المحاضرة 2: مارْتِنْ لُوثَر
أَعْتَقِدُ أَنَّ أَكْثَرَ الطُرُقِ إِثَارَةً لِدِراسَةِ تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ هِيَ بِتَرْكِيزِ انْتِباهِنا عَلَى صَانِعِي هَذَا التَارِيخِ. حِينَمَا نَتَأَمَّلُ الإِصْلاحَ الْبْرُوتِسْتَانْتِيَّ وَالأَهَمِّيَّةَ الْمَرْكَزِيَّةَ لِعَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ، سَيَخْطُرُ بِبَالِنَا فَوْرًا الدَوْرَ الَذِي قَامَ بِهِ الرَاهِبُ الأُوغُسْطِينِيُّ مِنْ وِيتِنْبِرج، مَارْتِنْ لُوثَر. فَمَا أُرِيدُ أَنْ أَقُومَ بِهِ مِنْ أَجْلِ مُقَدِّمَةٍ أَكْثَرَ عُمْقًا لِدِراسَتِنَا لِلْعَقِيدَةِ نَفْسِها، هُوَ النَظَرُ فِي الإِطَارِ التَارِيخِيِّ الَذِي أُثِيرَ الْجِدَالُ فِيهِ، وَالنَظَرُ أَيْضًا، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، فِي شَخْصِ لُوثَرَ لِمَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ اشْتِرَاكِ لُوثَرَ، بِالطَرِيقَةِ الَتِي كَانَ عَلَيْهَا، فِي الإِصْلاحِ.
فَلُوثَر، بِحَسَبِ مُعْظَمِ الْمُؤَرِّخِينَ، وُلِدَ عَامَ 1483. لَكِنْ مَا مِنْ أَحَدٍ يَعْلَمُ تَارِيخَ مِيلادِهِ بِدِقَّةٍ. يَقُولُ الْبَعْضُ إِنَّهُ كَانَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ نُوفَمْبَر، وَآخَرُونَ يَقُولُونَ فِي السَّابِعِ مِنْ دِيسَمْبَر. رُبَّمَا هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي أَنَّ لِهَذَا التَارِيخِ سُمْعَةً سَيِّئَةً لَدَى الأَجْيَالِ التَالِيَةِ. وَقَدْ وُلِدَ لُوثَرُ فِي بَلْدَةٍ صَغِيرَةٍ تُسَمَّى "إِيسْلْبِن" فِي شَرْقِي أَلْمَانْيَا. لَكِنْ مِنَ الْمُفَارَقاتِ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ أَنَّ عَائِلَتَهُ رَحَلَتْ عَنْ إِيسْلْبِنْ عَقِبَ وِلادَتِهِ، وَقَضَى مُعْظَمَ حَيَاتِهِ خَارِجَ بَلْدَةِ مَسْقَطِ رَأْسِهِ، لَكِنَّهَا هِيَ الْمَدِينَةُ الَتِي تُوُفِّيَ فِيهَا عَامَ 1546.
لَكِنْ حِينَ نَتَأَمَّلُ شَخْصَ لُوثَرَ وَنَنْظُرُ فِي تَارِيخِهِ، فَإِنَّ أَحَدَ الأَشْيَاءِ الَتِي نُلاحِظُهَا هُوَ أَنَّهُ كَانَ فِي خِضَمِّ أَزْمَةٍ كُلَّ خَمْسِ سَنَواتٍ، عَلَى الأَقَلِّ لِبُرْهَةٍ بَدْءًا مِنْ سَنَةِ 1505. كَانَ لُوثَرُ ابْنًا لِرَجُلٍ يَمْتَلِكُ الْعَدِيدَ مِنَ الْمَنَاجِمِ وَالْمَسَابِكِ فِي الْمُقَاطَعَةِ، يُدْعَى هَانْز لُوثَر، وَعَلَى الرُّغْمِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَاحِشَ الثَرَاءِ، فَهُوَ لَمْ يَكُنْ بِالتَأْكِيدِ فَقِيرًا. إِذْ كَانَ يَحْظَى بِثَرْوَةٍ كَافِيَةٍ لإِرْسَالِ لُوثَرَ إِلَى مَدَارِسَ جَيِّدَةٍ. وَتَمَثَّلَ حُلْمُهُ فِي أَنْ يَصِيرَ نَجْلُهُ مُحَامِيًا، فَلِذَا الْتَحَقَ الْفَتَى لُوثَرُ بِجَامِعَةِ إِرْفُورْت حَيْثُ دَرَسَ الْقَانُونَ. وَفِي أَثْنَاءِ دِرَاسَتِهِ لِلْقَانُونِ، اكْتَسَبَ فِعْلًا سُمْعَةً لِكَوْنِهِ فَقِيهًا فَذًّا وَطَالِبًا لامِعًا فِي الْقَانُونِ يَنْتَظِرُهُ مُسْتَقْبَلٌ رَائِعٌ، مَا أَسَرَّ وَالِدَهُ كَثِيرًا.
ثُمَّ فِي سَنَةِ 1505، بَعْدَ عَوْدَتِهِ إِلَى بَلْدَتِهِ لِيَفْتَقِدَ وَالِدَيْهِ وَفِي طَرِيقِ الْعَوْدَةِ إِلَى جَامِعَةِ إِرْفُورْت وَبِالْقُرْبِ مِنَ الْمَدِينَةِ، ضَرَبَتْ عَاصِفَةٌ رَعْدِيَّةٌ عَنِيفَةٌ وَنَزَلَتْ صَاعِقَةٌ بِالْقُرْبِ مِنْ مَكَانِ لُوثَر، فَارْتَعَبَ صَارِخًا: "أَنْقِذِينِي يَا قِدِّيسَةُ حَنَّة!" أَوْ "سَاعِدِينِي يَا قِدِّيسَةُ حَنَّةَ! فَأُصْبِحُ رَاهِبًا". كَانَتِ الْقِدِّيسَةُ حَنَّة، الَتِي هِيَ وَالِدَةُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمَ وَالِدَةِ الرَبِّ يَسُوعَ، ضِمْنَ مَجْمُوعَةِ قِدِّيسَاتِ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ، وَشَفِيعَةَ الْعَامِلِينَ فِي الْمَنَاجِمِ، وَكُلِّ مَنْ يَعْمَلُ فِي أَعْمَالٍ خَطِيرَةٍ مِثْلِ التَعْدِينِ. فَلِهَذَا تَعَهَّدَ لُوثَرُ، الَذِي كَانَ مَرْعُوبًا فِي تِلْكَ اللَحْظَةِ، أَنَّهُ إِذَا نَجَا مِنْ هَذِهِ الصَاعِقَةِ سَيُصْبِحُ رَاهِبًا؟ فَذَهَبَ إِلَى الْجَامِعَةِ وَحَمَلَ مُتَعَلِّقَاتِهِ الشَخْصِيَّةَ وَجَمَعَ أَصْدِقَاءَهُ لِتَوْدِيعِهِ، وَتَرَجَّلُوا مَعَهُ حَتَّى أَحَدِ أَدْيِرَةِ النِظَامِ الأُوغُسْطِينِيِّ فِي إِرْفُورْت وَوَدَّعُوهُ هُناكَ، وَالْتَفَّ هُوَ مُتَّجِهًا إِلَى بَابِ الدَيْرِ لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ طَالِبًا لِلرَهْبَنَةِ.
لا يُمْكِنُكُمُ اسْتِيعَابُ الإِصْلاحِ، لا يُمْكِنُكُمُ اسْتِيعَابُ دَوْرِ لَوْثَرَ فِيهِ دُونَ إِدْرَاكِ الأَزْمَةِ الَتِي حَاقَتْ بِهِ عَامَ 1505 وَدَفَعَتْهُ لِيَصِيرَ رَاهِبًا مِمَّا صَدَمَ وَالِدَهُ وَأَقْلَقَهُ كَثِيرًا. كَانَ هَانْز الْمُسِنُّ غَاضِبًا مِنِ ابْنِهِ لِقَرَارِهِ بِالانْخِرَاطِ فِي الْخِدْمَةِ الدِينِيَّةِ رَاهِبًا وَكَاهِنًا فَجْأَةً وَبِدُونِ مُقَدِّمَاتٍ، بَدَلًا مِنْ أَنْ يَصِيرَ مُحَامِيًا بَارِزًا. حَسَنًا، عَلَى أَيِّ حَالٍ، عِنْدَمَا الْتَحَقَ لُوثَرُ بِالدَيْرِ وَاجْتَازَ بِمُخْتَلِفِ الْمَرَاحِلِ لِيُرْتَسَمَ، مَا تَمَّ عَامَ 1507، كَانَ يُعَدُّ أحَدَ أَكْثَرِ فَتَرَاتِ حَيَاتِهِ أَهَمِّيَّةً إِذْ بِدُونِهِ لَنْ نَفْهَمَ الْعَقِيدَةَ أَبَدًا.
كَمَا أَنَّ رَسَامَةَ لُوثَرَ فِي إِرْفُورْت حَمَلَتْ مُفَارَقَةً بَارِزَةً. فَقَبْلَ قَرْنٍ، اتُّهِمَ وَاعِظٌ تْشِيكِيٌّ يُدْعَى جُون هَسْ أَوْ هُسْ، كَمَا هُوَ الْحَالُ، بِالْهَرْطَقَةِ لأَنَّهُ أَنْكَرَ عِصْمَةَ الْكَنِيسَةِ وَرَفَعَ الْكِتابَ الْمُقَدَّسَ أَعْلَى مِنْ شَرَائِعِ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ وَمَرَاسِيمِهَا، وَتَمَّ اسْتِجْوَابُهُ فِي مَجْمَعِ كُونْسْتَانْس وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالإِعْدامِ هُنَاكَ فِي مَجْمَعِ كُونْسْتَانْس. وَقَدْ رَدَّ جُون هَس عَلَى الأُسْقُفِ الَذِي أَمَرَ بِإِعْدَامِهِ بِحَرْقِهِ عَلَى الْعَمُودِ قَائِلًا: "قَدْ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ هَذِهِ الإِوَزَّةِ، أَوْ على حَرْقِي إِنْ شِئْتَ، لَكِنْ سَتَأْتِي بَعْدِي بَجَعَةٌ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى إِسْكَاتِهَا". وَلِلتَذْكِيرِ، إِنَّ اسْمَ جُون هَس يَعْنِي "إِوَزَّةً"، فَلِذَا قَالَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ هَذِهِ الإِوَزَّةِ لَكِنْ سَتَأْتِي بَجَعَةٌ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى إِسْكَاتِهَا.
ذَاتَ مَرَّةٍ، كُنْتُ فِي بْرَاجْ عَاصِمَةِ جُمْهُورِيَّةِ التْشِيك وَلَمْ أُصَدِّقِ الْمُفَارَقَةَ بِوُجُودِ كَنِيسَتَيْنِ كَاثُولِيكِيَّتَيْنِ فِي السَاحَةِ الْمَرْكَزِيَّةِ، وَفِي وَسَطِ هَذِهِ السَاحَةِ يَقِفُ تِمْثَالٌ لِجُون هَس، فِي أَثْنَاءِ مَا كانَ مُرْشِدُنَا يَرْوِي لَنَا قِصَّةَ إِعْدَامِهِ. قالَ لَنَا الْمُرْشِدُ: هَذَا هُوَ الْمَكَانُ، مُشِيرًا إِلَى مَكَانٍ بِعَيْنِهِ، هَذَا هُوَ الْمَكَانُ حَيْثُ أُحْرِقَ جُون هَس. وَكَانَتِ اللُغَةُ الإِنْجْلِيزِيَّةُ لِهَذَا الْمُرْشِدِ بِهَا قُصُورٌ. لَكِنْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، أَوْضَحَ قَائِلًا: لَقَدْ أُعْدِمَ هَس حَرْقًا عَلَى الْعَمُودِ.
لاحِقًا سَأَخْتَلِقُ جُزْءًا وَأُضِيفُهُ إِلَى الْقِصَّةِ، فَهُوَ جُزْءٌ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ بِالْمَرَّةِ. لَكِنَّ ما حَدَثَ بَعْدَ قَرْنٍ مِنْ تِلْكَ الْحادِثَةِ، أَنَّهُ عِنْدَمَا رُسِمَ لُوثَرُ هُنَاكَ فِي دَيْرِ إِرْفُورْت، كَانَ بِالطَبْعِ سَاجِدًا عِنْدَ قَاعِدَةِ الْمَذْبَحِ وَاتَّخَذَ جَسَدُهُ وَضْعِيَّةَ الصَلِيبِ، وَهَكَذا رُسِمَ كَاهِنًا. مَنْ كانَ مَدْفُونًا أَسْفَلَ ذَلِكَ الْمَذْبَحِ فِي إِرْفُورْت كَانَ الأُسْقُفَ الَذِي حَكَمَ عَلَى جُون هَس بِالإِعْدَامِ حَرْقًا عَلَى الْعَمُودِ. أَمَّا الْجُزْءُ الَذِي سَأَخْتَلِقُهُ لأُضِيفَهُ إِلَى قِصَّةِ قَوْلِ هَس هُوَ: "تَقْدِرُ أَنْ تَقْتُلَ هَذِهِ الإِوَزَّةَ، لَكِنْ سَتَأْتِي بَعْدِي بَجَعَةٌ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى إِسْكَاتِهَا"، سَيَرُدُّ الأُسْقُفُ عَلَيْهِ: "عَلَى جُثَّتِي" لأَنَّهُ رُسِمَ فِعْلًا عَلَى جُثَّةِ ذَلِكَ الأُسْقُفِ. فِي الذِكْرَى الْخَمْسِمَائَةِ لِمِيلادِ لُوثَرَ، زُيِّنَتْ أَلْمَانْيَا بِمُلْصَقاتٍ عِمْلاقَةٍ عَلَيْهَا صُورَةُ لُوثَرَ وَخَلْفَهُ بَجَعَةٌ، لأَنَّهُ كَانَ يُعَدُّ الْبَجَعَةَ الَتِي تَنَبَّأَ عَنْهَا جُون هَس.
بِالطَبْعِ كَانَتِ السَنَوَاتُ الَتِي قَضَاهَا لُوثَرُ فِي الدَيْرِ سَنَوَاتٍ مِنَ الاضْطِرَابِ وَالضَغْطِ وَالْعَذَابِ الشَدِيدِ. وَيُشِيرُ أَدَقُّ تَارِيخٍ لَدَيْنَا إِلَى أَنَّهُ كَانَ رَاهِبًا مُلْتَزِمًا، وَكَانَ حَسَنَ التَصَرُّفِ وَمُنْتِجًا لِلْغَايَةِ فِي الدَيْرِ، بِاسْتِثْنَاءِ مُشْكِلَةٍ وَاحِدَةٍ. كَانَ مِنَ الْمُفْتَرَضِ أَنْ يُقَدِّمَ الرُهْبَانُ اعْتِرَافَاتٍ يَوْمِيَّةً لآباءِ اعْتِرَافِهِمْ. بَعْدَ أَنْ يَقْضُوا أَوْقَاتًا فِي الصَلاةِ الْحَارَّةِ كُلَّ يَوْمٍ، يُخَصِّصُونَ وَقْتًا لِلاعْتِرَافِ وَلِسَرْدِ خَطَايَا أَمْسِ، فَكَانَ يَتَقَدَّمُ مُعْظَمُ الرُهْبَانِ قَائِلِينَ: "لَقَدْ أَخْطَأْتُ يَا أَبِي". فَيَعْتَرِفُونَ مَا إِذَا كَانُوا قَدِ اشْتَهَوْا الْخُبْزَ الإِضَافِيَّ الَذِي لِلأَخِ جُونَاثانْ عَلَى عَشَاءِ الْبَارِحَةِ أَوْ أَيَّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَفِي خَمْسِ دَقَائِقَ يَنَالُ الرَاهِبُ الْغُفْرَانَ وَيَخْرُجُ عَائِدًا إِلَى عَمَلِهِ. بَيْنَمَا لُوثَرُ كانَ يَدْخُلُ وَيَمْكُثُ عِشْرِينَ دَقِيقَةً، نِصْفَ سَاعَةٍ، سَاعَةً كَامِلَةً، وَأَحْيَانًا أَكْثَرَ مِنْ سَاعَتَيْنِ مُعْتَرِفًا بِخَطاياهُ الَتِي ارْتَكَبَها فِي الأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ سَاعَةً الأَخِيرَةِ. فَحِينَ تَتَأَمَّلُونَ فِي الأَمْرِ، أَنْتُمْ فِي دَيْرٍ، فَكَمْ يَبْلُغُ عَدَدُ سَقَطاتِكُمْ فِي الأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ سَاعَةً؟ لَكِنَّ لُوثَرَ كَانَ يُفَكِّرُ فِي كُلِّ هَذِهِ الأُمُورِ وَالطُرُقِ الَتِي خَالَفَ بِهَا شَرِيعَةَ اللهِ فِي الأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ سَاعَةً الْمَاضِيَةِ، ثُمَّ يَحْصُلُ فِي النِهَايَةِ عَلَى الْغُفْرَانِ، ثُمَّ فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِ إِلَى قَلَّايَتِهِ، كَانَ يَفْتَكِرُ خَطِيَّةً نَسِيَ الاعْتِرَافَ بِهَا، فَيَفْقِدُ السَلامَ الَذِي نَالَهُ مِنَ الْغُفْرَانِ.
فَقَدْ دَقَّقَ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ فِي سُلُوكِ لُوثَرَ وَاعْتَبَرُوا أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَجُلَ كَانَ مَجْنُونًا، كَانَ مَجْنُونًا بِالتَفْكِيرِ وَلَدَيْهِ هَذَا النَوْعُ مِنْ عُقْدَةِ الذَنْبِ إِذْ كَانَ يَقْضِي الْكَثِيرَ مِنَ الْوَقْتِ فِي الاعْتِرَافِ بِخَطَاياهُ كُلَّ يَوْمٍ. فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ لُوثَرُ رَجُلًا يُؤَرِّقُهُ ذَنْبُهُ. لَكِنْ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، عَلَيْكُمْ أَنْ تُدْرِكُوا أَنَّهُ كَانَ يَتَمَتَّعُ بِعَقْلِيَّةِ رَجُلِ قَانُونٍ، فَدَرَسَ بِعِنَايَةٍ وَتَدْقِيقٍ شَدِيدٍ نَامُوسَ اللهِ، ثُمَّ قَاسَ نَفْسَهُ أَمَامَ هَذَا النَامُوسِ، فَأَدْرَكَ أَنَّهُ كَانَ يُخْطِئُ ضِدَّ نَامُوسِ اللهِ كُلَّ دَقِيقَةٍ. وَهَذَا مَا كَانَ قَدْ فَكَّرَ لُوثَرُ فِيهِ. رُبَّمَا قَالَ: "الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ يَقُولُ إِنَّ الْوَصِيَّةَ الْعُظْمَى هِيَ أَنْ "تُحِبَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ" حَقًّا، لا يَحْفَظُ أَحَدٌ ذَلِكَ، فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُطَبِّقَ هَذَا؟ فِي الْوَاقِعِ، رُبَّما فَكَّرَ لُوثَرُ وَقَالَ: "إِنْ كَانَتْ هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الْعُظْمَى، فَإِنَّ كَسْرَ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الْعُظْمَى لا بُدَّ وَأَنَّهُ ذَنْبٌ عَظِيمٌ".
لِذَا رُبَّمَا ذَهَبَ لُوثَرُ إِلَى قَلَّايَتِهِ وَجَلَدَ نَفْسَهُ حَرْفِيًّا، وَرُبَّمَا قَضَى فَتْرَاتٍ مِنَ الصِيَامِ الَذِي رُبَّما كَانَ قَاسِيًا، مُحَاوِلًا إِيجَادَ السَلامِ لِسَبَبِ الذَنْبِ الَذِي أَرَّقَهُ مِنْ كَسْرِهِ لِنَامُوسِ اللهِ. فَأَنَا لَمْ أَحْفَظِ الْوَصِيَّةَ الْعُظْمَى مُنْذُ أَنْ غَادَرْتُ فِرَاشِي هَذَا الصَبَاحَ. فَأَنَا لَمْ أُحِبَّ الرَبَّ إِلَهِي مِنْ كُلِّ قَلْبِي أَوْ مِنْ كُلِّ فِكْرِي أَوْ مِنْ كُلِّ قُدْرَتِي أَوْ مِنْ كُلِّ نَفْسِي يَوْمًا وَاحِدًا فِي حَيَاتِي بِرُمَّتِها. لَكِنْ أَيْضًا لَمْ يَحْفَظْهَا أَحَدٌ غَيْرِي، فَلِذَا أَنَا لَسْتُ بِغَاضِبٍ بِسَبَبِ هَذَا الأَمْرِ. لَكِنَّ لُوثَرَ غَضِبَ بِسَبَبِ هَذَا، حَتَّى إِنَّ أَبَ اعْتِرَافِهِ أُصِيبَ بِالإِحْبَاطِ مِنْهُ وَقَالَ لَهُ: "أَيُّهَا الرَاهِبُ مَارْتِنْ، إِنْ كُنْتَ سَتَحْضُرُ إِلَى الاعْتِرافِ، تَعَالَ بِخَطِيَّةٍ جَسِيمَةٍ، تَعَالَ بِجَرِيمَةٍ شَنْعَاءَ ارْتَكَبْتَهَا ضِدَّ اللهِ بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الزَلَّاتِ الَتِي لا تَكُفُّ عَنِ الاعْتِرافِ بِهَا دَوْمًا". لَكِنْ مَرَّةً أُخْرَى، لِفَهْمِ لُوثَرَ عَلَيْكُمْ إِدْرَاكُ هَذَا الْحِمْلِ الثَقِيلِ مِنَ الذَنْبِ الَذِي تَبِعَهُ فِي الدَيْرِ. رُبَّمَا قَالَ: "أَتَسْأَلُنِي: هَلْ أُحِبُّ اللهَ؟ أُحِبُّ اللهَ؟" أَنَا أَحْيَانًا: أَكْرَهُ اللهَ. إِذْ أَرَى الْمَسِيحَ بِسَيْفٍ آتِيًا إِلَيَّ لِيُدِينَنِي. آمَنَ كَثِيرُونَ فِي الْكَنِيسَةِ أَنَّ تَلْبِيَةَ الدَعْوَةِ لِلْخِدْمَةِ الدِينِيَّةِ تُعَدُّ امْتِيَازًا إِضَافِيًّا لِلذَهَابِ إِلَى السَمَاءِ ظَانِّينَ أَنَّ الرَهْبَنَةَ وَالتَكَرُّسَ لِهَذِهِ الدَعْوَةِ الدِينِيَّةِ سَتُسَاعِدُهُمْ عَلَى الذَهَابِ إِلَى السَمَاءِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَنَلْ أَيَّ سَلامٍ مِنْ ذَلِكَ.
أَمَّا الأَزْمَةُ الثَانِيَةُ وَقَعَتْ سَنَةَ 1510، بَعْدَ خَمْسِ سَنَواتٍ. فَرِحَ لُوثَرُ فَرَحًا مُنْقَطِعَ النَظِيرِ عِنْدَمَا أَعْلَمَهُ رَئِيسُ الدَيْرِ بِاخْتِيَارِهِ مَعَ رَاهِبٍ آخَرَ لِيُسَافِرَا إِلَى رُومَا بِالإِنَابَةِ عَنِ الدَيْرِ لإِنْجَازِ بَعْضِ أَعْمَالِ الدَيْرِ، أَيْ إِنَّ هَذَيْنِ الرَاهِبَيْنِ اُخْتِيرَا لِتَمْثِيلِ الدَيْرِ فِي إِرْفُورْت. فَقَطَعا الرِحْلَةَ عَلَى أَرْجُلِهِمَا مِنْ أَلْمَانْيَا إِلَى رُومَا، وَكَانَ لُوثَرُ مُتَحَمِّسًا لِلْغَايَةِ لأَنَّ مِنْ أَهَمِّ الشَعَائِرِ الَتِي كَانَ يُمْكِنُ الْقِيامُ بِهَا لِنَيْلِ الْخَلاصِ هِيَ تَأْدِيَةُ الْحَجِّ. وَكَانَ يَتَمَثَّلُ الْحَرَمَانِ الْعَظِيمَانِ فِي مَدِينَتَيْ أُورُشَلِيمَ وَرُومَا. فَحِينَها كَانَ لُوثَرُ يَسْتَعِدُّ لِلذَهَابِ بِشَحْمِهِ وَلَحْمِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ يَتَطَلَّبُ عَدَدًا ضَخْمًا مِنْ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ الَذِي سَنَسْتَكْشِفُهُ لاحِقًا. وَبِمَا أَنَّهُ كَانَ لا يَزَالُ حَيًّا وَلَيْسَ فِي الْمَطْهَرِ، فَلَمْ يَسْتَطِعِ الاسْتِفَادَةَ لِنَفْسِهِ مِنْ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ الَتِي قَدْ نَالَها مِنْ هَذَا الْحَجِّ إِلَى رُومَا، إِذْ قَرَّرَ تَكْرِيسَ هَذَا الْحَجِّ، هَذِهِ الرِحْلَةِ إِلَى رُومَا، لأَجْدَادِهِ.
وَأَخِيرًا، بَعْدَ شُهُورٍ مِنَ الرِحْلَةِ، وَصَلَ هُوَ وَرَفِيقُهُ إِلَى رُومَا، لَكِنَّهَا أَضْحَتْ تَجْرِبَةً مُخَيِّبَةً لِلآمَالِ عَمِيقَةً وَعَفَوِيَّةً. فَأَوَّلُ مَا أَغْضَبَهُ تَمَثَّلَ فِي حَيَاةِ الْفُجُورِ لِلْكَهَنَةِ فِي رُومَا، الَذِين كَانُوا يُصَاحِبُونَ الْعَاهِرِينَ وَالْعَاهِرَاتِ جَهْرًا، وَفِي أَنَّ الْفُجُورَ الأَخْلاقِيَّ وَالْجِنْسِيَّ لِلْكَهْنُوتِ الْكَاثُولِيكِيِّ فِي الْمَدِينَةِ لَمْ يَكُنْ خِفْيَةً فِي الْمَخَادِعِ، بَلْ كَانَ عَلانِيَّةً، كَانَ الأَمْرُ عَرْبَدَةً جَسِيمَةً فِي نَظَرِ لُوثَرَ. ثَانِيًا، بَيْعُ الْكَهَنَةِ خِدْماتِهِمْ لإِقَامَةِ الْقُدَّاسِ، إِذْ كَانُوا يَحْصُلُونَ عَلَى الْكَثِيرِ مِنَ الْمَالِ لإِقَامَةِ الْقُدَّاسِ وَلِمُضَاعَفَةِ مَكَاسِبِهِمْ، كَانُوا يَتَسَرَّعُونَ فِي إِقَامَتِهِ، مُظْهِرِينَ عَدَمَ احْتِرامٍ لِمَظاهِرِ الْقُدَّاسِ، كَانُوا بِبَسَاطَةٍ يُقِيمُونَ الْقُدَّاسَاتِ مِنْ أَجْلِ الْمَنْفَعَةِ الشَخْصِيَّةِ. شَاهَدَ لُوثَرُ هَذَا وَانْهَارَ، لأَنَّ كانَ فِي مُخَيِّلَتِهِ قَبْلَ الذَهَابِ إِلَى هُنَاكَ، وَقَالَ هَذَا، "إِنَّهَا مَكَّةٌ بِحَسَبِ الْمَنْظُورِ الْمَسِيحِي". حَيْثُ يَقْطُنُها الأَقْدَسُ مِنْ بَيْنِ الْبَشَرِ.
فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، يُفْتَرَضُ أَنَّ الْبَابَا كَانَ يُولْيُوسَ الثَانِي، الَذِي كانَ، بِحَسَبِ مُؤَرِّخٍ كَاثُولِيكِيٍّ، أَحَدَ أَكْثَرِ الْبَطَارِكَةِ فَسَادًا. كَانَ أَحَدَ الْبَابَاوَاتِ مِنْ أُسْرَةٍ بَابَوِيَّةٍ تُعْرَفُ بِاسْمِ آلْ بُورْجْيَا، وَكَانَ يُخَطِّطُ لِبِنَاءِ كَاتِدْرَائِيَّةٍ جَدِيدَةٍ تَضُمُّ عِظَامَ الْقِدِّيسَيْنِ بُطْرُسَ وَبُولُسَ. لِذَلِكَ شَرَعَ فِي مَشْرُوعِ الْبِنَاءِ الضَخْمِ هَذَا لِبِنَاءِ كَاتِدْرَائِيَّةٍ جَدِيدَةٍ، لَكِنَّ الْمَالَ نَفِدَ مِنْهُ وَلَمْ يَبْنِ سِوَى الأَسَاسَاتِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ اسْتَعْمَرَتْهُ الْحَشَائِشُ. هُجِرَ مَشْرُوعُ الْبِنَاءِ حَتَّى جُلُوسِ خَلِيفَتِهِ لِيُو الْعَاشِرِ عَلَى كُرْسِيِّ الْبابَاوِيَّةِ، وَسَنَرَى ذَلِكَ بَعْدَ قَلِيلٍ.
أَمَّا الْحَادِثَةُ الثَالِثَةُ وَالْقَاضِيَةُ عَلَى مَا كَانَ فِي مُخَيِّلَةِ لُوثَرَ عِنْدَمَا ذَهَبَ إِلَى رُومَا، تَمَثَّلَتْ فِي زِيَارَتِهِ إِلَى سْكَالَا سَاكْرَ (Scala Sacra) الدَرَجِ الْمُقَدَّسِ الَذِي كَانَ ضِمْنَ كَنِيسَةِ لاتِيرَان، الَتِي كَانَتِ الْكَاتِدْرَائِيَّةَ السَابِقَةَ لِلْبَابَا، وَمَقَرَّهُ الْبَابَاوِيَّ. عَلَى أَيِّ حَالٍ، ضَمَّتْ كَنِيسَةُ لاتِيرَان هَذِهِ الْمَجْمُوعَةَ مِنَ الدَرَجاتِ، لَسْتُ مُتَأَكِّدًا، تِسْعَةً وَعِشْرِينَ دَرْجَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ. وَكَانَ هَذَا الدَرَجُ جُزْءًا مِنْ قاعَةِ الْمُحَاكَمَةِ حَيْثُ جَلَسَ بِيلاطُسُ الْبُنْطِيُّ لِسَمَاعِ قَضِيَّةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَمِنَ الْمُفْتَرَضِ أَنَّ الرَبَّ يَسُوعَ صَعِدَ هَذَا الدَرَجَ وَنَزَلَهُ فِي أَثْنَاءِ مُحَاكَمَتِهِ. وَهَكَذَا، فَإِنَّ هَذَا الدَرَجَ الْمُقَدَّسَ فِي أُورُشَلِيمَ تَمَّ نَقْلُهُ حَيْثُ أُعِيدَ بِنَاؤُهُ أَمَامَ كَنِيسَةِ لاتِيرَان. فَصَارَتْ هَذِهِ هِيَ الْمَوْقِعُ الْمَرْكَزِيُّ لِلزِيَارَةِ مِنْ قِبَلِ الحُجَّاجِ إِلَى رُومَا إِذْ تَمَثَّلَتِ الْفِكْرَةُ فِي أَنَّهُ إِذَا صَعِدْتَ هَذَا الدَرَجَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ وَفِي كُلِّ دَرْجَةٍ تُرَدَّدُ تَسْبِحَتَيْ "أَبَانَا الَذِي" وَ"السَّلامُ عَلَيْكِ يَا مَرْيَمُ"، ثُمَّ إِلَى الدَرْجَةِ التَالِيَةِ عَلَى رُكْبَتَيْكَ وَتَتْلُو "السَّلامُ عَلَيْكِ يَا مَرْيَمُ" وَ"أَبَانَا الَذِي"، وَقُمْتَ بِذَلِكَ فِي كُلِّ دَرْجَةٍ حَتَّى الْقِمَّةِ، سَتَنالُ قَدْرًا مِنْ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ يُمْكِنُكَ مَنْحُهُ لِعَائِلَتِكَ لإِخْرَاجِهِمْ مِنَ الْمَطْهَرِ أَوْ لِتَقْصِيرِ وَقْتِهِمْ فِي الْمَطْهَرِ.
فَقَدْ قَامَ لُوثَرُ بِهَذِهِ الرِحْلَةِ إِلَى رُومَا لِيَصْعَدَ الدَرَجَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَلِيُؤَدِّيَ هَذَا الطَقْسَ مِنْ أَجْلِ أَجْدَادِهِ الرَاحِلِينَ. فَإِنْ كَانَ أَيٌّ مِنْكُمْ قَدْ زَارَ رُومَا، يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الدَرَجَ الْمُقَدَّسَ لا يَزَالُ مَوْجُودًا ضِمْنَ كَنِيسَةِ لاتِيرَان. أَنَا لَسْتُ مُتَأَكِّدًا مِنْ مَدَى عَرْضِ هَذَا الدَرَجِ، أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ مِئَتَيْن وَأَرْبَعِينَ سَنْتِيمِتْرًا إِلَى ثَلاثَةِ أَمْتَارٍ. دَرَجٌ لَيْسَ بِضَيِّقٍ. بَلْ دَرَجٌ حَجَرِيٌّ عَرِيضٌ. فَفِي زِيَارَتِي الأُولَى إِلَى رُومَا وَإِلَى كَنِيسَةِ لاتِيرَان، فِي الْوَاقِعِ لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْسَى مَا قَالَهُ مُرْشِدُنَا السِيَاحِيُّ "مَا أَكْثَرُ شَيْءٍ تُرِيدُ أَنْ تَرَاهُ أَوَّلًا؟" وَتَوَقَّعَ أَنْ أَرُدَّ بِأَنْ أَرَى الْفَاتِيكانَ أَوْ كَنِيسَةَ الْقِدِّيسِ بُطْرُسَ أَوْ الكُولِيسْيُوم وَهُوَ مَدْرَجٌ رُومَانِيٌّ عِمْلاقٌ يَقَعُ فِي وَسَطِ مَدِينَةِ رُومَا. لَكِنَّنِي قُلْتُ: "أُرِيدُ رُؤْيَةَ الدَرَجِ الْمُقَدَّسِ الَذِي فِي كَنِيسَةِ لاتِيرَان"، فَأُخِذَ مُنْدَهِشًا. فَقَالَ لَمْ يَحْدُثْ أَنْ طَلَبَ مِنِّي سَائِحٌ هَذَا قَبْلًا. فَقُلْتُ: "حَسَنًا، هَذَا مَا أُرِيدُ رُؤْيَتَهُ". فَأَنَا كُنْتُ فِي حَجِّي الْخَاصِّ، حَاجٍّ لُوثَرِيٍّ، لَكِنْ فِي النِهَايَةِ وَصَلْتُ إِلَى الْمَوْقِعِ وَأَرَدْتُ الصُعُودَ عَلَى الدَرَجِ وَالنَظَرَ، لَكِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ حَتَّى الاقْتِرابَ مِنْهُ. فَكُلُّ سَنْتِيمِتْرٍ مُرَبَّعٍ مِنْ هَذَا الدَرَجِ حَمَلَ رُكْبَتَيْ مِمَّنْ يَحْمِلُونَ مَسَابِحَهُمْ وَيُؤَدُّونَ طُقُوسَهُمْ. وَعَلَى الْحَائِطِ بِجِوَارِ الدَرَجِ، رُفِعَتْ لَوْحَةٌ تُعْلِنُ عَدَدَ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ الَتِي سَيَنَالُهَا كُلُّ مَنْ سَيَصْعَدُ هَذَا الدَرَجَ.
نَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ وَالْقَرْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ. لا نَتَحَدَّثُ عَنِ الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ، وَأُولَئِكَ مَنْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ قَدِ انْتَهَى، كُلُّ مَا عَلَيْكَ فِعْلُهُ هُوَ الذَهَابُ إِلَى الدَرَجِ الْمُقَدَّسِ وَسَتَرَى أَنَّ هَذِهِ الْمُمَارَسَةَ لا تَزالُ حَيَّةً وَمُتَفَشِّيَةً. أَمَّا لُوثَرُ، عِنْدَمَا وَصَلَ إِلَى هُنَاكَ، صَعِدَ الدَرَجَ عَلَى يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ، وَعِنْدَمَا وَصَلَ إِلَى الْقِمَّةِ وَقَفَ وَقَالَ فِي سِرِّهِ: "مَنْ يَدْرِي مَا إِذَا كَانَ هَذَا صَحِيحًا". وَقَعَتْ عَلَيْهِ أَزْمَةُ مَاهِيَّةِ الإِيمَانِ الَذِي يَعْتَنِقُهُ. لَقَدِ اسْتَوْفَى كُلَّ مَا طَلَبَتِ الْكَنِيسَةُ مِنَ الرُهْبَانِ وَالْكَهَنَةِ فِعْلَهُ، لَكِنَّهُ ما زَالَ لا يَشْعُرُ بِأَيِّ سَلامٍ أَوْ رَجَاءٍ أو فِداءٍ.
وَلِلْقِصَّةِ بَقِيَّةٌ، لَكِنَّنَا سَنَتَنَاوَلُهَا فِي الْمُحَاضَرَةِ التَالِيَةِ.