ما هي الكلڤينيَّة؟ - خدمات ليجونير
ما هو ثمر الروح القدس؟
۱۹ سبتمبر ۲۰۲۵
ما هو ثمر الروح القدس؟
۱۹ سبتمبر ۲۰۲۵

ما هي الكلڤينيَّة؟

المُصطلح

الكلڤينيَّة مُصطلح لم يكن يروق لچون كالڤن، وكثيرًا ما يترك انطباعًا خاطئًا. ظهر هذا المُصطلح بوصفه إهانة من اللوثريِّين الذين كانوا يحاولون أن يفصلوا نفوسهم بشكل قاطع عن عقيدة اللاهوت المُصلَح في العشاء الربَّاني. ومع أنَّ كالڤن ابتعدَ عن هذا المُصطلح، مثلما احتجَّ مارتن لوثر على مُصطلح "اللوثريَّة"، فقد بقي مُستخدَمًا.

الكلڤينيَّة غير محصورة بلاهوت چون كالڤن. أولاً، هناك الكثير من لاهوت لوثر وهولدريخ زوينجلي (Huldrych Zwingli) يظهر في تعليم كالڤن، ثُمَّ كان هناك لاهوتيُّون آخرون ساهموا في ما يُدعى "الكلڤينيَّة،" منهم فيليپ ميلانكثون (Philip Melanchthon)، ومارتن بوسر (Martin Bucer)، وثيودور بيزا (Theodore Beza). ولذا، فإن مُصطلح "البروتستانتيَّة المُصلَحة" مُصطلح أدقُّ من مُصطلح "الكلڤينيَّة". ولكنْ لكون مُصطلح "الكلڤينيَّة" معروفٌ ومُستخدَم بصورة واسعة فإنَّه ما يزال نافعًا.

اللَّاهوت

تشمل العناصر الأساسيَّة في العقيدة الكلڤينيَّة سيادة الله الظاهرة في قدرته في الخلق وعنايته الإلهيَّة، وسلطة الكتاب المُقدَّس بوصفه مصدر الحياة كلها ومعيارها، وحقيقة خطيَّة الإنسان ومسؤوليَّتِهِ. وتتميَّز الكلڤينيَّة بتعليمها عن الدور الباقي للناموس في الحياة المسيحيَّة. ففي فكر كالڤن، لناموس الله، الذي يُلخَّص في الوصايا العشرة، معنى مستمر، ويُعتبَر قاعدة الحياة المسيحيَّة. وبفعل تشديد الكلڤينيَّة على شخص الروح القدس وعمله، فإنَّها تميِّز بين التبرير والتقديس، مع تأكيدها على ضرورة كليهما، وتؤكِّد على أهمِّيَّة حياة التقوى، والالتزام بالرحمة، والتفكير الدائم والمستمرِّ بالناموس والعدالة باعتبار هذه الأمور مؤشِّراتٍ وأدلَّةً على الإيمان المُخلِّص الحقيقيّ الذي به وحده نتبرَّر.

من الناحية الثقافيَّة، قادت الكلڤينيَّة (داخل الكنيسة) إلى مقاومة عبادة الصُّوَر والأيقونات باعتبارها تهديدًا للمناداة بكلمة الله، كما قادت (خارج الكنيسة) إلى تشجيع الفن والثقافة باعتبارهما وسيلةً لعبادة الله. التركيز على الكلمة لأجل أهمِّيَّتها في معرفة الله قاد إلى "ثقافة القراءة" الكلڤينيَّة في المدارس والبيوت والكنائس، وهذا الأمر بدوره جعل الكلڤينيَّة موطنًا لكثيرين من المفكِّرين عبر القرون. ينبع انفتاح الكلڤينيَّة على العلم من نظرة كالڤن إلى أنَّ الله مُعلَن في الخليقة. يساهم البحث العلمي في معرفة الله، وقد أعطى هذا الرأي زخمًا عظيمًا للجهود الأكاديميَّة.

تشمل العناصر الأساسيَّة في العقيدة الكلڤينيَّة سيادة الله الظاهرة في قدرته في الخلق وعنايته الإلهيَّة، وسلطة الكتاب المُقدَّس بوصفه مصدر الحياة كلها ومعيارها، وحقيقة خطيَّة الإنسان ومسؤوليَّتِهِ.

تُشير عبارة "كلڤينيَّة النقاط الخمس" (Five-point Calvinism) إلى العقائد الخمسة التي صِيغت في السنودس المُصلَح الذي عُقد في مدينة دوردريخت الهولنديَّة (1618-1619؛ وتُدعى عادةً "دورت")، وهي: الفساد الكلِّي، الاختيار غير المشروط، الكفَّارة المحدودة، النعمة التي لا تُقاوَم، مثابرة المؤمنين وثباتهم. في الإنجليزيَّة تُجمَع هذه العقائد معًا في اللفظة الأوائليَّة TULIP. ولكن يمكن أن يُساء فهم العقيدة الثالثة، "الكفارة المحدودة". لم يكن عمل المسيح الكفَّاري محدودًا في قوَّته، فهو يفتدي كلَّ الذين يعمل فيهم. ولكنَّ عددَ الناس الذين ينتفعون من هذه الكفارة مُحدَّد، إذ هو مُقدَّم لِمَنْ لديهم إيمان خلاصيٌّ أصيل، الذين هم "مختارو" الله. الأمر الأهمُّ هو أنَّ لاهوت كالڤن والكلڤينيَّة أوسع بكثير من هذه النقاط الخمس. وفي الحقيقة، ليس التعيين المُسبَق هو الموضوع المركزيّ في الكلڤينيَّة، إذ مجدُ الله هو الموضوع الذي يمثِّل مركز الكلڤينيَّة.

أسلوب الحياة

قادت نظرة الكلڤينيَّة بشأن التبرير والتقديس وممارسة التأديب الكنسيِّ إلى أسلوب حياةٍ يشكِّله الكتاب المُقدَّس عند الكلڤينيِّين. وقد أدَّى مبدأ "الكتاب المُقدَّس وحده" ودور الناموس إلى نظامٍ كنسيٍّ يؤكِّد على أهمِّيَّة الوعظ، والحاجة إلى التأديب الكنسيِّ، والتفريق بين السلطات المدنية وإدارة الكنيسة. ويؤدِّي فهم وحدة الكتاب المُقدَّس إلى تطابُقٍ قويٍّ بين الكنيسة وإسرائيل في العهد القديم. يظهر هذا التطابُق في الميل إلى استخدام سفر المزامير في الوعظ وليتُرجيَّة العبادة. وقد عزَّز ترنيم هذه المزامير هذا التطابُق بسبب سمةٍ أخرى من سِمات الكلڤينيَّة، وهي موضوع الارتحال. فالموقف الذي يُعبَّر عنه بالقول: "ليس هذا العالم وطنَنا؛ إننا فقط عابرون فيه" يقلِّل من تأثير النزعة القوميَّة والمادِّيَّة، ويحفِّز قِيَم العمل والخدمة.

الانتشار

يمكن لانتشار الكلڤينيَّة في القرن السادس عشر أن يُوصَف بأنَّه مُثير للإعجاب من ناحية الوقت والمدى، ولهذا الوصف ما يبرِّره. فبحلول عام 1554، كان هناك حوالي نصف مليون مسيحي مُصلَح في أوروبا، ولكنْ مع بدايات القرن السابع عشر، وصل عددهم إلى حوالي عشرة ملايين. كان للكلڤينيَّة منذ البداية توجُّهٌ دوليٌّ، ومنذُ ذلك الحين وما زالت تحتفظ بهذا التوجُّه. ومن أهمِّ العوامل التي ساهمت في هذا الانتشار السريع والكبير "أكاديميِّة كالڤن" (Calvin’s Academy) في مدينة چنيڤ وجامعتا هيدلبيرغ (Heidelberg University) وليدن (Leiden University)، ومؤسَّسات أكاديميَّة مُصلَحة أخرى كان اللاهوتيُّون والمحامون والحكُّام من كلِّ أنحاء أوروبا يدرسون فيها. كان للكلڤينيَّة تأثير هائل على المجتمع الغربي، كما أثَّرت بالتطوُّرات الحادثة في الكنيسة واللاهوت في أمِريكا الشمالية، والشرق الأقصى (أندونيسيا، وجنوب كوريا، واليابان) وجنوب أفريقيا. وكان للكلڤينيَّة تأثير كبير في مجالات علم الاجتماع والسياسة والاقتصاد والقانون. فمثلًا، وضع كالڤن نظريَّةً في الحقِّ الكتابيِّ باسترداد سعر الفائدة، التي أعطت زخمًا للتجارة. ولكنَّ الكلڤينيَّة كانت مؤثِّرةً عبر القرون بصورة أساسيَّة في الكنيسة وفي اللاهوت.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

هِرمان سِلدِرهاوس
هِرمان سِلدِرهاوس
الدكتور هِرمان سِلدِرهاوس (Herman Selderhuis) أستاذ تاريخ الكنيسة في "جامعة أبيلدورن اللاهوتيَّة" (Theological University Apeldoorn) في هولندا، ورئيس "ائتلاف البحث في الإصلاح" (Reformation Research Consortium)، ورئيس "الأكاديميَّة الدينيَّة الأوروبيَّة" (European Academy of Religion). وهو مؤلِّف عِدَّة كتب، منها "چون كالڤن: حياة سائح" (John Calvin: A Pilgrim’s Life)، و"مارتن لوثر: سيرة حياتيَّة روحيَّة" (Martin Luther: A Spiritual Biography).