
ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر الرؤيا
۷ أغسطس ۲۰۲۵
ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر صفنيا
۱۵ أغسطس ۲۰۲۵ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر أستير

لا يذكر سفر أستير اسم الله بصورةٍ مباشرة. وفي الحقيقة، تخلو القصة من أيّة إشارة إلى الدِّين أو التقوى. لا تبدو الشخصيّات الرئيسية يهودًا ملتزِمين وأمناء مهتمّين بصورة كبيرة بحفظ عهد الله. فماذا نستطيع أن نتعلَّم عن الله وطرقه في مثل هذا السفر؟
برغم محبّتي لأستير وقصّتها (واسم إحدى بناتي "هَدَسّة"، الاسم العبري اليهودي لأستير)، ينبغي أن أعترف أنّني في أحيانٍ عديدة بينما أقرأ هذه القصّة، أتوقَّف متسائِلًا بشأن ماذا كان المصدرُ الحقيقيُّ للرجاء عند أستير ومردخاي، وهل كانت أعمالهم تعكس الإيمان الموصوف في عبرانيّين 11. وعلى الرغم من هذه الانطباعات الأوّليّة، فإنّه عند تفحُّص السفر عن قرب أرى أنّ سفر أستير يعلِّمنا حقائق لاهوتيّة غنيّة يمكنها أن تُنعِش وتنشِّط الحياة المسيحيّة. وفي ما يلي ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر أستير.
1. أمانة الله العهدية: سفر أستير قصّة مليئة بالترقُّب بشأن الاستئصال الوشيك لوعود عهد الله.
حدثت قصّة استير في مكانٍ بعيدٍ جدًّا من أرض الموعد. كان بعضٌ من شعب إسرائيل قد عاد من السبي إلى أورشليم بعد مرسوم كورش عام 539 ق.م. (انظر عزرا 1: 1-4). ولكنّ آخرين قرَّروا البقاء في بلاد فارس. وفور البدء بقراءة السّفر يتعرَّف القارئ إلى واحدةٍ من هؤلاء اليهود الذين بقوا في فارس. ارتقت هذه الفتاة بسرعة إلى مكانةٍ عالية في الحياة الفارسيّة، إذ صارت ملكةً بعد أن تعرَّض الملك الفارسيّ للإحراج بفعل وقاحة زوجته السابقة.
وبمهارةٍ عالية في حكاية القصّة تنسجُ خيوطًا من التوقُّع والمفارقة والسخرية، يسجِّل الكاتب كيف أشعلت بادرةٌ غير كلامية بسيطة خلافًا شخصيًّا عظيمًا بين رجلين (هامان العماليقيّ ومردخاي اليهوديّ). وكاد هذا النزاع أن يؤدّي إلى إبادة شعب عهد الله (وبالتالي تعطِّل وعوده) بجريمة إبادة صادَقت عليها الحكومة. وبنوبة فقدان ذاكرة أُصيب بها ملكٌ أحمق وفطنة سريعة لملكةٍ ساومت أخلاقيًّا فقط انقلبت الحال في آخر لحظة. وانتهى الأمر بقائد عمليّة الإبادة الجماعيّة مُعلَّقًا على عامود المشنقة الذي كان قد نصبه لعدوّه، مردخاي، ونجا اليهود من الإبادة.
السفر أشبه بروايةٍ تمتلئ بعنصر الترقُّب، وإن لم تكن قد قرأتَ القِصّة في جلسةٍ واحدة، فأنا أشجِّعك على أن تعمل هذا. وتعلِّمنا عطفات الحبكة شيئًا بالغ الأهمّيّة: الله ملتزِم تجاه حفظ وعود عهده لإبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولا يمكن لأيِّ دميةٍ بيد الشيطان، سواء كان فرعون أو آخاب أو أبشالوم أو نبوخذنصّر أو هامان، أن يحبِط أو يبطِل التزام الله تجاه عهده بأنْ يحفظ شعبًا لنفسه.
2. عناية الله غير المرئيّة: سفر أستير صامتٌ بشأن الله ليعلِّمنا بصوتٍ عالٍ شيئًا عن الله.
تُظهِر "الوشيكات" الساخرة في سفر أستير، بصورةٍ روائيّة، أعمالَ عناية الله، التي يصفها "دليلُ أسئلة وأجوبة هايدلبرج" بما يلي:
[العناية الإلهيّة] هي قدرة الله الضابطة والحاضرة في كلّ مكانٍ وزمان، التي بها يحمل الله بيده السماء والأرض وكلّ المخلوقات ويسود عليها، بحيث أنّ النباتات والعشب، والمطر والجفاف، والسنين المثمرة والسنين القاحلة، والطعام والشراب، والصحّة والمرض، والغنى والفقر، وكلَّ شيءٍ إنّما يأتينا لا صدفةً بل من يده الأبويّة. (السؤال والجواب 27)
قد يبدو أن كلّ شيءٍ في سفر أستير يحدث بالصدفة، ولكنّ القارئ ذا الذهن السماويّ سيقدّر ويدرك وجود كاتب رائع يدير كلّ الأمور لخير شعب عهده، الذين يُحبّونه والمدعوّين بحسب مقاصده (رومية 8: 28). ليس في عناية الله صدَفٌ. فكلّ حدثٍ في سفر أستير يصرخ مُعلِنًا عناية الله الصامتة وغير المرئيّة، العناية التي تحكم وتدير كلّ خلائقه وكلّ أعمالهم وتصرفّاتهم (إقرار إيمان وستمنستر 11). يعلِّمنا صمت الله في هذا السفر درسًا بالغ الأهمّيّة: إدارة وحفظ الله القدير لكلّ خلائقه أكثر صمتًا ممّا يمكننا تجاهلهما. فليس من شيءٍ يقعُ خارج نطاق عنايته، حتّى إنْ كُنّا لا نستطيع رؤية كاتب القصّة وهو يدير ويُخرِج مسرحيّتَه.
3. إصرار الله على اختيار شعبٍ ضعيف: لا يجيب سفر أستير عن الكثير من الأسئلة الأخلاقيّة بشأن شخصيّاته الرئيسيّة، الذين هم شعب عهد الله.
بصورة تتوافق مع أسلوب القصّة العبريّة، يسرد كاتب سفر استير أحداثًا من دون إعطاء تقييمٍ لكلِّ عمل. كثيرًا ما قاد هذا إلى امتداح شخصيّتَي السفر الرئيسيَّتَين، أستير ومردخاي، بوصفهما نموذجين أخلاقيّين وبطلَي إيمان. ولكنّ القصّة مُكدَّرةٌ بخليطٍ فوضويّ من الخوف والإيمان، ولا يستطيع القارئ أن يميّز دائمًا بين هذين العنصرين في أحداث القصّة. ثمة كثير من الأسئلة التي تبقى بلا إجابة تتعلق بشخصية أستير ومردخاي وأفعالهما. وتشمل بعض هذه الأمور الغامضة غير المجاب عنها الأسئلة التالية:
- لماذا لم يعُد مردخاي وأستير إلى وطنهما (أستير 2: 5)؟
- هل كانت أستير غير مبالية بقوانين الطعام التي أقرَّها الربُّ، أم أنّها ببساطة كانت ضحيّة غير مُذنبةٍ لظروفها (أستير 2: 9)؟
- لماذا نصح مردخاي أستير بألّا تُعلِن هويتها وإرثها الدينيّين (أستير 2: 10، 20)؟
- لماذا لم يحتجّ مردخاي، بل سمح بأن تؤخَذ ابنةُ أخيه إلى قصر الملك (أستير 2: 8)، وإلى غرفة ملكٍ وثنيّ مُطلَّقٍ حديثًا (أستير 2: 15-18)؟
- هل كان رفض مردخاي أن يسجد لهامان، ممّا قاد إلى عواقب هائلة، أمرًا تافهًا أم موقفًا نمَّ عن أمانة (أستير 3: 2)؟
- هل كانت أستير تتصرَّف بأنانيّة أم بحكمة حين رفضت في البداية أن تتوسَّل إلى الملك لأجل شعبها (أستير 4: 10-11)؟
- هل هدَّد مردخاي أستير، حين رفضت في البداية طلبه بأن تتوسّل إلى الملك لإنقاذ شعبه، بأن يفضحها، وهي ابنة أخيه، أم أنّه كان يوجِّه تحذيرًا لطيفًا (أستير 4: 12-14)؟
- هل كانت أستير فطنةً بصورة مخادعة أو بصورة صالحة في دعواتها الملك وهامان إلى الوليمة (أستير 5: 4-8)؟
- هل كانت أستير تنتقم بقسوة أم تستغلّ الفرص (وهي مُبرَّرة في ذلك) في طلبها بأن يقتل اليهود ثلاث مئة رجل آخر ويعلِّقوا أبناء هامان العشرة على مشانق (أستير 9: 13-15)؟
مع أنّ هذه الأسئلة تبدو مشكلاتٍ لا يمكن حلّها أو تجاوزها، إذْ كيف لشعب الله، الذين يلعبون دورًا مهمًّا في تاريخ الفداء، أن يظهر فيهم مثل هذا الغموض الأخلاقيّ؟ - فإنّ هذه الأسئلة تسلّط الضوء على أخبارٍ مُسرّة ومُرحَّب بها بأنَّ خلاص الله لا يعتمد في النهاية على أمانة شعبه أو عدم أمانته. فالله أمين وملتزِم تجاه وعود عهده لأجل اسمه (انظر إشعياء 48: 9-11؛ حزقيال 20: 44). تنفِّذ أستير ومردخاي، بأعمالهما الأثيمة والمخيفة وبأعمالهما البارّة الأمينة، خطّة الله الثابتة التي لا يمكن إحباطها، القاضية بالإحسان إلى صهيون (مزمور 51: 18). هذا هو المعنى الحقيقيّ لهذه القِصّة، قصّة هَدَسّة. ومع أنّ معنى اسمها العبريّ "شجرة الآس" التي لا تعمل كلَّ الأمور بصورة صحيحة، فقد كانت الملكة أستير أداة الربّ للحفاظ على بركات عهده وتنفيذ مقاصد عنايته الإلهيّة. هذه الحقيقة واضحةٌ بلا أدنى غموض في قصّة أستير.
هذه المقالة هي جزء من سلسلة "ثلاث حقائق يجب أن تعرفها".
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.