المحاضرة 1: الْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ

خِلالَ خِدْمَةِ يَسُوعَ عَلَى الأَرْضِ، يُخْبِرُنَا الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِأَنَّهُ خَاضَ كَثِيرًا فِي بَعْضِ الْجِدالاتِ الْجَادَّةِ، وَأَحْيَانًا فِي خِلافَاتٍ مَرِيرَةٍ مَعَ الْكَثِيرِ مِنْ مُعَاصِرِيهِ مِنَ الْمُجْتَمَعِ الْيَهُودِيِّ. وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ الصَدُّوقِيِّينَ وَالْفَرِّيسِيِّينَ كَانُوا الأَكْثَرَ عَدَاءً تُجَاهَ يَسُوعَ، كَمَا نَقْرَأُ فِي إِنْجِيلِ مَتَّى. لَكِنْ، رُبَّمَا كَانَ أَكْثَرُ سِفْرٍ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ يَعْرِضُ صُورَةً وَاضِحَةً لِهَذِهِ النِزَاعَاتِ بَيْنَ يَسُوعَ وَمُعَاصِرِيهِ هُوَ إِنْجِيلُ يُوحَنَّا. فَكَثِيرًا مَا أَشَارَ يُوحَنَّا إِلَى الْيَهُودِ فِي إِطَارٍ سَلْبِيٍّ نَوْعًا مَا.

نَقْرَأُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ النِزَاعَاتِ بَيْنَ يَسُوعَ وَمُعَاصِرِيهِ فِي الأَصْحَاحِ التَاسِعِ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا -عَفْوًا- فِي الأَصْحَاحِ الثَامِنِ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا. فَفِي الآيَةِ 31 مِنْ يُوحَنَّا الأَصْحَاحِ 8، نَقْرَأُ مَا قَالَهُ يَسُوعُ لِمُعَاصِرِيهِ مِنَ الْيَهُودِ الَذِينَ قَبِلُوهُ وَتَبِعُوهُ. قَالَ يَسُوعُ لأُولَئِكَ الْيَهُودِ الَذِينَ آمَنُوا بِهِ: "إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلَامِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلَامِيذِي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ".

هَذَا الْوَعْدُ الإِيجَابِيُّ الَذِي قَطَعَهُ يَسُوعُ لِلَّذِينَ قَبِلُوهُ يَبْدُو عَادِيًّا نَوْعًا مَا بِحَسَبِ الظَاهِرِ. وَمِنَ الصَعْبِ أَنْ نَتَخَيَّلَ سَبَبَ اسْتِيَاءِ أَيِّ شَخْصٍ مِنْ وَعْدٍ رَائِعٍ كَهَذَا. "إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلَامِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلَامِيذِي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ". لَكِنَّ الْجُزْءَ الأَخِيرَ مِنْ هَذَا الْوَعْدِ هُوَ الَذِي أَثَارَ كُلَّ هَذِهِ الْمقَاوَمَةِ مِنْ أَعْدَائِهِ.

نَقْرَأُ فِي الآيَةِ 33: "أَجَابُوهُ: "إِنَّنَا ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ نُسْتَعْبَدْ لِأَحَدٍ قَطُّ! كَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: إِنَّكُمْ تَصِيرُونَ أَحْرَارًا؟"" نَرَى إِذَنْ أَنَّ مَا اعْتَرَضُوا عَلَيْهِ فِي كَلامِ يَسُوعَ هُوَ أَنَّهُمْ سَيَتَحرَّرُونَ بِشَكْلٍ مَا، لأَنَّ تَحْرِيرَ أَحَدِهِمْ يَفْتَرِضُ وُجُودَ نَوْعٍ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ سَابِقٍ لِلتَحْرِيرِ.

مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُ أُنَاسًا كَانُوا فِي تِلْكَ اللَحْظَةِ مَسْجُونِينَ، بَلْ كَانَ يُكَلِّمُ أُنَاسًا يَتَجَوَّلُونَ بِحُرِّيَّةٍ فِي الْخَارِجِ. وَبِحَسَبِ الْمَظَاهِرِ الْخَارِجِيَّةِ، كَانُوا أَحْرَارًا. لَكِنْ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ إِنَّهُ سَيُحَرِّرُهُمْ، مُفْتَرِضًا بِذَلِكَ أَنَّهُمْ، قَطْعًا، وَبِشَكْلٍ مَا، لَمْ يَكُونُوا أَحْرَارًا بَعْدُ. فَجَاءَ رَدُّ خُصُومِهِ كَالآتِي: "بما أنَّنَا ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ نُسْتَعْبَدْ لِأَحَدٍ قَطُّ! كَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: إِنَّكُمْ تَصِيرُونَ أَحْرَارًا؟ أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. وَالْعَبْدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الْأَبَدِ، أَمَّا الِابْنُ فَيَبْقَى إِلَى الْأَبَدِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الِابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا. أَنَا عَالِمٌ أَنَّكُمْ ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ. لَكِنَّكُمْ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي لِأَنَّ كَلَامِي لَا مَوْضِعَ لَهُ فِيكُمْ. أَنَا أَتَكَلَّمُ بِمَا رَأَيْتُ عِنْدَ أَبِي، وَأَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مَا رَأَيْتُمْ عِنْدَ أَبِيكُمْ". أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: "أَبُونَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ". قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "لَوْ كُنْتُمْ أَوْلَادَ إِبْرَاهِيمَ، لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ! وَلَكِنَّكُمُ الْآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي، وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ. هَذَا لَمْ يَعْمَلْهُ إِبْرَاهِيمُ. أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ"".

تَبَاهَى هَؤُلاءِ بِتُرَاثِهِمْ. فَهُمْ ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ. وَبِحَسَبِ اعْتِقَادِهِمْ، بِمَا أَنَّهُمْ ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ، فَهُمْ وَرَثَةٌ لِكلِّ وُعُودِ عَهْدِ اللهِ، وَلِذَلِكَ، فَهُمْ لَيْسُوا مُضْطَرِّينَ لِلدِفَاعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ. لَكِنَّ يَسُوعَ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُمْ عَبِيدٌ، بِحَاجَةٍ إِلَى تَحْرِيرٍ. وَأَدْلَى بِهَذَا التَعْلِيقِ الصَادِمِ: "كُلُّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ".

دَعُونِي أُخْبِرُكُمْ فِي بِدَايَةِ دِرَاسَتِنَا لِحُرِّيَّةِ الإِرَادَةِ بِأَنَّهُ مِنْ بَيْنِ كُلِّ مَا عَلَّمَهُ يَسُوعُ خِلالَ حَيَاتِهِ، أَكْثَرُ فِكْرَةٍ لا يُؤْمِنُ بِهَا الْعَالَمُ الْحَدِيثُ، وَلا تَحْظَى بِقُبُولٍ لَيْسَ فَقَطْ لَدَى الْعَالَمِ الْوَثَنِيِّ، بَلْ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ لَدَى كَنِيسَةِ هَذَا الْعَصْرِ أَيْضًا، هِيَ فِكْرَةُ أَنَّنَا بِالطَبِيعَةِ عَبِيدٌ لِلْخَطِيَّةِ.

يُثِيرُ ذَلِكَ جَدَلًا ضَخْمًا حَوْلَ طَبِيعَةِ الإِنْسَانِ، وَطَبِيعَةِ الْحُرِّيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَطَبِيعَةِ حُرِّيَّةِ الإِرَادَةِ. وَفِي هَذِهِ الدِرَاسَةِ، سَنُلْقِي نَظْرَةً عَلَى الْجِدَالاتِ التَارِيخِيَّةِ الَتِي نَشَأَتْ دَاخِلَ الْكَنِيسَةِ وَخَارِجَهَا، حَوْلَ مَسْأَلَةِ حُرِّيَّةِ الإِرَادَةِ بِرُمَّتِها. لَكِنْ أَوَدُّ الْقَوْلَ إِنَّ الْخَلْفِيَّةَ الْمُبَاشِرَةَ لِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ تَكْمُنُ فِي ذَلِكَ النِزَاعِ الَذِي وَقَعَ فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ بَيْنَ رَبِّنا وَخُصُومِهِ.

مِنَ الأُمُورِ الَتِي نُلاحِظُهَا عَلَى الْفَوْرِ بِشَأْنِ الَذِين اعْتَرَضُوا عَلَى تَقْيِيمِ يَسُوعَ لِلْحَالَةِ الْبَشَرِيَّةِ، هُوَ أَنَّهُ عَلَى الرَغْمِ مِنِ انْتِمَائِهِمْ إِلَى تُرَاثِ إِسْرَائِيلَ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَنَوَالِهِمْ امْتِيازَ مَعْرِفَةِ الإِعْلَانِ الإِلَهِيِّ الَذِي وَصَلَ إِلَيْهِمْ عَبْرَ صَفَحَاتِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَتَلقِّيهِمْ التَعْلِيمَ التَارِيخِيَّ عَنْ سُقُوطِ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ، فَإِنَّ الْمُعْتَقَدَ الَذِي تَبَنَّوْهُ فِي تِلْكَ الْمَرْحَلَةِ مِنَ التَارِيخِ انْطَوَى عَلَى فَهْمٍ وَثَنِيٍّ عَنِ الإِنْسَانِ. كَانَ هَذَا شَكْلًا مُبَكِّرًا مِنَ الْفَلْسَفَةِ الإِنْسَانَوِيَّةِ، الَتِي تَتَبَنَّى نَظْرَةً تَعْظِيمِيَّةً عَنِ الصَلاحِ الدَاخِلِيِّ، وَالْفِطْرِيِّ، وَالرَاسِخِ لِلطَبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ. وَلَمْ يَتَصَوَّرْ هَؤُلاءِ أَنَّهُمْ فِعْلِيًّا عَالِقُونَ أَوْ أَسْرَى لِسُلْطَانِ الْخَطِيَّةِ الَتِي تَسْتَعْبِدُهُمْ.

وَهَذَا النِزَاعُ الَذِي خَاضَهُ يَسُوعُ هُنَا عَانَتْ مِنْهُ الْمَسِيحِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ فِي كُلِّ الْقُرُونِ مُنْذُ أَيَّامِ يَسُوعَ. فَالنَظْرَةُ السَائِدَةُ فِي مُجْتَمَعِنَا الْيَوْمَ عَنِ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ هِيَ نَظْرَةٌ إِنْسَانَوِيَّةٌ، تَتَبَنَّى مَفْهُومًا وَثَنِيًّا عَنِ الطَبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ. فَإِذَا رَاجَعْتُمْ الاسْتِفْتَاءَاتِ، وَقَرَأْتُمُ التَحْلِيلاتِ، وَاسْتَمَعْتُمْ إِلَى افْتِرَاضَاتِ الْمُعَلِّقِينَ الْعَصْرِيِّينَ، سَتَجِدُونَ أَنَّ الْجَمِيعَ يُقِرُّونَ بِوُجُودِ خَطْبٍ مَا، وَبِأَنَّ لا أَحَدَ كَامِلٌ، وَبِأَنَّنَا نُخْطِئُ جَمِيعًا إِلَى حَدٍّ مَا. وَنَسْمَعُ أَنَّ "الْخَطَأَ هُوَ سِمَةُ الْبَشَرِ". لَكِنَّ الْفَرَضِيَّةَ الأَسَاسِيَّةَ لِلإِنْسَانَوِيَّةِ هِيَ أَنَّهُ بِغَضِّ النَظَرِ عَنْ كَثْرَةِ تَعَثُّرِنَا وَسُقُوطِنَا فِي الإِثْمِ، أَوْ فِي شَتَّى أَنْوَاعِ الشُرُورِ، فَالشَرُّ الَذِي يُؤَثِّرُ فِينَا يَأْتِي فِعْلِيًّا مِنْ خَارِجِ قُلُوبِنَا، وَنَحْنُ، فِي جَوْهَرِنَا، صَالِحُونَ.

فِي الْعَامِ الْمَاضِي، أُجْرِيَ اسْتِطْلاعٌ لِلرَأْيِ بَيْنَ الْمَسِيحِيِّينَ الإِنْجِيلِيِّينَ. وَنَحْوَ ثُلْثَيْ الَذِينَ طُرِحَ عَلَيْهِمِ السُؤَالُ: "هَلْ تُؤْمِنُ بِأَنَّ الإِنْسَانَ صَالِحٌ فِي جَوْهَرِهِ؟" رَدُّوا بِالإِيجَابِ. فِي رَأْيِي، هَذَا مُهِمٌّ، لأَنَّ الإِنْجِيلِيِّينَ هُمْ أَكْثَرُ مَنْ شَجَبُوا التَأْثِيرَ الْوَثَنِيَّ لِمَا يُسَمَّى بِالإِنْسَانَوِيَّةِ الْعِلْمَانِيَّةِ. وَكُلُّ شُرُورِ الْمُجْتَمَعِ الْحَدِيثِ نُسِبَتْ إِلَى الإِنْسَانَوِيِّينَ الْعِلْمَانِيِّينَ. وَالْمَعْرَكَةُ الْقَائِمَةُ الْيَوْمَ بَيْنَ الْمَسِيحِيَّةِ الإِنْجِيلِيَّةِ وَالإِنْسَانَوِيَّةِ الْعِلْمَانِيَّةِ وَاضِحَةٌ، وَأَظُنُّ أَنَّنَا جَمِيعًا عَلَى دِرَايَةٍ بِهَا. لَكِنَّ الْمُفَارَقَةَ هِيَ أنَّ هَذَا الاسْتِطْلاعِ لِلرَأْيِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَالِبِيَّةَ مَنْ يُسَمَّوْنَ بِالإِنْجِيلِيِّينَ، وَيَشْجُبُونَ التَأْثِيرَ الْوَثَنِيَّ لِلإِنْسَانَوِيَّةِ الْعِلْمَانِيَّةِ، يَعْتَنِقُونَ بِالْفِعْلِ الإِنْسَانَوِيَّةَ الْعِلْمَانِيَّةَ، وَيَرْضَخُونَ لَهَا فِي عَقِيدَتِهِمْ عَنِ الإِنْسَانِ. فَقَدْ تَأَثَّرْنَا بِنَظْرَةٍ وَثَنِيَّةٍ إِنْسَانَوِيَّةٍ عَنِ الإِنْسَانِ، وَلا سِيَّمَا فِي سَعْيِنَا نَحْوَ فَهْمِ قُوَّةِ حُرِّيَّتِنَا الأَخْلَاقِيَّةِ. بِتَعْبِيرٍ آخَرَ، نَحْنُ نَعِيشُ فِي زَمَنٍ أُعْلِيَ فِيهِ مِنْ شَأْنِ حُرِّيَّةِ الإِرَادَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ، لِدَرَجَةِ أَنَّ مَفْهُومَ حُرِّيَّةِ الإِرَادَةِ السَائِدَ عَلَى مُعْظَمِ فِكْرِنَا، لَيْسَ مَفْهُومًا يَأْتِينَا مِنْ صَفَحَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، بَلْ هُوَ نَظْرَةٌ عَنِ الْحُرِّيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ تَكْمُنُ جُذُورُهَا فِي الْفِكْرِ الْوَثَنِيِّ وَالإِنْسَانَوِيِّ.

إِنَّ مَسْأَلَةَ حُرِّيَّةِ الإِرَادَةِ مَسْأَلَةٌ لاهُوتِيَّةٌ تَظْهَرُ فِي عِدَّةِ سِينَارْيُوهَاتٍ وَقَرَائِنَ، كُلَّمَا تَحَدَّثْنَا عَنْ عِلْمِ اللَاهُوتِ. لَكِنْ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ، تَتَعَلَّقُ حُرِّيَّةُ الإِرَادَةِ بِمَسْأَلَتَيْنِ لاهُوتِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، لَكِنَّهُمْا مُتَّصِلَتَانِ. وَإِذَا أَرَدْنَا تَناوُلَ مَسْأَلَةِ حُرِّيَّةِ الإِرَادَةِ، سَيَكُونُ الأَمْرُ أَشْبَهَ بِخَوْضِ حَرْبٍ عَلَى جَبْهَتَيْنِ، أَوْ قَاعِدَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ. الْجَبْهَةُ الأُولَى تَتَعَلَّقُ بِعَلاقَةِ حُرِّيَّةِ الإِرَادَةِ بِسِيَادَةِ اللهِ. كَيْفَ نَفْهَمُ سِيَادَةَ اللهِ وَمَسْؤُولِيَّتَنَا بِصِفَتِنَا كَائِنَاتٍ أَخْلَاقِيَّةً حُرَّةً؟ سَنَتَطَرَّقُ إِلَى هَذَا الْمَوْضُوعِ فِي إِيجَازٍ إِلَى حَدٍّ مَا بَعْدَ قَلِيلٍ. أَمَّا الْقَضِيَّةُ الأُخْرَى الَتِي تَبْرُزُ، وَالَتِي تَتَعَلَّقُ بِحُرِّيَّةِ الإِرَادَةِ، فَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِعَلاقَةِ حُرِّيَّتِنَا بِسُقُوطِ آدَمَ وَحَوَّاءَ. فَكَيْفَ يُمْكِنُ فَهْمُ حُرِّيَّةِ إِرَادَتِنَا فِي ضَوْءِ الْعَقِيدَةِ اللَاهُوتِيَّةِ لِلْخَطِيَّةِ الأَصْلِيَّةِ؟

دَعُونِي أُذَكِّرُكُمْ، بِشَكْلٍ عَابِرٍ، بِأَنَّ عَقِيدَةَ الْخَطِيَّةِ الأَصْلِيَّةِ لَيْسَتْ عَقِيدَةً تَصِفُ حَدَثَ ارْتِكَابِ آدَمَ وَحَوَّاءَ خَطِيَّتَهُمْا الأُولَى، وَإِنَّمَا تُشِيرُ عَقِيدَةُ الْخَطِيَّةِ الأَصْلِيَّةِ إِلَى عَوَاقِبِ السُقُوطِ، وَإِلَى نَتِيجَةِ خَطِيَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ. وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِمَا إِذَا كُنَّا قَدْ وَرِثْنَا مِنْ أَبَوَيْنَا الأَوَّلَيْنِ طَبِيعَةً بَشَرِيَّةً فَاسِدَةً.

نَعْلَمُ أَنَّ شَتَّى أَنْوَاعِ الْعَقَائِدِ اللاهُوتِيَّةِ تَتَنَافَسُ لِتَلْقَى قُبُولًا فِي عَالَمِنَا، وَفِي الْكَنِيسَةِ -وَكَذَلِكَ شَتَّى أَنْوَاعِ الطَوَائِفِ- لَكِنْ فِعْلِيًّا كُلُّ كَنِيسَةٍ فِي مَجْلِسِ الْكَنَائِسِ الْعَالَمِيِّ تُدْرِجُ ضِمْنَ قَانُونِ أَوْ إِقْرَارِ إِيمَانِهَا عَقِيدَةً عَنِ الْخَطِيَّةِ الأَصْلِيَّةِ. لا تَتَّفِقُ كُلُّ الْكَنَائِسِ مَعًا عَلَى كُلِّ نُقْطَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَدَى، أَوْ شِدَّةِ، أَوْ نِطَاقِ الْخَطِيَّةِ الأَصْلِيَّةِ، لَكِنَّهَا عَلَى الأَقَلِّ تَتَّفِقُ مَعًا عَلَى وُجُودِ مَا يُسَمَّى بِالْخَطِيَّةِ الأَصْلِيَّةِ، وَعَلَى أَنَّنَا لَسْنَا الْيَوْمَ فِي الْحَالَةِ الأَخْلَاقِيَّةِ نَفْسِها الَتِي خُلِقَ بِهَا آدَمُ وَحَوَّاءُ، بَلْ قَدْ وَقَعَ خَطْبٌ مَا، وَنَحْنُ جُزْءٌ مِنْ بَشَرِيَّةٍ سَاقِطَةٍ.

وَأَعْتَقِدُ أَنَّ السَبَبَ الَذِي دَفَعَ كُلَّ كَنِيسَةٍ عَبْرَ التَارِيخِ إِلَى صِيَاغَةِ عَقِيدَةٍ عَنِ الْخَطِيَّةِ الأَصْلِيَّةِ، هُوَ أَنَّنَا لا نَسْتَطِيعُ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَأَخْذَهُ عَلَى مَحْمَلِ الجِدِّ، دُونَ أَنْ نَقِفَ أَمَامَ تَعْلِيمِهِ المُتَكَرِّرِ عَنْ وُجُودِ مُشْكِلَةِ فَسَادٍ طَبِيعِيٍّ دَاخِلَ نُفُوسِنَا وَقُلُوبِنَا. وَالسُؤَالُ إِذَنْ هُوَ: إِلَى أَيِّ مَدًى أَثَّرَ السُقُوطُ فِيمَا نُسَمِّيهِ بِإِرَادَتِنَا الْحُرَّةِ؟ وَمُجَدَّدًا، الْقَضِيَّتَانِ الْمُخْتَلِفَتَانِ هُمَا مِنْ نَاحِيَةٍ، عَلاقَةُ حُرِّيَّةِ الإِرَادَةِ بِسِيَادَةِ اللهِ - وَهَذَا يَخُصُّ مَسْأَلَةَ التَعْيِينِ الْمُسْبَقِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ. وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، عَلاقَةُ حُرِّيَّةِ الإِرَادَةِ بِطَبِيعَتِنَا الْبَشَرِيَّةِ السَاقِطَةِ.

مُجَدَّدًا، عِنْدَمَا نَتَحَدَّثُ عَنْ حُرِّيَّةِ الإِرَادَةِ، أَوْ عَنْ قُوَّةِ إِرَادَةِ الإِنْسَانِ، نُدْرِكُ أَنَّ هُنَاكَ الْعَدِيدَ مِنْ نَظَرِيَّاتِ عِلْمِ الْكَوْنِيَّاتِ وَعِلْمِ الإِنْسَانِ الَتِي يُمْكِنُ إِدْرَاجُهَا تَحْتَ مَذْهَبِ الْحَتْمِيَّةِ. وَمَذْهَبُ الْحَتْمِيَّةِ يُعَلِّمُ بِبَسَاطَةٍ بِأَنَّ الْقَرَارَاتِ الَتِي يَتَّخِذُهَا الْبَشَرُ، وَالَتِي قَدْ نَفْتَرِضُ أَنَّهَا نَابِعَةٌ مِنْ رَغَبَاتِنَا وَاخْتِيَارَاتِنَا الْحُرَّةِ، هِيَ فِعْلِيًّا مَحْتُومَةٌ بِشَيْءٍ خَارِجَ ذَوَاتِنَا. وَالْحَتْمِيَّةُ الْبَحْتَةُ، الْمُنْتَمِيَةُ إِلَى الْمَذْهَبِ الطَبِيعِيِّ، تُنْكِرُ تَمَامًا حَقِيقَةَ وُجُودِ إِرَادَةٍ حُرَّةٍ.

هُنَاكَ أَشْكَالٌ مُتَنَوِّعَةٌ مِنْ مَذْهَبِ الْحَتْمِيَّةِ تُذْكَرُ فِي أَحَادِيثِنَا، أَحَدُهَا هُوَ مُصْطَلَحُ "الْقَدَرِيَّةِ". لا أَظُنُّ أَنَّ كَثِيرِينَ، هَذَا إِنْ وُجِدَ أَحَدٌ، فِي مُجْتَمَعِنَا الْيَوْمَ يُؤْمِنُونَ بِالْقَدَرِيَّةِ بِمَعْنَاهَا الْكْلاسِيكِيِّ. يَأْتِي مُصْطَلَحُ "الْقَدَرِيَّةِ" مِنَ الأَسَاطِيرِ الْقَدِيمَةِ الَتِي افْتَرَضَتْ أَنَّهُ إِلَى جَانِبِ وُجُودِ الْآلِهَةِ وَالْإِلَهَاتِ وَالْمُلْهِمَاتِ، إِلَى آخِرِهِ، هُنَاكَ الْأَقْدَارُ، وَهِيَ كَائِنَاتٌ نَزَوِيَّةٌ وَشَرِّيرَةٌ نَوْعًا مَا، تُعَذِّبُ الْبَشَرَ، رَغْمًا عَنْهُمْ. وَمِنْ هُنَا جَاءَتْ فِكْرَةُ وُجُودِ قَدَرٍ سَيِّءٍ مَحْتُومٍ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَتَحَكَّمَ فِيهِ. وَيَرَى الْبَعْضُ أَنَّ الْكَارِمَا، أَوْ الْقَدَرَ، أَوْ الْمَصِيرَ هُوَ شَيْءٌ تُحَدِّدُهُ مَسَارَاتُ نُجُومِ السَمَاءِ، حَيْثُ يَقُولُ الْمُنَجِّمُونَ إِنَّ حَالَتَكَ الْمِزَاجِيَّةَ، وَسُلُوكَكَ، وَحَظَّكَ الْيَوْمَ يُحَدِّدُهُ اقْتِرَانُ الْكَوَاكِبِ مَعًا، وَاسْمُ بُرْجِكَ. وَيَقْرَأُ النَاسُ يَوْمِيًّا حَالَةَ الْأَبْرَاجِ فِي الصُحُفِ لِمَعْرِفَةِ مَا يُخَبِّئُهُ لَهُمُ الْقَدَرُ خِلَالَ السَاعَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْعِشْرِينَ الْمُقْبِلَةِ. لَكِنَّ هَذَا نَوْعٌ مُتَطَرِّفٌ مِنَ الْحَتْمِيَّةِ، يُعَلِّمُ بِأَنَّ مَصِيرَنَا أَوْ قَدَرَنَا تُحَدِّدَهُ النُجُومُ، أَوْ بَعْضُ الْكَائِنَاتِ الشَيْطَانِيَّةِ الشِرِّيرَةِ، مِنْ شِبْهِ الْآلِهَةِ، الَتِي تَعْبَثُ بِحَيَاتِنَا.

أَمَّا الْأَشْكَالُ الْأَكْثَرُ تَطَوُّرًا مِنْ مَذْهَبِ الْحَتْمِيَّةِ، فَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِنَظْرَةٍ آلِيَّةٍ عَنِ الْكَوْنِ، تَقُولُ إِنَّ كُلَّ مَا يَحْدُثُ فِي الْكَوْنِ يَحْدُثُ وَفْقًا لِأَسْبَابٍ طَبِيعِيَّةٍ ثَابِتَةٍ، تَعْمَلُ مِثْلَ الْآلَةِ الَتِي تَدُورُ بِلَا تَوَقُّفٍ. وَإِنَّنَا، إِنْ جَازَ التَعْبِيرُ، ضَحَايَا هَذِهِ الْعَوَامِلِ الطَبِيعِيَّةِ الَتِي تُحَدِّدُ وُجُودَنَا. وَحَتَّى أَفْكَارُنَا وَمَشَاعِرُنَا وَآمَالُنَا تُنْسَبُ جَمِيعُهَا فِي النِهَايَةِ إِلَى تَفَاعُلَاتٍ بِيُوكِيمْيَائِيَّةٍ تَحْدُثُ دَاخِلَ أَجْسَادِنَا، أَوْ إِلَى التَأْثِيرِ الْحَتْمِيِّ لِلْمُجْتَمَعِ مِنْ حَوْلِنَا.

نَتَذَكَّرُ كِتَابَ مِينِنْجَرْ (Menninger)، الَذِي كُتِبَ مُنْذُ بِضْعِ سَنَوَاتٍ، بِعُنْوَانِ "مَاذَا حَدَثَ لِلْخَطِيَّةِ؟" وَبَعْدَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ، تَنَبَّأَ مُحَامٍ شَهِيرٌ بِأَنَّهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ لَنْ يَعُودَ الْقَتْلُ يُحْسَبُ خَطِيَّةً، بِسَبَبِ التَوَجُّهِ السَائِدِ الَذِي يَرَى أَنَّ الْبَشَرَ يَتَصَرَّفُونَ نَتِيجَةَ تَأْثِيرِ قُوًى ثَابِتَةٍ تُشَكِّلُ شَخْصِيَّاتِهِمْ، وَنَتِيجَةَ تَأْثِيرِ بِيئَاتِهِمْ وَعَائِلَاتِهِمْ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ نُحَمِّلَ أَحَدًا مَسْؤُولِيَّةَ أَفْعَالِهِ، لأَنَّنَا لَسْنَا أَحْرَارًا حَقًّا. فَمُعَاقَبَةُ أَحَدِهِمْ عَلَى جَرِيمَةٍ، سَوَاءٌ جَرِيمَةُ قَتْلٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، هُوَ تَحْمِيلُهُ مَسْؤُولِيَّتَهَا، وَافْتِرَاضُ قُدْرَتِهِ عَلَى التَفَاعُلِ، وَأَنَّ لَدَيْهِ مَا يُدْلِي بِهِ فِيهَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ مَسُوقًا بِنَزَوَاتِ الْمُصَادَفَةِ. وَالْفِكْرَةُ الْقَائِلَةُ بِأَنَّ الصُدْفَةَ تَتَحَكَّمُ فِي حَيَاتِنَا هِيَ فِكْرَةٌ أُخْرَى وَثِيقَةُ الصِلَةِ بِمَذْهَبِ الْحَتْمِيَّةِ، لَكِنَّهَا غَيْرُ مَعْقُولَةٍ، لِأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَا يُسَمَّى بِالصُدْفَةِ. فَالصُدْفَةُ بِلَا سُلْطَانٍ لِأَنَّهَا بِلَا كَيْنُونَةٍ.

لَكِنْ قَامَتْ فِكْرَةُ الْحَتْمِيَّةِ الطَبِيعِيَّةِ بِقَفْزَةٍ نَوْعِيَّةٍ فِي فِكْرِ مُجْتَمَعِنَا، وَهَذَا يَعُودُ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ إِلَى الْعُلُومِ السُلُوكِيَّةِ، وَبِقَدْرٍ مَا إِلَى تَأْثِيرِ بِي. إِفْ. سْكِينَرْ (B.F. Skinner)، الَذِي أَلَّفَ الْكِتَابَ الْأَكْثَرَ مَبِيعًا بِعُنْوَانِ "مَا وَرَاءَ الْحُرِّيَّةِ وَالْكَرَامَةِ" (Beyond Freedom and Dignity)، الَذِي يَقُولُ فِيهِ إِنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَتَخَلَّى عَنْ وَهْمِ وُجُودِ حُرِّيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ، لِأَنَّنَا فَقَطْ نِتَاجُ تَصَادُمٍ لِلذَرَّاتِ، يَحْدُثُ بِصُورَةٍ طَبِيعِيَّةٍ وَحَتْمِيَّةٍ فِي بِيئَتِنَا. كَمَا عَلَيْنَا التَخَلِّي عَنْ وَهْمِ الْكَرَامَةِ، النَابِعِ مِنِ اعْتِقَادِنَا بِأَنَّ لَنَا تَأْثِيرًا فِي تَقْرِيرِ مَصِيرِنَا أَوْ حَيَاتِنَا.

وَإِحْدَى الْمُفَارَقَاتِ، بِالتَأْكِيدِ، فِي كِتَابِ سْكِينَرْ هِيَ أَنَّهُ اسْتَغْرَقَ الْوَقْتَ لِتَأْلِيفِ كِتَابٍ كَبِيرِ الْحَجْمِ، لِيُحَاوِلَ إِقْنَاعَ النَاسِ بِأَنَّ تَفْكِيرَهُمْ يَتَحَدَّدُ بِمَا يَأْكُلُونَهُ، أَوْ بِتَكْوِينِهِمْ الْبَيُولُوجِيِّ، وَلَيْسَ بِتَفَاعُلِهِمْ مَعَ حُجَجٍ مَنْطِقِيَّةٍ. لَكِنَّهُ طَرَحَ فِي الْكِتَابِ حُجَّةً مَنْطِقِيَّةً، لِيُقْنِعَ النَاسَ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَفَاعَلُونَ مَعَ الْحُجَجِ الْمَنْطِقِيَّةِ، وَبِهَذَا نَاقَضَ نَفْسَهُ. قَالَ أَحَدُ نُقَّادِ سْكِينَرْ: "الْأَمْرُ الْوَحِيدُ الَذِي يَكْمُنُ وَرَاءَ الْحُرِّيَّةِ وَالْكَرَامَةِ هُوَ الْعُبُودِيَّةُ وَالذُلُّ". وَمَعَ ذَلِكَ، اسْتَنْتَجَ كَثِيرُونَ أَنَّ حُرِّيَّةَ الْإِرَادَةِ وَهْمٌ، وَأَنَّ مَصَائِرَنَا تَتَحَكَّمُ فِيهَا قُوَى الْمَادَّةِ غَيْرُ الْعَاقِلَةِ، أَيْ قُوَى الطَبِيعَةِ، دُونَ أَيَّةِ إِشَارَةٍ إِلَى اللَّهِ. فَحُرِّيَّةُ الْإِرَادَةِ وَهْمٌ، وَنَوْعٌ مِنَ التَوْقِ الْمُتَفَائِلِ غَيْرِ الْوَاقِعِيِّ إِلَى الْأَهَمِّيَّةِ، لِأَنَّهُ يَصْعُبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَخَيَّلَ أَنَّ أَسْبَابًا طَبِيعِيَّةً تُعَيِّنُ كُلَّ قَرَارٍ نَتَّخِذُهُ، وَأَنَّنَا لَسْنَا أَحْرَارًا حَقًّا، وَلَيْسَ لَنَا أَيُّ تَأْثِيرٍ عَلَى حَيَاتِنَا. فَهَذَا يَخْتَزِلُنَا إِلَى أَشْيَاءٍ، وَلَيْسَ إِلَى أَشْخَاصٍ يَعْمَلُونَ وَيَخْتَارُونَ، وَيَسْلُبُنَا أَيَّ أَمَلٍ فِي التَمَتُّعِ بِالْكَرَامَةِ. لَكِنْ كَمَا ذَكَرْتُ، هُنَاكَ فِي الْمُجْتَمَعِ مَنْ هُمْ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لاتِّخَاذِ هَذِهِ الْخُطْوَةِ، فِي قَنَاعَةٍ شَدِيدَةٍ مِنْهُمْ بِأَنَّنَا ضَحَايَا الْحَتْمِيَّةِ الطَبِيعِيَّةِ.

فِي الْمُحَاضَرَةِ الْمُقْبِلَةِ، سَنَتَحَدَّثُ عَنْ عَلَاقَةِ ذَلِكَ بِسُلْطَانِ اللهِ، أَوْ بِتَعْيِينِ اللهِ لِلْقَرَارَاتِ الَتِي نَتَّخِذُهَا.