القيادة في الكنيسة - خدمات ليجونير
كلُّ حقٍّ هو حقّ الله
۱۰ أكتوبر ۲۰۲۵
كلُّ حقٍّ هو حقّ الله
۱۰ أكتوبر ۲۰۲۵

القيادة في الكنيسة

صحيحٌ أن بولس كان رسولًا، وأمّا نحنُ فلسنا رسلًا. ومع هذا، كان بولس خادمًا، والذين يخدمون في الكنيسة هم أيضًا خُدّام. ثمة نقطة ارتباط وتشابه بين كلّ الرجال والنساء الذين يخدمون ويتعبون في القيادة المسيحيّة من جهة والرسول بولس من جهةٍ أخرى، ويمكننا أن نتعلَّم شيئًا منه عن الأساليب والمنهجيّات والأولويّات.

كتب الرسول بولس في 1 كورنثوس 2: 1-5:

وَأَنَا لَمَّا أَتَيْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَتَيْتُ لَيْسَ بِسُمُوِّ الْكَلاَمِ أَوِ الْحِكْمَةِ مُنَادِيًا لَكُمْ بِشَهَادَةِ اللهِ، لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا. وَأَنَا كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِي ضَعْفٍ، وَخَوْفٍ، وَرِعْدَةٍ كَثِيرَةٍ. وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ، بَلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ، لِكَيْ لاَ يَكُونَ إِيمَانُكُمْ بِحِكْمَةِ ٱلنَّاسِ بَلْ بِقُوَّةِ اللهِ.

قال بولس إنّه لم يأتِ إلى الكورنثيّين "بِسُمُوِّ الْكَلاَمِ أَوِ الْحِكْمَةِ." وبكلمات أخرى، ما يقوله بولس هو: "حين أتيتُ إليكم، لم أحاول أن أثير إعجابكم. لم آتِ إليكم بموقف التفوُّق. لم أستفِد من منصبي القيادي في سياق الكبرياء أو تمجيد الذات." ينبغي أن يكون هذا أوّل مبدإٍ في الخدمة والقيادة التقيّة: ألّا نتّخذ موقف التفوُّق والسموّ، سواء في كلامنا، أو سلوكنا، أو مواهبنا، أو موقفنا. ليس من شكّ في أنّ بولس كان متفوِّقًا في معرفته ومواهبه وقوّة شخصه، ولكنّه لم يظهر بوصفه المتفوِّق. فقد خدم في سياق وروح الضعف، كما أوضح في كلامه في الآيات التالية ضمن المقطع السابق.

"لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا" (1 كورنثوس 22: 2). يمكن القول إنّ بولس كان يتكلَّم بلغة تتّصف بالمبالغة الأدبيّة، لأنّه تكلّم عن أشياء كثيرة بالإضافة إلى الصَّلب. فتكلَّم عن نطاقٍ واسع من اللاهوت، عن كلّ مشورة الله وفكره. ولكن فيما يختصّ بأولويّاته ونقطة تركيزه الأساسيّة، التي كانت توجِّه كلَّ شيءٍ آخر يقوله فقد كانت المسيح وحقيقة صلبه. فقد عزم على ألّا يعرف شيئًا آخر، والكلمة اليونانيّة المُترجمة إلى "لأعرفه" لا تُشير ببساطة إلى الفهم العقلي، بل إلى الإدراك العميق والحميم. فقد أراد أن يعرف المسيح، وقد دفعتْه معرفة المسيح تلك إلى المنصب القياديّ الذي كان يشغله.

الآية 3 آية بالغة الأهمّيّة في إظهار سبب نجاح بولس بوصفه خادمًا وراعيًا وقائدًا مسيحيًّا: "وَأَنَا كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِي ضَعْفٍ، وَخَوْفٍ، وَرِعْدَةٍ كَثِيرَةٍ." مهما كان وضع بولس في الخدمة، فقد كان باستمرار يتفهَّم الضعف والخوف والرعدة التي كانت عند الذين يخصّونه ويخدمهم. السؤال الذي كثيرًا ما يُثار بشأن ديناميكيّات المجموعة يتعلَّق بضرورة أن يخفي القادة مخاوفهم وقلقهم فيما يتعلَّق بمنصبهم القياديّ. فهل ينبغي لهم أن يتبنُّوا موقف الاسترخاء، متظاهرين بأنّ كلّ شيءٍ تحتَ السيطرة، وبأنّه ليست هناك مشاكل؟ أم عليهم أن يسمحوا لأنفسهم بأن يعبِّروا عن الضعف الذي عندهم؟

ينبغي أن يكون هذا أوّل مبدإٍ في الخدمة والقيادة التقيّة: ألّا نتّخذ موقف التفوُّق والسموّ، سواء في كلامنا، أو سلوكنا، أو مواهبنا، أو موقفنا.

يصعب دائمًا الإجابة عن هذا السؤال. مؤكَّدٌ أنّنا لسنا مدعوّين إلى أن ننخرط في لعبةٍ، أو أن نتصرَّف كما لو أنّ كلَّ شيءٍ تحتَ السيطرة، مع أنّ الأمر غير ذلك؛ فإنْ تظاهرنا بذلك نكون غير صادقين وغير نزيهين. ومن ناحيةٍ أخرى، لا يعني هذا أنّ قائد المجموعة سيعيد عيش كلّ قلقٍ وخوفٍ ممكنٍ قد يختبره ويعيشه في سياق رئاسةِ اجتماعٍ؛ فحينئذٍ سيفسد هدف الاجتماع، إنْ صار الاجتماع مكانًا يعبِّر فيه القائد، بصورةٍ غير منضبطة، عن شعوره بعدم الأمان أو القلق. فليس هذا معنى أن تكون مع الناس في ضعفهم وخوفهم، ولكنّ هناك دعوةً إلى أن تقود في موقفِ النزاهةِ والصدق. وهُناك نِداءٌ إلى القادةِ ألّا يتظاهَروا بما ليسوا عليه، وألّا يؤدُّوا دَورًا لم يُؤهَّلوا لأدائِه.

فإنْ وَضَعَكَ الله في منصبٍ قياديّ، فمؤكّد أنَّ هدفَهُ هو أن تستمرّ في النموّ. ولكنّه دعاك إلى ذلك المنصب في إطار حقيقتك وما أنتَ عليه الآن. فإن كان الله بعنايته وسيادته وراء تلك الدعوة بأيّة طريقة، فإنّه يدعوك بسبب المواهب والقدرات والإمكانيّات التي لديك الآن. وبهذا المعنى، لستَ مضطرًا لأن تتظاهر بما ليس فيك. هو يدعوك كما أنت. إنه لا يريدك أن تبقى حيث أنت، بل يُريدك أن تنمو، ويريدك أن تتحرَّك، ويريدك أن تتقدَّم، ولكنّه يريدك أن تتقدَّم من دون قلق، ومن دون أن تكون متشنّجًا بشأن نقاط الضعف والقصور التي فيك.

قال الرسول بولس في مقطعٍ آخر: "فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ" (2 كورنثوس 12: 9). الأمر الذي أبقاه بولس أمامه دائمًا هو أنّ نقاط القوّة الوحيدة التي لديه، أي المواهب الوحيدة التي يستطيع أن يقدِّمها، كانت نقاط قوته ومواهبه وقدراته التي موطن قوّتها هو المسيح، لا بولس نفسه. هذا أمرٌ يعزِّي كلّ من هو في منصبٍ قياديّ. ولكنْ حين كان بولس يخدم الناس، لم يكن اهتمامه الرئيسيّ منصبًّا على نقاط ضعفه وقصوره ومخاوفه، بل كان أكثر اهتمامًا بمخاوف الآخرين ونقاط ضعفهم، وأظنّ أنَّ هذا ما يميّز القائد المسيحي.

حين دخل بولس في صراعٍ وجهادٍ مع الكورنثيّين، قال لهم: "وَأَنَا كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِي ضَعْفٍ، وَخَوْفٍ، وَرِعْدَةٍ كَثِيرَةٍ" (1 كورنثوس 2: 3). وبكلماتٍ أخرى، كان بولس مهتمًّا بأن يدخل إلى مخاوف شعبه ونقاط ضعفهم ورعدتهم. ينبغي ألّا يكون هذا موقف الرسول أو الخادم المرسوم فقط، بل ينبغي أن يكون موقف كل إنسانٍ في منصبٍ قياديٍّ في الخدمة المسيحيّة. هذا يعني الحساسيّة. هذا يعني الاستماع. هذا يعني الانتباه إلى الناس الذين تقودهم. هذا يعني معرفة أوضاعهم، وما يؤلمهم، ونقاط ضعفهم وخوفهم، وأن تكون حسّاسًا تجاههم.

الإنسان المُؤهَّل بامتلاك فكر المسيح، ويعرف الكتاب المُقدَّس، ينبغي أن يكون قادرًا على التَّعامُل مع المشكلات الأساسيّة الّتي تخصُّ وُجود الإنسان. فلو لم يكن هذا صحيحًا، لكان لدى المسيحيّة القليلُ لتقوله. فإنْ لم يكن الإنجيل إنجيل شفاء كامل كيان الإنسان، فهو إذن ليس إنجيلاً البتَّة.

إنَّ مهمَّة التَّحذير والحثِّ والبنيان والتَّعزية والتَّشديد قد أُوكِلَت إلى الكنيسة بأسرها. وقد دعا بولسُ المؤمنين إلى أن يُشجِّعوا ويُنذِروا ويُعلِّموا وينصحوا ويُسْدُوا المشورة بعضُهم لبعض. إنَّ المسيحيّة تفترض وتوصي بأن يَنخرط غيرُ المتفرّغين للخدمة في العمل الرعويّ. ولكنَّنا، في أميركا على الأقلّ، قد فقدنا هذا إلى حدٍّ بعيد، إذ نتمسَّك باطلاً بفكرة القيادة المتمحورة حول المتفرّغين للخدمة في الكنيسة، وهي ليست الموقف الّذي يعلِّمه العهد الجديد. فكلُّ مسيحيّ قد أُعطي هذه المسؤوليّة، لأنَّ الله قد منحنا الموارد لنعتني بعضُنا ببعض.


تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.