المحاضرة 1: ما هو الإيمان؟
في محاضرتنا الأولى، سنتأمل في الجملة الافتتاحية في عقيدة أو قانون الإيمان، وسنعرض قليلًا الخلفية التاريخية لقانون الإيمان نفسه قبل أن نتطرق إلى مضمونه. كلمة "عقيدة" بحد ذاتها تأتي من الفعل اللاتيني "كريدو"، وما معناه؟ يوجد بيننا بعض الرعاة الذين أعرفهم. معناها "أنا أؤمن". ومفهوم العقيدة التي يجدها أناس كثر بغيضة نوعًا ما في القرن العشرين، نظرًا لبروز جدالات عدة وعدائية كبيرة ضد العقائد الكنسية والبيانات المذهبية، فيقول أناس كثر "لماذا نحتاج إلى عقائد أساسًا؟" لأنه، وكما يشير التاريخ، أول عقيدة مسيحية ترجع إلى العهد الجديد بحد ذاته كانت بسيطة جدًا، إنها التأكيد البسيط "يسوع رب"، "ييسوس هو كيوريوس"، يسوع رب. ومن ثم، وبينما نحاول جمع الوثائق التاريخية، لأنه لم تصلنا كل الوثائق من العصور القديمة، والبعض منها يقتصر على مجرد حدس ورأي العلماء، لكن تم الإجماع على أن فكرة العقائد انبثقت تدريجيًا من بداية حقبة العهد الجديد في الكنيسة الأولى، مع أسئلة وصيغ بسيطة. أراد أحدهم الانضمام إلى الكنيسة، وقبل أن يتم قبوله ليتعمّد أو ليكون عضوًا في الكنيسة، كان يُطرح عليه بعض الأسئلة، "هل تؤمن بأن يسوع رب؟ هل تؤمن بإله واحد، الآب القدير؟" وما إلى ذلك. إذًا، كانت التصاريح العقائدية عبارة عن أسئلة أو صيغ متعلقة بالمعمودية، تعطى للأشخاص الذين أرادوا الانضمام إلى جماعة الكنيسة الأولى.
ومع مرور الوقت بدأت الكنيسة تصدر عقائد إيجابية بدلًا من العقائد الاستفهامية، أي صيغ من نوع السؤال والجواب. وعادة، هذه الأنواع من ترسيخ الاعترافات المذهبية والعقائد تنشأ عن مشكلة تواجهها الكنيسة. مثلًا، تم تقديس النصوص الكتابية نتيجة تعرض الكنيسة لهجوم من الغنوسطيين في القرن الثاني. أيضًا، يقول لنا المؤرخون في الكنيسة إن هذه الحركة الغنوسطية التي هددت بنسف المجتمع المسيحي في القرن الثاني، دفعت الكنيسة إلى تأسيس ما أسموه "عقيدة الكنيسة". ولا يُقصد بذلك المعنى الذي نستخدم به الكلمة كعلامة أو إشارة إلى أمر أبعد من ذاتها، بل كان ذلك يتضمن جوهر إيمان الكنيسة.
إذًا، في البداية، كان لدينا ما يُعرف بالعقيدة الرومانية القديمة، التي تتضمن بمعظمها الخطوط العريضة الأساسية الموجودة الآن في قانون الإيمان. ومع مرور السنين، تمت إضافة بعض النقاط البسيطة الأخرى إلى العقيدة الرومانية، ولم يتم صياغتها بشكل نهائي إلا في العام 400 تقريبًا. لكن كان يتم استعمال العقيدة الرومانية في القرن الثاني طبعًا، وربما حتى في آخر القرن الأول. وبما أن مضمونها كان يعود إلى الأزمنة الرسولية، وكان مبنيًا على أساس رسالة الرسل وإعلان إيمانهم، فإن النسخة الأخيرة المنقحة والمعدّلة للعقيدة الرومانية بدأت تدعى قانون الإيمان، ليس لأن الرسل هم من كتبوه بالشكل الذي نعرفه، وإنما لأن جذوره راسخة في التعليم الرسولي وفي تقليد الكنيسة. إذًا، ما إن نتكلم عن قانون الإيمان، يجب أن نوضح على الفور أنه ليس الرسل هم من كتبوه، بل إنه قانون استغرق حرفيًا قرونًا ليصل إلى صيغته النهائية، لكن جوهره كان يعمل في المجتمع المسيحي في القرن الأول.
ما أريد فعله في هذه المحاضرة الافتتاحية هنا، هو التحدث عن معنى القول "أنا أؤمن"، وعن ماهية الإيمان. بالطبع، الإيمان مهم جدًا للمسيحية، لدرجة أن المسيحية لا تدُعى أحيانًا ديانة، بل تدعى ماذا؟ "الإيمان المسيحي". وكلمة إيمان تُستعمل أحيانًا كفعل، بحيث أني حين أشير إلى إيماني بأمر ما، أو حين أؤمن، فذلك الإيمان هو أمر أفعله وأشترك فيه، لكن الكلمة تُستعمل أحيانًا كاسم للإشارة إلى مضمون المسيحية. لكن مفهوم الإيمان معقّد جدًا، والمفهوم الشقيق للإيمان معقّد جدًا. وكما قلت، أريد تخصيص الوقت هنا للتحدث عن الطريقة التي يعمل بها إيماننا في مسيحية الكتاب المقدس، وما نقصده بالإيمان؟
سوف أتناول الأمر في البداية عبر الإيضاح أولًا ما ليس عليه الإيمان، أو محاولة تفسير جزء من اللغط الموجود في مجتمعنا المعاصر بشأن طبيعة الإيمان. غالبًا ما يُرى الإيمان مناقضًا أو مناهضًا للمنطق من ناحية، ومن ناحية أخرى ما سأسمّيه هنا الإدراك الحسي. أنا أدرك أن هذا المصطلح فلسفي نوعًا ما، ويمكنك أن تضع هنا إما كلمة "علم"، أو يمكنك وضع كلمة "تجريبية" إذا شئت. بحيث أنه تم تعريف الإيمان هنا على أنه مناقض لطرق أخرى نتعلم بها الأمور، طرق نعرف بها ما نعرفه.
أحد فروع علم الفلسفة هو علم نظرية المعرفة. ونظرية المعرفة تسعى أساسًا إلى الإجابة على سؤال واحد "كيف نعرف؟" كم مرة في اليوم يقول لك أولادك، أو يقولون في ما بينهم، يقول أحدهم أمرًا ما، فيقولون له "كيف عرفت؟" أو "ما الذي يجعلك تفكر بهذه الطريقة؟" كيف تعرف ما تعرفه؟ كيف نتعلم ما نتعلمه؟ هذا واحد من أقدم الأسئلة التي سعى الفلاسفة إلى الإجابة عليها. وعلم نظرية المعرفة يحاول الإجابة على ذلك. وعلى مر العصور، أيّد الناس إما ناحية أو أخرى، أو مزيجًا للعلاقة بين الإدراك الحسي والمنطق. هذا يعني أننا ندرك نوعًا ما أن معرفتنا، تعلّمنا، عملية التربية برمّتها تشمل بعدين اثنين: إنها تشمل الذهن، والذهن يعمل وفق فئات معينة من العقلانية. نحن نحاول التفكير من حيث التعاقب المنطقي، نحن لا ننجح دائمًا. أحيانًا، نطلق أحكامًا غير صحيحة ونتوصل إلى استنتاجات غير صحيحة وغير شرعية، لكن الذهن يعمل على أساس منطقي لينظّم المعرفة التي لدينا بأسلوب متماسك ومفهوم ومنطقي. وثمة قوم على مرّ التاريخ، حاولوا رؤية المعرفة الحقيقية على أنها كائنة حصريًا في الذهن. وما التسمية التي نطلقها عادةً، وبتعابير بسيطة، على مدرسة الفكر تلك؟ العقلانية، العقلانية التي تركز بشدة على الذهن على أنه المصدر الفعلي الحقيقي للمعرفة.
لكننا ندرك أيضًا أنه، وإلى جانب عمليات التفكير في الدماغ، نكتسب معلومات كثيرة يفكر فيها الذهن عبر التنظيم والاستنتاج. كيف نحصل على هذه المعلومات؟ مما نراه بأعيننا، ونسمعه بآذاننا، ونتحسسه بأصابعنا، ونتذوقه بأفواهنا – نحن نتكلم عن الحواس الخمس. بحيث أن أي تجربة نكتسبها نتيجة التواصل مع العالم الخارجي من خلال الحواس نسميها الإدراك. إذًا، يتعلق الإدراك الحسي بالسمع والبصر والشمّ والتذوق واللمس، أليس كذلك؟ إذًا، ثمة قوم، كما ذكرت، يشددون على كون الإدراك الحسي الأساس الحقيقي للمعرفة، وهم يُدعون عادة "التجريبيين".
لكن ما رأيناه في الثقافة العصرية هو الثورة الاستثنائية والمذهلة فعلًا القائمة في الثقافة نتيجة ثورة في نظرية المعرفة، ما أنتج توليفًا أو اقترانًا لهذين العملين: المنطق والإدراك الحسي، في ما يُعرف عادة وببساطة بالمنهج العلمي، ما ينطوي على الاستقراء، ما يعني أن نجمع الوقائع ونجمع الأدلة وننظر عبر مجهرنا وننظر عبر التلسكوب الخاص بنا، ونجمع جميع المعطيات التي يمكننا الحصول عليها. إذًا، نحن نحصل على تلك المعطيات من المختبر، ولجعل الأمر بسيطًا، ماذا نفعل؟ نحمّلها في حاسوب، ونحاول تنظيمها بطريقة منطقية ومتناسقة. وما يفعله الحاسوب هو اتباع عملية الاستنباط، إنها عملية منطقية. إذًا، المنهج العلمي يجمع بين هذين الأمرين. والسؤال الذي نطرحه هو "كيف يجد الإيمان مكانًا هنا؟"
قرأت في رواية منذ فترة ليست بطويلة، حيث كان الروائي يروي حوارًا دار بين كاهن وعالم، ثم قام الروائي بالتعليق الافتتاحي. في النهاية، الكاهن عبّر عن إيمانه، والعالم عبّر عن منطقه. ورأينا هنا مثلًا واضحًا عن الإيمان الموضوع في تعارض ضعيف مع المنطق، أو الإدراك الحسي، أو العلم. وثمة مؤمنون كثر يجولون معتقدين أن الإيمان غير منطقي، أو مناهض للإدراك الحسي، وأنك لكي تتمتع بإيمان حقيقي يجب أن تسلك بدون منطق وبدون إدراك حسي. إحدى الأفكار التي نحاول إيضاحها هي وتر أضرب عليه طوال الوقت، أنا لا أجد ذلك في الكتاب المقدس، أنا لا أرى مثال الإيمان الكتابي مناقضًا للمنطق أو الإدراك الحسي، لكني أرى، إن استطعت استعمال نموذج لإيضاح ذلك، أن الأمر يبدو على هذا النحو. هذا هو أساس المعرفة، وهو يتضمن المنطق، أي الذهن والتفكير، والإدراك الحسي. الإيمان يستند إلى هذا الأساس، لكنه يقودك إلى ما وراء حدود هذين البعدين. قد يبدو الأمر غريبًا بالنسبة إليك، حتى إنه قد يبدو هرطقة بالنسبة إليك، لأنه، وكما ذكرت، نحن نعيش في عصر مناهض تمامًا للعقلانية، ويريد تجزئة الإيمان على أنه وسيلة منفصلة تمامًا للمعرفة بمعزل عن الجانبين الآخرين. لكن، وكما قال القديس أوغسطينوس منذ قرون، كيف يمكنك اكتساب أي معرفة من الله إن لم تكن واضحة للذهن، أقصد هل يمكنك القول إن يسوع رب بدون أن تفهم نوعًا ما ما يعنيه مفهوم الربوبية، وما يعنيه الفعل، وما يشير إليه اسم يسوع. بتعبير آخر، لا يمكنك سماع الإنجيل قبل أن تسمعه في ذهنك أولًا، وتفهمه إلى درجة معينة.
المسيحية عبارة أيضًا عن إيمان أو ديانة لديها كتاب، يتضمن تعليمًا وعقيدة مصمَّمة لنفهمها. ليس الكتاب المقدس منطقيًا، ليس من المنطقي كتابة أي نوع من أنواع الوثائق المكتوبة إن فهمنا الإيمان على أنه أمر يتجاوز المنطق. من ناحية أخرى، هل يلعب الإدراك الحسي دورًا في السرد الكتابي لحياة يسوع؟ بالطبع. يقول الرسول لوقا "لقد تعهدنا بكتابة تلك الأمور التي عايناها وبأن نشهد عن تلك الأمور"، ثم يقول بطرس "نحن لم نكلمكم بخرافات مصنّعة، بل نكلّمكم بما رأيناه بعيوننا وسمعناه بآذاننا".
لماذا نعتقد أحيانًا أنه لكي يكون لنا إيمان، يجب أن نصلب أذهاننا أو أن نتخلص من المنطق، أو أن نغمض عيوننا ونأخذ نفسًا عميقًا، مثل "أليس" الصغيرة، وألا نكون علميين، وأن نتوقف عن استخدام أعضائنا الحسية التي منحنا إياها الله، وأن نسلك بما يسميه البعض "الإيمان الأعمى"؟ أو خطوة إيمان؟ ما معنى الإيمان الأعمى؟ سوى إيمان مغمض العينين، إيمان لا يقدر أن يرى شيئًا، إيمان ينكر الحواس، أو خطوة الإيمان التي تم تعظيمها وجعلها رومنتيكية في عصرنا، لدرجة أنه بات من الفضيلة الغوص في اللاعقلانية. وكلما كنت غير عقلاني، كنت نوعًا ما أكثر بطولية في إيمانك. لكن الكتاب المقدس لا يدعوك أبدًا إلى القيام بخطوة نحو الظلمة. في الواقع، يدعوك الكتاب المقدس إلى القيام بخطوة للخروج من الظلمة والدخول إلى النور. لكن ما الذي يجعل المسيحيين يفكرون بهذه الطريقة؟
ماذا يحدث إن قلت إن الحقيقة كلها هي ما يمكن معرفته أو اكتسابه من خلال المنطق وحده؟ هل المنطق وحده العامل كأداة مجردة يوصلك إلى حقيقة الإيمان المسيحي؟ هل يمكنك التسلل إلى عقل ديكارت واستنباط صليب المسيح؟ لا. إذًا، المنطق البحت لن يوصلك إلى الإيمان المسيحي. ماذا عن الإدراك الحسي وحده؟ ماذا يقول العهد الجديد إنه يحدّد الإيمان بهذه الطريقة، مكتوب "وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى". وماذا بعد ذلك؟ "وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى". وقد تم استعمال هذه الآية نفسها كدلالة، "أترى؟ الإيمان مناقض لما تراه". ويقول الناس إننا نسلك بالإيمان لا بالعيان. هل يعني ذلك أن الإيمان يرفض العيان؟ لا. لكن هل نسلك يومًا في أماكن حيث لا نرى إلى أين نتجه؟ هل يدعونا الله إلى الالتزام بأمور لم يرها أحد؟ هل يدعونا الله إلى الإيمان بأمور لم يرها أحد يومًا؟ هل سبق لأحد في هذا المكان أن رأى الله، أي أنه رأى الله بشكل منظور؟ لقد عاينتم عمل الله البارع، ورأيتم السماوات التي تعلن مجد الله، وسرتم، كما قال كالفن، في مسرح رائع من الإعلان الطبيعي، لكن هل رأى أحد الله نفسه؟ الإنسان لا يرى الله ويعيش. هذا ما نرجوه في النهاية حين نختبر رؤية الله مباشرة، أو "فيزيو داي"، حين نرى الله فعلًا، لكن ليس في هذا العالم، لا نرى الله. الله غير منظور، لكننا نؤمن بأنه موجود. ليس الله غير منطور فحسب ونحن نؤمن بأنه موجود، لكنه يقول لنا أمورًا أخرى لم نبصرها. نحن لم نرَ أحباءنا الراحلين في السماء، لكن هل يقول لنا الله إنهم هناك؟ هل يقول لنا الله إن السماء موجودة؟ هناك أمور كثيرة يقول لنا الله إننا لم نبصرها، ونحن مدعوون إلى الإيمان بها.
الإيمان هو الإيقان بأمور لا تُرى، لكن لماذا نؤمن بأمور لا تُرى؟ الفئة الأخرى التي نتطرق إليها ضمن إطار المعرفة هي فئة الإعلان. هل أسأت تهجئة ذلك؟ يصعب عليَّ التهجئة على اللوح – إعلان. المسيحية، مهما كانت غير ذلك، هي ديانة معلنة. الله لا يعلن عن نفسه من خلال الطبيعة فحسب، بل كما قال فرانسيس شايفر نحن لا نؤمن بإله موجود فحسب، بل بإله تكلم. حين نقول إن الإيمان هو الإيقان بأمور لا تُرى، فما نتكلم عنه هو تصديق الله، ليس فقط بالإيمان بالله، بل الإيمان الكتابي يعني تصديق الله، حين تقول "حسنًا يا رب، هناك أمور لم أرَها، فهناك أبعاد للواقع تقول لي إنها موجودة وأنا أقبلها بالإيمان. ليس هذا إيمانًا غير منطقي، وليس إيمانًا غير علمي. هناك أسباب عديدة لكونك جعلت من المنطقي جدًا أن أؤمن بأنك موجود، كيف يمكن أن يوجد الكون ما لم تكن أنت موجودًا؟ أنت اخترقت الزمان والمكان أعطيتنا سردًا تاريخيًا كاملًا عن عملك في التاريخ. جاء يسوع المسيح في الجسد، وكان منظورًا، وقام من الموت في مجرى التاريخ، ونحن نعتقد أن الشهادة تعتمد على هذا الأساس، المنطق والإدراك الحسي، لكنك تقول لنا أمورًا الآن لا يمكننا أبدًا التحقق منها في مختبر علمي". هل من غير المنطقي الإيمان بمن أعلن أنه تجسد للحق؟ لا أظن ذلك. لكننا نثق بما قاله المسيح.
إذًا النقيضان الحقيقيان للإيمان وفق الكتاب المقدس ليسا المنطق والإدراك الحسي، بل السذاجة والخرافة، وهما وجهان لعملة واحدة. الإيمان بأمر لا أساس له في الواقع بدون أن يكون لديك سبب كافٍ لتؤمن به، هذا ما نسميه السذاجة، التصديق بسهولة، أو الإيمان بأمر سحري لا علاقة له بكلمة الله قد يكون خرافيًا. ونذكر انتهار بولس في أثينا، حين جاء ووجد المدينة مستسلمة لعبادة الوثن، المركز الثقافي للعالم القديم، قال بولس "أَرَاكُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَأَنَّكُمْ"، ماذا؟ خرافيون جدًا. وقد ذكرت ذلك لأني إن سألت الناس "برأيكم أين يوجد خرافيون اليوم؟" فيجيب الناس "في هايتي يمارسون الشعوذات أو ما شابه". أقول لكم "أتعلمون أين أجد الخرافة في كل مكان؟ في الكنيسة المسيحية"، بإمكانها التسلل بسهولة إلى ديانتنا. لذا، يجب علينا باستمرار أن نبني إيماننا على أساس كلمة الله.
يبقى لدي بضع دقائق في هذه المقدمة، وأود تذكيركم بمبدأ إيمان مهم جدًا صادر عن الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر. أشك إن حدث يومًا في تاريخ الكنيسة أن تم بذل طاقة أكبر أو استثمار المزيد من الأفكار في مفهوم الإيمان برمته، أكثر مما حدث في القرن السادس عشر، لماذا؟ ماذا كانت القضية الأساسية في الإصلاح البروتستانتي؟ التبرير بالإيمان وحده، ما أثار شتى أنواع الأسئلة، مثل السؤال الذي راودنا فورًا نحن الأربعة: أي نوع من الإيمان يبرر؟ وخلال محاولة تحليل ذلك، ما توصل إليه المصلحون، وما أعتبره مهمًا للمؤمنين، سواء كانوا يتّبعون التقليد الإصلاحي أو أيًا يكن تقليدهم، أن يفهموه، محاولة فهم مفهوم الإيمان برمته في العهد الجديد في اليونانية "بيستولو"، "يؤمن". يقولون إنه يوجد أقله ثلاثة عناصر مميزة في إيمان الكتاب المقدس، وعرضوها باللغة اللاتينية، وسنفعل ذلك هنا.
الأول هو ما يُعرف بالـ"نوتاي"، أو ما نسميه باللغة الإنجليزية ببساطة "البيانات". حين نقول إن التبرير يتم بالإيمان وحده، هل يعني ذلك أنه لا يهم ما تؤمن به ما دمت صادقًا؟ هل أنا مبرر أمام الله لأني أعتقد أن القمر مصنوع من الجبنة الخضراء؟ هل هذا إيمان؟ هذا اعتقاد، أنا أعتقد، لكن المضمون ليس مسيحيًا. في كنيسة العهد الجديد هناك مضمون، هناك إعلان بأن المسيح هو ابن الله، وبأنه المخلّص، وبأنه مات لأجل خطاياك، وقام من الأموات. الرسل وعظوا ذلك ودعوا الناس إلى الإيمان به. قبل أن أؤمن به بمعنى الخضوع له، أولًا، يجب أن أتمكن من فهمه في ذهني. إذًا، هناك معلومات أو مضمون.
والمرحلة الثانية من الإيمان هي ما أسموه "سينسيس"، أي الموافقة الذهنية، موافقة الذهن على الأمر. إن قلت لك يا راي هل تعتقد أن جورج واشنطن كان أول رئيس للجمهورية في الولايات المتحدة، هل تعتقد ذلك؟ حسنًا، أنت تعتقد بذلك. أنا لم أسألك إن كنت تضع ثقتك الشخصية في جورج واشنطن كفادٍ لك أو ما شابه، أنا سألتك من باب الواقع التاريخي، هل تعتقد فعلًا أنه كان يوجد رجل يحمل هذا الاسم؟ هل تعتقد أنه صحيح أن جورج واشنطن...؟ قلت "نعم أنا أعتقد ذلك، أظن أنه صحيح، أوافق على هذا الاقتراح". إذًا، كان المسيحيون الأوائل يقولون "هل تؤمن بأن يسوع هو ابن الله؟" فأجاب البعض "لا"، لم يكن البعض يؤمن بذلك، وقال آخرون "نعم، أنا أؤمن بذلك". لكن هل يكفي ذلك ليجعل منك مؤمنًا؟ هذا ما أراد القديس يعقوب قوله. أول من اعترف بهوية يسوع هم الشياطين، كانوا يعرفون هويته. لو أنك سألت الشيطان "هل تؤمن بأن يسوع هو ابن الله؟" باستثناء كونه كذابًا، كان ليقول حتمًا "أنا أعرف ذلك"، لكنه كان يكره الأمر.
لذا قال لوثر والمصلحون إنه لا بد من وجود بعد ثالث، أسموه "فيدوكيا"، أي ثقة شخصية وقبول. هذا يشمل الإرادة، ويشمل القلب، ما أسماه إدواردز العاطفة الدينية. إذًا، الآن أنا أحب يسوع حتى العبادة، في حين أني كنت سابقًا مبعدًا عنه وعدائيًا تجاهه. لكن الفكرة التي نريد إيضاحها هي أني حين أقول إني أؤمن، ما يعني أني أقبل في قلبي، فإني سأنال نصرة المسيح وغلبته، هذا هو إعلان الإيمان. أنا لا أكتفي بالقول، ولا أسمّع عقيدة قائلًا "نعم أعتقد أن هذا صحيح"، الفكرة التي أوضحها هنا هي أن الإيمان هو أكثر من موافقة ذهنية، وهو أكثر من مجرد معرفة، لكنه ليس أقل من ذلك. سأكرّر ذلك مرة أخرى. إنه أكثر من مجرد معرفة، وأكثر من موافقة ذهنية، لكنه ليس أقل من ذلك.
في محاضراتنا المقبلة، سندرس المضمون الذي يعود إلى الكنيسة الأولى في ما يتعلق بجوهر الإيمان المسيحي وفق مسيحية التيار الكلاسيكي. مضمون قانون الإيمان يتجاوز الحدود الطائفية. لن نغوص في مميزات اللوثرية، والميثودية، والمعمدانية، والمشيخية، وما شابه، لأن المعلومات الكلاسيكية التي أكّد عليها جميع المؤمنين على مر تاريخ الكنيسة وردت في قانون الإيمان، وسنتطرق إلى ذلك في الدروس المقبلة.