المحاضرة 5: الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ

مُجَدَّدًا، نُتَابِعُ الآنَ دِرَاسَتَنَا لأَقْوَالِ يَسُوعَ عَنْ ذَاتِهِ. وَالْيَوْمَ سَنَتَكَلَّمُ عَنْ إِعْلانٍ مُهِمٍّ جِدًّا قَامَ بِهِ يَسُوعُ بِمُنَاسَبَةِ زِيَارَتِهِ لِبَيْتِ عَنْيَا وَلِمَنْزِلِ لِعَازَرَ وَمَرْيَمَ وَمَرْثَا بَعْدَ مَوْتِ لِعَازَرَ. فِي تِلْكَ الْمُنَاسَبَةِ قَالَ يَسُوعُ "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ". وَلِكَيْ نُحَدِّدَ إِطَارَ ذَلِكَ، دَعُونا نُلْقِي نَظْرَةً لَوْ سَمَحْتُمْ عَلَى الأَصْحَاحِ 11 مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا، الَذِي يَبْدَأُ بِإِخْبَارِنَا بِأَنَّ لِعَازَرَ أَصْبَحَ مَرِيضًا، فَبَعَثَتْ أُخْتَاهُ بِرِسَالَةٍ إِلَى يَسُوعَ تَلْتَمِسَانِ مِنْهُ الْمَجِيءَ لِلْمُسَاعَدَةِ، قَالَتَا فِيهَا "هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ". وَعِنْدَمَا سَمِعَ يَسُوعُ ذَلِكَ، جَاءَ رَدُّهُ كَالآتِي "هَذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللَّهِ، لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللَّهِ بِهِ". بِالطَبْعِ، كَانَ هَذَا رَدًّا مُشَجِّعًا جِدًّا، حِينَ أَعْلَنَ يَسُوعُ أَنَّ مَرَضَ لِعَازَرَ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلِ الْهَدَفُ مِنْهُ هُوَ تَمْجِيدُ اللهِ.

نَقْرَأُ فِي الآيَةِ 5 "وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ. فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ." وَهُوَ كَلامٌ يُسَبِّبُ خَيْبَةَ أَمَلٍ هُنَا فِي النَصِّ، لأَنَّكَ كُنْتَ لِتَظُنَّ أَنَّهُ حِينَ تَلَقَّى يَسُوعُ هَذَا الطَلَبَ وَعَلِمَ بِخُطُورَةِ مَرَضِ لِعَازَرَ، وَمُبَاشَرَةً بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَنَا يُوحَنَّا بِمَدَى مَحَبَّتِهِ لِلِعَازَرَ، كُنْتَ لِتَتَوَقَّعَ، كَمَا تَوَقَّعَتْ أُخْتَا لِعَازَرَ بِالطَبْعِ، أَنْ يَحْضُرَ يَسُوعُ عَلَى الْفَوْرِ. لَكِنَّهُ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ مَكَثَ يَوْمَيْنِ فِي الْمَوْضِعِ الَذِي كَانَ فِيهِ.

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لِتلاَمِيذِهِ: «لِنَذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ أَيْضًا». قَالَ لَهُ التّلاَمِيذُ: «يَا مُعَلِّمُ، الآنَ كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ، وَتَذْهَبُ أَيْضًا إِلَى هُنَاكَ». أَجَابَ يَسُوعُ: «أَلَيْسَتْ سَاعَاتُ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي النَّهَارِ لاَ يَعْثُرُ لأَنَّهُ يَنْظُرُ نُورَ هَذَا الْعَالَمِ، وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي اللَّيْلِ يَعْثُرُ، لأَنَّ النُّورَ لَيْسَ فِيهِ». قَالَ هَذَا وَبَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: «لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لَكِنِّي أَذْهَبُ لِأُوقِظَهُ». فَقَالَ تلاَمِيذُهُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ فَهُوَ يُشْفَى». وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ، وَهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ النَّوْمِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ حِينَئِذٍ علاَنِيَةً: «لِعَازَرُ مَاتَ. وَأَنَا أَفْرَحُ لأَجْلِكُمْ إِنِّي لَمْ أَكُنْ هُنَاكَ، لِتُؤْمِنُوا. وَلَكِنْ لِنَذْهَبْ إِلَيْهِ!».

هَذَا كَلامٌ مُبْهَمٌ جِدًّا يَقُولُهُ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ حِينَ يَقُولُ: لَقَدْ مَاتَ. وَأَنَا أَفْرَحُ أَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا هُنَاكَ. لِمَاذا كَانَ فَرِحًا لِعَدَمِ كَوْنِهِمْ هُناكَ؟ هَلْ هُوَ يَقُولُ بِبَسَاطَةٍ إِنَّهُ فَرِحَ لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا هُنَاكَ لأَنَّهُمْ لَمْ يُضْطَرُّوا أَنْ يُعَايِنُوا وَفَاةَ لِعَازَرَ؟ أَمْ إِنَّهُ يَقُولُ لَمْ تَرَوْا بَعْدُ مَا سَأُظْهِرُهُ فِي النُورِ؟ لَكِنَّهُ قَالَ: "فَلْنَذْهَبْ إِلَيْهِ". "فَقَالَ تُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ لِلتّلاَمِيذِ رُفَقَائِهِ: لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضًا لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ". إِنَّهُمْ يَفْتَرِضُونَ أَنَّهُ إِنْ عَادَ يَسُوعُ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ فِي تِلْكَ الْمَرْحَلَةِ مِنْ خِدْمَتِهِ، وَاقْتَرَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَاقْتَرَبَ إِلَى مَقَرِّ السُلْطَةِ الْمُنَاهِضِ لِيَسُوعَ، فَإِنَّهُمْ يُخَاطِرُونَ بِحَيَاتِهِمْ إِنْ قَامُوا بِتِلْكَ الرِحْلَةِ. لِذَا، لَمْ يَشَأِ التَلامِيذُ أَنْ يَذْهَبَ يَسوعُ لأَنَّهُمْ كَانُوا خَائِفِينَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَمَا قَالَ إِنَّهُ ذَاهِبٌ، قَالَ تُومَا "فَلْنَذْهَبْ مَعَهُ، وَإِنْ مَاتَ فَلْنَمُتْ مَعَهُ". بِالطَبْعِ، تَغَيَّرَ هَذَا الْمَوْقِفُ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ خِلالَ بِضْعَةِ أَيَّامٍ.

لَكِنْ فَلْنَقْرَأْ مَا حَدَثَ عِنْدَمَا وَصَلَ يَسُوعُ إِلَى مَنْزِلِ لِعَازَرَ. "فَلَمَّا أَتَى يَسُوعُ وَجَدَ أَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فِي الْقَبْرِ". هَذِهِ التَفَاصِيلُ الصَغِيرَةُ فِي الْقِصَّةِ، وَالَتِي تُفِيدُ بِأَنَّ لِعَازَرَ كَانَ قَدْ صَارَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فِي الْقَبْرِ، كَانَتْ مُهِمَّةً جِدًّا بِالنِسْبَةِ إِلَى الْيَهُودِيِّ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، لأَنَّ الشُعُوبَ السَامِيَةَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَعَدَدًا كَبِيرًا مِنْهَا عَلَى الأَقَلِّ، كَانَ لَهَا الرَأْيُ الآتِي فِي الأَمْرِ: حِينَ يَمُوتُ الإِنْسَانُ، الروحُ الَتِي فَارَقَتِ الْجَسَدَ تَعُودُ لِتَزُورَهُ عَلَى نَحْوٍ دَوْرِيٍّ لِبِضْعَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْمَوْتِ. لَكِنْ بِحُلُولِ الْيَوْمِ الرَابِعِ، وَعِنْدَمَا يَتَّضِحُ أَنَّ الْجَسَدَ قَدْ أَنْتَنَ، عِنْدَئِذٍ كَانَ يَتِمُّ الاعْتِقَادُ أَنَّ الروحَ قَدْ فَارَقَتِ الْجَسَدَ بِشَكْلٍ نِهَائِيٍّ. هَذَا لا يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ أَنَّكَ لَمْ تَمُتْ فِعْلًا إِلَّا بَعْدَ مُرُورِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ عَلَى وَفَاتِكَ، لَكِنَّ الْفِكْرَةَ هِيَ أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ الْعَوْدَةُ إِلَى الْحَيَاةِ بِحُلُولِ الْيَوْمِ الرَابِعِ. إِذًا، يَذْكُرُ لَنَا يُوحَنَّا تَفَاصِيلَ مُهِمَّةً جِدًّا، وَهِيَ أَنَّ لِعَازَرَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مَاتَ فَحَسْبُ، بَلْ كَانَتْ قَدْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ عَلَى مَمَاتِهِ، وَكَانَ جَسَدُهُ قَدْ أَنْتَنَ.

"وَكَانَتْ بَيْتُ عَنْيَا قَرِيبَةً مِنْ أُورُشَلِيمَ نَحْوَ خَمْسَ عَشْرَةَ غَلْوَةً". إِنْ زُرْتَ أُورُشَلِيمَ يَوْمًا، فَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ مَا بَيْنَ أُورُشَلِيمَ وَجَبَلِ الزَيْتُونِ يُوجَدُ وَادٍ عَمِيقٌ هُوَ وَادِي قَدْرُونَ، وَعِنْدَ الْمُنْحَدَرِ الْمُوَاجِهِ لِجَبَلِ الزَيْتُونِ تَقَعُ مَدِينَةُ بَيْتُ عَنْيَا. إِذًا، مِنْ بَيْتِ عَنْيَا، عَلَى الأَقَلِّ مِنْ قِمَّةِ جَبَلِ الزَيْتُونِ، يُمْكِنُكَ النَظَرُ عَبْرَ الْوَادِي إِلَى مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ الْقَدِيمَةِ، وَبِالتَالِي كَانَتِ الْمَسَافَةُ قَصِيرَةً يُمْكِنُ اجْتِيَازُهَا بِسُهَولَةٍ. إِذًا، نَحْنُ نَقْرَأُ "وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَرْثَا وَمَرْيَمَ لِيُعَزُّوهُمَا عَنْ أَخِيهِمَا". إِذًا، شَقَّ حَشْدٌ مِنَ الشَعْبِ الْيَهُودِيِّ طَرِيقَهُ صُعُودًا إِلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَإِلَى مَنْزِلِ مَرْيَمَ وَمَرْثَا. لأَنَّهُ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُ كَانَ لَدَى هَؤُلاءِ الْكَثِيرُ مِنَ الأَصْدِقَاءِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَلا بُدَّ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعْرُوفِينَ.

بِأَيِّ حَالٍ، "فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْثَا أَنَّ يَسُوعَ آتٍ لاَقَتْهُ، وَأَمَّا مَرْيَمُ فَاسْتَمَرَّتْ جَالِسَةً فِي الْبَيْت. فَقَالَتْ مَرْثَا لِيَسُوعَ: يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي". إذًا، هَا إِنَّ مَرْثَا الَتِي كَانَتْ تَتُوقُ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ يَسُوعُ وَيُخَلِّصَ أَخَاهَا مِنْ مَرَضِهِ، وَلَمَّا مَاتَ، لَمْ تَتَحقَّقْ تَوَقُّعَاتُهَا وَلَمْ يَخِبْ أَمَلُها لِمَوْتِ أَخِيهَا فَحَسْبُ، بَلْ أَيْضًا خَابَ أَمَلُهَا لامْتِنَاعِ يَسُوعَ عَنْ تَلْبِيَةِ تَوَقُّعَاتِهَا، فَلاقَتْ يَسُوعَ بِلَهْجَةِ لَوْمٍ قَائِلَةً "يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي، لَكِنِّي الآنَ أَيْضًا أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ يُعْطِيكَ اللَّهُ إِيَّاهُ". أَنَا لا أَجِدُ أَيَّ سَبَبٍ يَدْفَعُنَا إِلَى الاعْتِقَادِ، عَلَى ضَوْءِ كَلِمَاتِ الْمُحَادَثَةِ، أَنَّ مَرْثَا كَانَتْ تَتَوَقَّعُ أَنْ يُحَقِّقَ يَسُوعُ قِيَامَةً مِنَ الْمَوْتِ هُنَا. فَهِيَ لامَتْهُ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، قَالَتْ "أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يُرِيدُهُ اللهُ نَحْنُ مُسْتَعِدُّونَ لِلْقَبُولِ بِهِ، وَكُلَّ مَا تَطْلُبُهُ مِنَ اللهِ، يُعْطِيكَ اللهُ إِيَّاهُ".

"قَالَ لَهَا يَسُوعُ: سَيَقُومُ أَخُوكِ". سَبَبُ عَدَمِ اعْتِقَادِي أَنَّهَا كَانَتْ تَتَوَقَّعُ أَنْ يُقِيمَ يَسُوعُ أَخَاهَا مِنَ الْمَوْتِ هُوَ مَا قَالَتْهُ لاحِقًا. "قَالَتْ لَهُ مَرْثَا: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي الْقِيَامَةِ، فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ". "نَعَمْ يَا رَبُّ، أَنَا أُؤْمِنُ بِالْقِيَامَةِ الأَخِيرَةِ. وَأَعْلَمُ أَنَّهُ فِي مَرْحَلَةٍ مُعَيَّنَةٍ سَيَقُومُ أَخِي مُجَدَّدًا". لَكِنْ تَذَكَّرُوا أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْجَمِيعُ فِي إِسْرَائِيلَ يُؤْمِنُونَ بِالْقِيَامَةِ الأَخِيرَةِ. كَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ يُؤْمِنُونَ، خِلافًا لِلصَدُوقِيِّينَ مَثَلًا مِنْ بَيْنِ قَادَةِ الشَعْبِ الْيَهُودِيِّ. لَكِنَّ مَرْثَا كَانَتْ تُؤْمِنُ بِالْقِيَامَةِ الأَخِيرَةِ. وَفِي تِلْكَ الْمُنَاسَبَةِ، وَفِي تِلْكَ اللَحْظَةِ بِالذَاتِ قَالَ يَسُوعُ "أَنَا هُوَ". حِينَ قَالَتْ لَهُ "أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي الْقِيَامَةِ، فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ". لَمْ يَقُلْ يَسُوعُ: "أَنَا هُوَ مَنْ سَيُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ"، بَلْ قَالَ "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ". هَذَا إِعْلانٌ مُذْهِلٌ قَامَ بِهِ يَسُوعُ يَنْضَمُّ إِلَى سِلْسِلَةِ الْـ"أَنَا هُوَ" الأُخْرَى الَتِي تَأَمَّلْنَا فِيهَا سَابِقًا، حَيْثُ لا يُعْطِي يَسُوعُ النُورَ لِلْعَالَمِ فَحَسْبُ، بَلْ إِنَّهُ هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. وَهُوَ لا يُسَاعِدُ النَاسَ عَلَى الدُخُولِ مِنَ الْبَابِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ فَحَسْبُ، بَلْ إِنَّهُ هُوَ الْبَابُ.

فِي لُغَةِ تَعْبِيرِ الشَعْبِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، إِنْ كَانَ أَمْرٌ مَا مُرْتَبِطًا ارْتِبَاطًا وَثِيقًا بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ الشَخْصَ، وَبِحَسَبِ طَرِيقَةِ تَعْبِيرِهِمْ، كَانَ يَتِمُّ التَعْرِيفُ عَنْهُ بِلُغَةِ الشَيْءِ الْمُرْتَبِطِ بِهِ ارْتِبَاطًا وَثِيقًا. نَحْنُ نَرَى مَثَلًا فِي رِسَالَةِ يُوحَنَّا حَيْثُ يَقُولُ لَنُا يُوحَنَّا إِنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. وَمَا يَقُولُهُ هُنَا اصْطِلاحِيًّا هُوَ أَنَّ اللهَ مُحِبٌّ جِدًّا وَمُرْتَبِطٌ جِدًّا بِالْمَحَبَّةِ لِدَرَجَةِ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْقَوْلُ إِنَّهُ هُوَ فِعْلِيَّةُ الأَمْرِ بِحَدِّ ذَاتِهِ. إِذًا، يَسُوعُ مُرْتَبِطٌ جِدًّا بِالسُلْطَانِ عَلَى الْمَوْتِ وَبِقُوَّةِ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ وَبِقُوَّةِ الْقِيَامَةِ، حَتَّى إِنَّهُ يَقُولُ هُنَا لِمَرْثَا. "صَحِيحٌ أنِّي أَمْلِكُ السُلْطَانَ لإِقَامَةِ النَاسِ مِنَ الْمَوْتِ، وَأَنِّي أَمْلِكُ السُلْطَانَ لأُقِيمَ نَفْسِي مِنَ الْمَوْتِ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا فَحَسْبُ بل أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ".

فَكِّرُوا فِي الأَمْرِ، بِالْعَوْدَةِ إِلَى الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَإِلَى السُؤَالِ الَذِي طَرَحَهُ أَيُّوبُ: "إِنْ مَاتَ رَجُلٌ أَفَيَحْيَا؟" هَذَا السُؤَالُ لا يُفَارِقُ أَذْهَانَ جَمِيعِ الْبَشَرِ مُنْذُ الْمَرَّةِ الأُولَى الَتِي تَمَّ فِيهَا اخْتِبَارُ الْمَوْتِ عَلَى هَذَا الْكَوْكَبِ. فِي كُلِّ ثَقَافَةٍ، وَفِي كُلِّ قَبِيلَةٍ، وَفِي كُلِّ حَضَارَةٍ، نَرَى أُنَاسًا يَتَفَكَّرُونَ بِمَسْأَلَةِ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَالسُؤَالُ الْبَدِيهِيُّ هُوَ "عِنْدَمَا أَمُوتُ، هَلْ تَكُونُ هَذِهِ النِهَايَةَ؟ هَلْ يُمْكِنُ تَلْخِيصُ وُجُودِي كُلِّهِ بِالْفَتْرَةِ الْمُمْتَدَّةِ مَا بَيْنَ وِلادَتِي وَوَفَاتِي كَمَا يَتِمُّ التَدْوِينُ عَلَى قُبُورِ النَاسِ؟ أَمْ إِنَّهُ يُوجَدُ أَمْرٌ آخَرُ؟ هَلْ يُوجَدُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ؟ الْحَيَاةُ ثَمِينَةٌ جِدًّا بِالنِسْبَةِ إِلَى الْبَشَرِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ يَخْفُقُ فِي قَلْبِ كُلِّ إِنْسَانٍ رَجَاءٌ بِإِحْرَازِ الانْتِصَارِ عَلَى الْقَبْرِ بِطَرِيقَةٍ مَا.

تَأَمَّلُوا فِي كِتَابَاتِ الْفَيْلَسُوفِ أَفْلاطُونَ، الَذِي، وَفِي إِطَارِ أَبْحَاثِهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَوْتِ سُقْرَاطَ، يُقَدِّمُ بُرْهَانًا فَلْسَفِيًّا عَلَى الْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ. يُوجَدُ بُرْهَانٌ فِي التَشَابُهِ الْجُزْئِيِّ الْمُقْتَبَسِ مِنَ الطَابِعِ الدَوْرِيِّ لِلْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ الَذِي نَرَاهُ فِي عَالَمِ الطَبِيعَةِ، حَيْثُ إِنَّهُ لِكَيْ يَنْمُوَ الْعُشْبُ، لا بُدَّ مِنْ زَرْعِ الْبُذُورِ، وَعَلَى الْبُذُورِ أَنْ تَمُوتَ. لَكِنْ عِنْدَمَا تَمُوتُ الْبُذُورُ وَتَتَعَفَّنُ، تَتَعَفَّنُ الْقِشْرَةُ وَتَنْبُتُ الْبُذُورُ وَتَظْهَرُ حَيَاةٌ جَدِيدَةٌ. إِذًا، أَنْتُمْ تَرَوْنَ تِلْكَ اَلتَّشابُهاتِ فِي الطَبِيعَةِ، كَمَا أَنَّكُمْ تَرَوْنَ فِي الطَبِيعَةِ أَمْرًا أَشَارَ إِلَيْهِ الرَسُولُ بُولُسُ، عَلَى مَا أَعْتَقِدُ يُفِيدُ بِوُجُودِ أَنْوَاعِ حَيَاةٍ مُخْتَلِفَةٍ عَلَى هَذَا الْكَوْكَبِ. إِنْ دَرَسْتُمْ عِلْمَ الأَحْيَاءِ وَعِلْمَ الْحَيَوانِ، فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ أَعْدادًا وَأَنْوَاعًا لا تُحْصَى مِنَ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الَتِي تَسْكُنُ هَذَا الْكَوْكَبِ. إِذًا، هَذَا السُؤَالُ يُطْرَحُ دَائِمًا هَلْ "ثِينَاتُوس": هَلِ الْمَوْتُ هُوَ نِهَايَةُ كُلِّ شَكْلٍ مِنْ أَشْكَالِ الْحَيَاةِ؟ أَمْ إِنَّهُ يُوجَدُ أَمْرٌ مَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ كَمَا فِي الطَبِيعَةِ، عِنْدَمَا يَمُوتُ شَيْءٌ مَا، يَتَغَيَّرُ شَكْلُهُ بِبَسَاطَةٍ، فَيَعُودُ مِنْ خِلالِ عَمَلِيَّةِ التَحَوُّلِ إِلَى شَكْلٍ آخَرَ مِنْ أَشْكَالِ الْحَيَاةِ.

كَانَتْ لِلْفِيثَاغُورِيِّينَ الْقُدَامَى نَظْرَتُهُمْ الْخَاصَّةُ عَنْ التَّناسُخِ، وَقَدْ سَمَّوْهَا تَناسُخُ الأَرْواحِ. حَيْثُ تَتَجَسَّدُ الروحُ بِشَكْلٍ مُتَكَرِّرٍ، فَكَانَ يَتِمُّ اعْتِبَارُهَا أَبَدِيَّةً. لَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ مُجَرَّدُ تَخْمِينٍ. الرَجَاءُ الأَعْظَمُ الَذِي لَدَيْنَا فِي الْعَالَمِ بِالْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ يَكْمُنُ فِي قِيَامَةِ الْمَسِيحِ التَارِيخِيَّةِ، الَتِي يَعْرِضُهَا لَنَا الْعَهْدُ الْجَدِيدُ، لَيْسَ كَوَاقِعَةٍ مُنْعَزِلَةٍ، بَلْ كَحَدَثٍ أَوَّلَ مِنْ بَيْنِ أَحْدَاثٍ كَثِيرَةٍ مُشَابِهَةٍ لَهُ تُبَيِّنُ فِي مَرْحَلَةٍ مَا أَنَّهُ قَامَ مِنَ الْمَوْتِ لأَجْلِنَا، لِكَيْ نَشْتَرِكَ نَحْنُ أَيْضًا فِي تِلْكَ الْقِيَامَةِ. وَهَذَا هُوَ جَوْهَرُ رَجَاءِ الإِيمَانِ الْمَسِيحِيِّ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ فِي الْكَنِيسَةِ الأُولَى، أَحَدُ الأَسْبَابِ الَتِي جَعَلَتْ مَسِيحِيِّي الْقَرْنِ الأَوَّلِ مُسْتَعِدِّينَ لِلاسْتِشْهَادِ، هُوَ اقْتِنَاعُهُمُ التَامُّ بِالْقِيَامَةِ، وَاقْتِنَاعُهُمْ بِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ الْبُعْدَ النِهَائِيَّ. وَالآنَ، بَدَلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ انْتِصَارًا مَرِيرًا لِلشَيْطَانِ عَلَيْنَا، هُزِمَ الْمَوْتُ، وَالآنَ، بِالنِسْبَةِ إِلَى الْمَسِيحِي، الْمَوْتُ هُوَ بِبَسَاطَةٍ مَرْحَلَةٌ انْتِقَالِيَّةٌ مِنَ الْحَيَاةِ هُنَا إِلَى الْحَيَاةِ فِي بِيئَةٍ وَوَضْعٍ أَفْضَلَ. لا يُمْكِنُ تَلْخِيصُ هَذَا كُلِّهِ بِبُرْهَانٍ، بَلْ بِشَخْصٍ. حَيْثُ يَقُولُ يَسُوعُ: "تَتَكَلَّمِينَ عَنِ الْقِيَامَةِ الأَخِيرَةِ، اسْمَعِي يَا مَرْثا، أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ".

سَبَقَ لَهُ أَنْ عَلَّمَ أَنَّهُ هُوَ مُوجِدُ ال"زُوِي"، وَأَنَّهُ جَاءَ لِيَجْعَلَ "زُوِي"، تِلْكَ الْحَيَاةَ الرُوحِيَّةَ الأَبَدِيَّةَ، مُمْكِنَةً لِشَعْبِهِ. "وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ". ثُمَّ يُوَسِّعُ يَسُوعُ هَذِهِ الْفِكْرَةَ هُنَا فِي هَذَا النَصِّ. "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا". ثُمَّ يُتَابِعُ قَائِلًا بَعْدَ ذَلِكَ "وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟" هَذَا يَبْدُو لِلْوَهْلَةِ الأُولَى مُتَنَاقِضًا بَعْضَ الشَيْءِ، لأَنَّ أَوَّلَ أَمْرٍ يَقُولُهُ هُوَ "إِنْ آمَنْتُمْ بِي، وَلَوْ مُتُّمْ، فَسَتَحْيَوْنَ". ثُمَّ يُتَابِعُ قَائِلًا "إِنْ آمَنْتُمْ بِي، فَلَنْ تَمُوتُوا أَبَدًا". إِذًا، مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَسُوعُ هُنَا هُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ هُوَ فِيهِ، وَكُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، لا يَمُوتُ أَبَدًا فِي إِطَارٍ مُعَيَّنٍ، غَيْرَ أَنَّهُ سَيَمُوتُ فِي إِطَارٍ آخَرَ، لَكِنَّهُ سَيَبْقَى حَيًّا. إِذًا، الْفِكْرَةُ هُنَا هِيَ أَنَّ الـ"زُوِي"، تِلْكَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ الَتِي جَاءَ لِيُعْطِيَها لِشَعْبِهِ، تَبْدَأُ فِي الروحِ، مَا إِنْ يُولَدَ الإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ. وَتِلْكَ الْحَيَاةُ "زُوِي" لا يُمْكِنُ أَنْ يَقْتُلَها "ثِينَاتُوسُ". لا يُمْكِنُ لِلْمَوْتِ الْجَسَدِيِّ أَنْ يُدَمِّرَ الْحَيَاةَ الَتِي يَضَعُهَا الْمَسِيحُ فِي الْمُؤْمِنِ. إِذًا، حَتَّى إِنِ اخْتَبَرْتَ الْمَوْتَ الْجَسَدِيَّ، لَنْ تَمُوتَ. وَكُلُّ مَا يَكْمُنُ وَرَاءَ مَفْهُومِ الْقِيَامَةِ، هُوَ وَعْدُ الْمَسِيحِ بِاسْتِمْرَارِيَّةِ الْوُجُودِ الذَاتِيِّ. الْيَوْمُ الَذِي يَمُوتُ فِيهِ جَسَدِي لَيْسَ يَوْمَ مَمَاتِي. إِنَّهُ الْيَوْمُ الَذِي أُصْبِحُ فِيهِ على دِرَايَةٍ أَكْبَرَ بِالْحَقِيقَةِ مِمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ قَبْلَ سَاعَةِ مَمَاتِي.

فِي الْوَاقِعِ، الْحَيَاةُ الأَسَاسِيَّةُ الَتِي صَنَعَنَا اللهُ لأَجْلِهَا كَكَائِنَاتٍ حَيَّةٍ لا تَبْدَأُ إِلَّا عِنْدَمَا نَعْبُرُ إِلَى السَّماءِ. لِذَا يُمْكِنُ لِلرَسُولِ بُولُسَ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ مَحْصُورٌ مِنْ أَمْرَيْنِ. وَعَبَّرَ عَنْ حَيْرَتِهِ قَائِلًا "لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ...[مَاذَا؟] أَفْضَلُ جِدًّا". مِنْ نَاحِيَةٍ، لَدَيَّ رَغْبَةٌ شَدِيدَةٌ فِي الانْطِلاقِ، لَكِنِّي أَرْغَبُ أَيْضًا فِي الْبَقَاءِ مَعَكُمْ، وَهُوَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ أَكْثَرَ. لَمْ يَنْتَهِ عَمَلِي، لَكِنِّي أَنْتَظِرُ بِفَارِغِ الصَبْرِ لأَنْطَلِقَ وَأَرَاهُ وَأَكُونَ مَعَهُ حَيْثُ هُوَ.

إِذًا، بَيْنَمَا كَانَ يَسُوعُ يَدْنُو مِنْ مَوْتِهِ لاحِقًا فِي إِنْجيلِ يُوحَنَّا، قَالَ لِتَلامِيذِهِ مَا يَلِي "فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ. أَنَا أَمْضِي لِأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، [وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الأَمْرُ كَذَلِكَ لَكُنْتُ أَخْبَرْتُكُمْ]". وَبَيْنَمَا كَانَ يُعَزِّي مَرْثَا قَالَ لَهَا "اسْمَعِي يَا مَرْثَا، نَحْنُ لا نَتَكَلَّمُ عَنِ الْقِيَامَةِ الأَخِيرَةِ فَحَسْبُ الآنَ. أَنْتِ تُكَلِّمِينَ ذَاكَ الَذِي هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ." وَقَالَ: "أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ قَالَتْ لَهُ: نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، الآتِي إِلَى الْعَالَمِ. وَلَمَّا قَالَتْ هَذَا مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ أُخْتَهَا سِرًّا، قَائِلَةً: الْمُعَلِّمُ قَدْ حَضَرَ، وَهُوَ يَدْعُوكِ".

ثُمَّ دَارَ حَدِيثٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَرْيَمَ، فَقَالَتْ "يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي"، إِنَّهُ اللَوْمُ نَفْسُهُ الَذِي قَامَتْ بِهِ مَرْثَا. "فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ، وَقَالَ: أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟ قَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، تَعَالَ وَانْظُرْ". ثُمَّ نَقْرَأُ "بَكَى يَسُوعُ. فَقَالَ الْيَهُودُ: انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ. وَقَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ: أَلَمْ يَقْدِرْ هَذَا الَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ الأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا أَيْضًا لاَ يَمُوتُ؟ فَانْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضًا فِي نَفْسِهِ وَجَاءَ إِلَى الْقَبْرِ، وَكَانَ مَغَارَةً وَقَدْ وُضِعَ عَلَيْهِ حَجَرٌ. قَالَ يَسُوعُ: ارْفَعُوا الْحَجَرَ". فَاعْتَرَضَتْ مَرْثَا مُجَدَّدًا قَائِلَةً:

يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ. قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللَّهِ؟ فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعًا، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ: أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ.

غَالِبًا مَا أَسْمَعُ عِظَاتٍ عَنْ هَذَا الأَمْرِ فِي الْكَنِيسَةِ، فَيَقُولُ الْوَاعِظُ: "وَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، لِعَازَرَ". لَوْ أَنَّهُ كَانَ أَمِينًا لِلنَصِّ، فَمَا الَذِي جَاءَ فِيهِ؟ وَلَمَّا وَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْقَبْرِ الْمَفْتُوحِ حَيْثُ تَمَّ وَضْعُ جُثْمَانِ لِعَازَرَ، صَرَخَ فِي الْقَبْرِ قَائِلًا "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا". أَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الْمُهِمِّ أَنْ نَصْمُتَ قَلِيلًا هُنَا، لأَنَّ اللهَ الْقَدِيرَ خَلَقَ الْكَوْنَ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ. مِنَ الْعَدَمِ، خَلَقَ الْعَالَمَ بِقُوَّةِ صَرْخَتِهِ الإِلَهِيَّةِ. بِكَلِمَةٍ مِنْهُ خَلَقَ كُلَّ مَا هُوَ مَوْجُودٌ. وَبِكَلِمَةٍ مِنْهُ، مَنَحَ الْمَسِيحُ الْجُثْمَانَ قُوَّةً لِيَعُودَ إِلَى الْحَيَاةِ. وَمَا إِنْ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَالٍ، وَأَصْدَرَ أَمْرَ اللهِ نَفْسِهِ لِلْمَيْتِ لِعَازَرَ، بَدَأَ ذَلِكَ الْقَلْبُ يَنْبُضُ وَيضُخُّ دَمًا فِي عُرُوقِهِ. فَبَدَأَتِ الْمَوْجَاتُ الدِمَاغِيَّةُ تَعْمَلُ، وَتَعَافَى النَسِيجُ الْمُتَعَفِّنُ، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ الْقُوَّةُ. "فَخَرَجَ [لِعَازَرُ] الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ، [لَكِنَّهُ كَانَ حَيًّا]. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ".

أَمَا كُنْتُمْ لِتَرْغَبُوا فِي رُؤْيَةِ ذَلِكَ؟ رُؤْيَةِ قُوَّةِ الْمَسِيحِ فِي وَجْهِ الْمَوْتِ. هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ الَذِي يَظْهَرُ لِيُوحَنَّا عَلَى جَزِيرَةِ بَطْمُسَ، فِي الأَصْحَاحِ 1 مِنْ سِفْرِ الرُؤْيَا، وَالَذِي يُعَرِّفُ عَنْ نَفْسِهِ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ. عِنْدَمَا رَآهُ يُوحَنَّا، أَخْبَرَنَا أَنَّهُ سَقَطَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيْتٍ، لَكِنَّ الْمَسِيحَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ قَائِلًا "لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ". ذَاكَ الَذِي هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ، يَمْلِكُ الْمَفَاتِيحَ لِيَفْتَحَ الْقَبْرَ وَيَطْرُدَ قُوَّةَ الْمَوْتِ، لِئَلَّا يُخِيفَنَا الْمَوْتُ. لأَنَّهُ بِالنِسْبَةِ إِلَى الْمَسِيحِي، إِنَّهُ مَدْخَلٌ رَائِعٌ إِلَى الإِطَارِ الأَسْمَى لِلْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ، هَذَا هُوَ جَوْهَرُ الإِيمَانِ الْمَسِيحِيِّ. مِنْ دُونِ ذَلِكَ، تُصْبِحُ الْمَسِيحِيَّةُ مُجَرَّدَ أَخْلاقِيَّاتٍ فَارِغَةٍ لا أَهَمِّيَّةَ لَهَا لَدَى الإِنْسَانِ الْحَدِيثِ. لَكِنْ مَا دَامَتِ الْحَيَاةُ مَوْجُودَةً، وَمَا دَامَ الْمَوْتُ مَوْجُودًا، لا يُوجَدُ أَحَدٌ أَكْثَرُ أَهَمِّيَّةٍ مِنَ الْمَسِيحِ الَذِي هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ.