المحاضرة 3: الاعْتِرافُ
فِي مُحَاضَرَتِنَا السَابِقَةِ مِنْ دِرَاسَتِنَا حَوْلَ الصَلَاةِ، اسْتَعْمَلْتُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الْبَسِيطَةَ ذَاتَ التَرْتِيبِ الْخَاصِّ، وَهِيَ كَلِمَةُ "ACTS". وَتَطَرَّقْنَا إِلَى تِلْكَ الْعَنَاصِرِ الْبَسِيطَةِ الَتِي يَجِبُ أَنْ تَتَضَمَّنَهَا كُلُّ صَلَاةٍ. فِي الْمَرَّةِ السَابِقَةِ أَمْضَيْنَا وَقْتَنَا فِي التَأَمُّلِ فِي الْعُنْصُرِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ التَمْجِيدُ. وَالْيَوْمَ، أُرِيدُ التَكَلُّمَ بِشَكْلٍ خَاصٍّ عَنْ أَهَمِّيَّةِ الِاعْتِرَافِ.
لَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ مِنَ الْمُهِمِّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُبْقِيَ سِجِلَّ خَطَايَاهُ قَصِيرًا مَعَ اللَّهِ، وَإِنَّهُ عَلَى الرَغْمِ مِنْ أَنَّ خَطَايَانَا عُلِّقَتْ عَلَى الصَلِيبِ، وَالْمَسِيحَ كَفَّرَ عَنْ جَمِيعِ خَطَايَانَا الَتِي ارْتَكَبْنَاهَا، خَطَايَا الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ، إِلَّا أَنَّهُ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِتَقَدُّمِ عَمَلِيَّةِ تَقْدِيسِنَا وَبِتَطَوُّرِ عَلَاقَتِنَا الْمُسْتَمِرَّةِ بِاللَّهِ، مَا زِلْنَا مَدْعُوِّينَ لِلْمُثُولِ أَمَامَهُ بِانْتِظَامٍ مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَانَا.
غَالِبًا مَا تَكُونُ طَرِيقَةُ اعْتِرَافِنَا بِخَطَايَانَا أَمَامَ اللَّهِ بِمَثَابَةِ إِهَانَةٍ لِجَلَالِهِ. وَكَمَا قُلْتُ فِي الْمَرَّةِ السَابِقَةِ، إِنْ بَدَأْنَا بِرُوحِ الْعِبَادَةِ الصَحِيحَةِ مُتَذَكِّرِينَ هُوِيَّتَهُ، وَقَدَاسَةَ اللَّهِ، فَعَلَى هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يُشَكِّلَ مَوْقِفَنَا حِينَ نَنْتَقِلُ إِلَى وَضْعِيَّةِ الِاعْتِرَافِ النَاتِجَةِ عَنْهُ، بِحَيْثُ إِنَّ رُوحَ اعْتِرَافِنَا يَدُلُّ عَلَى تَوْبَةٍ صَادِقَةٍ. نَحْنُ نُمَيِّزُ فِي اللَاهُوتِ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنَ التَوْبَةِ هُمَا التَوْبَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، وَالتَوْبَةُ النَاتِجَةُ عَنِ الْخَوْفِ مِنَ الْعِقَابِ.
مُؤَخَّرًا فِي كَنِيسَتِنَا، أَخْبَرْتُ قِصَّةَ مَعْرَكَةِ بُولْ رَانْ، الَتِي شَكَّلَتْ أَوَّلَ صِرَاعٍ كَبِيرٍ بَيْنَ قُوَّاتِ الشَمَالِ وَالْجَنُوبِ فِي حَرْبٍ بَيْنَ الْوِلَايَاتِ دَارَتْ أَحْدَاثُهَا خَارِجَ عَاصِمَةِ الْبِلَادِ، فِي وَاشِنْطُنْ. وَحِينَ أَوْشَكَتِ الْمَعْرَكَةُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، انْتَشَرَ الْخَبَرُ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْمَدِينَةِ عَنْ هَذِهِ الْمَعْرَكَةِ الَتِي كَانَتْ سَتَقَعُ. فَرَكِبَتِ النِسَاءُ الْأَرِسْتُقْرَاطِيَّاتُ فِي وَاشِنْطُنْ عَرَبَاتِهِنَّ لِكَيْ تَنْقُلَهُنَّ أَحْصِنَتُهُنَّ إِلَى الْمَوْقِعِ لِكَيْ يُرَاقِبْنَ هَذِهِ الْمَعْرَكَةَ وَيُشَاهِدْنَهَا. لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ تَمَّ الِاقْتِنَاعُ بِأَنَّ هَذِهِ الْحَرْبَ سَتَنْتَهِي فِي غُضُونِ بِضْعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ التَفَوُّقَ الْعَسْكَرِيَّ فِي الشَمَالِ كَانَ أَعْظَمَ جِدًّا مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْجَنُوبِ. وَكَانَتِ الْقُوَّةُ الصِنَاعِيَّةُ كُلُّهَا مُتَمَرْكِزَةً فِي الشَمَالِ، وَالسِّكَكُ الْحَدِيدِيَّةُ وَالسِلَاحُ وَغَيْرُهَا لَمْ تَضْمَنْ نَوْعًا مِنَ الِانْتِصَارِ فَحَسْبُ، بَلْ انْتِصَارًا سَرِيعًا أَيْضًا. لَمْ يَتَوَقّعْ أَحَدٌ أَنْ تَدُومَ الْحَرْبُ حَتَّى الْعَامِ ١٨٦٥، وَأَنْ يَلْقَى ٦٠٠ أَلْفِ شَخْصٍ حَتْفَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَرْبِ.
لَكِنْ مَا لَمْ يَفْهَمْهُ النَاسُ، هُوَ أَنَّهُ كَانَ يَتِمُّ خَوْضُ نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنَ الْمَعَارِكِ. كَانَ الشَمَالُ يَخُوضُ حَرْبًا لِلْغَزْوِ، فِيمَا كَانَ الْجَنُوبُ يَخُوضُ حَرْبَ اسْتِنْزَافٍ. وَالْفَرْقُ هُوَ الْآتِي: اعْتَبَرَ أَهْلُ الشَمَالِ أَنَّهُمْ لِكَيْ يَرْبَحُوا الْحَرْبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَنْتَصِرُوا عَلَى الْجَنُوبِ وَيَحْتَلُّوا أَرَاضِيَهُ. أَمَّا بِالنِسْبَةِ إِلَى أَهْلِ الْجَنُوبِ، لِكَيْ يَرْبَحُوا مَا يُحَارِبُونَ لِأَجْلِهِ كُلُّ مَا عَلَيْهِمْ فِعْلُهُ هُوَ تَثْبِيطُ عَزِيمَةِ الْغُزَاةِ، وَجَعْلُ أَهْلِ الشَمَالِ يَفْقِدُونَ عَزِيمَتَهُمْ وَيَتَخَلَّوْنَ عَنْ قَضِيَّتِهِمْ، لِأَنَّهُمْ حَصَدُوا عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ الضَحَايَا، فَيَتَوَقَّفُوا عَنِ اقْتِحَامِهِمْ. لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَدَى الْجَنُوبِ أَيُّ نِيَّةٍ فِي احْتِلَالِ الشَمَالِ، أَرَادُوا فَقَطْ التَحَرُّرَ مِنَ الشَمَالِ. الْأَمْرُ نَفْسُهُ حَدَثَ فِي فِيتْنَامْ. لَمْ يَكُنْ الْفْيِتْنَامِيُّونَ يُحَاوِلُونَ الِانْتِصَارَ عَلَى الْأَمْرِيكِيِّينَ، بَلْ كَانُوا يُحَاوِلُونَ الصُمُودَ أَكْثَرَ مِنَ الْأَمْرِيكِيِّينَ إِلَى أَنْ يَفْقُدَ الشَعْبُ الْأَمْرِيكِيُّ رَغْبَتَهُ فِي الِاسْتِمْرَارِ فِي الْقِتَالِ. بِتَعْبِيرٍ آخَرَ، تَحَمِلُ حَرْبُ الِاسْتِنْزَافِ هَذِهِ التَسْمِيَةَ لِأَنَّهُ يَتِمُّ رِبْحُ الْحَرْبِ حِينَ يُصْبِحُ الثَمَنُ بَاهِظًا جِدًّا عَلَى أَحَدِ الْأَطْرَافِ لِكَيْ يَسْتَمِرَّ.
عِنْدَمَا نُتَرْجِمُ ذَلِكَ لَاهُوتِيًّا، وَبِلُغَةِ التَوْبَةِ، فَمَا نَقْصِدُهُ بِالِاسْتِنْزَافِ هُوَ التَوْبَةُ الَتِي تَدْفَعُهَا بِبَسَاطَةٍ رَغْبَةٌ فِي التَهَرُّبِ مِنْ دَفْعِ ثَمَنِ الْخَطِيَّةِ. إِذًا، الِاعْتِرَافُ الْحَقِيقِيُّ، وَالتَوْبَةُ الْحَقِيقِيَّةُ يَسْتَلْزِمَانِ نَدَمًا بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللَّهِ جَرَّاءَ الْإِسَاءَةِ إِلَى اللَّهِ، وَابْتِعَادًا صَادِقًا عَنْ خَطَايَانَا لَا تَدْفَعُهَا مُجَرَّدُ تَذْكِرَةٍ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْجَحِيمِ أَوْ خَوْفٍ مِنَ الْعِقَابِ. حِينَ تَرَى أَوْلَادَكَ الصِغَارَ وَقَدْ مَدُّوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى صَحْنِ الْحَلْوَيَاتِ وَكَشَفْتَ أَمْرَهُمْ هُنَاكَ، وَهَا أَنْتَ تَضَعُ يَدَيْكَ عَلَى خَصْرِكَ وَهُمْ يَرَوْنَ الْعُبُوسَ عَلَى وَجْهِكَ، سَيَقُولُونَ: "أُمِّي، أَبِي، أَنَا آسِفٌ، رَجَاءً لَا تَضْرِبُونِي". مَا تَرَاهُ هُنَا لَيْسَ تَوْبَةً صَادِقَةً. مَا تَرَاهُ هُوَ اسْتِنْزَافٌ، أَيْ تَوْبَةٌ نَاتِجَةٌ عَنِ الْخَوْفِ مِنَ الْعِقَابِ أَوْ مِنَ الْعَوَاقِبِ.
إِنْ أَرَدْنَا أَنْ نَفْهَمَ مَا يَجِبُ أَنْ يَبْدُوَ عَلَيْهِ عُنْصُرُ الصَلَاةِ هَذَا، لَدَيْنَا النَمُوذَجُ الْمِثَالِيُّ؛ إِنَّهُ نَمُوذَجٌ مُوحًى بِهِ مِنَ اللَّهِ الرُوحِ الْقُدُسِ فِي الْمَزْمُورِ ٥١ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. كَتَبَ دَاوُدُ هَذَا الْمَزْمُورَ بَعْدَ أَنْ وَاجَهَهُ النَبِيُّ نَاثَانُ بِخَطِيَّتِهِ مَعَ بَثْشَبَعَ. دَعُونِي أُلَخّصُ ذَلِكَ قَلِيلًا. تَذَكُرُونَ قِصَّةَ دَاوُدَ وَبَثْشَبَعَ. كَانَ دَاوُدُ مُتَزَوِّجًا. وَكَانَتْ لَدَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَوَقَعَ نَظَرُهُ عَلَى بَثْشَبَعَ بَيْنَمَا كَانَتْ تَسْتَحِمُّ فَسَحَرَتْهُ. فَلَمْ يَكْتَفِ بِأَخْذِهَا لِنَفْسِهِ، بَلْ تَآمَرَ مَعَ قَائِدِ جَيْشِهِ عَلَى إِرْسَالِ زَوْجِهَا أُورِيَّا، الَذِي كَانَ جُنْدِيًّا أَمِينًا لِلْمَلِكِ دَاوُدَ. وَأَمَرَ دَاودُ قَائِدَ جَيْشِهِ بِوَضْعِ أُورِيَّا فِي الصُفُوفِ الْأَمَامِيَّةِ حِرْصًا عَلَى أَنْ يَتِمَّ قَتْلُهُ فِي الْمَعْرَكَةِ، لِكَيْ يَقْدِرَ دَاوُدُ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى بَثْشَبَعَ. تَذْكُرُونَ أَنَّهُ حِينَ جَاءَ نَاثَانُ إِلَى دَاوُدَ أَعْطَاهُ مَثَلًا عَنِ الرَجُلِ الَذِي يَمْلِكُ أَغْنَامًا كَثِيرَةً، وَرَأَى ذَلِكَ الرَجُلَ الْفَقِيرَ الَذِي يَمْلِكُ نَعْجَةً وَاحِدَةً وَلَا يَمْلِكُ سِوَاهَا، وَهِيَ كَانَتْ مَصْدَرَ فَرَحٍ وَافْتِخَارٍ لَهُ. وَكَانَ الرَجُلُ الْفَقِيرُ يُبْقِي نَعْجَتَهُ مَعَهُ فِي الْمَنْزِلِ فَتَأْكُلُ مِنْ لُقْمَتِهِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ. لَكِنَّ الرَجُلَ الْغَنِيَّ وَالْمُقْتَدِرَ جَاءَ وَصَادَرَ نَعْجَةَ الرَجُلِ الْفَقِيرِ الْوَحِيدَةَ. وَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ ذَلِكَ، حَمِيَ غَضَبُهُ. وَقَالَ لِنَاثَانَ: "لَيْسَ فِي مَمْلَكَتِي! لَنْ أَسْمَحَ بِهَذَا النَوْعِ مِنَ الْأُمُورِ". وَأَلْقَى خُطْبَةً مُسْهَبَةً عَنْ ظُلْمِ هَذَا الرَجُلِ الْغَنِيِّ وَالْمُقْتَدِرِ، الَذِي صَادَرَ نَعْجَةَ الرَجُلِ الْفَقِيرِ. عِنْدَئِذٍ، الْتَفَتَ نَاثَانُ نَحْوَ دَاوُدَ قَائِلًا: "يَا دَاوُدُ، أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ". فَجْأَةً أَدْرَكَ دَاوُدُ حَقِيقَةَ ذَنْبِهِ وَخُطُورَةَ جُرْمِهِ.
دَعُونِي أَتَوَقَّفُ هُنَا قَلِيلًا وَأَقُولُ مَا يَلِي؛ لَيْسَ دَاوُدُ إِطْلَاقًا غَيْرَ طَبِيعِيٍّ فِي هَذَا الْإِطَارِ. نَحْنُ نَمْلِكُ قُدْرَةً خَارِقَةً كَبَشَرٍ سَاقِطِينَ عَلَى عَقْلَنَةِ خَطَايَانَا، وَتَفْسِيرِ خَطَايَانَا لِأَنْفُسِنَا وَإِسْكَاتِ صَوْتِ ضَمِيرِنَا الْمُشْتَكِي. يَلْزَمُنَا مَا يُشْبِهُ بَصِيرَةَ نَاثَانَ النَبَوِيَّةَ، لِإِيقَاظِنَا مِنْ غَفْلَتِنَا الْإِيمَانِيَّةِ. إِذًا، حِينَ مَرَّ دَاوُدُ فِي ذَلِكَ الِاخْتِبَارِ، كَانَ نَدَمُهُ حَقِيقِيًّا، وَأَصْبَحَتْ صَلَاةُ اعْتِرَافِهِ نَمُوذَجًا لَدَى الْمُؤْمِنِينَ مُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ.
فَلْنُلْقِ نَظْرَةً وَجِيزَةً عَلَى هَذِهِ الصَلَاةِ فِي الْمَزْمُورِ ٥١. يَبْدَأُ دَاوُدُ بِالصُرَاخِ إِلَى اللَّهِ قَائِلًا: "اِرْحَمْنِي يَا اللَّهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ...". دَعُونِي أَتَوَقَّفُ عِنْدَ هَذِهِ النُقْطَةِ. حِينَ صَرَخَ دَاوُدُ إِلَى اللَّهِ، لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ أَنْ يُنْصِفَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ يَفْهَمُ بِوُضُوحٍ أَنَّهُ مُذْنِبٌ. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، الْتَمَسَ رَحْمَةً مِنَ الْقَضَاءِ الْإِلَهِيِّ. لَا يَقُولُ دَاوُدُ فِي أَيِّ مَكَانٍ فِي هَذَا الْمَزْمُورِ: "يَا رَبِّ أَنَا آسِفٌ، لَكِنْ يَا رَبِّ، يَجِبُ أَنْ تُدْرِكَ أَنَّ يَوْمِي لَمْ يَكُنْ مُوَفَّقًا، وَأَنِّي كُنْتُ مَشْغُولَ الْبَالِ. كُنْتُ مَضْغُوطًا كَثِيرًا". مَا مِنِ احْتِكَامٍ إِلَى ظُرُوفٍ تَخْفِيفِيَّةٍ تُبَرِّرُ خَطِيَّتَهُ. عَلِمَ دَاوُدُ أَنَّهُ مُذْنِبٌ. وَلَمْ يُحَاوِلْ أَنْ يُبَرِّرَ فَعْلَتَهُ. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، صَرَخَ إِلَى اللَّهِ طَالِبًا رَحْمَتَهُ. "عَامِلْنِي حَسَبَ رَحْمَتِكَ، وَرَأْفَتِكَ، وَمَحَبَّتِكَ الْأَمِينَةِ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ الرَجَاءُ الْوَحِيدُ الَذِي أَمْلِكُهُ".
ثُمَّ تَابَعَ قَائِلًا: "امْحُ مَعَاصِيَّ". أُحِبُّ الصُورَةَ الَتِي يَسْتَخْدِمُهَا هُنَاكَ لِأَنَّهَا مُنَاسِبَةٌ جِدًّا، وَهِيَ تَنْطَبِقُ عَلَى جَمِيعِ الشُعُوبِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ. فَكِّرُوا فِي لَيْدِي مَاكِبْثْ (Lady Macbeth)، الَتِي وَبَعْدَ أَنِ ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةَ قَتْلٍ وَحْشِيَّةً كَانَتْ يَدَاهَا مُلَطَّخَتَيْنِ بِالدَمِ وَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُزِيلَ الدَمَ عَنْ يَدَيْهَا، فَصَرَخَتْ لِشِدَّةِ يَأْسِهَا قَائِلَةً: "اخْتَفِي، اخْتَفِي أَيَّتُهَا اللَطْخَةُ اللَعِينَةُ". السَبَبُ الَذِي جَعَلَهَا تُرِيدُ التَخَلُّصَ مِنْ لَطْخَةِ الدَمِ تِلْكَ عَلَى يَدَيْهَا، هُوَ أَنَّهَا كَانَتْ تُطَارِدُهَا كَقَلْبِ الْوَاشِي فِي إِحْدَى قِصَصِ "بُو" الْغَامِضَةِ. الْفِكْرَةُ هِيَ أَنَّهَا لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَتَحَمَّلَ التَذْكِيرَ الْجَسَدِيَّ بِذَنْبِ أَفْعَالِهَا. وَكَمَا لَيْدِي مَاكْبِثْ، صَرَخَ دَاوُدُ قائِلًا: "يَا رَبُّ، أُمْحُها، اخْفِهَا. خَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا وَلا أَتَحَمَّلُ رُؤْيَتَهَا، إِنَّهَا تُطَارِدُنِي. أَبْعِدْها عَنِّي". "اغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي، وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي. لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ، وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا". هُنَا قَالَ: "إِنَّهَا مَوْجُودَةٌ أَمَامِي دَائِمًا. أَيْنَمَا ذَهَبْتُ، وَكَيْفَمَا اسْتَدَرْتُ، إِنِّي أَرَى ذَنْبِي. يَا رَبُّ، أَنَا قَذِرٌ. أَحْتَاجُ إِلَى أَنْ تَغْسِلَنِي. أَحْتَاجُ إِلَى أَنْ تُطَهِّرَنِي، وَأَنَا أَسْأَلُكَ أَنْ تُخْفِيَ هَذِهِ الْأُمُورَ وَأَنْ تَمْحُوَهَا مِنْ ذَاكِرَتِكَ".
أَحَدُ الْأُمُورِ الَتِي يَتَكَلَّمُ عَنْهَا الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ مُسْتَخْدِمًا اسْتِعَارَاتٍ مِنْ غُفْرَانِ اللَّهِ، هِيَ قَوْلُ اللَّهِ "كَبُعْدِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَبْعَدْتُ عَنْكُمْ مَعَاصِيَكُمْ". وَهُوَ يَقُولُ فِي إِشْعِيَاءَ "هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ". مُجَدَّدًا، يَقُولُ إِشْعِيَاءُ إِنَّ لَدَى اللَّهِ الْقُدْرَةَ وَالْقُوَّةَ وَالرُوحَ لِيُغَيِّرَ لَطْخَةَ الدَّمِ عَلَى أَيْدِينَا وَيَجْعَلَهَا نَاصِعَةَ الْبَيَاضِ. إِنَّهُ يُبْعِدُ عَنَّا مَعَاصِينَا وَلَا يَعُودُ يَذْكُرُهَا فِي مَا بَعْدُ. هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّهُ حِينَ يَنْسَى اللَّهُ خَطِيَّتَنَا أَنَّ ذَاكِرَتَهُ تَزُولُ. مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ اللَّهَ كُلِيُّ الْعِلْمَ، وَهُوَ يَعْرِفُ دَائِمًا جَمِيعَ الْأُمُورِ الَتِي فَعَلْنَاهَا. لَكِنْ حِينَ يَقُولُ إِنَّهُ لَا يَعُودُ يَذْكُرُهَا، فَهُوَ يَعْنِي أَنَّهُ لَنْ يَذْكُرَهَا ضِدَّنَا مُجَدَّدًا، مَا إِنْ تُغْفَرْ حَتَّى تَتِمَّ إِزَالَتُهَا مِنَ السِجِلِّ. يَتِمُّ مَحْوُهَا إِذَا جَازَ التَعْبِيرُ، وَهُوَ يَجْعَلُنَا طَاهِرِينَ فِي نَظَرِهِ.
مِنَ الْمُهِمِّ أَنْ نَفْهَمَ هَذَا الْأَمْرَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صَعِيدٍ عَمُودِيٍّ فَحَسْبُ عَلَيْنَا أَنْ نَفْهَمَ مَا يَعْنِيهِ الِاعْتِرَافُ بِخَطَايَانَا، وَمَا تَعْنِيهِ التَوْبَةُ وَمَا يَعْنِيهِ الْغُفْرَانُ، بَلْ أَيْضًا عَلَى صَعِيدٍ أُفُقِيٍّ. حِينَ تَقُولُ لِأَحَدِهِمْ إِنَّكَ غَفَرْتَ لَهُ فَهَذَا يَعْنِي أَنَّكَ لَمْ تَعُدْ تَحْمِلُ خَطَايَاهُ ضِدَّهُ. لَنْ تَذْكُرَهَا مُجَدَّدًا. لَقَدْ طُرِحَتْ فِي بَحْرِ النِسْيَانِ، بِحَيْثُ إِنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا الْأَمْرَ نَفْسَهُ فِي الْمَرَّةِ الْمُقْبِلَةِ لَا تَقُولُ: "إِنَّهَا الْمَرَّةُ الثَانِيَةُ"، بَلْ تَقُولُ: "إِنَّهَا الْمَرَّةُ الْأُولَى". هَذَا إِنْ غَفَرْتَ لَهُمْ فِعْلًا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى. هَذِهِ هِيَ طَرِيقَةُ اللَّهِ فِي التَعَامُلِ مَعَنَا. إِذًا، حِينَ نَمْثُلُ أَمَامَهُ فِي الصَلَاةِ يَجِبُ أَنْ نَأْتِيَ بِهَذِهِ الرُوحِ الَتِي يُعْطِي دَاوُدُ مَثَلًا عَنْهَا.
ثُمَّ يَقُولُ أَمْرًا غَرِيبًا فِي الْآيَةِ ٤ "إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ". لَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الصَلَاةُ مُوحًى بِهَا مِنَ الرُوحِ الْقُدُسِ لَمِلْتُ إِلَى التَشْكِيكِ فِي تَفْكِيرِ دَاوُدَ هُنَا. فَفِي الْوَاقِعِ، لَقَدْ أَخْطَأَ دَاوُدُ إِلَى أَشْخَاصٍ أَكْثَرَ إِلَى جَانِبِ اللَّهِ. لَقَدْ أَخْطَأَ إِلَى زَوْجَتِهِ. وَأَخْطَأَ إِلَى عَائِلَتِهِ. وَأَخْطَأَ إِلَى بَثْشَبَعَ. وَأَخْطَأَ إِلَى أُورِيَّا. وَأَخْطَأَ إِلَى قَائِدِ جَيْشِهِ. وَأَخْطَأَ إِلَى كُلِّ جُنْدِيٍّ أَمِينٍ فِي جَيْشِهِ لِأَنَّهُ انْتَهَكَ ثِقَةَ جُنُودِهِ، وَأَخْطَأَ إِلَى الْأُمَّةِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ كَانَ الْمَلِكَ، وَكَانَ قَدْ تَمَّ ائْتِمَانُهُ عَلَى الْقِيَادَةِ بِصِفَتِهِ الْمَلِكَ. وَكَانَ يُفْتَرَضُ بِهِ أَنْ يَعْكِسَ عَدْلَ اللَّهِ لِشَعْبِهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَلِ اعْتَدَى عَلَى الْكُلِّ فِي الْمَدِينَةِ. إِذًا، لِمَاذَا قَالَ: "إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ؟" بِالْمَعْنَى الْمُطْلَقِ، الْخَطِيَّةُ إِسَاءَةٌ إِلَى اللَّهِ، وَنَامُوسُهُ هُوَ الَذِي تَمَّ انْتِهَاكُهُ. وَيَقُولُ لَنَا الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ إِنَّهُ "حَيْثُ لَيْسَ نَامُوسٌ لَيْسَ أَيْضًا تَعَدٍّ". وَحِينَ نَنْتَهِكُ نَامُوسَ اللَّهِ فَنَحْنُ نَعْتَدِي عَلَى شَخْصِهِ، لِأَنَّهُ هُوَ مُعْطِي النَامُوسَ. إِذًا، فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ، لَا يُحَاوِلُ دَاوُدُ التَخْفِيفَ مِنْ ذَنْبِهِ أَمَامَ النَاسِ، لَكِنَّهُ يُحَاوِلُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ خُطُورَتِهِ وَأَنْ يَفْهَمَ الْبُعْدَ الْكَامِلَ لِذَنْبِهِ أَمَامَ اللَّهِ. لِذَا هُوَ يَقُولُ إِنَّهُ أَخْطَأَ إِلَى اللَّهِ.
ثُمَّ تَابَعَ قَائِلًا: "لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي أَقْوَالِكَ، وَتَزْكُوَ فِي قَضَائِكَ". بِالنِّسْبَةِ إِلَيَّ، هَذِهِ هِيَ رُوحُ التَوْبَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَمِنْ دُونِهَا لَا تُوجَدُ تَوْبَةٌ. بِقَدْرِ مَا تَطْلُبُ الرَحْمَةَ، وَبِقَدْرِ مَا تَعْتَرِفُ بِزَلَّاتِكَ وَمَا إِلَى ذَلِكَ، مَا لَمْ تَصِلْ إِلَى مَرْحَلَةٍ فِيهَا تُؤْمِنُ فِعْلًا بِأَنَّ اللَّهَ عَادِلٌ تَمَامًا لِيُنْزِلَ عِقَابًا كَامِلًا بِكَ، أَوْ لِيَفْرِضَ عِقَابًا كَامِلًا عَلَيْكَ وَلْيَقْتَضِيَ مِنْكَ أَنْ تَدْفَعَ الثَمَنَ كَامِلًا، فَأَنْتَ لَمْ تَتُبْ فِعْلًا. مَا دُمْتَ تَظُنُّ أَنَّكَ تَسْتَحِقُّ الْغُفْرَانَ أَوْ أَنَّكَ تَسْتَحِقُّ الرَحْمَةَ، فَأَنْتَ لَمْ تَتُبْ فِعْلًا. الْإِنْسَانُ التَائِبُ فِعْلًا يَقُولُ لِلَّهِ "أَنَا أَفْهَمُ، أَنَا لَا أُطَالِبُ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْإِطَارِ. لَقَدْ خَسِرْتُ كُلَّ حُقُوقِي. وَأَنْتَ تَمْلِكُ كُلَّ الْحَقِّ بِإِهْلَاكِي. وَتَمْلِكُ كُلَّ الْحَقِّ بِمُعَاقَبَتِي وَفْقَ الْبُعْدِ الْكَامِلِ لِلنَامُوسِ. أَنَا أَسْأَلُكَ أَلَّا تَفْعَلَ ذَلِكَ. أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ أَلَّا تَفْعَلَ، لَكِنِّي أَعْتَرِفُ بِأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ، فَلَيْسَتْ لَدَيَّ أَسْبَابٌ لِلتَذَمُّرِ مِنْكَ". هَذِهِ هِيَ رُوحُ التَوْبَةِ الْحَقِيقِيَّةِ.
ثُمَّ يُتَابِعُ قَائِلًا: "هَأَنَذَا بِالْإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي". هَذَا جُزْءٌ مُهِمٌّ جِدًّا مِنْ هَذِهِ الصَلَاةِ، وَيُمْكِنُ إِسَاءَةُ فَهْمِهِ بِسُهُولَةٍ. يُمْكِنُنَا النَظَرُ إِلَيْهِ قَائِلِينَ: "فِي الْوَاقِعِ يَا رَبُّ، أَنَا وُلِدْتُ بِالْخَطِيَّةِ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي. أَنَا سَاقِطٌ مُنْذُ الْوِلَادَةِ، فَمَا الَذِي تَتَوَقَّعُهُ؟" يُمْكِنُ فَهْمُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُحَاوَلَةٌ لِلْإِشَارَةِ إِلَى ظُرُوفٍ تَخْفِيفِيَّةٍ قَدْ تُخَفِّفُ مِنْ وَطْأَةِ ذَنْبِ دَاوُدَ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَا يَقُولُهُ. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى حَدٍّ أَبْعَدَ فِي اعْتِرَافِهِ. إِنَّهُ يَقُولُ "أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي وُلِدْتُ بِالْخَطِيَّةِ. أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي صُوِّرْتُ بِالْخَطِيَّةِ، لِأَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أُخْطِئُ، لِأَنِّي خَاطِئٌ، لِأَنَّ لَدَيَّ طَبِيعَةً فَاسِدَةً تَتَسَرَّبُ إِلَى عُمْقِ كِيَانِي، وَأَنَا تَائِبٌ". هُوَ لَا يُلْقِي اللَوْمَ عَلَى أُمِّهِ. وَلَا يُلْقِي اللَوْمَ عَلَى آدَمَ وَهُوَ سَبَبُ سُقُوطِ دَاوُدَ. لَكِنَّهُ يَعْتَرِفُ بِذَلِكَ الْمَفْهُومِ الصَعْبِ وَالْعَمِيقِ الْوَارِدِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَهُوَ أَنَّنَا مُذْنِبُونَ فِعْلًا بِمُشَارَكَتِنَا فِي سُقُوطِ آدَمَ، وَبِأَنَّ وِلَادَتَنَا فِي حَالَةِ سُقُوطٍ، هِيَ عِقَابُ اللَّهِ لِذَنْبِنَا الَذِي نَزَلَ فِي آدَمَ وَمَعَهُ وَمِنْ خِلَالِهِ. إِذًا، لَا يَطْلُبُ دَاوُدُ الْغُفْرَانَ فَحَسْبُ عَلَى هَذِهِ الْخَطِيَّةِ الْمُحَدَّدَةِ الَتِي ارْتَكَبَهَا، لَكِنَّهُ يُصَلِّي أَيْضًا أَنْ يَنَالَ الْغُفْرَانَ عَلَى شَخْصِيَّتِهِ الْآثِمَةِ، وَطَبِيعَتِهِ الْآثِمَةِ.
مِنَ النَادِرِ أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ. نَحْنُ نَفْعَلُ ذَلِكَ بِطَرِيقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ. إِلَيْكُمْ طَرِيقَةَ صَلَاتِنَا طَلَبًا لِلْغُفْرَانِ. "يَا رَبُّ، أَرْجُوكَ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ كُلَّهَا". نَحْنُ نَطْلُبُ الْغُفْرَانَ بِشَكْلٍ عَامٍّ. لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ هُنَا. إِنَّهُ يَطْلُبُ الْغُفْرَانَ بِشَكْلٍ خَاصٍّ، وَعَلَى خَطَايَا مُحَدَّدَةٍ، وَالتَعْمِيمُ الْوَحِيدُ الَذِي يَقُومُ بِهِ هُنَا لَا يَتَعَلَّقُ بِخَطَايَاهُ بِشَكْلٍ عَامٍّ، بَلْ بِشَخْصِهِ بِشَكْلٍ عَامٍّ. "سَامِحْنِي عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ، وَعَلَى شَخْصِي وَعَلَى تَوَجُّهِ قَلْبِي الآثِمِ، وَلِأَنِّي أَتَصَرَّفُ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ مُنْذُ وِلادَتِي".
"هَا قَدْ سُرِرْتَ بِالْحَقِّ فِي الْبَاطِنِ، فَفِي السَّرِيرَةِ تُعَرِّفُنِي حِكْمَةً". أَنْتَ لا تُرِيدُ الْحَقَّ السَطْحِيَّ، بَلِ الْحَقَّ النَابِعَ مِنَ الْقَلْبِ. ثُمَّ يُتَابِعُ وَيَطْلُبُ مِنَ اللهِ أَنْ يُطَهِّرَهُ بِالزُوفَا لِكَيْ يَطْهُرَ، وَأَنْ يَغْسِلَهُ فَيَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَلْجِ. وَيَقُولُ "أَسْمِعْنِي سُرُورًا وَفَرَحًا، فَتَبْتَهِجَ عِظَامٌ سَحَقْتَهَا. اسْتُرْ وَجْهَكَ عَنْ خَطَايَايَ، وَامْحُ كُلَّ آثَامِي". ثُمَّ يَطْلُبُ مِنَ اللهِ أَنْ يَخْلُقَ فِيهِ قَلْبًا نَقِيًّا وَطَاهِرًا إِلَى آخِرِهِ.
دَعُونِي أَنْتَقِلُ سَرِيعًا إِلَى الآيَةِ ١٤. قَالَ: "نَجِّنِي مِنَ الدِّمَاءِ يَا اللهُ، إِلَهَ خَلاَصِي، فَيُسَبِّحَ لِسَانِي بِرَّكَ. يَا رَبُّ افْتَحْ شَفَتَيَّ، فَيُخْبِرَ فَمِي بِتَسْبِيحِكَ. لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلَّا فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى. ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ". هَلْ تَذْكُرُونَ مَا حَدَثَ مُبَاشَرَةً بَعْدَ زِيَارَةِ النَبِيِّ نَاثَانَ لِدَاوُدَ؟ كَانَ دَاوُدُ قَدِ ارْتَكَبَ الْقَتْلَ وَالزِنَى، وَبِمَا أَنَّ دَاوُدَ ارْتَكَبَ هَذِهِ الْآثَامَ فَهُوَ كَانَ مُتَّهَمًا بِجَرَائِمَ تَسْتَحِقُّ الْإِعْدَامَ. وَالْعُقُوبَةُ الْمَدَنِيَّةُ لِهَذَا النَوْعِ مِنَ الْجَرَائِمِ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ هِيَ الْمَوْتُ. لَكِنَّ اللَّهَ نَجَّى دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْعِقَابِ. وَأَخْبَرَ نَاثَانُ دَاوُدَ بِأَنَّهُ سَيَنْجُو بِحَيَاتِهِ، لَكِنَّهُ قَالَ: "ثَمَرُ مُضَاجَعَتِكَ لِبَثْشَبَعَ لَنْ يَنْجُوَ". كَانَ اللَّهُ سَيَطْلُبُ حَيَاةَ الطِفْلِ.
ثُمَّ وُلِدَ الطِفْلُ. أَتَذْكُرُونَ مَا جَرَى بَعْدَ ذَلِكَ؟ دَخَلَ دَاوُدُ إِلَى غُرْفَتِهِ وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ طَوَالَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالٍ. كَانَ بِالْمِسْحِ وَالرَمَادِ مُتَوَسِّلًا إِلَى اللَّهِ بِالصَلَاةِ وَمُتَشَفِّعًا لِحَيَاةِ ذَلِكَ الطِفْلِ. كَانَ يَقُولُ "أَرْجُوكَ، أَرْجُوكَ، أَرْجُوكَ يَا رَبُّ لَا تَدَعِ الطِفْلَ يَمُوتُ". تَذَكَّرُوا أَنَّهُ بَعْدَ مُرُورِ الْأُسْبُوعِ مَاتَ الطِفْلُ، وَخَافَ عَبِيدُ دَاوُدَ أَنْ يَدْخُلُوا إِلَى الْغُرْفَةِ وَيُخْبِرُوهُ بِالْأَمْرِ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا كَمْ أَنَّهُ كَانَ مُنْزَعِجًا وَكَمْ أَنَّهُ كَانَ مُضْطَرِبًا، وَخَافُوا إِنْ دَخَلُوا وَأَخْبَرُوا دَاوُدَ بِمَوْتِ الطِفْلِ أَنْ يُؤْذِيَ دَاوُدُ نَفْسَهُ. وَهُوَ رَآهُمْ مُرْتَبِكِينَ وَيَنْظُرُونَ إِلَى غُرْفَتِهِ بِتَوَتُّرٍ، وَكَانَ دَاوُدُ ذَكِيًّا كِفَايَةً لِيُخَمِّنَ مَا قَدْ جَرَى. فَقَالَ "مَاتَ الطِفْلُ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟" فَأَجَابُوا "أَجَلْ". وَمَا الَذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ؟ غَسَلَ وَجْهَهُ عَلَى الْفَوْرِ وَبَدَّلَ ثِيَابَهُ وَدَهَنَ رَأْسَهُ بِالزَيْتِ، وَذَهَبَ إِلَى بَيْتِ الرَبِّ وَسَبَّحَ اللَّهَ. تَلَقّى عِقَابَهُ وَسَبَّحَ اللَّهَ. قَالَ: "يَا رَبُّ، إِنْ كُنْتَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ فَإِنِّي أُقَدِّمُهَا. أَوْ كُنْتَ تُسَرُّ بِمُحْرَقَةٍ فَإِنِّي أُقَدِّمُهَا". لَكِنْ "ذَبَائِحُ اللَّهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اللَّهُ لَاَ تَحْتَقِرُهُ". هَذَا مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَوْقِفُنَا كُلَّمَا صَلَّيْنَا. مَا إِنْ نُقَدِّرْ أَعْمَالَ اللَّهِ الْعَجِيبَةَ، يَجِبُ أَنْ نُقْرِنَ جَمَالَ قَدَاسَتِهِ بِاعْتِرَافٍ جَدِيدٍ بِمَعَاصِينَا أَمَامَهُ بِرُوحٍ مُنْسَحِقَةٍ.