المحاضرة 4: المعمودية

مُجَدَّدًا، نُتَابِعُ دِرَاسَتَنا لِخِدْمَةِ الْمَسِيحِ. فِي مُحاضَرَتِنا السَّابِقَةِ أَلْقَيْنَا نَظْرَةً وَجِيزَةً عَلَى زِيَارَةِ الصَّبِيِّ يَسُوعَ أُورَشَلِيمَ وَهْوَ فِي الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْعُمْرِ، حَيْثُ أَدْهَشَ عُلَمَاءَ الشَّرِيعَةِ بِفَهْمِهِ وَأَسْئِلَتِهِ وَنَفاذِ بَصِيرَتِهِ فِي أُمُورِ الله.ِ نَنْتَقِلُ الآنَ إِلَى دُخُولِ يَسُوعَ إِلَى الْحَيَاةِ الْعَلَنِيَّةِ فِي بِدَايَةِ خِدْمَتِهِ الأَرْضِيَّةِ، فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِمَعْمُودِيَّتِهِ فِي نَهْرِ الأُرْدُنِّ عَلَى يَدِ يُوحَنَّا الْمَعْمَدانِ.

قَبْلَ أَنْ نَتَطَرَّقَ إِلَى مَعْمُودِيَّةِ يَسُوعَ، أُرِيدُ أَنْ نُكَرِّسَ بِضْعَ دَقائِقَ لِلْكَلامِ عَنِ الطَّابَعِ الْجَوْهَرِيِّ لِهَذَا الطَّقْسِ الَّذِي تَمَّتِ الْمُنَادَاةُ بِهِ لِلْمَرَّةِ الأُولَى فِي نِداءَاتِ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ. مَا هُوَ جَوْهَرِيٌّ فِي الأَمْرِ، هُوَ أَنَّهُ فِي الْمَقَامِ الأَوَّلِ كانَ صَوْتُ النُّبُوَّةِ صَامِتًا فِي إِسْرَائِيلَ طَوَالَ 400 سَنَةٍ. وَنَحْنُ نَمِيلُ إِلَى النَّظَرِ إِلَى الْمَاضِي وَضَغْطِ أَحْداثِ التَّارِيخِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّهُ كَانَتْ تَتِمُّ مُعْجِزَةٌ فِي كُلِّ مَكانٍ، وَأَنَّ نَبِيًّا كانَ يَظْهَرُ كُلَّ أُسْبُوعَيْنِ فِي إِسْرَائِيلَ. لَكِنَّ الأَنْبِياءَ الَّذِينَ كانَ اللهُ أَرْسَلَهُمْ فِي أَيَّامِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ لإِعْلانِ كَلِمَتِهِ بِأَفْوَاهِهِمْ كَانُوا يَلْعَبُونَ دَوْرًا مُهِمًّا جِدًّا فِي حَيَاةِ شَعْبِهِمْ. لَكِنَّ صَوْتَ النُّبُوَّةِ ذَا انْقَطَعَ مَعَ مَلاخِي، وَمَرَّتْ 400 سَنَةٍ وَلَمْ يَتَفَوَّهِ اللهُ بِكَلِمَةٍ. لَمْ يَعُدِ اللهُ يُعْطِي إِعْلانًا خَاصًّا لِشَعْبِهِ. أَرْبَعَةُ قُرونٍ، هَذِهِ فَتْرَةٌ طَوِيلَةٌ جِدًّا. ارْجِعُوا بِالتَّارِيخِ إِلَى الْوَراءِ وُصُولًا إِلَى الْعَامِ 1610 قَبْلَ وُصُولِ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى سَوَاحِلِ أَمِيرْكا. تَقَعُ أَحْدَاثٌ تَارِيخِيَّةٌ كَثِيرَةٌ خِلالَ فَتْرَةِ أَرْبَعَةِ قُرُونٍ.

لَكِنِ الآنَ، وَبَعْدَ 400 عامٍ مِنَ الصَّمْتِ، فَجْأَةً وَمِنَ البَرِّيَّةِ أَتَى هَذَا الرَّجُلُ، قَادِمًا مِنَ الْمَكانِ التَّقْلِيدِيِّ لِلِقاءٍ بَيْنَ اللهِ وَأَنْبِيائِهِ، أَلا وَهْوَ الْبَرِّيَّةُ، مُرْتَدِيًا نَوْعَ اللِّباسِ الَّذِي كانَ الْيَهُودُ يَرْبِطُونَهُ بِتَنَسُّكِ بَعْضِ الأَنْبِياءِ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَبِالطَّبْعِ، كَانَ يَتَكَلَّمُ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ مِنَ اللهِ.

فِي الأَيَّامِ الأُولَى لِلْكَنِيسَةِ الْمَسِيحِيَّةِ، فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ، أَثَارَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ الاهْتِمامَ بَيْنَ السُّكَّانِ الْمَحَلِّيِّينَ فِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلَ يَسُوعُ، لِسَبَبٍ مُحَدَّدٍ، وَهْوَ أَنَّ صَوْتَهُ كَانَ اسْتِعادَةً لِصَوْتِ النُّبُوَّةِ. لَكِنَّ الأَمْرَ الأَهَمَّ فِي ظُهُورِهِ لَمْ يَكُنْ يَتَعَلَّقُ بِمَظْهَرِهِ أَوْ بِطَرِيقَةِ لِبْسِهِ أَوْ حَتَّى بِكَوْنِهِ نَبِيًّا جَاءَ بَعْدَ 400 سَنَةٍ، لَكِنَّ الأَمْرَ الأَهَمَّ هُوَ مَا فَعَلَهُ. إِنَّهُ يَدْعُو شَعْبَ إِسْرَائِيلَ إِلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ لِيَتَعَمَّدُوا. يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَ أَنَّ مَعْمُودِيَّةَ يُوحَنَّا لَيْسَتْ مُطَابِقَةً لِلْمَعْمُودِيَّةِ الَّتِي أَدْخَلَهَا يَسُوعُ إِلَى كَنِيسَةِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. تُوجَدُ رَوَابِطُ مُعَيَّنَةٌ بَيْنَهُما، وَإِنَّمَا مَعْمُودِيَّةُ يُوحَنَّا أَكْثَرُ ارْتِباطًا بِنَهْجِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ.

فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، كَانَ الْيَهُودُ يَتَّبِعُونَ طَقْسًا يُعْرَفُ بِمَعْمُودِيَّةِ الْمُهْتَدِينَ حَدِيثًا، وَهْيَ كَانَتْ مَحْصُورَةً بِالأُمَمِ الْمُهْتَدِينَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ. وَوَفْقَ شَرِيعَةِ مِيثاقِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، كَانَ الأُمَمُ غُرَباءَ عَنْ ذَلِكَ الْعَهْدِ، كَانُوا خَارِجَ شَعْبِ الْعَهْدِ فِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانُوا يُعْتَبَرُونَ بِحُكْمِ الطَّبِيعَةِ نَجِسِينَ وَرَجِسِينَ وَمُدَنَّسِينَ. وَإِنْ أَرَادَ وَثَنِيٌّ الاهْتِدَاءَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ كانَ عَلَيْهِ اتِّخاذُ إِجْراءاتٍ مُعَيَّنَةً، وَأَهَمُّهَا مَعْمُودِيَّةُ الْمُهْتَدِينَ حَدِيثًا. كانَ عَلَيْهِ الْخُضُوعُ لِطَقْسِ تَطْهِيرٍ لِكَيْ يَنْضَمَّ إِلَى شَعْبِ الْعَهْدِ فِي إِسْرَائِيلَ.

هُنَا فَجْأَةً يَظْهَرُ يُوحَنَّا. وَبَدَلًا مِنْ أَنْ يَدْعُوَ الأُمَمَ إِلَى تَطْهِيرِ أَنْفُسِهِمْ، فَعَلَ مَا لا يُمْكِنُ تَصَوُّرُهُ، دَعا الْيَهُودَ لِلْخُضُوعِ لِطَقْسِ التَّطْهِيرِ الْخَاصِّ بِالْمُهْتَدِينَ حَدِيثًا. وَبِالطَّبْعِ، هَذَا الأَمْرُ أَثَارَ غَضَبَ الْفِرِّيسِيِّينَ كَثِيرًا وَرِجالَ الدِّينِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ لِيَرَوْا مَا كانَ يُوحَنَّا يَفْعَلُهُ، وَقالُوا: "مَا الَّذِي تَفْعَلُهُ؟ نَحْنُ أَبْنَاءُ إِبْرَاهِيمَ، وَلا نَحْتَاجُ إِلَى الْخُضُوعِ لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الأُمُورِ". لَكِنْ لِمَاذَا مَارَسَ يُوحَنَّا هَذِهِ الْخِدْمَةَ؟ تَذَكَّرُوا أَنَّهُ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، الأَنْبِيَاءُ، وَخُصُوصًا إِشَعْيَاءَ، تَكَلَّمُوا عَنْ مَجِيءِ الْمَسِيحِ. لَكِنْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَسِيحُ يَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ نَذِيرٌ لَهُ، شَخْصٌ يَأْتِي وَيُعِدُّ الطَّرِيقَ لِلْمَسِيحِ. وَيُوحَنَّا هُوَ مَنْ مَسَحَهُ اللهُ لِيَكُونَ صَوْتًا صَارِخًا فِي الْبَرِّيَّةِ "أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً".

إِذًا، فِي هَذِهِ الْمُهِمَّةِ التَّمْهِيدِيَّةِ الَّتِي تَمَّ إِرْسَالُ يُوحَنَّا لِتَتْمِيمِهَا وَالَّتِي كَرَّسَهُ اللهُ لأَجْلِها، هَا هُوَ يَدْعُو أُمَّةَ إِسْرَائِيلَ كُلَّهَا الآنَ لِمُمارَسَةِ الْمَعْمُودِيَّةِ. لِمَاذا؟ مَاذا كَانَتْ رِسَالَتُهُ؟ ظَهَرَ عَلَى السَّاحَةِ وَكانَتْ رِسَالَتُهُ بِبَسَاطَةٍ كَالآتِي: "تُوبوا". لِمَاذَا؟ لأَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ قَرِيبٌ. مَلَكُوتُ اللهِ الَّذِي كانَ الْيَهُودُ يَتُوقُونَ إِلَيْهِ فِي نُبُوَّاتِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الضَّبابِيِّ وَالْبَعِيدِ، لَمْ يُعْطَ إِطَارًا زَمَنِيًّا مُحَدَّدًا لِتَوَقُّعِهِمْ مَجِيءَ الْمَلَكُوتِ وَمَجِيءَ الْمَسِيحِ. وَكانَ يُوحَنَّا يَقُولُ: "الْوَقْتُ قَرِيبٌ. مَلَكُوتُ اللهِ عَلَى وَشْكِ أنْ يَأْتِيَ".

هُوَ اسْتَعْمَلَ بَعْضَ الاسْتِعاراتِ وَالتَّشابِيهِ لِوَصْفِ مَدَى إِلْحَاحِ اللَّحْظَةِ، حَيْثُ قَالَ: "وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ". وَيَسْتَعْمِلُ تَشْبِيهَ الْحَطَّابِ الَّذِي يَخْرُجُ لِيَقْطَعَ شَجَرَةً، فَيَبْدَأُ بِالْقِشْرَةِ الْخَارِجِيَّةِ وَيَصْنَعُ تَجْوِيفًا فِي الْقِشْرَةِ، ثُمَّ عَلَيْهِ الدُّخُولُ إِلَى الْعُمْقِ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ دَاخِلَ أَصْلِ الشَّجَرَةِ وُصُولًا إِلَى جِذْرِ الشَّجَرَةِ قَبْلَ أَنْ تَسْقُطَ هَذِهِ الأَخِيرَةُ. الصُّورَةُ الَّتِي اسْتَعْمَلَها يُوحَنَّا هِيَ الآتِيَةُ: لا يُشْبِهُ الأَمْرُ خُرُوجَ الْحَطَّابِ إِلَى السَّقِيفَةِ لِيَجْعَلَ فَأْسَهُ حَادًّا وَهْوَ يُفَكِّرُ فِي قَطْعِ الشَّجَرَةِ، وَلا حَتَّى ضَرْبِهِ الشَّجَرَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لِيُزِيلَ الْقِشْرَةَ الْخَارِجِيَّةَ، لا، فَالْفَأْسُ وَصَلَتْ إِلَى الأَصْلِ، قَاطِعَةً لُبَّ الْخَشَبِ وَصُلْبَهُ وُصُولًا إِلَى الْقَلْبِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ وَبِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ إِضَافِيَّةٍ وَخِلالَ ثَانِيَةٍ وَاحِدَةٍ تَسْقُطُ الشَّجَرَةُ.

التَّشْبِيهُ الآخَرُ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ هُوَ مِثْلُ شَوْكَةِ التَّذْرِيَةِ، حَيْثُ يَقُولُ الْمُزَارِعُ: "حَانَ وَقْتُ الْحَصَادِ". فَكَانُوا يَحْصُدُونَ الْحِنْطَةَ وَيَفْصِلُونَ الْحِنْطَةَ عَنِ التِّبْنِ، وَكانُوا يَضَعُونَ كَوْمَةً كَبِيرَةً مِنَ الْحِنْطَةِ وَهْيَ مُمْتَلِئَةٌ بِالتِّبْنِ. وَلَمْ تَكُنْ لتفصلها عن بعضها بيديك، فهذه مسألة تَسْتَغْرِقُ وَقْتًا طَوِيلًا لِتَجْنِيَ الْحَصَادَ. لَكِنْ بِمَا أَنَّ التِّبْنَ أَخَفُّ مِنَ الْقَمْحِ، كَانَ الْمُزَارِعُونَ يَسْتَعْمِلُونَ شَوْكَةَ التَّذْرِيَةِ، وَكانُوا يَأْخُذُونَ تِلْكَ الشَّوْكَةَ الْكَبِيرَةَ وَيَضَعُونَهَا فِي كَوْمَةِ الْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ، وَيَرْمُونَ الْمَزِيجَ فِي الْهَوَاءِ. وَكَانَ أَخَفُّ نَسِيمٍ عَلِيلٍ يَحْمِلُ التِّبْنَ بَعِيدًا. وَكانَتِ الْحِنْطَةُ الأَثْقَلُ وَزْنًا تَقَعُ أَرْضًا. وَهَكَذَا كَانَ يَتِمُّ الْفَصْلُ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ بِشَكْلٍ فَعَّالٍ.

يَقُولُ يُوحَنَّا: "الأَمْرُ مُلِحٌّ إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ. إِنَّهُ يَحْمِلُ الْمِذْراةَ بِيَدِهِ"، وَهْوَ عَلَى وَشْكِ وَضَعْ ِتِلْكَ الْمِذْراةِ دَاخِلَ الْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ. تِلْكَ اللَّحْظَةُ الْحَاسِمَةُ، لَحْظَةُ الْفَصْلِ حَانَتِ الآنَ. إِنَّهُ عَلَى وَشْكِ الْوُصُولِ فَجْأَةً. وَمُشْكِلَتُكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ هِيَ أَنَّ الْمَلِكَ عَلَى وَشْكِ الظُّهُورِ. الْمَسِيحُ وَاقِفٌ عَلَى الْعَتَبَةِ وَأَنْتُمْ غَيْرُ جَاهِزِينَ، أَنْتُمْ نَجِسُونَ. إِذًا، عَبْرَ إِعْلانِ شَرِيعَةِ اللهِ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ يُوحَنَّا الْمَعْمَدانِ تَمَّ فَرْضُ قَانُونٍ جَدِيدٍ عَلَى بَنِي إِسْرائِيلَ، وَهْوَ أَنَّهُ يَجْدُرُ بِهِمْ عَلَى غِرَارِ الأُمَمِ أَنْ يَتَطَهَّرُوا اسْتِعْدادًا لِمَجِيءِ الْمَلِكِ.

دَعُونِي أَقْرَأْ قَلِيلًا عَنْ خِدْمَةِ يُوحَنَّا مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا. "وَهَذِهِ هِيَ شَهَادَةُ يُوحَنَّا" –أَقْرَأُ مِنَ الأَصْحَاحِ الأَوَّلِ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا– "حِينَ أَرْسَلَ الْيَهُودُ مِنْ أُورُشَلِيمَ كَهَنَةً وَلاَوِيِّينَ لِيَسْأَلُوهُ: "مَنْ أَنْتَ؟" فَاعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ، وَأَقَرَّ: "أَنِّي لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ". فَسَأَلُوهُ: "إِذًا مَاذَا؟ إِيلِيَّا أَنْتَ؟" فَقَالَ: "لَسْتُ أَنَا". "أَلنَّبِيُّ أَنْتَ؟" فَأَجَابَ: "لاَ". فَقَالُوا لَهُ: "مَنْ أَنْتَ، لِنُعْطِيَ جَوَابًا لِلَّذِينَ أَرْسَلُونَا؟ مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟" اسْمَعُوا جَوابَهُ. هَذا ما أَنا عَلَيْهِ "قَالَ: «أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، كَمَا قَالَ إِشَعْيَاءُ النَّبِيُّ". هَذِهِ هِيَ مُهِمَّتِي، أَنْ أَكُونَ نَذِيرًا وَمُنَادِيًا بِالْمَسِيحِ. "وَكَانَ الْمُرْسَلُونَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ، فَسَأَلُوهُ: "فَمَا بَالُكَ تُعَمِّدُ إِنْ كُنْتَ لَسْتَ الْمَسِيحَ، وَلاَ إِيلِيَّا، وَلاَ النَّبِيَّ؟" أَجَابَهُمْ يُوحَنَّا: "أَنَا أُعَمِّدُ بِمَاءٍ، وَلَكِنْ فِي وَسَطِكُمْ قَائِمٌ الَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ. هُوَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي، الَّذِي صَارَ قُدَّامِي، الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقٍّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ". هَذَا كَانَ فِي بَيْتِ عَبْرَةَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ حَيْثُ كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ. وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلًا إِلَيْهِ"، فَرَنَّمَ تَرْنِيمَةَ الْحَمَلِ، "فَقَالَ: "هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ".

أَكْبَرُ مُشْكِلَةٍ وَاجَهَهَا الْيَهُودُ فِي فَهْمِهِمْ لِلْمَسِيحِ تَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ مَرْكَزِهِ، وَبِفِدائِهِ مِنَ الْخَطِيَّةِ، وَبِكَوْنِهِ الْحَمَلَ الذَّبِيحَةَ. لَكِنْ فِي بِدَايَةِ مُهِمَّتِهِ، نَادَى يُوحَنَّا الْمَعْمَدانُ بِيَسُوعَ، قالَ "هَا هُوَ. هُوَذَا حَمَلُ اللهِ آتٍ. الْحَمَلُ الْمُعَدُّ لِلذَّبْحِ، الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ. هَذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: يَأْتِي بَعْدِي، رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لَكِنْ لِيُظْهَرَ لِإِسْرَائِيلَ لِذَلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ". وَشَهِدَ يُوحَنَّا: "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لِأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ، ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلًا وَمُسْتَقِرًّا عَلَيْهِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ".

هَذَا يَطْبَعُ بِدَايَةَ خِدْمَةِ يَسُوعَ الْعَلَنِيَّةِ. كَانَتْ هَذِهِ رِسَامَتَهُ، إِذَا جَازَ التَّعْبِيرُ. بالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ اللهَ كَانَ قَدْ أَرْسَلَهُ لِيَكُونَ تَتْمِيمًا لِنُبُوَّاتِ الْمَسِيحِ، إِنَّ يَسُوعَ، وَخِلالَ شَبَابِهِ، لَمْ يَجُلْ فِي الأَرْضِ عَلَى أَنَّهُ الْمَسِيحُ، لَمْ يَبْدَأْ بِتَتْمِيمِ تِلْكَ الْمُهِمَّةِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَعَمَّدَ. وَخِلالَ مَعْمُودِيَّتِهِ، نَالَ الْمَسْحَةَ لِيُتَمِّمَ مَا جاءَ فِي إِشَعْيَاءَ 61، حَيْثُ جَاءَ "رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ". حِينَ شَارَكَ يَسُوعُ أَوَّلَ عِظَةٍ عَلَنِيَّةٍ لَهُ، هَذَا النَّصُّ الْمُقْتَبَسُ مِنْ إِشَعْيَاءَ 61 تَمَّتْ قِرَاءَتُهُ فِي الْمَجْمَعِ. وَيَسُوعُ، كَوْنَهُ الْمُعلِّمَ الْمَدْعُوَّ، وَضَيْفَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، جَاءَتْ عِظَتُهُ وَجِيزَةً جِدًّا وَمُبَاشِرَةً، وَهْوَ أَعْلَنَ بِبَسَاطَةٍ لِلنَّاسِ هُنَاكَ "إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ". وَلَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْهَمُونَ مَا جَاءَ فِي إِشَعْيَاءَ 61، وَكانَ يَجْدُرُ بِهِمْ ذَلِكَ، لَفَهِمُوا كَلامَهُ. إِنَّهُ يَقُولُ "أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ، وَهَذِهِ هِيَ مُهِمَّتِي: تَتْمِيمُ كُلِّ مَا جَاءَ عَلَى لِسَانِ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ فِي الأصْحَاحِ 61". إذًا، هَذَا يَطْبَعُ بِدَايَةَ خِدْمَتِهِ. وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، حَلَّ رُوحُ اللهِ وَمَسَحَهُ. هَذَا مُثِيرٌ لِلاهْتِمامِ. هَذَا يَعْنِي أَنَّ عَمَلَ الْمَسِيحِ لا يَتِمُّ عَبْرَ تَجَسُّدِ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ فِي الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ، بَلْ إِنَّ يَسُوعَ الإِنْسانَ مُسِحَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ لِتَتْمِيمِ مُهِمَّةِ الْمَسِيحِ هَذِهِ.

الآنَ فِي سَرْدِ مَتَّى لِمَعْمُودِيَّةِ يَسُوعَ نَجِدُ مَقْطَعًا صَغِيرًا أَعْتَبِرُهُ غايَةً فِي الأَهَمِّيَّةِ إِنْ أَرَدْنَا فَهْمَ الْمَغْزَى الْكُلِّيِّ مِنْ مَعْمُودِيَّةِ يَسُوعَ. فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا، عُذْرًا، فِي إِنْجِيلِ مَتَّى، الأصْحَاحِ 3 نَقْرَأُ فِي الآيَةِ 13 "حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ. وَلَكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ". أَلَيْسَ الأَمْرُ لافِتًا؟ لَقَدْ تَمَّ إِرْسَالُ يُوحَنَّا لِيُنْذِرَ بِمَجِيءِ الْمَسِيحِ. إِنَّهُ هُوَ مَنْ نَادَى بِيَسُوعَ حِينَ جَاءَ. فَجاءَ يَسُوعُ إِلَى يُوحَنَّا قَائِلًا "جِئْتُ لأَعْتَمِدَ مِنْكَ". "لا يُمْكِنُكَ فِعْلُ ذَلِكَ". أَرادَ مَنْعَهُ مِنَ التَّعَمُّدِ وَقالَ لَهُ مَا يَلِي "أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ!" ما الْغَرِيبُ فِي الأَمْرِ؟ تَذَكَّرُوا أَنَّهُ كانَ قَدْ قَالَ "وَلَكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ". وهَا قَدْ أَتَى يَسُوعُ قَائِلًا "هَلَّا تُعَمِّدُنِي؟" "لا يُمْكِنُنِي فِعْلُ ذَلِكَ فَأَنا دَعَوْتُكَ حَمَلَ اللهِ. وَحَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطَايَا الْعَالَمِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَمَلًا كَامِلًا، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَمَلًا بِلا خَطِيَّةٍ. أَنْتَ لا تُدْرِكُ يَا يَسُوعُ أَنَّ هَذَا الطَّقْسَ مُخَصَّصٌ لِلْخُطَاةِ. هُوَ لا يَنْطَبِقُ عَلَيْكَ. عَارٌ عَلَيْكَ أَنْ تَعْتَمِدَ مِنِّي. لَقَدْ أَسَأْتَ فَهْمَ الأَمْرِ، يَجِبُ عَلَيَّ أَنَا أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ".

لَكِنْ تَخَيَّلُوا مَا يَفْتَرِضُهُ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. إِنَّهُ يُحَاوِلُ أَنْ يُعَلِّمَ يَسُوعَ. مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي ذِلْكَ الْيَوْمِ فِي الْكَنِيسَةِ أَوْ فِي الْهَيْكَلِ فِي أُورُشَلِيمَ لِيُدْرِكَ عُمْقَ فَهْمِ يَسُوعَ لِلَّاهُوتِ. لَكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ الْوَقْتَ لِيُقِيمَ نَدْوَةً فِي اللَّاهُوتِ الآنَ، فَجَاءَتْ إِجَابَتُهُ عَلَى النَّحْوِ الآتِي، قَالَ لِيُوحَنَّا: "تَحَمَّلِ الآنَ"، أَوِ "اسْمَحِ الآنَ لأَنَّهُ هَكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرٍّ". "لا وَقْتَ لَدَيَّ لِتَفْسِيرِ كُلِّ مَا يَجْرِي هُنَا يَا يُوحَنَّا، لَكِنْ ثِقْ بِي، تَحَمَّلِ الآنَ، دَعْكَ مِنَ الأَمْرِ، تَمِّمْ مَا أُرِيدُ". لِمَاذَا؟ "لأَنَّهُ مِنَ الضَّرُورِيِّ أنْ أُكَمِّلَ كُلَّ بِرٍّ".

لا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُوجَدُ نَصٌّ أَهَمُّ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ كُلِّهِ يُحَدِّدُ خِدْمَةَ يَسُوعَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا النَّصِّ. لَقَدْ أُرْسِلَ يَسُوعُ لِيُتَمِّمَ كُلَّ بِرٍّ. وَمَا عَنَاهُ ذَلِكَ لِلْيَهُودِيِّ هُوَ أَنْ يُطِيعَ النَّامُوسَ بِحَذافِيرِهِ. لأَنَّ يَسُوعَ بِمَعْمُودِيَّتِهِ لا يَعْمَلُ لأَجْلِ نَفْسِهِ، بَلْ لأَجْلِ شَعْبِهِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ طُلِبَ مِنْ شَعْبِهِ أَنْ يَحْفَظُوا الْوَصايَا الْعَشْرِ، فَهْوَ يَحْفَظُ الْوَصايَا الْعَشْرَ. وَإِنْ طُلِبَ مِنْ شَعْبِهِ مُمَارَسَةُ طَقْسِ الْمَعْمُودِيَّةِ، فَهْوَ يُمَارِسُهُ لأَجْلِهِمْ، لأَنَّ الْفِداءَ الَّذِي تَمَّمَهُ الْمَسِيحُ غَيْرُ مَحْصُورٍ بِمَوْتِهِ عَلَى الصَّلِيبِ. سَبَقَ أَنْ رَأَيْنا أَنَّهُ فِي عَمَلِ الْفِداءِ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ يَسُوعَ إِلَى الأَرْضِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ الْعَظِيمَةِ، قَائِلًا "مُتْ عَنْ خَطَايَا شَعْبِكَ وَهَذا يَفِي بِالْغَرَضِ". لا، لَمْ يَكُنْ عَلَى يَسُوعَ أَنْ يَمُوتَ فَحَسْبُ لأَجْلِ خَطَايَانَا، بَلْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْيَا لأَجْلِ بِرِّنَا. إِنْ كانَ كُلُّ مَا فَعَلَهُ يَسُوعُ هُوَ الْمَوْتُ تَكْفِيرًا عَنْ خَطَاياكَ، فَإِنَّ الأَمْرَ يَرْفَعُ ذَنْبَكَ كُلَّهُ وَيَجْعَلُكَ بِلا خَطِيَّةٍ فِي نَظَرِ اللهِ، وَإِنَّما لا يَجْعَلُكَ بَارًّا. أَنْتَ تَكُونُ بَرِيئًا وَإِنَّمَا لَيْسَ بَارًّا، لأَنَّكَ لَمْ تَفْعَلْ شَيْئًا لِتُطِيعَ نَامُوسَ اللهِ، وَهَذا مَا يَتَطَلَّبُهُ الْبِرُّ.

إذًا، لَدَيْنَا عَقِيدَةٌ فِي اللَّاهُوتِ تُشِيرُ إِلَى طَاعَةِ يَسُوعَ الْفِعْلِيَّةِ لِتَمْيِيزِهَا عَنِ الطَّاعَةِ الْمُسْتَسْلِمَةِ. هَذِهِ الْعَقِيدَةُ مَوْضِعُ جَدَلٍ كَبِيرٍ الآنَ، لا سَيَّمَا بَيْنَ الْمُفَكِّرِينَ النِّظامِيِّينَ. وَأَنَا أَجِدُ الأَمْرَ مُقْلِقًا إِلَى أَقْصَى حُدُودٍ. طَاعَةُ الْمَسِيحِ الْمُسْتَسْلِمَةُ تُشِيرُ إِلَى اسْتِعْدَادِهِ لِتَحَمُّلِ الأَلَمِ الَّذِي أَلْحَقَهُ بِهِ الآبُ عَلَى الصَّلِيبِ فِي الْكَفَّارَةِ، لَقَدْ قَبِلَ لَعْنَةَ اللهِ بِاسْتِسْلامٍ، وَالطَّاعَةُ الْفِعْلِيَّةُ تُشِيرُ إِلَى طَاعَتِهِ لِنَامُوسِ اللهِ طَوَالَ حَيَاتِهِ. وَبِمُوجَبِ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ أَنْ يَكُونَ الْمُخَلِّصَ، وَاسْتَحَقَّ أَنْ يَكُونَ الْحَمَلَ الَّذِي بِلا عَيْبٍ، وَاسْتَحَقَّ تَرْنِيمَةَ "مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْحَمَلُ الْمَذْبُوحُ". مِنْ خِلالِ بِرِّهِ التَّامِّ، تَمَّمَ مُتَطَلَّباتِ النَّامُوسِ. وَإِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ الْعَهْدَ مَعَ مُوسَى: كُلُّ مَنْ يُتَمِّمُ النَّامُوسَ يَنالُ الْبَرَكَةَ، وَمَنْ يَتَمَرَّدُ عَلَى النَّامُوسِ يَنالُ اللَّعْنَةَ. مَاذَا فَعَلَ يَسُوعُ؟ لَقَدْ أَطاعَ النَّامُوسَ طَاعَةً كَامِلَةً، فَنَالَ الْبَرَكَةَ لا اللَّعْنَةَ.

لَكِنْ يُوجَدُ انْتِقالٌ مُزْدَوِجٌ –سَنَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ لاحِقًا– عَلَى الصَّلِيبِ. حَيْثُ انْتَقَلَتْ خَطِيَّتِي إِلَيْهِ، تَمَّ رَفْعُ خَطِيَّتِي وَوَضْعُها عَلَيْهِ عَلَى الصَّلِيبِ، لَكِنْ فِي فِدائِنَا انْتَقَلَ بِرُّهُ إِلَيْنَا. وَهْوَ مَا كانَ لِيَتَمَتَّعَ بِهَذا الْبِرِّ لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَحْيَ حَياةَ الطَّاعَةِ الْكَامِلَةِ. إِذًا، ما أَقُولُهُ لَكُمْ هُوَ إِنَّ عَيْشَهُ حَياةَ الطَّاعَةِ الْكَامِلَةِ ضَرُورِيٌّ لِخَلاصِنا مِثْلُ كَفَّارَتِهِ الْكَامِلَةِ عَلَى الصَّلِيبِ، لأَنَّهُ يُوجَدُ انْتِقالٌ مُزْدَوِجٌ، انْتِقالُ خَطِيَّتِي إِلَيْهِ وَبِرُّهُ إِلَيَّ.

إذًا، هَذَا مَا يَقْصِدُهُ الْكِتابُ الْمُقَدَّسُ بِقَوْلِهِ إِنَّ يَسُوعَ هُوَ بِرُّنَا. حَتَّى يُوحَنَّا الْمَعْمَدانُ ما كَانَ قَدْ فَهِمَ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ فَهِمَهُ الآنَ. لَكِنْ بُغْيَةَ تَكْمِيلِ النَّامُوسِ كُلِّهِ، كانَ عَلَى يَسُوعَ الْخُضُوعُ لِهَذِهِ الْمَعْمُودِيَّةِ. مُبَاشَرَةً بَعْدَ ذَلِكَ، الرُّوحُ الَّذِي كانَ قَدْ مَسَحَهُ، قَادَهُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. وَإِنْ شَاءَ اللهُ، سَنَدْرُسُ هَذَا الأَمْرَ فِي المُحَاضَرَةِ التَّالِيَةِ.