التعلُّم من القضاة - خدمات ليجونير
القيادة في الكنيسة
۱۷ أكتوبر ۲۰۲۵
ربٌّ واحد
۳۱ أكتوبر ۲۰۲۵
القيادة في الكنيسة
۱۷ أكتوبر ۲۰۲۵
ربٌّ واحد
۳۱ أكتوبر ۲۰۲۵

التعلُّم من القضاة

ثمّة حقبات معيَّنة من التاريخ تَبرُز أمامي بصورة خاصّة بشأن ما تعلِّمه عن مسار كلّ التاريخ. ففي بعض الأحيان، نستطيع النظر بتركيز إلى فترةٍ ما في الماضي، ونلاحظ كيف يظهر كامل التاريخ البشري في تلك الفترة بالذات، ومن ثمّ نتعلَّم من تلك الفترة ما ينبغي أن نعمله اليوم. وإحدى هذه الفترات التي تعلِّمنا فترة قضاة إسرائيل. تمتدّ هذه الفترة، التي تُحكى قصّتُها في سفري القضاة وراعوث والأصحاحات الأولى من سفر صموئيل الأوّل، لثلاثَ مئة وخمسين سنة تقريبًا. فإن أردتَ أن تدرِك مدى طول هذه الفترة الزمنيّة، فعُد بتفكيرك إلى منتصف القرن السابع عشر في أميركا. وفكِّر بكلّ ما حدث في أميركا قبل الحرب الثورية الأميركيّة بمئة وخمسٍ وعشرين سنة وحتّى يومنا هذا. أو ارجع بفكرك إلى الحملة الفرنسية على مصر عام 1801، ثم ارجع 125 سنة أخرى للوراء وحتى زمننا (2025). هذه هي المدّة نفسها التي تغطّيها فترة القضاة.

في هذه الفترة، المؤلَّفة من ثلاث مئة وخمسين سنة، لم يكن لشعب إسرائيل ملك. لم يكن للأمّة قائدٌ واحد. كان شعب إسرائيل يسكن في أرض كنعان في صورة تحالُفٍ قَبَليّ، قاده أفراد متعاقبون أقامهم الله في فترات الأزمة، وأعطاهم القوّة لينجِزوا مهمّات مُعيَّنة. فبقوّة الروح القدس امتلك شمشون قوّة جسديّة عظيمة في مواجهة الفلسطيّين. ومُسِحت دبورة وباراق ليهزما الملك الشرّير يابين. هذه عيّنة صغيرة ممّا عمله الربّ معهم.

السبب الذي يجعلني أومن أنّ فترة القضاة تعلِّمنا الكثير بشأن مسار كلّ التاريخ هو النمط الذي نراه خلال هذه السنوات الثلاث مئة وخمسين. يُخبِرنا سفر القضاة بصورة متكرِّرة في هذه الفترة بأن بني إسرائيل يجدون أنفسهم في دورةٍ تبدأ بالصورة التالية: "وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ." وفي كلّ مرّة نقرأ فيها هذه الجملة في سفر القضاة، نرى أن الله يقيم أعداءً لإسرائيل، مثل المديانيّين والفلسطيّين والموآبيّين وآخرين، ليستخدمهم أدواتٍ لتأديب شعبه. فكانت تلك الأمم الوثنيّة تُضايق بني إسرائيل، الذين كانوا حينئذٍ يصرخون لأجل النجاة ويتوبون عن خطاياهم. وعندئذٍ، يقيم الله أحد القضاة، الذي بقوّة الروح القدس يهزم أعداء شعب إسرائيل ويأتي بالنجاة والتحرير. يدعو أحد علماء اللاهوت هذه الدورة بـ"دورة الارتداد، المجازاة، التوبة، الإنقاذ." فبعد كلّ ارتداد إلى خطيّة بشعة يتحدث سفر القضاة عنه، تأتي عدالة مجازاة الله التي بها يسكب دينونته وغضبه على شعبه. وتحتَ ثِقَل عدالة الله المجازيّة، يُقاد الشعب إلى التوبة، فيندمون وينوحون على وضعهم القاسي، وينتظرون إنقاذَهم من الله، الذي يفديهم.

التاريخ الكئيب لخطيّة إسرائيل في فترة القضاة يتعارض مع ما تعهَّد الشعب به. فحين جمع يشوع الشعب معًا لتجديد عهدهم مع الربّ قبل موته بفترةٍ قصيرة، وعد شعبُ إسرائيل بأمرين: أحدهما إيجابي وآخر سلبي. فمن ناحيّة إيجابيّة وعدوا بأن يطيعوا الله. ومن ناحية سلبيّة، وعدوا بألّا يتركوا الربّ ليعودوا إلى الأصنام.

تُرينا حقبة القضاة أنّ الربّ لن يفشل أو يعجز في إنقاذ كنيسته وحفظها حين تتوب وتصرخ إليه.

ولهذا أهمّيّة بالغة في ضوء الوعد الذي أعطاه الله بصورة متكرِّرة للآباء. فحين تعهّد ليعقوب، مثلًا، قال: "لاَ أَتْرُكُكَ" (تكوين 28: 15). هذا الالتزام العهدي من الله تُجاه الذين في علاقة معه موضوع رئيسي في الكتاب المُقدَّس. ويشهد سفر القضاة بأنّه حتّى حين كان الله يؤدِّب شعبه، كان يؤدِّب أولاده الذين يحبّهم. ومع أنّهم شعروا أنّهم متروكون منذُ فترةٍ من الزمن، لم يكن الله قد تركهم تمامًا.

ولكنّ القصّة تُخبِرنا بأنّ الشعب ترك الله. وهذا هو الفارق الكبير بين إله إسرائيل، إله العهد، وبين شعبه. فالله لا يتركنا، أمّا نحن فميّالون إلى أن نتركه. ما كان يتسبَّب بترك الله للشعب في فترة القضاة هو رغبة إسرائيل العظيمة بأن تكون مثل الأمم المجاورة. كان الله قد دعاهم إلى أن لا يشاكلوا تلك الأمم. كان الله قد دعاهم إلى أن يكونوا أمّة مُقدَّسة. كان الله قد دعاهم إلى أن يكونوا أتقياء وإلى أن يهربوا من الأصنام، ولكنّ ذلك كان أمرًا غير محبَّب عند الناس ولا يحظى بشعبيّة في وسطهم في ذلك الوقت. وقد كان هذا الأمر غير محبَّب ولا يحظى بشعبيّة عبر تاريخ الكنيسة. ولا شك أنّه غير محبَّب ولا يحظى بشعبيّة اليوم أيضًا.

لقد عاش شعبُ الله دورة الارتداد والعقاب والتوبة والإنقاذ مرّات عديدة وبصورة متكرِّرة عبر التاريخ الكتابي. وأجرؤ على أن أقول إنّ الكنيسة أيضًا مرّت بدورة شبيهة خلال الألفي سنة الماضية. ولكنَّ لدينا ميلًا للاعتقاد بأنّ هذه الأمور لا يمكن أن تحدث في حياة الكنيسة اليوم. فنحنُ نرفض أن ننتبه إلى النمط المتكرِّر لأعمال الله، إذْ نظنّ أن الله لن يأتي بكوارث على شعبٍ تركه. ولكنّ إله إسرائيل هو الإله الذي يعِد بالبركة واللعنة، بالنجاح والمصائب. وعلينا ألا نتفاجأ إن رأينا ضيقًا يأتي على الكنيسة حين تصير كنيسةً عالميّة، حين تكون غير أمينة وغير وفيّة للرّبّ. طبعًا تعاني الكنيسة في بعض الأحيان بسبب أمانتها، لأنّ قوى الظلمة تردّ بعدوانيّة على تقدُّم التغيير الآتي من بشارة الإنجيل. ولكنْ في أوقاتٍ أخرى، تعاني الكنيسة بسبب عدم أمانتها المنتشِرة والعنيدة. حدث هذا في فترة القضاة، ويمكن أن يحدث اليوم أيضًا.

ومع هذا، نقرأ في سفر القضاة أنّه حين كان بنو إسرائيل يتوبون كان الله ينقِذهم. فمهما كان مقدار سوء سقوط شعب العهد، فإنّ ربّنا يُسرِع إلى إنقاذ كنيسته حين تتوب. يتركه شعبه، ولكنّه لا يتركهم أبدًا. يبدأ القضاء من بيت الله (1 بطرس 4: 17)، ولكنّه قضاء تأديبيّ لا تدميريّ. هدف هذا القضاء هو دفعنا نحو التوبة والأمانة. وتُرينا حقبة القضاة أنّ الربّ لن يفشل أو يعجز في إنقاذ كنيسته وحفظها حين تتوب وتصرخ إليه.


تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.