَارِ بِيتْسْبُرْجْ خِدْمَةً مُوَجَّهَةً إِلَى رِجَالِ الْأَعْمَالِ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ، حَيْثُ حَاوَلَ سَامْ شُومَيْكَرْ حَثَّ رِجَالِ الْأَعْمَالِ فِي مَدِينَةِ بِيتْسْبُرْجْ عَلَى الصَلَاةِ لِمُدَّةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. حَثَّ الرِّجَالَ عَلَى الصَلَاةِ طَوَالَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَجْلِ الْمَسَائِلِ الْكَبِيرَةِ الَتِي تُوَاجِهُهُمْ فِي مَشَارِيعِهِمْ التِجَارِيَّةِ، وَفِي زِيجَاتِهِمْ، وَفِي حَيَاتِهِمْ الشَخْصِيَّةِ. كَمَا أَنَّهُ حَثَّهُمْ عَلَى الصَلَاةِ طَوَالَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَجْلِ أَعْدَائِهِمْ. لِأَنَّ سَامَ اكْتَشَفَ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يُصَلّيَ النَاسُ يَوْمِيًّا وَطَوَالَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَجْلِ خَيْرِ أَعْدَائِهِمْ، فَإِنَّ قُلُوبَهُمْ سَتَرِقُّ تُجَاهَ الْآخَرِينَ.
فِي إِحْدَى الْمُنَاسَبَاتِ، كَانَ سَامُ شُومَيْكَرْ يُخَاطِبُ مَجْمُوعَةً مِنْ رِجَالِ الْأَعْمَالِ، وَكَانَ أَحَدُ الرِجَالِ الْمَوْجُودِينَ بَيْنَ الْحُضُورِ مُدَرِّبًا عَسْكَرِيًّا سَابِقًا لِلْبَحْرِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ سِكِّيرًا وَشَتَّامًا وَمُشَكِّكًا عَنِيدًا. وَلَمَّا عَرَضَ سَامُ هَذَا التحَدِّي تَفَوَّهَ هَذَا الرَجُلُ مِنْ غَيْرِ تَفْكِيرٍ بِكَلَامٍ فَارِغٍ بَذِيءٍ، مُعَبِّرًا عَنِ ازْدِرَائِهِ بِمَا سَمِعَهُ لِلتَوِّ عَنْ قُوَّةِ الصَلَاةِ. وَمُبَاشَرَةً أَمَامَ هَذَا الْكَاهِنِ الْأُسْقَفِيِّ الْعَظِيمِ، سَامْ شُومِيكَرْ، أَعْلَنَ هَذَا الرَجُلُ هَذَا الْكَلَامَ الْفَارِغَ. فَتَوَقَّفَ سَامُ فَجْأَةً عَنِ الْكَلَامِ وَالْتَفَتَ نَحْوَ ذَلِكَ الرَجُلِ، وَجَاءَ إِلَيْهِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِإِصْبَعِهِ قَائِلًا: "أَنَا أَتَحَدَّاكَ لِتَفْعَلْ ذَلِكَ طَوَالَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَتَعَالَ إِلَى هُنَا بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنَ الْآنَ وَأَخْبِرْنِي بِأَنَّ مَا قُلْتَهُ لِلتَوِّ كَانَ صَحِيحًا". فَقَالَ الرَجُلُ: "حَسَنًا أَقْبَلُ التَحَدِّي". وَخِلَالَ الْأَيَّامِ الثَلَاثِينَ تِلْكَ سَلَّمَ مُدَرِّبُ الْبَحْرِيَّةِ السَابِقُ هَذَا حَيَاتَهُ لِلْمَسِيحِ وَأَصْبَحَ خَلَفًا لِسَامَ شُومَيْكَرْ. وَحَضَرْتُ جِنَازَتَهُ. وَكَمْ كَانَ دُونْ جَايْمْسْ (Don James) مُجَاهِدًا مَاهِرًا لِأَجْلِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ وَاصَلَ خِدْمَةَ حَثِّ الرِجَالِ أَمْثَالِهِ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْمَدِينَةِ عَلَى الِالْتِزَامِ بِاخْتِبَارِ الصَلَاةِ طَوَالَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَمَا كَانَ يُحَاوِلُ فِعْلَهُ هُوَ تَعْلِيمُ النَاسِ وَتَدْرِيبُهُمْ، وَعَدَمُ الْقَوْلِ فَحَسْبُ "عَلَيْكُمْ أَنْ تُصَلُّوا جَمِيعًا" بَلْ مَنَحَهُمْ اخْتِبَارًا عَمَلِيًّا لِلصَلَاةِ، بِمَثَابَةِ امْتِحَانٍ مَعْمَلِيٍّ لِمُلَاحَظَةِ تَأْثِيرِ الْأَمْرِ فِي حَيَاتِهِمْ.
بِالنِسْبَةِ إِلَيَّ، إِنَّهُ لَأَمْرٌ أَنْ تَقُولَ لِأَحَدِهِمْ: "مَا تَحْتَاجُ إِلَى فِعْلِهِ هُوَ الصَلَاةُ طَوَالَ خَمْسَ عَشْرَةَ دَقِيقَةً أَوْ نِصْفِ سَاعَةٍ أَوْ سَاعَةٍ كَامِلَةٍ يَوْمِيًّا لِبَقِيَّةِ حَيَاتِكَ". هَذَا مُرْعِبٌ جِدًّا. لَكِنَّ الطَلَبَ مِنَ النَاسِ أَنْ يُصَلُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَأَنْ يَكْتَسِبُوا اخْتِبَارًا كَمُبْتَدِئِينَ مِنْ دُونِ أَنْ يَتَوَقَّعُوا أَنْ يُصْبِحُوا عَمَالِقَةً رُوحِيِّينَ خِلَالَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. عِنْدَئِذٍ، تَسْتَطِيعُ أَنْ تَجْعَلَ النَاسَ يَتَحَرَّكُونَ فِي هَذَا الِاتِّجَاهِ.
فِي مُحَاضَرَتِنَا الْأُولَى، ذَكَرْتُ أَنِّي أَظُنُّ أَنَّ أَكْبَرَ احْتِيَاجٍ لَدَيْنَا الْيَوْمَ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَلَاةِ هُوَ تَعَلُّمُ كَيْفِيَّةِ الصَلَاةِ. وَإِحْدَى أَبْسَطِ طُرُقِ أَوْ أَسَالِيبِ الصَلَاةِ الَتِي سَمِعْتُ بِهَا وَتَعَلَّمْتُهَا يَوْمًا هِيَ تِلْكَ الَتِي تَتَضَمَّنُ تَرْتِيبًا خَاصًّا مِنَ الْأَحْرُفِ، وَأَنَا أُسَمِّي ذَلِكَ أَلْفَ بَاءِ الصَلَاةِ. أَيْ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْمَبَادِئَ الْأُولَى وَالْبُنْيَةَ الْأَسَاسِيَّةَ لِلصَلَاةِ. لِذَا أَنَا أَسْتَخْدِمُ عِبَارَةَ أَلْفِ بَاءِ الصَلَاةِ. كَمَا أَنِّي أَسْتَخْدِمُ عِبَارَةَ أَلْفِ بَاءٍ، لِأَنَّنَا نَتْبَعُ تَرْتِيبًا خَاصًّا مِنَ الْأَحْرُفِ هُنَا، مُسْتَخْدِمِينَ أَحْرُفًا مِنَ الْأَبْجَدِيَّةِ. وَالْكَلِمَةُ الَتِي تَتَضَمَّنُ تَرْتِيبًا خَاصًّا مِنَ الْأَحْرُفِ هِيَ الْكَلِمَةُ الشَهِيرَةُ "آكْتْسْ" فِي اللُغَةِ الْإِنْجِلِيزِيَّةِ. دَعُونِي أُذَكّرُكُمْ بِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتِ الْآلَةَ الَتِي يَتِمُّ اسْتِعْمَالُهَا لِقَطْعِ الْأَشْجَارِ. إِنَّهَا لَيْسَتْ كَلِمَةَ "آكْسْ" أَيْ فَأْسٍ، إِنَّهَا كَلِمَةُ "آكْتْسْ". أَنَا أَفْعَلُ ذَلِكَ لِأُقَدِّمَ إِهْدَاءً لِأُسْتَاذِ الْوَعْظِ فِي كُلِّيَّةِ اللَاهُوتِ، الَذِي كَانَ يَجْعَلُنَا نَقِفُ هُنَاكَ كُلَّ يَوْمٍ وَنَقُولُ "آكْتْسْ"، لِئَلَّا نَقُولَ "آكْسْ" حِينَ نَطْلُبُ مِنَ النَاسِ أَنْ يَفْتَحُوا كُتُبَهُمْ عَلَى هَذَا السِفْرِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. إِذًا، فَلْنَتَذَكَّرْ أَنَّنَا نَتَكَلَّمُ عَنْ "آكْتْسْ" (ACTS A-C-T-S)، مِثْلَ سِفْرِ أَعْمَالِ الرُسُلِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ.
وَإِلَيْكُمْ مَعْنَى تَرْتِيبِ الْأَحْرُفِ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ. حَرْفٌ "A" يَرْمُزُ إِلَى adoration، أَيِ التَمْجِيدِ، وَحَرْفُ "C" يَرْمُزُ إِلَى confession أَيِ الِاعْتِرَافِ. وَحَرْفُ "T" يَرْمُزُ إِلَى thanksgiving أَيِ الشُكْرِ. وَحَرْفُ "S" يَرْمُزُ إِلَى supplication أَيْ التَضَرُّعِ.
وَأَظُنُّ أَنَّهُ يُمْكِنُنِي الْقَوْلُ إِنِّي نِلْتُ اسْتِجَابَةً لِصَلَاتِي لِأَنَّ الْكَمِّيَّةَ الضَئِيلَةَ مِنَ الطَبَاشِيرِ الَتِي حَصَلْتُ عَلَيْهَا لِهَذِهِ الْمُحَاضَرَةِ كَافِيَةٌ لِاحْتِيَاجَاتِي حَتَّى الْآنَ.
لَكِنْ فَلْنَتَطَرَّقْ إِلَى هَذِهِ الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ. قُلْتُ إِنَّهَا الْأَلْفُ بَاءَ. هَذَا مَبْدَأٌ تَوْجِيهِيٌّ بَسِيطٌ يُسَاعِدُنَا عَلَى تَذَكُّرِ الْعَنَاصِرِ الْمُهِمَّةِ الَتِي يَجِبُ أَنْ تُشَكِّلَ جُزْءًا مِنْ صَلَوَاتِنَا كُلِّهَا. أَيْضًا يَجِبُ أَنْ أَقُولَ لَكُمْ وَأَنْ أَعْتَرِفَ بِأَنِّي مَا زِلْتُ فِي مُسْتَوَى الْأَلْفِ بَاءَ. أَيْ أَنِّي حِينَ أُصَلِّي، مَا زِلْتُ أَتَّبِعُ هَذَا الترْتِيبَ فِي ذِهْنِي، وَهُوَ بِمَثَابَةِ مَرْجِعِيَّةٍ. أَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَهِلَّ صَلَوَاتِي كُلَّهَا بِتَمْجِيدِ اللَّهِ، وَمِنْ ثَمَّ أَنْتَقِلُ إِلَى الِاعْتِرَافِ، ثُمَّ أَنْتَقِلُ إِلَى الشُكْرِ، ثُمَّ أَنْتَقِلُ إِلَى التشَفُّعِ أَوْ التَضَرُّعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
بَعْدَ مُحَاضَرَتِنَا الْأُولَى، طَرَحَ أَحَدُ الْحَاضِرِينَ فِي الِاسْتُودْيُو سُؤَالًا اعْتَبَرْتُهُ سُؤَالًا مُهِمًّا لَا بُدَّ مِنْ مُنَاقَشَتِهِ فِي إِحْدَى الْمُحَاضَرَاتِ. طَرَحَتْ تِلْكَ السَيِّدَةُ السُؤَالَ التَالِي: "مَا هِيَ الْوَضْعِيَّةُ الْمُنَاسِبَةُ لِلصَلَاةِ؟ هَلْ يَجِبُ أَنْ نَجْثُوَ عَلَى رُكَبِنَا؟" كُنْتُ قَدْ أَشَرْتُ إِلَى "يَعْقُوبَ الْبَارِّ" وَرُكَبِ الْجَمَلِ الْعَجُوزِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَهِيَ سَأَلَتْ: "هَلْ يُفْتَرَضُ بِنَا أَنْ نَجْثُوَ عَلَى رُكَبِنَا حِينَ نُصَلِّي؟ مَا هِيَ الطَرِيقَةُ الْمَقْبُولَةُ لِلصَلَاةِ؟" وَحِينَ أَجَبْتُ عَنْ سُؤَالِهَا آنَذَاكَ، قُلْتُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِنِّي سَأَتَطَرَّقُ إِلَى هَذَا الْمَوْضُوعِ فِي الْمُحَاضَرَةِ الْمُقْبِلَةِ، لِأَنِّي أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةٍ أَعْمَقَ مُتَعَلّقَةٍ بِالصَلَاةِ. حَقًّا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ السُؤَالُ: "مَاذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَضْعُنَا حِينَ نُصَلِّي؟" لِأَنَّ وَضْعِيَّتَنَا الْجَسَدِيَّةَ مُرْتَبِطَةٌ بِمَوْقِفٍ مُعَيَّنٍ. فَقُلْتُ لَهَا إِنَّهُ لَا يُوجَدُ أَيُّ أَمْرٍ سِحْرِيٍّ أَوْ مُقَدَّسٍ فِي الصَلَاةِ عَلَى رُكْبَتَيْكِ، وَإِنَّمَا تَارِيخِيًّا تُوجَدُ أَهَمِّيَّةٌ عَالَمِيَّةٌ فِي جَثْوِ الْإِنْسَانِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ. هَذِهِ عَلَامَةٌ مُعَبِّرَةٌ عَنِ التَوْقِيرِ. يَجْثُو النَاسُ أَمَامَ الْمَلِكِ. وَيَجْثُونَ أَمَامَ مُحَارِبٍ عَظِيمٍ. وَيَجْثُونَ أَمَامَ شَخْصٍ يُكِنّونَ لَهُ احْتِرَامًا كَبِيرًا. إِذًا، مَا الَذِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مُلَاءَمَةً حِينَ نَمْثُلُ فِي مَحْضَرِ اللَّهِ مِنْ إِظْهَارِ خُضُوعِنَا وَتَوَاضُعِنَا أَمَامَهُ عَبْرَ الْجَثْوِ عَلَى رُكَبِنَا؟
ثُمَّ تَابَعْتُ وَشَرَحْتُ أَيْضًا أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتِ الْوَضْعِيَّةَ الْوَحِيدَةَ الَتِي تَمَّ اعْتِمَادُهَا فِي الْكَنِيسَةِ تَارِيخِيًّا، وَحَتَّى فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. فَأَحَدُ الْأَشْكَالِ أَوْ وَضْعِيَّاتِ الصَلَاةِ الشَائِعَةِ تَارِيخِيًّا كَانَتْ تَقْضِي بِالْوُقُوفِ وَعَدَمِ إِغْلَاقِ عَيْنَيْكَ، بَلْ بِأَنْ تُحْدِّقَ نَحْوَ السَمَاءِ رَافِعًا يَدَيْكَ. وَتَمَّتِ اسْتِعَادَةُ فِكْرَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْحَرَكَةِ الْكَارِيزْمَاتِيَّةِ. هَذَا الْأَمْرُ يُثِيرُ تَوَتُّرَ بَعْضِ النَاسِ، لَكِنْ يُشَكِّلُ الْأَمْرُ تَارِيخًا غَنِيًّا فِي الْإِيمَانِ الْمَسِيحِيِّ حِينَ يُعَبِّرُ النَاسُ عَنِ انْفِتَاحِهِمْ بَيْنَمَا يَنْظُرُونَ نَحْوَ السَمَاءِ. لَيْسَتْ هَاتَانِ الْوَضْعِيَّتَيْنِ الْوَحِيدَتَيْنِ لِلصَلَاةِ. نَحْنُ نَرَى أَيْضًا دَائِمًا فِي جَمِيعِ صَفَحَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لَا سِيَّمَا فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، أَنَّهُ حِينَ يَمْثُلُ النَاسُ فِي مَحْضَرِ اللَّهِ فِي الْعَهْدَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ، كَانُوا يَسْقُطُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَمَامَهُ. الْأَمْرُ يَعْنِي تَجَاوُزَ السُجُودِ، وَالِانْبِطَاحَ أَمَامَ اللَّهِ عَلَى الْأَرْضِ.
بِصَرَاحَةٍ، أَنَا أُفَضِّلُ شَخْصِيًّا حِينَ أُصَلِّي أَنْ أَسْقُطَ عَلَى وَجْهِي. فِي الْوَاقِعِ، لَقَدْ بُحْتُ بُسِرٍّ بَسِيطٍ. قُلْتُ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَبْنِيَ مَسْكَنِي الْمَقْدَّسَ الصَغِيرَ. أُحِبُّ الْعُثُورَ عَلَى كَرَاسٍ مُنْخَفِضَةٍ أَوْ عَلَى طَاوِلَةٍ مُنْخَفِضَةٍ، وَلَا أَعْرِفُ السَبَبَ، وَأَحَبُّ الزَحْفِ تَحْتَ طَاوِلَةٍ أَوْ مَكَانٍ مَا حَيْثُ أَجِدُ مَخْبَأً صَغِيرًا لِأَسْقُطَ عَلَى وَجْهِي. أَنَا أُعَانِي مِنِ الْتِهَابِ الْمَفَاصِلِ فِي رُكْبَتَيَّ، وَلَا أُحِبُّ التفْكِيرَ فِي وَجَعِ رُكْبَتَيَّ أَثْنَاءَ الصَلَاةِ. إِذًا، يُمْكِنُنِي أَنْ أَكُونَ مُرْتَاحًا، وَأَنَا مُنْبَطِحًا عَلَى وَجْهِي أَمَامَ اللَّهِ. أُحِبُّ ذَلِكَ، هَذِهِ هِيَ طَرِيقَتِي لَكِنِّي لَا أَقُولُ إِنَّ هَذِهِ وَصْفَةٌ لِلصَلَاةِ. لَكِنِّي أَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الْمُهِمِّ طَرْحُ هَذَا السُؤَالِ "مَا هِيَ الْوَضْعِيَّةُ الْجَيِّدَةُ؟" وَأَنَا أَقْتَرِحُ وَاحِدَةً مِنَ الْوَضْعِيَّاتِ الثَلَاثِ، أَوْ أَيَّ وَضْعِيَّةٍ أُخْرَى تَجِدُونَهَا مُعَبِّرَةً.
لَكِنْ مَرَّةً أُخْرَى، أَنَا أَكَرِّسُ وَقْتًا لِلْكَلَامِ عَنِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ عَلَى الرَغْمِ مِنْ أَنَّ الصَلَاةَ كُلَّهَا لَا تَقْتَصِرُ عَلَى التمْجِيدِ فَحَسْبُ، كَمَا ذَكَرْتُ، إِلَّا أَنَّهُ طَوَالَ وَقْتِ الصَلَاةِ يَجِبُ أَنْ نَكُونَ فِي رُوحِ أَوْ وَضْعِيَّةِ التمْجِيدِ. كَمَا أَنِّي ذَكَرْتُ بَعْدَ مُحَاضَرَتِنَا السَابِقَةِ أَنَّ ثَمَّةَ أَمْرَيْنِ عَلَيْنَا تَذَكُّرُهُمَا حِينَ نُصَلِّي، وَهُمَا أَسَاسِيَّانِ تَمَامًا فِي الصَلَاةِ الصَحِيحَةِ. هَذَانِ الْأَمْرَانِ بَسِيطَانِ؛ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ هُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَذَكَّرَ الشَخْصَ الَذِي نُكَلِّمُهُ، هَذَا هُوَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ. وَالْأَمْرُ الثَانِي هُوَ أَنَّهُ عَلَيْنَا أَنْ نُدْرِكَ وَنَتَذَكَّرَ مَنِ الَذِي يَتَكَلَّمُ. أَيْ أَنَّهُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَذَكَّرَ مَنْ هُوَ اللَّهُ وَمَنْ نَكُونُ نَحْنُ.
هَذَا الْأُسْبُوعَ، تَكَلَّمْتُ مَعَ رَجُلٍ قَرَأَ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ كُلَّهُ سَابِقًا، لَكِنَّهُ يَقْرَأُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ الْآنَ مِنْ سِفْرِ التكْوِينِ حَتَّى سِفْرِ الرُّؤْيَا مُرَكِّزًا عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ. إِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ كُلَّهُ وَأَنْ يُرَكِّزَ عَلَى أَمْرَيْنِ. قَالَ لِي "الْأَمْرَانِ اللَذَانِ أُرِيدُ رُؤْيَتَهُمَا هُمَا مَا يَقُولُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ عَنْ طَبِيعَةِ اللَّهِ، وَمَا يَقُولُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ عَنْ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ". لَقَدِ اجْتَازَ رُبْعَ الشَوْطِ وَهُوَ مَذْهُولٌ جِدًّا، لِأَنَّهُ قَالَ إِنَّ النَمَطَ وَاضِحٌ جِدًّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِصَلَاحِ اللَّهِ وَبَرِّهِ وَرَوْعَتِهِ وَقِدَاسَتِهِ، وَبِإِثْمِ الْبَشَرِ وَتَنَاقُضِهِمْ وَغَدْرِهِمْ أَمَامَهُ.
لَقَدْ ذَكَرْتُ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ قَبْلُ عَمَّا حَدَثَ عِنْدَمَا جَاءَ بَيْبْ رُوثْ (Babe Ruth) لَاعِبُ الْبِيسْبُولْ الشَهِيرُ أَمَامَ مَلِكِ إِنْجِلْتِرَا. تَمَّ تَرْتِيبُ اجْتِمَاعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَلِكِ، وَتَمَّ تَعْلِيمُهُ الْبُرُوتُوكُولَ الصَحِيحَ. قِيلَ لَهُ إِنَّهُ حِينَ يَدْخُلُ إِلَى حُجْرَةِ الْمِلْكِ، عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَنِيَ، وَقِيلَ لَهُ إِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُنَادِيَ الْمَلْكَ "يَا صَاحِبَ الْجَلَالَةِ". وَبَعْدَ أَنْ تَلَقَّى بَيْبْ رُوثْ جَمِيعَ هَذِهِ التعْلِيمَاتِ تَمَّ تَرْتِيبُ الِاجْتِمَاعِ. فَدَخَلَ إِلَى الْحُجْرَةِ. وَلَمْ يَنْحَنِ. وَلَمْ يَقُلْ "يَا صَاحِبَ الْجَلَالَةِ"، بَلْ نَظَرَ إِلَى مِلِكِ إِنْجِلْتِرَا قَائِلًا: "مَرْحَبًا أَيُّهَا الْمَلِكُ". وَأَذْكُرُ حِينَ قَرَأْتُ تِلْكَ الْقِصَّةَ كَيْفَ أَنَّهُ تَصَرَّفَ كَأَمْرِيكِيٍّ نَمُوذَجِيٍّ.
حَدَثَ لِي الْأَمْرُ نَفْسُهُ حِينَ كُنْتُ فِي كُلِّيَّةِ الدِرَاسَاتِ الْعُلْيَا فِي هُولَنْدَا، وَكُنَّا جَالِسِينَ فِي قَاعَةِ الْمُحَاضَرَاتِ وَكَانَ الْمَكَانُ يُشْبِهُ الْمُدَرَّجَ. لَا بُدَّ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُوجَدُ ثَمَانونَ رَجُلًا فِي الْمَكَانِ. كُنْتُ مَوْجُودًا فِي صَفٍّ عَالٍ بَعِيدًا عَنِ الْأُسْتَاذِ. وَكَانَ الْجَوُّ دَافِئًا. وَلَمْ يَكُنْ يُوجَدُ أَيُّ تَكْيِيفٍ لِلْهَوَاءِ. فَخَلَعْتُ مِعْطَفَ الرِيَاضَةِ وَوَضَعْتُهُ عَلَى الْأَرِيكَةِ، فَأَوْقَفَ الْأُسْتَاذُ مُحَاضَرَتَهُ فِي مُنْتَصَفِ الْجُمْلَةِ. وَنَظَرَ إِلَيَّ بِازْدِرَاءٍ. وَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُنِي وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ اسْمِي آنَذَاكَ، لَكِنْ قَالَ: "رَجَاءً، هَلَّا ارْتَدَى الْأَمْرِيكِيُّ الْمِعْطَفَ مِنْ جَدِيدٍ". لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ مَنْ أَكُونُ، لَكِنَّهُ عَلِمَ أَنِّي أَمْرِيكِيٌّ، لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرِيكِيَّ وَحْدَهُ قَدْ يَتَجَرَّأُ عَلَى خَلْعِ مِعْطَفِهِ فِي مُحَاضَرَةٍ رَسْمِيَّةٍ. أَتَسَاءَلُ مَاذَا كَانَ لِيُفَكِّرَ لَوْ أَنَّهُ رَأَى الطُلَّابَ فِي الْجَامِعَةِ وَطَرِيقَةَ لِبْسِهِمْ الْيَوْمَ فِي هَذَا الْبَلَدِ. لَكِنَّنَا مَعْرُوفُونَ بِعَفْوِيَّتِنَا وَعَدَمِ رَسْمِيَّتِنَا، وَبِالتالِي افْتِقَارِنَا إِلَى احْتِرَامِ الْآخَرِينَ. نَحْنُ لَمْ نَتَعَلَّمْ قَوَاعِدَ التصَرُّفِ بِلِيَاقَةٍ وَكِيَاسَةٍ فِي الْبِلَاطِ الْمَلَكِيِّ. نَحْنُ لَمْ نَتَعَلَّمْ الْبُرُوتُوكُولَ الصَحِيحَ لِلْمُثُولِ فِي مَحْضَرِ الْمَلِكِ. أَحْيَانًا تَسْمَعُ مُؤْمِنِينَ يَتَكَلَّمُونَ عَنْ يَسُوعَ عَلَى أَنَّهُ صَدِيقٌ، وَلَا يَقْصِدُونَ فَقَطْ أَنَّهُ صَدِيقٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ شَخْصٌ مُخْلِصٌ وَجَدِيرٌ بِالثِقَةِ وَمُلْتَزِمٌ تُجَاهَكَ، بَلْ أَنَّهُ زَمِيلٌ. وَعَلَاقَتُهُمَا عَفَوِيَّةٌ جِدًّا. "يَا يَسُوعُ، أَيْنَ سَنَذْهَبُ الْيَوْمَ؟ هَلْ سَنَذْهَبُ إِلَى الشَاطِئِ؟ مَا الَذِي سَنَفْعَلُهُ؟" مَا مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ مُؤْمِنٍ بِكَامِلِ صَوَابِهِ كَانَ لِيَتَوَاصَلَ مَعَ يَسُوعَ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ لَوْ أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى الْمَكَانِ. لِأَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ الْمُتَجَسِّدُ. إِنَّهُ مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الْأَرْبَابِ. إِذًا، فِعْلُ الصَلَاةِ لَا يَبْدَأُ بِالتعْبِيرِ عَنِ التَمْجِيدِ فَحَسْبُ، بَلْ بِوَضْعِيَّةِ وَبِمَوْقِفِ التمْجِيدِ أَيْضًا.
فِي مُعْظَمِ أَوْقَاتِ الصَلَاةِ نَحْنُ نُصَلِّي هُنَا وَنَرْفَعُ قَائِمَةَ أُمْنِيَاتِنَا لِلَّهِ. نُخْبِرُ اللَّهَ بِمَا يَجُولُ فِي قُلُوبِنَا، وَبِمَا نُرِيدُ مِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ لَنَا. وَمَا مِنْ سُوءٍ فِي رَفْعِ طِلْبَاتِنَا لِلَّهِ. مُجَدَّدًا يُوَضِّحُ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ أَنَّنَا مَدْعُوُّونَ لِلْمُثُولِ فِي مَحْضَرِ اللَّهِ لِنَرْفَعَ لَهُ طِلْبَاتِنَا مَعَ الشُكْرِ. يُطْلَبُ مِنَّا فِعْلُ ذَلِكَ دَائِمًا مَعَ الشُكْرِ. نَحْنُ مَدْعُوُّونَ لِلْمَجِيءِ وَرَفْعِ هَذِهِ الطِلْبَاتِ. لَكِنَّنَا نَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَنَّهُ لَا يَسَعُنَا الِانْتِظَارُ لِرَفْعِ الطِلْبَاتِ. وَلَكِنْ حِينَ نَقْرَأُ الصَلَوَاتِ الْمُوحَى بِهَا مِنَ الرُوحِ الْقُدُسِ، الْمُدَوَّنَةَ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، فَمِنَ الْمُذْهِلِ كَيْفَ أَنَّهُ يُعْطَى اهْتِمَامٌ ضَئِيلٌ لِلطِلْبَاتِ، وَكَمْ أَنَّهُ يُعْطَى اهْتِمَامٌ كَبِيرٌ لِلتَمْجِيدِ.
فِي الْوَاقِعِ، وَحَاشَا لِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ، أَعْنِي، أَبْعَدُ مَا يَكُونُ بِالنِسْبَةِ إِلَيَّ هُوَ تَصْحِيحُ الرَبِّ يَسُوعَ فِي حِكْمَتِهِ التعْلِيمِيَّةِ وَعِلْمِ التدْرِيسِ لَدَيْهِ. لَكِنْ مَا يُفَاجِئُنِي حِينَ أَقْرَأُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ وَالْعَهْدَ الْجَدِيدَ هُوَ أَنَّهُ حِينَ جَاءَ إِلَيْهِ تَلَامِيذُهُ وَقَالُوا لَهُ: "يَا مُعَلِّمُ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ". أَنَا مُتَفَاجِئٌ فِعْلًا بِجَوَابِهِ. حَتْمًا، لَيْسَ هَذَا الْجَوَابَ الَذِي أَتَوَقَّعُهُ، وَطَبْعًا لَيْسَ الْجَوَابَ الَذِي كُنْتُ لِأُقَدِّمَهُ. لَكِنَّ مَا فَعَلَهُ لِلْإِجَابَةِ عَنْ سُؤَالِهِمْ هُوَ الْقَوْلُ "مَتَى صَلَّيْتُمْ، صَلُّوا بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ". وَسَنَتَطَرَّقُ إِلَى عَنَاصِرِ الصَلَاةِ الرَبَّانِيَّةِ وَنَرَى مَا يُمْكِنُنَا تَعَلُّمُهُ مِنْ تِلْكَ الصَلَاةِ النَمُوذَجِيَّةِ الَتِي عَلَّمَهَا يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ. لَكِنْ مَا تَوَقَّعَتُ أَنْ يَقُولَهُ يَسُوعُ حِينَ يَأْتِي إِلَيْهِ أَحَدُهُمْ قَائِلًا: "عَلِّمْنِي أَنْ أُصَلِّيَ". تَخَيَّلْتُ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَسُوعُ: "أَتُرِيدُ أَنْ تَعْرِفَ كَيْفَ يَجْدُرُ بِكَ أَنْ تُصَلِّيَ؟ أَتُرِيدُ أَنْ تَتَعَلَّمَ كَيْفِيَّةَ التكَلُّمِ بِوُضُوحٍ فِي الصَلَاةِ؟ أَتُرِيدُ أَنْ يَمْنَحَكَ اللَّهُ لُغَةَ صَلَاةٍ؟ إِذًا انْغَمِسْ فِي سِفْرِ الْمَزَامِيرِ". فَالْمَزَامِيرُ بِمُعْظَمِهَا لَيْسَتْ سِوَى مَجْمُوعَةٍ مِنَ الصَلَوَاتِ الْمُوحَى بِهَا مِنَ الرُوحِ الْقُدُسِ. أَنَا أَجِدُ أَنَّ الْأَشْخَاصَ الَذِينَ يَنْغَمِسُونَ فِي سِفْرِ الْمَزَامِيرِ لَا يُوَاجِهُونَ مُشْكِلَةً فِي قَوْلِ مَا يُرِيدُونَ لِلَّهِ، وَلَا يُوَاجِهُونَ مُشْكِلَةً فِي اكْتِسَابِ لُغَةِ صَلَاةٍ. هَذِهِ اللُغَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْكَلِمَةِ، حَيْثُ تَسْتَخْدِمُ كَلِمَةَ اللَّهِ لِتُكَلِّمَ اللَّهَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ صَلَوَاتِ الْمَزَامِيرِ، مَزَامِيرِ دَاوُدَ. "أَيُّهَا الرَّبُّ سَيِّدُنَا، مَا أَمْجَدَ اسْمَكَ فِي كُلِّ الْأَرْضِ". هَذَا الْمَوْضُوعُ مُنْتَشِرٌ فِي سِفْرِ الْمَزَامِيرِ كُلِّهِ. وَنَرَاهُ فِي صَلَاةِ مَرْيَمَ "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاَللَّهِ مُخَلِّصِي". فِي سِفْرِ الْمَزَامِيرِ بِشَكْلٍ خَاصٍّ تَرَى اللَّهَ مُمَجَّدًا، وَتَرَى تَعْبِيرًا عَنْ عَظَمَتِهِ بِلُغَةٍ جَمِيلَةٍ وَمُذْهِلَةٍ. وَتَشْعُرُ بِأَنَّ كَاتِبَ الْمَزْمُورِ يُعَبِّرُ فِي صَلَاتِهِ عَنْ تَوْقِيرٍ وَاحْتِرَامٍ وَتَمْجِيدٍ لِلَّهِ.
إِذًا، إِنْ كَانَ لَدَيَّ اجْتِمَاعٌ مَعَ الْمَلِكِ، فَأَوّلُ أَمْرٍ يَجْدُرُ بِي فِعْلُهُ هُوَ التعْبِيرُ عَنْ تَوَاضُعِي أَمَامَ الْمِلْكِ، وَإِعْطَاؤُهُ الْإِكْرَامَ الَذِي يَسْتَحِقُّهُ. إِذًا، حِينَ أَدْخُلُ فِي مُحَادَثَةٍ مَعَ الرَبِّ، أَسْتَهِلُّ الْحَدِيثَ بِالْعِبَادَةِ. أَبْدَأُ بِالتعْبِيرِ مِنْ أَعْمَاقِ نَفْسِي، عَمَّا أَشْعُرُ بِهِ حِيَالَ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَتَمَيُّزِهِ. لِذَا، أَظُنُّ أَنَّهُ لِأَمْرٌ جَيِّدٌ حِينَ تَكُونُ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ مِنَ الصَلَاةِ، أَنْ تُفَكِّرَ فِي امْتِيَازَاتِ اللَّهِ الْكَثِيرَةِ. فَكِّرْ فِي صِفَاتِهِ. فَكِّرْ فِي شَخْصِهِ. فَكِّرْ فِي كِيَانِهِ، وَاشْكُرْهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ. هَذَا هُوَ جَوْهَرُ التَمْجِيدِ. اكْتَشَفْتُ أَنَّهُ كُلَّمَا تَقَدَّمَ النَّاسُ فِي مَسِيرَةِ صَلَاتِهِمْ زَادَ الْوَقْتُ الَذِي يَسْتَغْرِقُونَهُ فِي التَمْجِيدِ. فِي الْوَاقِعِ، مِنَ الصَعْبِ أَنْ تَنْقُلَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ. إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ تَمْضِيَةَ مُعْظَمِ وَقْتِهِمْ فِي التَمْجِيدِ. إِذًا، هَذَا هُوَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ.
الْجُزْءُ الثَانِي هُوَ الِاعْتِرَافُ، وَيَتْبَعُهُ الْجُزْءُ الثَالِثُ، الشُكْرُ، وَالْجُزْءُ الرَابِعُ، التضَرُّعُ. وَبِمَا أَنَّنِي أَتَسَابَقُ مَعَ السَاعَةِ وَالْوَقْتُ يَمُرُّ، سَأَتْرُكُ هَذِهِ الْعَنَاصِرَ الثَلَاثَةَ مِنَ الْكَلِمَةِ ذَاتِ الترْتِيبِ الْخَاصِّ حَتَّى مُحَاضَرَتِنَا الْمُقْبِلَةِ. وَالْآنَ، دَعُونَا نُلَخِّصُ عَبْرَ الْقَوْلِ إِنَّ أَبْجَدِيَّاتِ الصَلَاةِ تَبْدَأُ وَتَسْتَمِرُّ بِرُوحِ التَمْجِيدِ.