المحاضرة 2: الثِقَةُ في اللهِ

تَحَدَّثْنَا عَنْ وَقْتٍ للثِقَةِ؛ وَفِي هَذِهِ الْمُحَاضَرَةِ، سَوْفَ نَتَحَدَّثُ عَنْ ضَرُورَةِ الثِّقَةِ فِي اللهِ. وَلِمُسَاعَدَتِنا عَلَى تَنَاوُلِ هَذَا الْمَوْضُوعِ، سَوف نَعُودُ إِلَى الأَصْحَاحِ الأَرْبَعِينَ مِنْ سِفْرِ إِشَعْيَاءَ، الَّذِي يُعَدُّ أَحَدَ أَرْوَعِ أَصْحَاحَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِرُمَّتِهِ، هُوَ الأَصْحَاحُ الأَرْبَعُونَ مِنْ سِفْرِ إِشَعْيَاء. إِنَّه، كَمَا تَعْلَمُونَ، يَبْدَأُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ الْعَظِيمَةِ: "عَزُّوا، عَزُّوا شَعْبِي". وَمِمَّا لا شَكَّ فِيهِ تَقْفِزُ أُنْشُودَةُ مِيسَيَا (Messiah) لِلْمُرَنِّمِ هَانْدِل إِلَى أَذْهَانِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقْرَؤُونَهَا. فَمَا يَحْدُثُ هُنَا هُوَ أَنَّنَا نَقْرَأُ عَنْ دَيْنُونَةٍ فِي أَصْحَاحٍ تِلْوَ الآخَرِ. إنَّ الأَصْحَاحَاتِ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى ثَلاثِينَ فِي سِفْرِ إِشَعْيَاءَ، أَصْحَاحَاتٌ كَئِيبَةٌ. فأَنْتَ تَقْرَأُ عَنِ الأُمَمِ، وَتَقْرَأُ عَنْ إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ تَقْرَأُ الآنَ عَنْ وَحْيٍ بِدَيْنُونَةٍ تِلْوَ الأُخْرَى. فَمِنْ ثَمَّ، فَجْأَةً، وَعِنْدَ الأَصْحَاحِ الأَرْبَعِينَ، تَتَغَيَّرُ النَّبْرَةُ. وتتحوَّلُ، فِي الْحَقِيقَةِ، أحيانًا يُطْلَقُ عَلَى الأَصْحَاحَاتِ مِنَ الأَرْبَعِينَ إِلَى السَّادِسَةِ وَالسِّتِّينَ "أَصْحَاحَاتِ التَّعْزِيَةِ"، لأَنَّ الأَسْفَارَ الَّتِي تَسْبِقُهَا قَاسِيَةٌ فِي دَيْنُونَتِهَا. حَسَنًا، فَنَحْنُ أَمَامَ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الَّذِي يَتَنَبَّأُ مُسْبَقًا عَنْ سَبْيِ إِسْرَائِيلَ إِلَى بَابِلَ. لَكِنَّهُ لَمْ يَتَوَقَّفْ عِنْدَ سَبْيِ بَابِلَ لَهُمْ فَحَسْبُ -فَقَدْ كُتِبَتِ النُّبُوَّةُ حَرْفِيًّا عَلَى السُّورِ، عَسَى أَنْ يَرَاهَا كُلُّ مَنْ يُصْغِي وَيَنْتَبِهُ-بَلْ أَيْضًا تَنَبَّأَ إِشَعْيَاءُ: "سِتُسْبَوْنَ، لَكِنَّكُمْ سَتُسْتَرَدُّونَ". لِذَا، عِنْدَمَا نَتَعَمَّقُ فِي هَذِهِ الأَصْحَاحَاتِ، سَنَكُونُ قَدِ اجْتَزْنَا الدَّيْنُونَةَ، وَنَبْدَأُ حَدِيثَنَا عَنِ الاسْتِرْدَادِ. فَنَجِدُ أَنَّ الآيَاتِ الأُولَى فِي الأَصْحَاحِ الأَرْبَعِينَ تُؤَكِّدُ لإِسْرَائِيلَ اسْتِرْدَادَهُمْ إِلَى الأَرْضِ؛ لِهَذَا تُدْعَى بِأَصْحَاحَاتِ التَّعْزِيَةِ. "سَتُسْتَرَدُّونَ إِلَى الأَرْضِ". أَوَدُّ التَّأَمُّلَ فِيهَا بَعْضَ الشَّيْءِ.

لذا دَعُونَا نَتَخَيَّلُ أَنَّنَا فِي مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ فِي بَابِل، وَأَنَّنَا إِسْرَائِيلِيُّونَ مَسْبِيُّونَ، وَبِحَوْزَتِنَا لُفَافَةُ سِفْرِ إِشَعْيَاءَ، وَنَقْرَأُ مِنْهَا بِوُضُوحٍ أَنَّنَا سَنُقادُ عَائِدِينَ إِلَى أَرْضِنَا سَرِيعًا. وَالآنَ، دَعُونَا نُفكِّرْ مَلِيًّا فِي ذَلِكَ. أَوَّلًا، تَحُولُ بَيْنَنا وَبَيْنَ إِسْرَائِيلَ صَحْرَاءٌ شَاسِعَةٌ. لِذَا، نَحْنُ أَمَامَ عَائِقٍ جُغْرَافِيٍّ عَلَيْنَا التَّغَلُّبُ عَلَيْهِ. ثُمَّ إنَّه لَيْسَ مَا يُقاوِمُ بَابِلَ فِي جَمَالِها وَعَظَمَتِها. وَلِحُدُوثِ هَذا، سَيَكُونُ عَلَى الْمَلِكِ إِصْدَارُ مَرْسُومٍ يُقَرِّرُ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ بَالِغِ سُرُورِ قَلْبِهِ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَعُودَ إِلَى أَرْضِنا. وَبِالطَّبْعِ، سَتَكُونُ بَابِلُ هِيَ أَرْضُ السَّبْيِ، وَكُورَشُ مَلِكُ مَادِي وَفَارِسَ سَيَكُونُ الْمَلِكَ. وَالآنَ، إِنْ كُنْتُمْ عَلَى دِرَايَةٍ بِتَارِيخِ الْعَالَمِ، لَنْ تَنْظُرُوا إِلَى كُورَشَ وَتَظُنُّوا أَنَّهُ الَّذِي مِنْ بَالِغِ سُرُورِ قَلْبِهِ رَغِبَ فِي فِعْلِ مَعْرُوفٍ لِلشَعْبِ. لَقَدْ كَاَن مُهْتَمًّا بِغَزْوِ الْعَالَمِ. وَعَلَيْهِ، لَوْ كُنَّا مَسْبِيِّينَ هُناكَ وَسَمِعْنَا أَنَّ اللهَ سَيَسْتَرِدُّنَا، أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا سَيُثِيرُ سُؤَالًا: حَقًّا؟ هَلْ يَقْدِرُ اللهُ عَلَى تَحْقِيقِ وَعْدِهِ؟ أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟

وَأَنَا أَقْرَأُ مِنَ الآيَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ حَتَّى نِهَايَةِ الأَصْحَاحِ، أَرَى إِعْلاناتٍ مُتَتالِيَةً عَنْ قُدْرَةِ اللهِ. فَبِمَا أَنَّ اللهَ وَعَدَ بِاسْتِرْدَادِ إِسْرَائِيلَ-مِثْلَ الرَّاعِي الَّذِي يَجْمَعُ حِمْلانَهُ، وَيَحْمِلُهُمْ عَلَى مِنْكَبَيْهِ، وَيُعِيدُهُمْ إِلَى أَمَانِ حَظِيرَةِ الْخِرافِ- سَتَعُودُ إِسْرَائِيلُ إِلَى أَرْضِها، وَسَوْفَ يُسْتَرَدُّونَ. يَنْبَغِي أَنْ تُؤْمِنُوا بِهَذَا، فإِلَهُنَا إِلَهٌ أَمِينٌ؛ وإِنْ وَثِقْتُمْ بِهِ، لَنْ تُخْزَوْا. فَنَحْنُ أَمَامَ قَائِمَةٍ مِنَ الإِعْلانَاتِ الْمُتَتَالِيَةِ عَنْ قُدْرَةِ اللهِ. فِي هَذَا الأَصْحَاحِ، أَوْ فِي هَذِهِ الآيَاتِ بِالتَّحْدِيدِ-مِنَ الآيَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرةَ حَتَّى نِهَايَةِ الأَصْحَاحِ- سَنَرَى قُدْرَةَ اللهِ مُعْلَنَةً فِي خَلِيقَتِهِ. سَنَراها فِي الْمِيَاهِ وَالْجِبَالِ وَالْبُحَيْرَةِ وَالنُّجُومِ. وَسَنَرَى قُدْرَةَ اللهِ مُعْلَنَةً فِي شُعُوبِ الأُمَمِ. وَسَنَرَى قُدْرَةَ اللهِ مُعْلَنَةً فوقَ الآلِهَةِ الزَّائِفَةِ. وَسَنَرَى إِعْلَانًا أَخِيرًا لِقُدْرَةِ اللهِ وَقُوَّتِهِ فِي خِتَامِ إِشَعْيَاءَ لِلأَصْحَاحِ.

لِذَا، فَلْنَنْظُرْ إِلَيْهِ عَنْ كَثَبٍ. وَنَرَى فِي الآيَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الأَصْحَاحِ الأَرْبَعِينَ مِنْ سِفْرِ إِشَعْيَاءَ، والآيَتَيْنِ 12-13، الإِعْلانَ الأَوَّلَ عَنْ قُدْرَةِ اللهِ فِي الْخَلِيقَةِ:

مَنْ كَالَ بِكَفِّهِ الْمِيَاهَ، وَقَاسَ السَّمَاوَاتِ بِالشِّبْرِ، وَكَالَ بِالْكَيْلِ تُرَابَ الْأَرْضِ، وَوَزَنَ الْجِبَالَ بِالْقَبَّانِ، وَالْآكَامَ بِالْمِيزَانِ؟

وَبِالطَّبْعِ، تَنْظُرُونَ الآنَ إِلَى كُلِّ خَلِيقَةٍ مِنْهَا، وَتُفَكِّرُونَ فِي الْمِياهِ الْعَظِيمَةِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ لَوْ شَاهَدَ أَيٌّ مِنْكُمُ الْمُحِيطَ أَوْ كَانَ عَلَى مَتْنِ أَيٍّ مِنْ سُفُنِهِ، سَتُدْرِكُونَ كَمْ هِيَ عَظِيمَةٌ قُوَّةُ هَذِهِ الْمِياهِ. وَلَكِنَّهَا مُجَرَّدُ حِمْلِ كَفَّةِ يَدِهِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ إِنَّهَا عَظَمَةُ اللهِ وَجَلالُهُ. ثُمَّ، نَقْرَأُ السَّمَاوَاتِ! نَحْنُ نَقْرَأُ مِنْ زَمَنِ إِشَعْيَاءَ. فِي يَوْمِنَا هَذَا، لَدَيْنَا مَرْصَدُ "هَبِّل" الَّذِي لا يَزَالُ يَبْعَثُ إِلَيْنَا عَنِ الْمَجَرَّاتِ وَيُرِينَا هَذِهِ الصُّوَرَ الْمُذْهِلَةَ لَيْسَ عَنِ النُّجُومِ فَحَسْبُ بَلْ عَنِ الْمَجَرَّاتِ. وَرَغْمَ عَظَمَتِهَا، يُخْبِرُنَا إِشَعْيَاءُ بِأَنَّ اللهَ يَقِيسُها بِالشِّبْرِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ ثُمَّ نَقْرَأُ عَنِ الْجِبالِ الشَّاهِقَةِ. لَطَالَمَا سَكَنْتُ فِي وِلايَةِ بِنْسِلْفَانْيَا وَفِي مُنْتَصَفِهَا حَيْثُ التِّلالُ. تَرَعْرَعْتُ فِي غَرْبِ بِنْسِلْفَانْيَا-لَيْسَ بِبَعِيدٍ عَنْ رِيفِ لِيجُونِيرَ الأَصْلِيِّ-حَيْثُ الْجِبالُ، وسُفُوحُ جِبَالِ الأَبَلاشِ. كَانَتْ لَدَيْنَا جِبَالٌ حَقِيقِيَّةٌ. فِي الْوَاقِعِ، لأَصْعَدَ مِنْ حَيْثُ أَسْكُنُ إِلَى لِيجُونِيرَ، كَانَ عَلَيَّ الصُّعُودُ قُرَابَةَ ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ عَبْرَ الْجَبَلِ إِلَى حَيْثُ تَقَعُ لِيجُونِير. بَيَنْمَا فْلُورِيدَا سَهْلٌ مُسَطَّحٌ. فَكُلَّمَا كُنَّا نَصْعَدُ إِلَى أَيِّ سَطْحِ مَنْزِلٍ، كُنَّا نَرَى مَسَافَاتٍ بَعِيدَةً. لَكِنْ إِنْ كُنَّا نَسْكُنُ فِي فْلُورِيدَا، وَنَرْغَبُ فِي رُؤْيَةِ جِبَالٍ، يَتَحَتَّمُ عَلَيْنَا الذَّهَابُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ. لَكِنْ بِمُجَرَّدِ أَنْ تَرَى الْجِبالَ، تَرَى نَفْسَكَ قَزَمًا أَمَامَهَا، وَتُدْرِكُ مَدَى عَظَمَتِها. مَعَ ذَلِكَ، تَقْرَؤُونَ إِشَعْيَاءَ وَهْوَ يُحَاوِلُ أَنْ يُصَوِّرَ لَنَا اللهَ بَيْنَمَا "يَزِنُ" جِبَالَ خَلِيقَتِهِ. فَاللهُ قَدِيرٌ عَلَى كُلِّ تِلْكَ الأُمُورِ الَّتِي نَهَابُها فِي الْعَالَمِ الطَّبِيعِيِّ.

ثُمَّ يَتَّجِهُ إِشَعْيَاءُ بِحَدِيثِهِ عَنِ الآلِهَةِ الزَائِفَةِ. فَيَقُولُ فِي الآيَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:

مَنِ اسْتَشَارَهُ فَأَفْهَمَهُ وَعَلَّمَهُ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ، وَعَلَّمَهُ مَعْرِفَةً وَعَرَّفَهُ سَبِيلَ الْفَهْمِ؟

الآنَ، هُنَا يَبْدُو أَنَّ إِشَعْيَاءَ، نَوْعًا مَا، قَدْ تَحَوَّلَ عَمَّا يُطْلِقُ عَلَيْهِ اللَّاهُوتِيُّونَ مِنْ صِفَاتِ اللهِ أَنَّهُ "كُلِّيُّ الْقُدْرَةِ"-أَيِ الْقَدِيرُ -إِلَى التَّحَدُّثِ عَنْ أَنَّهُ "كُلِّيُّ الْعِلْمِ" -أَيِ الْعَلِيمُ. فَمَنْ "أَفْهَمَهُ"؟ أَعْتَقِدُ أَنَّ أَمْرًا آخَرَ يُخْبِرُنَا بِهِ هُنَا. مِنْ بَيْنِ جَمَاعَةِ آلِهَةِ الْبَابِلِيِّينَ، كَانَ مَرْدُوخُ الإِلَهَ الأَعْظَمَ. فِي الْوَاقِعِ عَلَيَّ دَوْمًا تَذْكِيرُ نَفْسِي أَنَّهُ مَرْدُوخٌ لا مَارْمَادُوك. أَتَذْكُرُونَهُ؟ مَارْمَادُوكُ الْكَلْبُ الضَّخْمُ، الشَّخْصِيَّةُ الْكَارْتُونِيَّةُ؟ حَسَنًا. هَذَا لَيْسَ الإِلَهَ الْبَابِلِيَّ. إِنَّهُ مَرْدُوخُ. لَكِنَّ مَرْدُوخَ كَانَ يَسْتَشِيرُ الآلِهَةَ الأُخْرَى. فَكُلَّمَا أَرَادَ مَرْدُوخُ اتِّخاذَ قَرَارٍ، كَانَ يَسْتَدْعِيهِمْ-مِثْلَمَا يَسْتَدْعِي الرَّئِيسُ مَجْلِسَ وُزَرَائِهِ، أَوْ يَسْتَدْعِي الْمَلِكُ مُسْتَشَارِيهِ-كانَ مَرْدُوخُ يَسْتَدْعِي الآلِهَةَ. فَكَانَ يَسْتَشِيرُ، كَمَا تَعْلَمُونَ، مَلِكَ الرَّعْدِ، وَيَسْتَشِيرُ ذَاكَ الْإلَهَ وَغَيْرَهُ. وَبَعْدَمَا يَسْمَعُ مِنْهُمْ، يَتَّخِذُ قَرَارَهُ. فَمَا يَقُولُهُ إِشَعْيَاءُ إِهَانَةٌ مُوَجَّهَةٌ مُبَاشَرَةً بِأَنَّ اللهَ أَعْظَمُ قُدْرَةً وَقُوَّةً مِنْ آلِهَةِ بَابِلَ. فَمَا أَهَمِّيَّةُ هَذَا؟ انْظُرُوا، فِي الْعَالَمِ الْقَدِيمِ، إِنْ غَزَتْ أُمَّةٌ أُمَّةً أُخْرَى يَعْنِي، بِالْمِثْلِ، أَنَّ آلِهَةَ الأُمَّةِ الْغَازِيَةِ هِيَ الأَقْوَى. وَكَثِيرًا مَا تَقْرَؤُونَ هَذَا فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. أَتَعْلَمُونَ؟ كَانَتْ إِسْرَائِيلُ تَصْرُخُ إِلَى اللهِ لِيُدَافِعَ عَنِ اسْمِهِ بِحِمَايَةِ إِسْرَائِيلَ. فَتَتَمَثَّلُ الْفِكْرَةُ هُنَا فِي أنَّهُ إِذَا غُزِيَتْ إِسْرَائِيلُ، مَاذَا يَقولُ هَذَا عَنْ آلِهَةِ بَابِلَ؟ لكنْ وَاضِحٌ أَنَّ اللهَ هُنَا يُثْبِتُ أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ مَرْدُوخَ، وَأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ الآلِهَةِ الزَّائِفَةِ.

وَالآنَ، نَتَحَوَّلُ إِلَى الأُمَمِ. يَتَذَكَّرُ جَمِيعُكُمْ قِصَّةَ إِرِيك لِيدِلّ (Eric Liddell) كَانَ إِرِيك لِيدِلّ ابْنًا لِمُرْسَلَيْنِ إِلَى الصِّينِ؛ مُرْسَليْنِ طَبِيبَيْنِ. وَبِالطَّبْعِ كَانَ مَشْهُورًا لِفَوْزِهِ بِمِيدَالِيَّتَيْنِ ذَهَبِيَّةٍ وَبْرُونْزِيَّةٍ فِي أُولِمْبْيَادِ بَارِيسَ عَامَ 1924. لَكِنَّهُ عَاشَ حَيَاةً رَائِعَةً أَيْضًا عَقِبَ الأُولِمْبْيادِ عِنْدَمَا عَادَ إِلَى الصِّينِ مُرْسَلًا لِبَقِيَّةِ حَيَاتِهِ. لَكِنْ فِي فِيلْمِ "مَرْكَباتٌ نَارِيَّةٌ" (Chariots of Fire) -الْمُسْتَنِدِ إِلَى حَيَاتِهِ إنَّمَا مَعَ بَعْضِ الإِضَافَاتِ إِلَى الْفِيلْمِ -لَحْظَةٌ فِيهَا الْعَدَّاءُ إِرِيك ليدِلّ الْمُتَخَصِّصُ أَوَّلًا فِي سِبَاقِ الْمَائَةِ مِتْرٍ، وثانِيًا في سِبَاقِ الْمَائَتَيْ مِتْرٍ اللَّذيْنِ يُعَدَّانِ سِباقَيْ عَدْوٍ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ فَنُشَاهِدُهُ فِي الْفِيلْمِ يَصِلُ إِلَى بَارِيسَ قَبْلَ أُسْبُوعٍ مِنْ مُسَابَقَاتِ عَدْوِ مَائَةِ مِتْرٍ الزَّمَنِيَّةِ، وَيَكْتَشِفُ أَنَّهَا سَتُقَامُ يَوْمَ الأَحَدِ. أَعْتَذِرُ عَنْ حَرْقِ أَحْدَاثِ الْفِيلْمِ الْمُؤَثِّرَةِ. فِي الْوَاقِعِ، كَانَ يَعْلَمُ، جَمِيعُهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ فَجَدْوَلُ الْمُسَابَقَةِ وُضِعَ قَبْلَ بِضْعَةِ أَشْهُرٍ. لِهَذَا لَمْ تَكُنْ لَحْظَةً مَأْسَاوِيَّةً بِقَدْرِ مَا يُظْهِرُها الفِيلْمُ. لَكِنَّهَا كانَتْ لا تَزَالُ لَحْظَةً مَأْسَاوِيَّةً. فَقَدْ تَدَرَّبَ لِسَنَواتٍ عَلَى سِبَاقِ الْمَائَةِ مِتْرٍ. هَذَا كَانَ سِبَاقَهُ. وَهْوَ مَسِيحِيٌّ مَشْيَخِيٌّ اسْكُتْلَنْدِيٌّ، لِذَا حَفِظَ وَصِيَّةَ "اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ" مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ. لِذَا لَنْ يَخُوضَ السِّبَاقَ الزَّمَنِيَّ يَوْمَ الأَحَدِ. فَدَعُونَا الآنَ نَتَخَيَّلْ أَنَّ الفِيلْمَ دَقِيقٌ فِي سَرْدِهِ. إِذْ فِيهِ دَعَوْا أَمِيرَ وِيلْز، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ فَأَنَا لَسْتُ عَلَى دِرَايَةٍ بِالْمَهَامِّ الَّتِي عَلَى جَدْوَلِ أَعْمَالِ الأَمِيرِ، لَكِنْ عَلَى مَا يَبْدُو أَنَّ مِنْهَا ضَمَانَ الْتِزامِ الرِّيَاضِيِّينَ الْبَرِيطَانِيِّينَ الأُولَمْبِيِّينَ بِالْقَوَاعِدِ. فَدَعَوْا أَمِيرَ وِيلْز لِيَحُضَّ إِرِيك، مِنْ أَجْلِ الْوَطَنِ، عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي مُسَابَقَةِ الْمَائَةِ مِتْرٍ، إِذْ إِنَّها فُرْصَتُهُمْ لِحَصْدِ مِيدَالِيَّةٍ ذَهَبِيَّةٍ. لَكِنَّهُ قَاوَمَ هَذَا الضَّغْطَ. وَفِي الْفِيلْمِ-وَهَذَا الْجُزْءُ حَقِيقِيٌّ-بَدَلًا مِنْ أَنْ يُشَارِكَ فِي سِبَاقِ الْمَائَةِ مِتْرٍ الزَّمَنِيِّ، أَلْقَى عِظَةً. وَعَلَيْكُمْ تَخْمِينُ مَا النَّصُّ الَّذِي وَعَظَ مِنْهُ؟ بِالطَّبْعِ، وَعَظَ مِنَ الأَصْحَاحِ 40 مِنْ سِفْرِ إِشَعْيَاءَ؛ لأَنَّه يَتَكَلَّمُ عَنْ شَعْبٍ يَرْكُضُونَ حَتَّى النِّهايَةِ وَيُحَلِّقُونَ كَالنُّسُورِ. يَا لَهُ مِنْ نَصٍّ عَظِيمٍ يُعَزِّزُ ثِقَتَكَ قَبْلَ مُشَارَكَتِكَ فِي الأُولِمْبْيَادِ. لَكِنَّهُ قَرَأَهُ أَيْضًا لِلسَّبَبِ التَّالِي. اقْرَؤُوا الآيَةَ 15:

هُوَذَا الْأُمَمُ كَنُقْطَةٍ مِنْ دَلْوٍ، وَكَغُبَارِ الْمِيزَانِ تُحْسَبُ. هُوَذَا الْجَزَائِرُ يَرْفَعُهَا كَدُقَّةٍ!

لَمْ يَكُنْ إِرِيك جَبَانًا أَوْ حَتَّى انْهَارَ تَحْتَ ضَغْطِ أَمِيرِهِ. كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الأُمَمَ كَنُقْطَةِ مَاءٍ دَاخِلَ دَلْوٍ، كَانَ يَعْرِفُهُمْ عَلَى حَقِيقَتِهِمْ. فَخَلْفَ الأُمَمِ وَخَلْفَ قُوَّةِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُمَثِّلُونَها –هَذِهِ الْقُوَّةُ الَّتِي قَدْ تَتَعَاظَمُ أَحْيَانًا لِدَرَجَةِ أَلَّا نَعُودَ نَرَى سِوَاهَا وتَحْجُبُ عَنَّا الشَّمْسَ، فَنَعْجَزُ عَنْ رُؤْيَةِ مَا بَعْدَ أُفُقِ وُجُودِنَا، حَيْثُ إنَّنا لا نَرَى أَمَامَنا سِوَى الأُمَم. لَكِنَّ النَّظْرَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَيْهِمْ، هِيَ أَنَّهُمْ كَنُقْطَةٍ مِنْ دَلْوٍ. وَإِرِيك عَرَفَ ذَلِكَ، عَلِمَ ذَلِكَ. بِالطَّبْعِ، حَصَدَ الْمِيدَالِيَّةَ الْبْرُونْزِيَّةَ عَنْ سِبَاقِ الْمِئَتَيْ مِتْرٍ، وَتَدَرَّبَ لِسِبَاقِ الأَرْبَعِمَائَةِ مِتْرٍ. وَالأَمْرُ الْمُذْهِلُ أَنَّ سِبَاقَ الأَرْبَعِمَائَةِ مِتْرٍ لَمْ يَكُنْ يُعَدُّ سِبَاقَ سُرْعَةٍ. بَلْ كَانَ سِبَاقَ مَسَافَاتٍ مُتَوَسِّطَةٍ. وَعَادَةً لا يَبْرَعُ الْعَدَّاؤُونَ فِي سِبَاقِ الْمَسَافَاتِ الْمُتَوَسِّطَةِ. لَكِنَّ إِرِيك أَذْهَلَ الْعَالَمَ حِينَ حَصَدَ الْمِيدَالِيَّةَ الذَّهَبِيَّةَ فِي سِبَاقِ الأَرْبَعِمَائَةِ مِتْرٍ فِي أُولِمْبْيادِ بَارِيسَ عَامَ 1924.

وَنَحْنُ نُعِيدُ أَنْظَارَنَا إِلَى النَّصِّ، تُعِيدُ الآيَتَانِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ وَالتَّاسِعَةَ عَشْرَةَ انْتِباهَنا إِلَى الآلِهَةِ الزَّائِفَةِ. "فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟ "اَلصَّنَمُ؟" وَهُنَا نَقْرَأُ بَعْضَ التَّهَكُّمِ. أُحَبِّذُ هَذَا هُنَا. وَأُحَبِّذُ الأَمْرَ عِنْدَمَا يَتَحَلَّى مُؤَلِّفُو الْكِتَابِ بِبَعْضِ السُّخْرِيَةِ. وَهَذَا مِثَالٌ إِذْ نَقْرَأُ:

اَلصَّنَمُ يَسْبِكُهُ الصَّانِعُ، وَالصَّائِغُ يُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ وَيَصُوغُ سَلَاسِلَ فِضَّةٍ. "الْفَقِيرُ عَنِ التَّقْدِمَةِ يَنْتَخِبُ خَشَبًا لَا يُسَوِّسُ، يَطْلُبُ لَهُ صَانِعًا مَاهِرًا لِيَنْصُبَ صَنَمًا لَا يَتَزَعْزَعُ!

لِذَا انْتَبِهْ مِنْ أَنْ تَحْصُلَ عَلَى صَنَمٍ خَشَبِيٍّ رَدِيءِ الصِّنَاعَةِ، لأَنَّهُ رُبَّمَا لَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّفِّ، وَكَمَا تَعْلَمُ، حِينَمَا يَحْضُرُ الأَطْفَالُ إِلَى الْمَنْزِلِ وَيَعِيثُونَ فِيهِ، رُبَّمَا يُحْدِثُونَ اضْطِرَابًا كَفِيلًا بِأَنْ يُسْقِطَهُ. يَا لَسَذَاجَةِ أَمْرِ هَؤُلاءِ الْبَابِلِيِّينَ إِذْ كَانُوا يَضَعُونَ ثِقَتَهُمْ فِي أَصْنَامٍ مِنْ صُنْعِ الْبَشَرِ. وَهَذَا يُذَكِّرُنَا بِأَنَّ اللهَ يُعْلِنُ قُدْرَتَهُ عَلَى الآلِهَةِ الزَّائِفَةِ.

وَتُعِيدُنَا الآيَةُ 21 إِلَى الْخَلِيقَةِ، إِذْ تَقُولُ:

أَلَا تَعْلَمُونَ؟ "أَلَا تَسْمَعُونَ؟ "أَلَمْ تُخْبَرُوا مِنَ الْبَدَاءَةِ؟ "أَلَمْ تَفْهَمُوا مِنْ أَسَاسَاتِ الْأَرْضِ؟ "الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الْأَرْضِ وَسُكَّانُهَا كَالْجُنْدُبِ. الَّذِي يَنْشُرُ السَّمَاوَاتِ كَسَرَادِقَ، وَيَبْسُطُهَا كَخَيْمَةٍ لِلسَّكَنِ. الَّذِي يَجْعَلُ الْعُظَمَاءَ لَا شَيْئًا"-هُنَا نَعُودُ إِلَى الأُمَمِ-"وَيُصَيِّرُ قُضَاةَ الْأَرْضِ كَالْبَاطِلِ.

أَجَلْ، حَتَّى كُورَشُ، حَتَّى كُورَشُ مَلِكُ مَادِي وَفَارِس الْعَظِيمُ، الْمَلِكُ الَّذِي بِمُجَرَّدِ ظُهُورِهِ، خَرَّتْ أَمَامَهُ الْجُيُوشُ. كَانَ عَظِيمًا فِي الْمَسَامِعِ.

لَمْ يُغْرَسُوا بَلْ لَمْ يُزْرَعُوا وَلَمْ يَتَأَصَّلْ فِي الْأَرْضِ سَاقُهُمْ. فَنَفَخَ أَيْضًا عَلَيْهِمْ فَجَفُّوا، وَالْعَاصِفُ كَالْعَصْفِ يَحْمِلُهُمْ.

وَالآيَةُ 25، تُقَدِّمُ لَنَا خَاتِمَةً رَائِعَةً فِي صِيغَةِ سُؤَالٍ بَلاغِيٍّ: "فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيَهُ؟" يَقُولُ الْقُدُّوسُ".

فَنَحْنُ هُنَا أَمَامَ إِعْلانَاتٍ مُتَتَابِعَةٍ عَنْ قُدْرَةِ اللهِ. كَمَا أَنَّهُ حَفِظَ أَعْظَمَ إِعْلانَاتِهِ عَنْ قُدْرَتِهِ إِلَى النِّهايَةِ، الْمُتَمَثِّلَ فِي السُّرُورِ الْعَظِيمِ للهِ بِإِظْهارِ قُدْرَتِهِ فِي شَعْبِهِ. إِذْ نَقْرَأُ هَذَا فِي آيَاتِ الأَصْحَاحِ المُتَبَقِّيَةِ. وَنَحْنُ نَقْرَأُ خَاتِمَةَ الأَصْحَاحِ، نَقْرَأُ سُؤَالًا صَادِقًا يَقُولُ: "لِمَاذَا تَقُولُ يَا يَعْقُوبُ وَتَتَكَلَّمُ يَا إِسْرَائِيلُ: "قَدِ اخْتَفَتْ طَرِيقِي عَنِ الرَّبِّ وَفَاتَ حَقِّي إِلَهِي"؟" فَدَعُونَا نَعُودُ إِلَى مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ فِي بَابِلَ. أَتَذْكُرُونَها؟ فَفِي زِيَارَتِنَا الأَخِيرَةِ إِلَى مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ، سَمِعْنَا أَنَّ اللهَ سَيَسْتَرِدُّنَا. لَكِنْ تَعْتَرِينَا الشُّكُوكُ. أَجَلْ، قَدْ أَعْلَنَ اللهُ كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ. لَكِنْ يُلِحُّ عَلَيْنا سُؤَالٌ آخَرُ: مَاذَا عَنِّي؟ هَلْ يَعْلَمُ اللهُ حَالِي؟ أَجَلْ، أُؤْمِنُ بِأَنَّهُ الْخَالِقُ وَبِالتَّالِي أَنَّهُ أَقْوَى مِنَ الْخَلِيقَةِ. أَجَلْ، وَإِنْ أَسْهَبَنا، سَنَقُولُ هُوَذَا الْأُمَمُ كَنُقْطَةٍ مِنْ دَلْوٍ حقًّا. أَجَل، نُدْرِكُ وَنَعْلَمُ سَخَافَةَ الآلِهَةِ الزَّائِفَةِ. أَجَلْ، نُقِرُّ بِإِيمَانِنَا بِذَلِكَ. لَكِنْ مَاذَا عَنْ هَذَا الْحَالِ الْقَائِمِ؟ هَلْ يُلاحِظُهُ اللهُ؟ هَلْ يَكْتَرِثُ لَهُ؟ إِنَّهُ لَظُلْمٌ يَرْتَاعُ هُنَا. مِنْ حَقِّي الاسْتِمْتَاعُ مِثْلَ شَعْبِهِ بِمَوَاعِيدِهِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ أَمْ سَيَتَجَاهَلُ هَذَا؟ هَلْ يُلاحِظُ اللهُ وُجُودِي؟ حَسَنًا، أَلا نَقْرَأُ هَذَا فِي الآيَاتِ التَّالِيَةِ؟

أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ؟ إِلَهُ الدَّهْرِ الرَّبُّ خَالِقُ أَطْرَافِ الْأَرْضِ لَا يَكِلُّ وَلَا يَعْيَا. لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ.

عَقِبَ هَذِهِ الآيَاتِ، نَقْرَأُ جَوَابَهُ إِذْ يَقُولُ: "يُعْطِي الْمُعْيِيَ قُدْرَةً، وَلِعَدِيمِ الْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً". عَظِيمٌ، هَذَا مَنْطِقِيٌّ لِلْغَايَةِ. إِذْ إِنَّ الْمُحْتَاجِينَ إِلَى الْقُدْرَةِ، يُعْطِيهِمِ اللهُ إِيَّاهَا. لَكِنَّ النَّصَّ يَنْطَوِي عَلَى فِئَةٍ أُخْرَى، إِذْ نَقْرَأُ: "اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ". أَتَعْلَمُونَ مَا الرَّقْمُ الْقِياسِيُّ الْعَالَمِيُّ لِرِياضَةِ الْوَثْبِ الْعَالِي؟ لَقَدْ بَحَثْتُ فِي الأَمْرِ. يَبْلُغُ مِتْرَيْنِ وَخَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ سَنْتِيمِتْرًا. أَتَتَخَيَّلُونَ ذَلِكَ؟ يَنْبَغِي أَنْ نُحَدِّدَ عَلَى الْحَائِطِ كَمْ يَبْلُغُ ارْتِفَاعُ الْمِتْرَيْنِ وَخَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ سِنْتِيمِتْرًا. رِيَاضِيٌّ وَثَبَ لارْتِفَاعِ مِتْرَيْنِ وَخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَنْتِيمِتْرًا. إِنَّهُ خَافْيِير سُوتُومَايُور (Javier Sotomayor). رِيَاضِيٌّ مِنْ كُوبَا. سَجَّلَ هَذَا الرَّقْمَ عَامَ 1993. وَثْبَةٌ مُذْهِلَةٌ. لا يَزَالُ عَلَى قَيْدِ الْحَياةِ. لا أَعْلَمُ كَمْ يَبْلُغُ ارْتِفاعُ وَثْبِهِ، لَكِنِّي مُتَيَقِّنُ مِنْ أَنَّهُ لَنْ يَبْلُغَ الْمِتْرَيْنِ وَخَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ سَنْتِيمِتْرًا مَرَّةً أُخْرَى. فَمَهْمَا بَلَغَتْ قُوَّتُنا وَمَهْمَا بَلَغَتْ عَزِيمَتُنا وَإِصْرارُنَا، نَحْنُ مَحْدُودُونَ. وَحَتَّى الشَّبابُ-يَقُولُ إِشَعْيَاءُ "اَلْغِلْمَانَ" أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ -الَّذِينَ هُمْ رَمْزُ الْعُنْفُوَانِ الْبَشَرِيِّ وَقُوَّتِهِ وَإِمْكانَاتِهِ وَقُدْرَتِهِ؛ حَتَّى هَذَا مَحْدُودٌ. وَيَسْتَطْرِدُ قَائِلًا: "وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّرًا". مُنْذُ أُسْبُوعَيْنِ، احْتَضَنَتْ كُلِّيَّةُ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ لِلإِصْلاحِ (Reformation Bible College) مُسَابَقَةَ الْقِرْصِ الطَّائِرِ (Ultimate Frisbee). لَمْ أَكُنْ قَدْ لَعِبْتُ الْقِرْصَ الطَّائِرَ مُسْبَقًا. إِذْ عَلَيْكَ الرَّكْضُ كَثِيرًا فِي أَثْنَاءِ الْمُبَارَاةِ. وَقَدْ تَرَاوَحَتْ أَعْمَارُ الْمُشَارِكِينَ بَيْنَ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ وَالثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ، فَلَمْ يَبْدُ عَلَيْهِمْ أَنَّ قُوَاهُمْ سَتَخُورُ أَوْ طَاقَتَهُمْ سَتَخْمُدُ. ثُمَّ قَرَأْتُ آيَةً شَبِيهَةً بِتِلْكَ الآيَةِ وَتَفَكَّرْتُ فِي ذَاتِي: "أَجَلْ، فِي النِّهايَةِ سَيُعْيُونَ، فَأَنَا مُتَلَهِّفٌ لِرُؤْيَتِهِمْ يَتَسَاقَطُونَ مُنْهَكِينَ".

أَتُلاحِظُونَ مَا يُحَاوِلُ إِشَعْيَاءُ قَوْلَهُ هُنَا؟ إِنَّهُ يُحَاوِلُ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ "بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مَكَانَتِكُمْ، تُحِيطُكُمُ الْحُدُودُ. "وَهَذَا أَمْرٌ جَيِّدٌ لأَنَّهُ إِنِ اخْتَفَتِ الْحُدُودُ، أَتَعْرِفُونَ فِيمَنْ سَتَثِقُونَ؟ سَتَثِقُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ. لَكِنْ يَنْبَغِي لَكُمُ الْوُثُوقُ فِي اللهِ". ثُمَّ يُوَاصِلُ إِشَعْيَاءُ حَدِيثَهُ فَيَقُولُ: "وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلَا يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلَا يُعْيُونَ". كُلَّ مَرَّةٍ أَتَأَمَّلُ هَذِهِ الآيَةَ، أَتَفَكَّرُ قَائِلًا: "لا أَفْهَمُ هَذَا التَّرَاتُبَ". يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْعَكِسَ. يَبْدُو أَنَّهُ تَرَاتُبٌ تَنَازُلِيٌّ. إِذْ نَبْدَأُ بِالتَّحْلِيقِ مِثْلَ النُّسُورِ. الَّذِي يُعَدُّ مُثِيرًا لِلْغَايَةِ. ثُمَّ نَرْكُضُ. حَسَنًا، لا بَأْسَ بِهِ. لَكِنْ فِي الأَخِيرِ، نَمْشِي. كَمْ يَبْدُو هَذَا شَائِعًا وَعَادِيًّا! لَقَدْ أَخْطَأَ إِشَعْيَاءُ فِي فَهْمِهِ. لا بُدَّ أَنْ نَعْكِسَهُ حَقًّا. بِأَنْ نَمْشِيَ، ثُمَّ نَرْكُضَ، مِنْ ثَمَّ نُحَلِّقَ مِثْلَ النُّسُورِ. لَكِنْ كم أنَّ هذا صَحِيحٌ! إِنَّهَا اسْتِعارَةٌ، فَلا يَنْبَغِي أَنْ نُجَسِّدَها. لَكِنْ، أَلا يَنْدُرُ احْتِيَاجُنَا إِلَى أَنْ نُرَفْرِفَ وَنُحَلِّقَ مِثْلَ النُّسُورِ؟ وحَتَّى إلى الرَّكْضِ أَحْيانًا؟ لَكِنْ يَتْبَعُهُمَا فِي التَّرَاتُبِ الثَّابِتُ وَالشَّائِعُ الَّذِي هُوَ الْمَشْيُ. فَعِنْدَ كُلِّ مُنْعَطَفٍ، نَجِدُ قُوَّةَ اللهِ تُعِينُنَا. لِذَا، مِنَ الصَّوَابِ أَنْ نَضَعَ ثِقَتَنا فِي اللهِ.

كَثِيرًا مَا يَقُولُ الدُّكْتُور سْبْرُول، وَآخِرُهَا فِي حَدِيثٍ لِي مَعَهُ، قَالَ التَّالِي: تَتَمَثَّلُ مُشْكِلَتُنا حَقًّا فِي أَنَّنَا لا نَعْرِفُ مَنْ هُوَ اللهُ، كَمَا لا نَعْلَمُ مَنْ نَحْنُ. هَذِهِ هِيَ مُشْكِلَتُنا الأَسَاسِيَّةُ. وَهَذَا الْمَقْطَعُ لا يَكْشِطُ سِوَى السَّطْحِ. إِذْ نَتَحَدَّثُ عَنْ كَوْنِ اللهِ كُلِّيَّ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ. وَقد نَسْتَرْسِلُ فِي أَمَانَتِهِ. وَنَسْتَطْرِدُ فِي طَهَارَتِهِ وَقَدَاسَتِهِ وَبِرِّهِ وَنَزَاهَتِهِ. وَأَنَّهُ الْحَيَاةُ وَالنُّورُ وَالْمَحَبَّةُ وَكثِيرُ الرَّحْمَةِ، فلا حُدُودَ لِرَأْفَتِهِ، وَهُوَ الْعَطُوفُ الْكَرِيمُ كُلِّيُّ الصَّلاحِ وَالإِحْسَانِ. هَذَا هُوَ اللهُ، مَنْ يَجِبُ الْوُثُوقُ فِيهِ. يَنْبَغِي أَلَّا نَثِقَ فِي أَنْفُسِنَا أَوْ فِي الأُمَمِ. يَنْبَغِي أَلَّا نَثِقَ فِي الأَوْثَانِ. يَنْبَغِي أَلَّا نَثِقَ سِوَى فِي اللهِ وَحْدَهُ. ثِقَتُنا لا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فِيهِ. أَتَعْلَمُونَ، لَمْ أَكُنْ دَقِيقًا حِينَ قُلْتُ إِنَّ أَعْظَمَ مَا يُسِرُّ اللهَ إِعْلانُهُ لِقُدْرَتِهِ فِي شَعْبِهِ. لأَنَّ السَّبَبَ الْوَحِيدَ الَّذِي يُمَكِّنُنَا مِنَ التَّحْلِيقِ كَالنُّسُورِ وَالرَّكْضِ بِلا تَعَبٍ وَالمَشْيِ بلا إِعْيَاءٍ هُوَ ثِقَتُنَا فِي الَّذي اخْتَبَرَ الإِعْيَاءَ، الَّذِي لَمْ يَسْتَطِعِ الْمَشْيَ، وَالَّذِي انْهَارَ حَرْفِيًّا تَحْتَ ثِقْلِ الصَّلِيبِ. وَبِسَبَبِ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَ ابْنَهُ-إِذْ فِي مِلْءِ الزَّمَانِ أَعْلَنَ اللهُ عَنْ قْدَرَتِهِ، أَعْلَنَ عَنْ قُدْرَتِهِ فِي ابْنِهِ، وَبِمَوْتِ ابْنِهِ عَلَى الصَّلِيبِ نَسْتَطِيعُ نَوَالَ هَذَا الْوَعْدِ. كَانَ الإِعْلانُ الأَعْظَمُ لِقُوَّةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الصَّلِيبِ فِي الابْنِ. وَبِسَبَبِ هَذَا، يُسَرُّ اللهُ أَنْ يُعْلِنَ قُدْرَتَهُ فِي حَيَاتِنَا. لِذَا يَنْبَغِي أَنْ نَضَعَ ثِقَتَنَا فِيهِ. فِيهِ وَحْدَهُ.

فِي الْمُحَاضَرَةِ الْقَادِمَةِ سَنَتَمَعَّنُ فِي ضَرُورَةِ أَنْ نَضَعَ ثِقَتَنَا لَيْسَ فِي اللهِ فَحَسْبُ، بَلْ أَيْضًا فِي كَلِمَتِهِ الَّتِي أَعْطَانَا. سَنَتَمَعَّنُ فِي ذَلِكَ مَعًا فِي الْمُحَاضَرَةِ الْقَادِمَةِ.