المحاضرة 6: الغفران والقيامة والحياة الأبدية

في هذه المحاضرة الأخيرة حول قانون الإيمان، سنتناول التأكيدات الثلاث الأخيرة في قانون الإيمان، التي تتضمن عقيدة الإيمان، وغفران الخطايا، وقيامة الجسد، والحياة الأبدية. فلنلق نظرة على التأكيد الأول من بين التأكيدات الأخيرة، ألا وهو غفران الخطايا. منذ فترة ليست بطويلة استمعت إلى لاهوتي يتذمر من ضياع اللاهوت أحيانًا في نظريات مجرّدة بشأن ما صنعه الله بسيادته وبالعمل الكفاري، ولدينا عقيدة لهذا الأمر، وعقيدة لذاك، وقال "أين التشديد في كل ما تعنيه لنا شخصيًا تلك العقائد؟" قال "أين رسالة غفران الخطايا؟" وهي مسألة شخصية جدًا. ومع ذلك، هنا يكمن قلب المسيحية. أنا أعرف، مجددًا، إن استطعت الكلام من منطلق شخصي وتجريبي قليلًا، حين أرجع إلى اختباري الخلاص بالمسيح، من وجهة نظر تجريبية، من بُعد متعلق بالمشاعر، من بُعد عاطفي إذا جاز التعبير، كان اختباري بمثابة وعي كبير على غفران خطاياي. وأعتقد أن هذا، وأكثر من أي شيء آخر في ما يتعلق بنفسيتي وبمشاعري، هو ما قلب حياتي رأسًا على عقب. نحن نسمي ذلك "اختبار النعمة"، ويمكننا التكلم عنه بشكل نظري. لكن ثمة بُعد حقيقي جدًا في الأمر، لأن على كل إنسان أن يواجه واقع ابتعاده عما دعاه الله إلى فعله. الخطية هي القاسم المشترك الأكثر شيوعًا الكامن في طبيعتنا البشرية.

وأذكر في كثير من الأحيان دخولي في مناقشات فكرية مع غير مؤمنين، ومناقشة مسائل الدفاع عن العقائد المسيحية، فيقول لي الناس إنهم لا يؤمنون بالله أو إنهم لا يؤمنون بالمسيح، ونحن نجادل انطلاقًا من حجج كونية وحجج تليولوجية وما شابه. لكن أحد الأسئلة المفضلة لدي لأطرحها على أحدهم بعد مناقشة جميع المسائل الفكرية، أنا أنظر مباشرة في عينيه وأسأله "لكن ماذا تفعل بذنبك؟" ولم أسمع يومًا شخصًا – أنا متأكد من أن الكل يفعل ذلك كتابة، لكن خلال حديث شخصي صريح، لم يسبق أن نظر أحدهم في عيني قائلًا "ليس لدي أي ذنب"، لأن الكل مذنب، والكل يختبر الذنب، والذنب أمر حقيقي وموضوعي. يمكننا التمييز بين مشاعر الذنب وحالة الذنب الموضوعية. أحيانًا نخلط بين الأمرين، أحيانًا يقول الناس "أنا لا أشعر بالذنب، وبالتالي أنا لست مذنبًا". لكننا نعلم أنه في المحكمة، الدفاع عن المجرم لن يؤول إلى أي نتيجة إن كان دفاعه الوحيد يقتصر على قوله "لا يمكن أن أكون قد ارتكبت ذلك الجرم لأني لا أشعر بالذنب". الذنب مسألة علاقة موضوعية بالمعايير والناموس. حين نتعدى على ناموس الله فإننا نجلب ذنبًا على أنفسنا، ما يسبب مشكلة لحياتنا ولنوعية حياتنا.

أعتقد أنه يوجد رابط منطقي بين هذه العناصر الثلاثة في قانون الإيمان – غفران الخطايا، وقيامة الجسد والحياة الأبدية – لأن غفران الخطايا يوضع دائمًا في منظور مستقبلي. وكتابيًا، البعد الأهم لغفران الخطايا لا يتعلق فحسب بتهدئة الشلل الذي تضعه مشاعر الذنب على شخصياتنا في هذا العالم. تكلمنا كما ينبغي عن أناس لديهم عقدة شعور بالذنب، ونحن نعلم أنه يمكن لمشاكل الذنب أن تتسبب بشتى أنواع الشلل العاطفي والنفسي، ما يعيق نوعية حياتنا في هذا العالم. إذًا، يسعى الناس إلى الارتياح من الشعور بالذنب الآن وهنا، لكي يتحرروا وينالوا سعادة أفضل في هذا العالم. أنا لا أقصد القول إن المسألة عديمة الأهمية، أو إن الكتاب المقدس يعتبرها عديمة الأهمية. لكن الأهمية الرئيسية لمشكلة الذنب كتابيًا تتعلق بمستقبلنا، لأن الكتاب المقدس يعلّم، والمسيح علّم بشكل لا لبس فيه أن كل إنسان سيُقدّم لله حسابًا عن حياته.

أنا أعلم أنه يوجد ميل إلى التعتيم على الأمر في مجتمعنا. لا يحب الناس التحدث عن الدينونة الأخيرة وغير ذلك. لكن لا يمكنك التوصل إلى فهم واضح لوعظ يسوع وتعليمه إن عتّمت على موضوع الدينونة الرئيسي هذا. في الواقع، هو رأى مهمته على أنها تؤدي إلى "كرايسيس"، وهي كلمة يونانية تعني "دينونة". "كريسيس" كلمة يونانية تعني "دينونة". أحدث يسوع "كرايسيس" بظهوره على هذه الأرض، وهو يتكلم مرارًا وتكرارًا عن نظام تقدير، وعن الحرص على الاستعداد لتلك الدينونة الأخيرة. يقول "لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ هنا وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟" ويستعمل تعابير مرعبة أحيانًا بشأن تلك الدينونة الأخيرة، حيث يؤكد لنا أن كل أمر نفعله في الخفاء سيظهر، وأن "كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ ستُدان". هل فكّرت يومًا في كلام يسوع؟ كل كلمة بطالة. إن كانت كل كلمة بطالة ستُدان، فماذا عن كل عمل بطال؟ ويقول إن تلك الأمور العديمة الأهمية ظاهريًا التي نقولها، تلك الملاحظات العرضية التي نبديها، تلك الأنشطة غير الخطيرة التي نشارك فيها، تلك التفاصيل الصغيرة ستشملها الدينونة التي نواجهها أمام الله القدير. ضمنًا، إن كان كل عمل بطال سيُدان، فماذا عن كل عمل خطير؟ ماذا عن كل عمل خطير نقوم به؟ خلاصة الأمر هي أن كل ما نقوله ونفكر فيه ونفعله، سنقدّم حسابًا عنه. يمكننا تأجيل الأمر ويمكننا إنكاره، لكن لا يمكننا الهروب منه. هذا أساسي لتعليم العهد الجديد، بأن كل إنسان مسؤول وسيقدّم حسابًا لخالقه بشأن أسلوب عيشه.

ماذا قال داود؟ "إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ الآثَامَ يَا رَبُّ فَمَنْ يَقِفُ؟" هذا ما نسميه سؤالًا بلاغيًا، لا حاجة فعلية إلى الإجابة عليه صراحة، لأن الجواب واضح جدًا، أليس كذلك؟ حين قال داود "إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ الآثَامَ يَا رَبُّ فَمَنْ يَقِفُ؟" ما هو الجواب؟ "لا أحد". إن كان الله سيدينني وفق معيار ناموسه، ووفق معيار برّه، ووفق معيار قداسته، ووفق معيار العدل البحت، فإني أهلك. هل لاحظت أنه حين يتكلم العهد الجديد عن الدينونة الأخيرة، هناك وصف موحّد لردّ فعل الأشخاص الذين سيُدانون؟ أتعلم ما هو الموضوع الموحّد الذي نصادفه كلما تحدث يسوع أو الرسل عن مثول الإنسان أمام محكمة الله؟ ما هو رد الفعل البشري؟ الصمت. حين يشتكي أحدهم عليك، حتى إن كنت مذنبًا فعلًا، فما هو رد الفعل البشري الطبيعي؟ الاحتجاج، أو القول إنه يبالغ. نصبح دفاعيين، ونقدّم أعذارنا، ويسترسل لساننا بالكلام لتفسير سبب قيامنا بالأمر. "نعم أنا فعلت ذلك، لكن...". تحاول التقليل من فظاعة أي أمر فعلناه. بتعبير آخر، أفواهنا مليئة بالأعذار، أو بالدفاع بهدف تحسين الوضع.

يقول لنا يسوع ويقول لنا الرسل إنه في يوم الدين سيسدّ كل فم، لماذا؟ أعتقد أن التشابه مستوحى من سفر أيوب. بعد أن كان أيوب يتحاجج مع الله، وجاء الله وبدأ يستجوبه طوال أصحاحات عدة، وبعد أن استجوب الله أيوب بأسئلة بلاغية الواحد تلو الآخر، في النهاية، تاب أيوب. ولما تاب قال "أَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ"، سأضع يدي على فمي، ولن أتكلم بعد. حين نمثل أمام الله، فللمرة الأولى في حياتنا سنلقى تقييمًا كاملًا وصحيحًا وخاليًا من الخطأ لأعمالنا. لا يمكننا أبدًا أن نحتج، قائلين إن تقييم الله لحياتنا مجحف، وظالم، وغير عادل، فهو سيكون كاملًا، ونحن سنعرف ذلك، سنعرف ذلك. إذًا، من ناحية، لا جدوى من الاحتجاج، من ناحية أخرى، من الحماقة التامة الاحتجاج. سيكون الدليل قاطعًا جدًا وواضحًا جليًا، لدرجة أن الكلمات لن تكون ملائمة إطلاقًا للدفاع، ستسدّ أفواهنا.

الأمر الذي يحتاج إليه الإنسان حاجة ماسة هو الغفران. فما الفائدة من التجسد، والولادة من عذراء، والصلب، والدفن، والقيامة، والصعود، والعودة بالمجد إن لم يكن يوجد غفران؟ لكن خلاصة الأمر بالنسبة إلي هي أن ما صنعه المسيح، هو أتاحه لي ولكل شخص خرق معايير برّ الله لاستعادة علاقة بر بالله، وللتصالح معه، والتبرر. وهذا يتم من خلال غفران الخطايا، وهو أمر حقيقي.

لا أعلم كم مرة كراعٍ جاء إليَّ أناس قائلين "لقد ارتكبت هذه الخطية، وأنا معذب بالشعور بالذنب وليس لدي سلام". فقرأت لهم ما جاء في الكتاب المقدس، حيث جاء في الكتاب المقدس "إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ". فيقولون "أنا أعرف ذلك كله، وتبت عن خطاياي، واعترفت بالخطية 17 مرة لله، لكني ما زلت أشعر بالذنب، وليس لدي أي سلام. ماذا يمكنني أن أفعل؟" فأقول "ما عليك فعله هو التوبة". فيغضب قائلًا "ماذا تقصد بالتوبة؟ أنا تبت 17 مرة عن هذا الأمر". فأقول له "لم أطلب منك التوبة عن هذه الخطية، أريد أن تتوب عن طلبك من الله مرتين أن يغفر لك الخطية نفسها". فقال "ماذا تقصد؟" قلت "هل تدرك كيف أهنت الله؟ هل قال الله إنك إن اعترفت بخطيتك فهو يغفر لك؟" "أجل". "هل يكذب الله؟" "لا". قلت "إن قال الله إنه سيغفر لك إن تبت واعترفت بخطاياك، وفعلت ذلك مرة واحدة، ثم نهضت عن ركبتيك وبقيت تشعر بالذنب، وقلت "بما أني أشعر بالذنب فأنا ما زلت مذنبًا"، هل تسمح لمشاعرك بأن يكون لها السلطة النهائية على ما وعد به الله وأعلنه؟" قلت "إن هذا غرور، هذه هي الخطية التي أريد أن تعترف بها، خطية الغرور. أجثُ مجددًا على ركبتيك واطلب من الله أن يسامحك على غرورك الذي لا يوصف، وعلى نسبك إلى الله النوع نفسه من التناقض وقلة المصداقية الذي يميّز حياتنا".

بالطبع، هذا نوع من العلاج بالصدمة، كما لو أنك تضرب أحدهم على رأسه بلوح خشبي لتلفت انتباهه. لكن في الواقع، يحاول هذا الشخص تبرير نفسه، قال "نيل الغفران بالنعمة، لا بأس في الأمر بالنسبة إليكم، لكن ليس بالنسبة إلى أر سي سبرول، فخطاياي فظيعة جدًا لدرجة أن المسيح بنفسه لا يقدر أن يكفّر عنها، أر سي سبرول وحده يقدر أن يعوّض عنها. من واجبي أن أشعر بالبؤس طيلة أيام حياتي، وأن أندم في التراب والرماد، ليس مرة واحدة فقط، بل 17 مرة على العمل نفسه". بالطبع، إن ارتكبت الخطية نفسها 17 مرة على التوالي يجب أن تعترف بها 17 مرة على التوالي. أنا أتكلم عن اعترافات متكررة وعن توبة عن الخطية الفعلية الفردية نفسها، هذا يعكس عدم ثقة بهذا البند من قانون الإيمان.

لكننا نقول كمؤمنين "أنا أؤمن بغفران الخطايا، أنا أؤمن بأني حين أُلجأ إلى الله وأعترف بخطاياي فهو يغفر لي". هنا يكمن فرح الحياة المسيحية. يشبه ذلك المؤمن في "مسيرة الحج"، الذي يزيل ذلك الحمل المزعج والقذر والرهيب الذي يلقي بثقله على الظهر. ارفعه عنك واطرحه. معنى ذلك هو أنه حين يقول الله "أنا أغفر لك"، فهو لا يعود يحمل الأمر ضدك. أما للذين هم في المسيح، فيقول الرسول "لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ". هذا لا يعني أنه ليس علينا أن نخضع لتقييم، لكن الذين هم في المسيح، الشعب المغفور له، لن يُدانوا أبدًا بغضب الله. هذه أعظم فائدة وبركة يمكن للمرء أن يختبرها.

لذا توجد أمور كثيرة في هذا العالم أود الحصول عليها وأنا لا أملكها. أود الحصول على مليون دولار، أتمنى ذلك فعلًا، أودّ ألا أضطر إلى القلق بشأن تعليم أولادي، أود أن أتمتع بصحة جيدة، ولا أحب أن أكون... أنا مسرور لأني لا أعاني من مرض موهن، وأنا أرى أناسًا في هذا العالم يعانون أكثر مني بكثير. لكن كبشر، يمكننا أيضًا أن نرى أناسًا يبدون ظاهريًا بحال أفضل من حالنا، ومن السهل اشتهاء شيء ما، أليس كذلك؟ بدون التأثر بعوامل خارجية، أود أن أنعم بضمانة مادية، أود أن أنعم بصحة جيدة وبعمل جيد وبجميع تلك الأمور. لكن ماذا نملك؟ لؤلؤة كثيرة الثمن، علاقة مشفية ومرممة بخالقنا، تدوم إلى متى؟ إلى الأبد. نعم، الجسد يتألم، قد يقتلون الجسد، كما قال لوثر.

أذكر كارل بارت في أيامه الأخيرة، في السنتين الأخيرتين من حياته كان يكتب رسائل شخصية إلى أصدقائه، وإلى طلابه السابقين، وإلى الرعاة واللاهوتيين. وكانوا يكتبون جميعًا للاستفسار عن الأمراض المختلفة التي عانى منها قبيل نهاية حياته. وتكلم عن "جسدي صديقي"، "جسدي صديقي". قال "لم تعد أجسادنا كسابق عهدها". لكن كان لديه وجهة نظر: "نعم جسدي يفنى، الإنسان الخارجي يفنى، لكن الداخل يتجدد يومًا فيومًا". ليس من الممتع أن نمرض، وليس من الممتع أن نتقدم في السن ونفقد القدرة الوظيفية في الجسد، وهي أمور كنت تعتبرها تحصيلًا حاصلًا سابقًا. تعلم كيف يكون الأمر حين تتخطى سنًا معينة، حين تشعر بألم في البطن ولا تكون متأكدًا من أنك مصاب بالأنفلونزا، كما حين كنت في الثامنة من العمر.

الجسد جزء مهم جدًا من حياتنا، إذًا، وهو قطع تذكرة سفر باتجاه واحد نحو الفناء – نحن نعرف ذلك. لكن بفضل الغفران يمكننا القول "ريزوركشيونوس كارنيس"، أؤمن بقيامة الجسد. الله لا يعدني بنفس مشفية أو بطمأنينة فحسب، وهي بحد ذاتها عبارة عن لؤلؤة كثيرة الثمن، لكنه يعدنا بجسد جديد. وأحيانًا كثيرة أقول لنفسي "هذا ما أحتاج إليه، جسدًا جديدًا، لأن العتيق يتلاشى، والعتيق يفنى". لكن الله يقول إننا سننال أجسادًا جديدة في القيامة، أجسادًا ممجَّدة، أجسادًا لا تفنى، أجسادًا لا تتلف، أجسادًا تعمل بدون ألم، بدون مرض، وبدون انحلال، وبدون موت. حين يقف المؤمن ويقول "أنا أؤمن بقيامة الجسد"، لاحظت أن البعض يظن أن ما يقصدونه بقولهم ذلك هو أنهم يؤكدون على قيامة المسيح. لا، حين نقول إننا نؤمن بقيامة الجسد، فعن أي جسد نتكلم؟ عن جسدنا نحن. هذه نتيجة قيامة المسيح، وهي قيامة للمسيح بالجسد، لذا نحن نتوق إلى قيامة أجسادنا. هذا ما يميز اليهودي والمسيحي عن اليوناني، فاليوناني رأى الفداء على أنه فداء من الجسد، وفق المعتقدات البلوتونية القديمة، حيث كان الجسد هو مشكلة الإنسان، الجسد هو سجن النفس، والموت يحرر نفس الإنسان أو روحه من ذلك السجن؛ لكن المسيحي لا يؤمن بالفداء من الجسد، بل بأي فداء؟ بفداء الجسد.

إليكم فكرة أخيرة. باسكال، الرياضي والفيلسوف واللاهوتي العظيم، باسكال سمّى الإنسان "التناقض المطلق". وإن كنتم تذكرون السبب الذي جعل باسكال يرى البشر تناقضيين جدًا هو الآتي: قال "الإنسان مخلوق فائق العظمة، وفي الوقت نفسه الأكثر تعاسة"، وهذا هو التناقض. لكنه تابع وفسّر سبب رؤيته لهذه المشادة بين العظمة والتعاسة. عظمة الإنسان تكمن في قدرته على التأمل والتبصّر والتفكير، ليس مثل الكائنات الحيوانية الأخرى التي تفتقر إلى قدرات فكرية وغيرها. لكن من الواضح أن القدرة البشرية على التفكير والتأمل تتجاوز إلى حد كبير كل ما نراه على هذه الأرض. وهذه هي عظمة الإنسان، لذا يقدر الإنسان أن ينشئ العالم الذي أنشأه، وأن يفعل الأمور التي يفعلها. ومع ذلك يقول باسكال إن هذا في الوقت نفسه أساس تعاسته. قدرتنا على التأمل هي أيضًا سبب تعاستنا للسبب الآتي، وهو أن الإنسان بقدرته على التفكير والتأمل يملك دائمًا القدرة على التأمل بحياة أفضل من تلك التي يحظى بها في الوقت الحالي، أو التي يقدر أن ينشئها. إذًا، نحن نعيش دائمًا مع آمال خائبة. يمكنني أن أتخيل حياة بدون ألم، وبدون معاناة، وبدون موت، لكن لا يمكنني أن أعيشها، لا يمكنني إيقاف عملية التقدّم في السن.

أنا أقرأ اللوحات الصغيرة في المتاجر من "بنسلفانيان داتش"، "سرعان ما نتقدم في السن، ونصبح أذكياء بعد فوات الأوان". صحيح؟ لماذا؟ لا يبدو الأمر عادلًا. حين أبدأ بفهم الحياة، لا يسمح لي جسدي بفعل ما أود أن أتمكن من فعله، لأني أتقدم في السن. وحين تكون أجسادنا بأفضل حال، تكون عقولنا غير متطورة. تعانون من هذه المشكلة. لكن يمكننا التفكير دائمًا بوضع أفضل من وضعنا الحالي، لكن لا يمكننا تحقيق ذلك. ويقول البعض إن هذا أساس إنشاء الديانات، وهو أن الناس يُسقطون أحلامهم ومثلهم في عالم مستقبلي. لكن ما يعلنه الكتاب المقدس ليس تحقيق أمنية أو إسقاط أمنية، لكن يسوع المسيح انتصر على الموت، وهو يقول لنا إنه سيأتي وقت، وبفضل غفران الخطايا، حين ستُقام أجسادنا وسننال حياة أبدية. نحن نبذل كل ما في وسعنا لنستمر في الحياة التي نتمتع بها الآن. يفضل معظمنا تحمّل العلل التي لديه، كما قال "شايكسبير" على الانطلاق نحو المجهول: لا أريد أن أموت، أريد أن أتمسك بحياة تشوبها الدموع، والفشل، والألم، والمرض، والموت، ما زلت أريد أن أعيش. لكن الحياة التي وُعدنا بها في قيامة الجسد هي حياة أبدية، حيث يقول ربنا إنها في حالة حيث سيمسح شخصيًا كل دمعة من دموعنا. لن يكون هناك بعد ألم ولا حزن ولا موت ولا خطية – هذا هو الإنجيل.

ويمكنك اعتبار الأمر خياليًا، لكني لا أريد بطاقة للوصول إلى ذلك المكان الخيالي، ولا أريد أن أفقد شهيتي لما هو حقيقي، لأن هذا ما يريده كل إنسان. لكن الأمر يبدأ بغفران الخطايا، المتعلق بكل أمر آخر في قانون الإيمان. التابع لله الآب القدير، صانع السماوات والأرض، إنه هو من أرسل روحه القدوس ليحيي عذراء، لكي تحمل وتنجب طفلًا. والإله السيد خالق السماء والأرض، هو من جعل الابن يُدان في عهد بيلاطس البنطي. فصلب ومات وقُبر ونزل إلى الجحيم، ثم قام من الموت وصعد إلى السماء، وهو جالس عن يمين الله الآن، وهو يقول إنه يومًا ما سيأتي من هناك ليدين الجميع، الأحياء والأموات. إنه هو أساس غفراننا، إنه هو من يرسل الروح القدس الذي يخلق جماعة تُدعى الكنيسة، وهو يعدنا بقيامة الجسد وبالحياة الأبدية. هذه هي رسالة العهد الجديد باختصار، وهي تلخص جوهر المسيحية. أظن أن هذا يصوّر غنى قانون الإيمان، وسبب مثابرته لفترة طويلة. وأنا متأكد من أنه سيستمر في الأيام المقبلة.