
ثلاثة طرق لحياة صلاة فعّالة
۱۲ سبتمبر ۲۰۲۵ما هو ثمر الروح القدس؟

ثمر الروح القدس هو قائمة تحتوي تسع فضائل أوردها الرسول بولس في غلاطية 5: 22-23. تأتي هذه القائمة ردًّا على قائمة طويلة من الرَّذائل الأثيمة ("أعمال الجسد") ترسم صورةً كئيبةً وبشعة للوجود الإنسانيِّ، مثل الغضب والانشقاق والحسد (غلاطية 5: 19-21). بمقابل هذه القائمة، "ثَمَرُ الرُّوحِ ... هُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ" (غلاطية 5: 22-23). لهذه القائمة المُقتضَبة تأثير مباشر على مُجمَل مَن نحنُ وما نعمله نحنُ المؤمنين. فبعضها فضائل تصف علاقتنا بالله (المحبَّة والفرح والسلام)، وبعضها تختصُّ بعلاقاتنا بالآخرين (الصبر واللطف والصلاح)، وأخرى تصف ميولنا الداخليَّة (الأمانة والوداعة والتعفُّف [ضبط النفس]). طبعًا ثمَّةَ تداخل كبير بين هذه الفئات، مع أنَّه من المفيد التفكير بأنَّ للفضائل المختلفة نواحيَ مختلفة ومتعدِّدة تشدِّد عليها.
وباختصار، يؤكِّد ثمِّر الروح القدس على الطرق التي بها نشعر ونفكِّر ونتكلَّم ونعمل، والتي تتميَّز وتختلف عن طرق العالم. لكنْ ربَّما المسألة الأكثر إلحاحًا من ماهيّة هذه الفضائل هي سؤالنا عن الكيفيَّة التي تعمل بها. وللإجابة عن هذا السؤال، علينا أن نتفحَّص عن قربٍ الكلمتين الرئيسيَّتَيْن المُستخدمتَيْن لوصف هذه النِّعَم: "الروح" و"ثمر".
أوَّلًا، وهو الأمر الأكثر أهمِّية، علينا أن نقدِّر أهمِّية أنَّ الرسول بولس يدعو هذه الصفات "ثمر الروح القدس". هذه حقائق واقعيَّة يُنتِجها الروح القدس فينا، وليست معايير يُتوقَّع منَّا أن نرتقيَ إليها بقوَّتنا أو بجهدنا. ليس ثمرُ الروح القدس قائمةً بما علينا أن نعمل. وليس مطالب الله من المؤمنين، بقدر ما هو إعلان الله للمؤمنين بشأنهم حين يكون لهم روح المسيح. بل ويظهر هذا الإعلان أكثر وضوحًا في الآيات التي تتبع ثمر الروح القدس، إذ يكتب الرسول بولس: "وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ" (غلاطية 5: 24). بكلماتٍ أخرى، ثمر الروح القدس دعوةٌ للتمتُّع بالانتصار الذي حقَّقه المسيح لأجلنا على الصليب، حيث هدم أعمال الجسد وأتى بنا لنشترك في قداسته. يُحيي الروح القدس في قلوب المؤمنين التقديس الذي لا يُوجَد إلا في المسيح. ويمكن لتفسير ثمر الروح القدس بأيَّة طريقة أخرى أن يقود إلى علاقةٍ مؤلمة وصعبة مع الله مبنيَّة على الأعمال. إنَّه ثمر الروح القدس لا أعمال المؤمن.
بالاعتماد على روح الله ووسائط النعمة سنتغيَّر، لأنَّ "الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحًا يُكَمِّلُ".
وتعلِّمنا صورة الثمر دروسًا مُهمَّة عن التقديس. أولًا، يجدر أن نلاحظ أنَّه حين يستخدم الرسول بولس صورة الثمر المجازيَّة فإنَّه يتجنب كلمة "أثمار"، إذ يستخدم الاسم الجمعيِّ، وهو اسمٌ مفردٌ في شكله لكن جمعٌ في معناه. ما الأمر اللافت هنا؟ كلُّ واحدة من النِّعَم الجميلة التي يزرعها الله ويشكِّلها فينا تختصُّ بكلٍّ أعظم، وهو التغيُّر لمشابهة ابن الله (رومية 8: 29). ولذا، فلن يكون هناك مؤمن يملك بعض هذه الفضائل بينما يكون بعيدًا عن بعضها الآخر. ومع أنَّنا نعرف أشخاصًا ربما يكونون أكثر حبًّا أو لُطفًا من آخرين، فإنَّ المؤمنين سيملكون كلَّ هذه النِّعَم بدرجةٍ ما لأنَّ لهم المسيح، الذي فيه تكتمل وتتحقَّق كلُّ هذه النِّعَم. فلا ننال مسيحًا جزئيًّا، بل مسيحًا كاملًا. ولذا، فقد يكون مفيدًا أن نفكِّر بهذه الفضائل لا بكونها جواهر منفصلة في تاج، بل بكونها وجوهًا مختلفة لجوهرة، بحيث يُضيف كلُّ وجهٍ وكلُّ زاويةٍ بريقًا وجمالًا إلى الجوهرة الواحدة. أن يكون لنا الروح القدس معناه أن يكون لنا المسيح (رومية 8: 9)، وأن يكون لنا المسيح معناه أن نصير أكثر شبهًا به، به كلِّه.
وهناك درسٌ آخر واحد على الأقلِّ نتعلَّمه من هذه الصورة. إنْ أردتَ أن تزرع تفَّاحًا فلن تزرع بذرًا في حديقتك اليوم، وتأتي في اليوم التالي راجيًا أن تجد بستانًا جاهزًا للقطاف. على المنوال نفسه، علينا ألا نتوقَّع نتائج مباشرة في تقديسنا، بل نموًّا مستمرًّا عبر الوقت. فينبغي لفكرة كون نِعَم الله ثمرًا في حياتنا أن ترسِّخ أمرين في المؤمن الجادِّ: النعمة والرجاء.
ينبغي أوّلًا أن نترفَّق بأنفسنا وبالمؤمنين الآخرين حين لا نرى ما يتوقَّعه الله مِنَّا. جميعُنا أعمالٌ تحت التنفيذ، إذْ نحنُ مدعوُّون إلى أن ننمو "فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (2بطرس 3: 18). وهذا الأمر يستغرق وقتًا. ثانيًا، ينبغي أن نكون ممتلئين بالتوقُّع والرجاء بأن ما نرى حياتنا تفتقر إليه سيُوضع في مكانه يومًا ما. بالاعتماد على روح الله ووسائط النعمة، حتمًا سنتغيَّر، لأنَّه يقول: "الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحًا يُكَمِّلُ" (فيلبِّي 1: 6). البذور التي يزرعها الله دائمًا تُثمِر. والثمر الذي يعتني به لا يموت أو يذبل على الكرمة.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.