المحاضرة 3: الصبي يسوع في الهيكل

الْيَوْمَ، بَيْنَمَا نُتَابِعُ دِرَاسَتَنَا لِخِدْمَةِ الْمَسِيحِ، كُنَّا نَتَأَمَّلُ فِي وَقائِعَ أَوْ لَحَظاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي حَياتِهِ الأَرْضِيَّةِ بَالِغَةِ الأَهَمِّيَّةِ لِفَهْمِ الْعَمَلِ الَّذِي تَمَّ إِرْسَالُهُ لِتَتْمِيمِهِ. الْيَوْمَ سَنَتَطَرَّقُ إِلَى مَقْطَعٍ قَلَّمَا يَلْقَى اهْتِمامًا، لَكِنِّي أَعْتَبِرُهُ مُهِمًّا لِفَهْمِ خِدْمَةِ يَسُوعَ. وَهَذَا الْمَقْطَعُ عِبَارَةٌ عَنْ سَرْدٍ لِزِيارَتِهِ لِلْهَيْكَلِ فِي أُورُشَلِيمَ حِينَ كانَ فِي الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْعُمْرِ. هَذَا وَاحِدٌ مِنَ الْمَقاطِعِ النَّادِرَةِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّتِي تَأْتِي عَلَى ذِكْرِ أَيِّ أَمْرٍ جَرَى خِلالَ ما يُعْرَفُ بِالسَّنَواتِ الضَّائِعَةِ فِي حَيَاةِ يَسُوعَ، مَا بَيْنَ وِلادَتِهِ وَبِدايَةِ خِدْمَتِهِ الْعَلَنِيَّةِ، الَّتِي بَدَأَتْ فِي سِنِّ الثَّلاثِينَ تَقْرِيبًا.

إِذًا، نَحْنُ نَتَسَاءَلُ عَمَّا كانَ يَفْعَلُهُ طَوالَ تِلْكَ السَّنَواتِ؟ كَيْفَ كَانَتْ حَيَاتُهُ خِلالَ نَشْأَتِهِ فِي النَّاصِرَةِ، حِينَ كانَ يَعْمَلُ عَلَى الأَرْجَحِ فِي مَحَلِّ النِّجارَةِ التَّابِعِ لأَبِيهِ يُوسُفَ؟ الأَمْرُ الْوَحِيدُ الَّذِي نَعْرِفُهُ بَيْنَ تَكْرِيسِهِ فِي الْهَيْكَلِ وَخِدْمَتِهِ الأَرْضِيَّةِ، هُوَ تِلْكَ الزِّيَارَةُ إِلَى الْهَيْكَلِ – ما عَدا الْفَتْرَةَ الْفاصِلَةَ الصَّغِيرَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهُرُوبِ الْعَائِلَةِ إِلَى مِصْرَ بَعْدَ أَنْ تَمَّ نُصْحُ يُوسُفَ فِي الْحُلْمِ بِعَدَمِ الْعَوْدَةِ إِلَى الدِّيارِ وَبِالاحْتِماءِ مِنْ هِيرُودُسَ عَبْرَ الْهَرَبِ إِلَى مِصْرَ. وَلَمْ يَحْدُثْ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ هِيرُودُسَ أَنْ قالَ لَهُ الْمَلاكُ إِنَّ الرُّجُوعَ إِلَى النَّاصِرَةِ بَاتَ آمِنًا.

تِلْكَ السَّنَواتُ الضَّائِعَةُ تُشَكِّلُ مَوْضُوعَ الأَنَاجِيلِ الأَبُوكْرِيفَاوِيَّةِ الْخَيالِيَّةِ بِشَكْلٍ خَلَّاقٍ وَوَهْمِيٍّ، الَّتِي كَتَبَها الْمُهَرْطِقُونَ الْمَعْرِفِيُّونَ فِي الْقَرْنَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فِي مُحَاوَلَةٍ لِلإِظْهَارِ أَنَّ سُلْطَانَهُمْ يُعادِلُ سُلْطَانَ الرُّسُلِ. كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ أَسْمَاءَ الرُّسُلِ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ لِتَزْوِيرِ وَثائِقِهِمْ، مِثْلِ إِنْجِيلِ بُطْرُسَ وَإِنْجِيلِ تُومَا وَغَيْرِهِما. بِالطَّبْعِ، لَقِيَتْ هَذِهِ الْكُتُبُ رَفْضًا وَاضِحًا مِنَ الْكَنِيسَةِ الأُولَى، كَوْنَها غَيْرَ صَادِرَةٍ عَنْ أَصْلٍ رَسُولِيٍّ أَوْ لا تَتَمَتَّعُ بِسُلْطَانٍ كَنَسِيٍّ.

ظَهَرَتْ مَوْجَةٌ مِنَ الاهْتِمامِ بِهَا الآنَ بِمَا أَنَّ الْكِتابَ الأَكْثَرَ مَبِيعًا لِدَانْ بْراوْن حَوْلَ شِيفْرَةِ دَافِنْشِي. جُزْءٌ كَبِيرٌ مِنْ أَفْكَارِهِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْكُتُبِ الأَبُوكْرِيفَاوِيَّةِ. إِنَّهَا تُخْبِرُ قِصَصًا خَيالِيَّةً عَنْ يَسُوعَ كَصَبِيٍّ صَغِيرٍ، مَثَلًا وَهْوَ يَسْتَخْدِمُ قُوَّتَهُ الْفَائِقَةَ لِلطَّبِيعَةِ بِطَرِيقَةٍ مُبْتَذَلَةٍ. حِينَ كانَ يَلْعَبُ وَحْدَهُ وَكَانَ وَحِيدًا صَنَعَ شَكْلَ طَيْرٍ مِنَ التُّرابِ، ثُمَّ مارَسَ سِحْرَهُ فَأَصْبَحَ الطَّيْرُ كَائِنًا حَيًّا، فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَلْعَبَ مَعَ الطَّيْرِ. أَوْ إِنْ سَبَّبَ لَهُ رِفَاقُهُ فِي اللَّعِبِ الْمَتَاعِبَ، كانَ يُنْزِلُ دَيْنُونَةً عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ. هَذَا النَّوْعُ مِنَ الأُمُورِ مُلَفَّقٌ بِكُلِّ وُضُوحٍ وَتَافِهٌ لِدَرَجَةِ أَنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَتِمَّ إِدْراجُهُ فِي السِّجِلَّاتِ التَّارِيخِيَّةِ لِحَياةِ يَسُوعَ.

أَساسًا ما قِيلَ لَنا هُوَ أَنَّ يَسُوعَ كَصَبِيٍّ كانَ يَنْمُو فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ. وَنَرَى لَمْحَةً وَجِيزَةً عَنْ ذَلِكَ النُّمُوِّ فِي سَرْدِ إِنْجِيلِ لُوقَا لِزِيارَةِ يَسُوعَ لِلْهَيْكَلِ. وَهَذَا مَا سَأَقْرَأُهُ عَلَى مَسَامِعِكُمُ الآنَ. فِي الأَصْحَاحِ الثَّانِي مِنْ إِنْجِيلِ لُوقَا ابْتِداءً مِنَ الآيَةِ 41 نَقْرَأُ مَا يَلِي "وَكَانَ أَبَوَاهُ يَذْهَبَانِ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ. وَلَمَّا كَانَتْ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ كَعَادَةِ الْعِيدِ. وَبَعْدَمَا أَكْمَلُوا الأَيَّامَ بَقِيَ عِنْدَ رُجُوعِهِمَا الصَّبِيُّ يَسُوعُ فِي أُورُشَلِيمَ، وَيُوسُفُ وَأُمُّهُ لَمْ يَعْلَمَا. وَإِذْ ظَنَّاهُ بَيْنَ الرُّفْقَةِ، ذَهَبَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَكَانَا يَطْلُبَانِهِ بَيْنَ الأَقْرِبَاءِ وَالْمَعَارِفِ. وَلَمَّا لَمْ يَجِدَاهُ رَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ يَطْلُبَانِهِ. وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَجَدَاهُ فِي الْهَيْكَلِ، جَالِسًا فِي وَسْطِ الْمُعَلِّمِينَ، يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ. فَلَمَّا أَبْصَرَاهُ انْدَهَشَا. وَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: "يَا بُنَيَّ لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هَكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ!" فَقَالَ لَهُمَا: "لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟" فَلَمْ يَفْهَمَا الْكَلاَمَ الَّذِي قَالَهُ لَهُمَا".

أَحَدُ الأُمُورِ الْمُذْهِلَةِ فِي هَذَا النَّصِّ، هُوَ أَنَّ هَذِهِ الْحَادِثَةَ تُؤَكِّدُ وَتُشَدِّدُ عَلَى رَدِّ فِعْلِ اللَّاهُوتِيِّينَ فِي أَيَّامِ يَسُوعَ إِزاءَ ابْنِ الاثْنَيْ عَشَرَ عَامًا الَّذِي ظَهَرَ فِي الْهَيْكَلِ كَطِفْلٍ مُعْجِزَةٍ مُذْهِلٍ، كَوْنَهُ حَصَّلَ مَعْرِفَةً وَافِرَةً بِالْكِتابِ الْمُقَدَّسِ وَاللَّاهُوتِ، لِدَرَجَةِ أَنَّهُ حَيَّرَهُمْ بِأَجْوِبَتِهِ عَلَى الأَسْئِلَةِ الَّتِي سَمِعَهَا وَبِالْأسْئِلَةِ الَّتِي طَرَحَها عَلَيهِمْ. أَوَّلُ أَمْرٍ أُرِيدُ التَّطَرُّقَ إِلَيْهِ هُنَا فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَمَحْوَرُ حَوْلَ مَعْرِفَةِ يَسُوعَ الَّتِي كانَتْ مُخْتَلِفَةً جِدًّا عَنْ مَعْرِفَةِ الْجَمِيعِ فِي الْبِلادِ. لِماذَا؟

حِينَ نَدْرُسُ عَقِيدَةَ الْخَطِيَّةِ، حِينَ نَدْرُسُ تَعْلِيمَ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ لِسُقُوطِ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ، نُلاحِظُ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ السُّقُوطِ آثَارُ الْخَطِيَّةِ تَتَغَلْغَلُ فِي الإِنْسانِ كُلِّهِ. فَهْيَ لا تُعَرِّضُ الْجَسَدَ فَحَسْبُ لأَمْرَاضٍ جَسَدِيَّةٍ، وَأَسْقَامٍ، وَلِلْمَوْتِ، وَلأَمْراضٍ أُخْرَى، حَيْثُ إنَّ الْجَسَدَ يَضْعُفُ بِشِدَّةٍ بِفِعْلِ حَالَةِ السُّقُوطِ. لَكِنْ كَانَ للسُّقُوطِ وَقْعٌ كَبِيرٌ أَيْضًا عَلَى أَذْهَانِ الْبَشَرِ. وَنُسَمِّي هَذا الْوَقْعَ فِي اللَّاهُوتِ الآثارَ الذِّهْنِيَّةَ لِلْخَطِيَّةِ – الآثارَ الذِّهْنِيَّةَ لِلْخَطِيَّةِ. هَذَا مَفْهُومٌ لا يَتِمُّ إِعْلانُهُ يَوْمِيًّا فِي حَيَاةِ الْكَنِيسَةِ. لَكِنَّ الْمَفْهُومَ يَأْتِي مِنَ الْكَلِمَةِ الْيُونَانِيَّةِ "نُوسْ"، وَهْيَ الْكَلِمَةُ الْيُونَانِيَّةُ الَّتِي تَعْنِي "ذِهْن". إذًا، كَلِمَةُ "ذِهْنِي" تَعْنِي الْمُتَعَلِّقَ بِالـ"نُوسْ" أَوِ "الْمُتَعَلِّقَ بِالذِّهْنِ الْبَشَرِيِّ".

يُعَلِّمُنَا بُولُسُ فِي الْأَصْحاحِ الأَوَّلِ مِنْ رِسالَةِ رُومِيَةَ أَنَّ نَتِيجَةَ الْخَطِيَّةِ وَرَفْضِ إِعْلانِ اللهِ الَّذِي يُعْطِيهِ لَنَا جَمِيعًا مِنْ خِلالِ الطَّبِيعَةِ، هُوَ أَنَّ أَذْهانَنَا أَظْلَمَتْ. الْخَطِيَّةُ تُعَتِّمُ الذِّهْنَ. إِنَّهَا تُضْعِفُ قُدْرَتَنا عَلَى التَّفْكِيرِ بِوُضُوحٍ. بَعْدَ السُّقُوطِ مَا زِلْنَا نَتَمَتَّعُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّفْكِيرِ، مَا زِلْنَا –حَتَّى فِي حَالَةِ إِثْمِنا– أَنْ نُضِيفَ اثْنَيْنِ إِلَى اثْنَيْنِ وَأَنْ نَتَوَصَّلَ إِلَى الاسْتِنْتَاجِ أَنَّهَا تُساوِي أَرْبَعَةً. أَوْ مَا زِلْنَا نَقْدِرُ أَنْ نُحَلِّلَ الْقِياسَ الْمَنْطِقِيَّ وَمَشاكِلَ فَلْسَفِيَّةً أُخْرَى. لَكِنْ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا مُعَرَّضٌ لارْتِكابِ الأَخْطاءِ فِي تَفْكِيِرهِ. وَأَحْيانًا تَكُونُ الأَخْطَاءُ فَادِحَةً وَمُكَلِّفَةً جِدًّا.

اعْتَدْنا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمَأْثُورِ فِي ثَقَافَتِنَا "الْبَشَرُ خَطَّاؤُونَ". وَهَذَا تَذْكِيرٌ مُسْتَمِرٌّ بِطَبِيعَتِنا الْبَشَرِيَّةِ السَّاقِطَةِ. لَطَالَما تَسَاءَلْتُ مَا الَّذِي يَجْعَلُ النَّاسَ حِينَ يَحْصُلُونَ عَلَى الْمَعْلُومَاتِ نَفْسِهَا يَتَوَصَّلُونَ إِلَى اسْتِنْتاجاتٍ مُخْتَلِفَةٍ تَمَامًا. هَلْ لاحَظْتُمْ أَنَّهُ أَحْيانًا حَتَّى عِنْدَمَا نَلْتَقِي مُؤْمِنِينَ آخَرِينَ نَجِدُ أَنَّنَا نَخْتَلِفُ كَثِيرًا فِي الرَّأْيِ فِي مَا بَيْنَنَا. لِمَاذَا؟ هَلِ الْكِتابُ الْمُقَدَّسُ مُرْبِكٌ إِلَى هَذَا الْحَدِّ؟ أَوْ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْوُضُوحِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ؟ لِدَرَجَةِ أَنَّ النَّاسَ يَتَوَصَّلُونَ إِلَى اسْتِنْتَاجَاتٍ مُتَفَاوِتَةٍ حَوْلَ مَا يُعَلِّمُهُ، وَيُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِتِلْكَ الاسْتِنْتَاجَاتِ بِتَشَبُّثٍ كَبِيرٍ وَإٍحْداثُ شَتَّى أَنْوَاعِ الانْقِساماتِ وَالاضْطِراباتِ ضِمْنَ حَيَاةِ الْكَنِيسَةِ، ضِمْنَ حَيَاةِ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ، وَتَدْمِيرِ الْعَلاقَاتِ الْبَشَرِيَّةِ.

لَدَيْنَا جَمِيعًا الْمَوَادُّ نَفْسُهَا. يُمْكِنُ الْقَوْلُ إِنَّ الْبَعْضَ يُثَابِرُ فِي الدَّرْسِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَبِالتَّالِي لَدَيْهِ احْتِمالٌ أَكْبَرُ بِأَنْ يَفْهَمَ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ الْمَوَادَّ الَّتِي يَدْرُسُهَا. لَكِنَّنَا نَفْشَلُ جَمِيعًا فِي أَنْ نُحِبَّ الرَّبَّ إِلَهَنَا مِنْ كُلِّ عُقُولِنَا. إِذًا، نَمُرُّ جَمِيعًا فِي مَراحِلَ مِنَ التَّراخِي وَالْفَشَلِ فِي تَكْرِيسِ أَنْفُسِنَا ذِهْنِيًّا لِفَهْمِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ. لَيْسَ هَذَا فَحَسْبُ. فَبِحَالَتِنَا الآثِمَةِ، نَحْنُ نَتَطَرَّقُ إِلَى النَّصِّ بِتَحَيُّزَاتٍ مُعَيَّنَةٍ. وَالإِنْسَانُ الْمُتَحَيِّزُ مُعَرَّضٌ غَالِبًا لِلتَّرْكِيزِ عَلَى التَّفاصِيلِ وَنِسْيَانِ الصُّورَةِ الْعَامَّةِ، لأَنَّ ذِهْنَهُ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ الانْحِيازِ.

إِنْ نَشَأَتَ عَلَى تَقَالِيدَ مُعَيَّنَةٍ، وَقَصَدْتَ كَنِيسَةً مُعَيَّنَةً، وَتَعَلَّمْتَ عَقِيدَةَ تِلْكَ الْكَنِيسَةِ بِالذَّاتِ، وَرُبَّما تَلَقَّيْتَ تَعْلِيمًا عَقَائِدِيًّا مَغْلُوطًا، لَكِنَّكَ تَسَلَّمْتَهُ مِنْ أُنَاسٍ تَثِقُ بِهِمْ، رُبَّما مِنْ وَالِدَيْكَ، رُبَّما مِنْ رَاعِيكَ. وَتَعَلَّمْتَ أَنْ تُفَكِّرَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ. نَتَكَلَّمُ عَنْ إِنْشَاءِ رَوَابِطِ مَحَبَّةٍ، حَيْثُ يَكُونُ لَدَيَّ الْتِزَامٌ سَابِقٌ بِالطَّائِفَةِ الَّتِي نَشَأَتُ فِيهَا، أَوْ بِآراءِ وَالِدَيَّ أَوْ أَسَاتِذَتِي. وَمِنَ الصَّعْبِ جِدًّا قَطْعُ رَوابِطِ الْمَحَبَّةِ تِلْكَ وَالانْفِتاحُ عَلَى تَصْحِيحٍ نَاتِجٍ عَنْ فَهْمٍ أَفْضَلَ لِمَا يُعَلِّمُهُ الْكِتابُ الْمُقَدَّسُ. لَيْسَ هَذَا فَحَسْبُ، بَلْ إِنَّ عَمَلَ التَّفْكِيرِ بِحَدِّ ذَاتِهِ قَدْ ضَعُفَ بِفِعْلِ الْخَطِيَّةِ.

كُنْتُ أُعَلِّمُ مَادَّةَ التَّحْلِيلِ الْمَنْطِقِيِّ، وَكُنْتُ أُعْطِي فُرُوضًا لِلطُّلَّابِ بَعْدَ أَنْ تَعَلَّمُوا مُخْتَلِفَ أَنْوَاعِ الْمُغَالَطاتِ الْمَنْطِقِيَّةِ الَّتِي نَسْعَى إِلَى تَجَنُّبِهَا، وَكُنْتُ أَقُولُ "أُرِيدُ أَنْ تَأْتُوا غَدًا بِمَثَلٍ عَنِ ارْتِكابِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْمُغَالَطَاتِ الَّتِي دَرَسْنَاهَا لِلتَوْ". رُبَّمَا دَرَسْنَا عِشْرِينَ مُغَالَطَةً. وَكُنْتُ أَقُولُ "أُرِيدُ أَنْ تَأْتُوا بِأَمْثَالٍ عَنْ هَذِهِ مِنْ جَرِيدَةِ الْغَدِ". وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّعْبِ إِيجادُ مَثَلٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدةٍ مِنْ تِلْكَ الْمُغَالَطَاتِ فِي آخِرِ نَشْرَةِ أَخْبَارٍ. فِي الْوَاقِعِ، فِي كِتَابِنَا الْمَدْرَسِيِّ، عِنْدَمَا نَبْحَثُ عَنْ أَمْثِلَةٍ عَنْ تِلْكَ الْمُغَالَطَاتِ لا نَسْتَخْرِجُهَا مِنَ الصَّحَافَةِ الشَّعْبِيَّةِ، بَلْ نَسْتَخْرِجُهَا مِنْ أَعْظَمِ عُقُولٍ فِي تَارِيخِ الْعَالَمِ. كُنَّا نَرَى خَطَأً مَنْطِقِيًّا وَاضِحًا فِي تَصْرِيحٍ لأَفْلاطُونَ أَوْ دِيكارْت أَوْ لإِيمَانْوِيلَ كَانَتْ أَوْ دَايْفِيد هْيوم أَوْ جُونْ سْتِيوَارْت مِيل، لأَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ، حَتَّى الْفائِقِي الذَّكاءِ بَيْنَهُمْ، مُعَرَّضُونَ لارْتِكابِ أَخْطاءٍ مَنْطِقِيَّةٍ. أَيُمْكِنُكُمْ تَخَيُّلُ إِنْسَانٍ يُفَكِّرُ بِمَعْزِلٍ عَنِ الآثَارِ الذِّهْنِيَّةِ لِلْخَطِيَّةِ؟ حَتَّى الآنَ لَمْ يَعْرِفِ الْعَالَمُ أَيَّ إِنْسَانٍ بِلَا خَطِيَّةٍ.

إِذًا، يَسُوعُ، وَكَوْنُهُ بِلا خَطِيَّةٍ وَلَمْ يَرْتَكِبِ الْخَطِيَّةَ الأَصْلِيَّةَ، لَمْ يَضْعُفْ بِسَبَبِ هَذِهِ الْمَشَاكِلِ نَفْسِهَا الَّتِي كُنْتُ أَتَكَلَّمُ عَنْهَا، وَبِالتَّالِي كَانَ تَفْكِيرُهُ صَافِيًا جِدًّا. لَمْ يَكُنْ لِفِطْنَتِهِ نَظِيرٌ. وَلَمَّا صَارَ صَبِيًّا فِي الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْعُمْرِ كَانَ بِإِمْكانِهِ التَّفْكِيرُ بِشَكْلٍ أَكْثَرَ عُمْقًا وَثَباتًا وَفِطْنَةً مِمَّا يَفْعَلُ لاهُوتِيُّو عَصْرِهِ الأَكْثَرُ تَعَلُّمًا. هُوَ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى هُنَاكَ لِيَتَباهَى بِنَفْسِهِ، بَلْ ذَهَبَ إِلَى هُنَاكَ لِيَتَعَلَّمَ، لأَنَّ هَذَا مَا كانَ يَفْعَلُهُ طَوَالَ السَّنَواتِ الاثْنَتَيْ عَشْرَةَ الأُولَى مِنْ حَيَاتِهِ.

الآنَ تُدْرِكُونَ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ الَّتِي يُثِيرُهَا هَذَا الأَمْرُ، أَلَا وَهْيَ الْعَلاقَةُ بَيْنَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ وَالطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ. يَقُولُ الْبَعْضُ: "بِالطَّبْعِ كَانَ يَسُوعُ يَعْرِفُ الأَجْوِبَةَ عَلَى جَمِيعِ تِلْكَ الأَسْئِلَةِ. أَلَمْ يَكُنْ هُوَ اللهَ؟ وَأَلَيْسَ اللهُ كُلِّيَّ الْعِلْمِ؟" نَعَمْ، هُوَ كَانَ اللهَ الْمُتَجَسِّدَ، نَعَمْ، اللهُ كُلِّيُّ الْعِلْمِ. لَكِنْ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِطَبِيعَتِهِ الْبَشَرِيَّةِ، لَمْ يُعْطَ يَسُوعُ عَقْلًا إِلَهِيًّا، لَمْ يُعْطَ بِطَبِيعَتِهِ الْبَشَرِيَّةِ صِفَةً إِلَهِيَّةً، صِفَةَ الْمَعْرِفَةِ غَيْرِ الْمَحْدُودَةِ. كَانَ بِإِمْكَانِ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ نَقْلُ الْمَعْلُومَاتِ لِيَسُوعَ الإِنْسَانِ، وَكُنَّا نَرَى مِنْ حِينٍ لآخَرَ يَسُوعَ يُدْهِشُ النَّاسَ بِالْمَعْرِفَةِ الْفَائِقَةِ لِلطَّبِيعَةِ الْمُتَاحَةِ لَهُ، لَكِنَّ الطَّبِيعَةَ الْبَشَرِيَّةَ لَمْ تَنْقُلِ الصِّفَةَ الإِلَهِيَّةَ. عُذْرًا، الطَّبِيعَةُ الإِلَهِيَّةُ لَمْ تَنْقُلِ الصِّفَةَ الإِلَهِيَّةَ – صِفَةَ الْمَعْرِفَةِ غَيْرِ الْمَحْدُودَةِ – إِلَى الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ كَمَا حَاوَلَ الْبَعْضُ أَنْ يُثْبِتَ طَوَالَ تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ، وإِلَّا لَشَكَّلَ الأَمْرُ انْتِهاكًا لِطَبِيعَتِهِ الْبَشَرِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ.

إِذًا، بِأَيِّ حَالٍ، نَجِدُ يَسُوعَ قادِمًا إِلَى الْهَيْكَلِ. وَكَانَتْ قَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّهُ قَبْلَ سَنَةٍ مِنْ أَنْ يُصْبِحَ الصَّبِيُّ ابْنَ الْوَصِيَّةِ، تُحْضِرُهُ عَائِلَتُهُ إِلَى الْهَيْكَلِ لِكَيْ يَعْتَادَ عَلَى الإِجْراءاتِ الَّتِي يَتِمُّ اتِّباعُها فِي أُورُشَلِيمَ فِي السَّنَةِ التَّالِيَةِ. وَكانَ النَّاسُ يَأْتُونَ مِنْ بَعِيدٍ، كَانُوا يَأْتُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِلاحْتِفالِ بِعِيدِ الْفِصْحِ. هُنَا، كَانَتْ عَائِلَةُ يَسُوعَ قَادِمَةً مِنَ النَّاصِرَةِ، وَلَمْ يَأْتُوا مَعَ الْعَائِلَةِ الصَّغِيرَةِ فَحَسْبُ، بَلْ مَعَ أَبْنَاءِ الْعَمِّ وَالْعَمَّاتِ وَالأَعْمَامِ وَبَعْضِ الْمَعارِفِ مِنَ النَّاصِرَةِ، وَكَانُوا يُسَافِرُونَ مَعًا فِي قَوَافِلَ. وَكانَ مِنَ الْمُعْتَادِ أَنْ يَتَجَمَّعَ النَّاسُ مِنْ مُدُنٍ وَقُرًى مُخْتَلِفَةٍ لِلْقِيامِ بِهَذِهِ الرِّحْلَةِ. إِذًا، كانُوا يَقُومُونَ بِالرِّحْلَةِ، كَانُوا يَزُورُونَ الْمَكانَ وَيَرْحَلُونَ.

وَبَعْدَ مُرُورِ يَوْمٍ كَامِلٍ عَلَى الرَّحِيلِ، قَالَتْ مَرْيَمُ لِيُوسُفَ "أَيْنَ يَسُوعُ؟" فَقَالَ يُوسُفُ لِمَرْيَمَ "لَسْتُ أَدْرِي، ظَنَنْتُ أَنَّكِ أَنْتِ تُراقِبِينَهُ. لا بُدَّ مِنْ أَنَّهُ مَعَ سَائِرِ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ فِي الْقَافِلَةِ". فَبَحَثُوا عَنْهُ لَدَى أَصْدِقَائِهِمْ وَأَقارِبِهِمْ، وَصُدِمُوا لَمَّا لَمْ يَجِدُوا يَسُوعَ فِي أَيِّ مَكَانٍ. وَالآنَ كَانَ قَدْ مَرَّ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ عَلَى فُقْدَانِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ السَّفَرُ مَرَّةً أُخْرَى لِمُدَّةِ يَوْمٍ كَامِلٍ لِلرُّجُوعِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَاقْتِفاءِ أَثَرِ خَطْوَاتِهِمْ لِيَرَوْا إِنْ كَانَ بِاسْتِطاعَتِهِمْ إِيجادُهُ. آنَذَاكَ يُمْكِنُكُمْ تَخَيُّلُ الْقَلَقِ الَّذِي سَيْطَرَ عَلَى مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَهُمَا يَبْحَثانِ عَنِ ابْنِهِما الاسْتِثْنائِيِّ وَعَنْ مَكانِ تَوَاجُدِهِ.

إِذًا، يَتَبَيَّنُ لَنَا فِي السَّرْدِ أَنَّهُمَا بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَجَداهُ فِي الْهَيْكَلِ وَسَطَ الْمُعَلِّمِينَ. وَنَقْرَأُ مَا يَلِي "وكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ. فَلَمَّا أَبْصَرَاهُ انْدَهَشَا. وَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: "يَا بُنَيَّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هَكَذَا؟" هَذَا مَثَلٌ يُمْكِنُ اسْتِخْدَامُهُ لِلْمُجادَلَةِ ضِدَّ خُلُوِّ يَسُوعَ مِنَ الْخَطِيَّةِ، فَهَا هُوَ يُزْعِجُ مَرْيَمَ الآنَ وَهْيَ تَسْأَلُهُ: "لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هَكَذَا؟" إنَّهَا تَعْتَبِرُ الأَمْرَ إِسَاءَةً لَهَا وَلِزَوْجِهَا وَلِلْعَائِلَةِ كُلِّها. فَقَالَ يَسُوعُ "لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟" هُمَا قَالَا: "لِمَاذَا فَعَلْتَ هَكَذَا؟" فَقَالَ يَسُوعُ: "مَا خَطْبُكُمَا؟ لِمَاذَا تَطْلُبانِنِي؟ كَانَ يَجِبُ أَنْ تَعْرِفَا أَيْنَ أَنَا. كانَ يَجِبُ أَنْ تَعْرِفَا مَا أَنَا فَاعِلُهُ. "أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟ فَلَمْ يَفْهَمَا الْكَلاَمَ الَّذِي قَالَهُ لَهُمَا".

إِذًا، تُوجَدُ مُشْكِلَةٌ فِي الْمَعْرِفَةِ هُنَا. لَمْ يَعْلَمْ مَرْيَمُ وَيُوسُفُ أَيْنَ هُوَ أَوْ سَبَبُ فِعْلِهِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ، وَهْوَ كَانَ يَعْرِفُ جَيِّدًا مَا يَفْعَلُهُ، وَكَانَ يَفْهَمُ جَيِّدًا سَبَبَ قِيَامِهِ بِهِ. إذًا، يَبْدُو هُنَا أَنَّ يَسُوعَ قَامَ بِكُلِّ لُطْفٍ وَتَهْذِيبٍ وَأَدَبٍ بِانْتِهارِ أُمِّهِ لأَنَّهَا لَمْ تَعْرِفْ –عَلَى ضَوْءِ الإِعْلانِ الَّذِي تَسَلَّمَتْهُ وَلا سِيَّمَا فِي وَقْتِ الْبِشارَةِ– مَا كانَ يَجْدُرُ بِهَا أَنْ تَعْرِفَهُ. لَقَدْ كَانَتْ تَتَأَمَّلُ وَتُفَكِّرُ مَلِيًّا فِي هَذِهِ الأُمُورِ طَوَالَ تِلْكَ السَّنَواتِ مُتَسَائِلَةً "مَا هُوَ مُخَطَّطُ اللهِ لِوَلَدِي؟ ما مَعْنَى الْوِلادَةِ مِنْ عَذْرَاءَ الَّتِي اخْتَبَرَتُهَا وَالرِّسالَةِ الَّتِي تَسَلَّمَتُها مِنَ الْمَلاكِ جِبْرَائِيلَ وَمِنَ النَّبِيَّةِ حَنَّةَ لاحِقًا وَأَيْضًا مِنْ سِمْعَانَ فِي الْهَيْكَلِ؟ مَنْ هُوَ هَذَا الصَّبِيُّ؟ مَاذَا سَيُصْبِحُ؟ مَا الَّذِي يَفْعَلُهُ؟ وَهْوَ يَقُولُ "أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟"

يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَتَخَيَّلُوا مَرْيَمَ تَقُولُ: "نَعَمْ، مَا لأَبِيكَ هُوَ حِرْفَةُ النِّجارَةِ فِي النَّاصِرَةِ، وَهُناكَ يَجْدُرُ بِكَ أَنْ تَكُونَ تُساعِدُ أَباكَ". لَكِنَّ يَسُوعَ يَتَكَلَّمُ عَنْ أَبِيهِ السَّمَاوِيِّ، مَا يُعْطِينَا أَيْضًا فِكْرَةً عَنْ خِدْمَتِهِ. هُنَا فِي سِنِّ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ، وَفِي وَعْيِهِ الْمُتَنَامِي، وَفِي إِدْرَاكِهِ الْمُتَنامِي لِمُهِمَّتِهِ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ، عَلَى الأَقَلِّ هُوَ يَعْرِفُ هَذَا الْقَدْرَ، وَهْوَ أَنَّ لَدَيْهِ عَمَلًا يُتَمِّمُهُ لأَجْلِ أَبِيهِ، وَهَذَا الْعَمَلُ يَتَعَلَّقُ نَوْعًا مَا بِالْهَيْكَلِ وَبِالأُمُورِ الَّتِي تَتِمُّ مُنَاقَشَتُها هُناكَ فِي الْهَيْكَلِ. كَوْنَهُ ابْنَ اللهِ الْمُتَجَسِّدَ، نُدْرِكُ أَيْضًا وُجُودَ نَوْعٍ مِنَ الْخُضُوعِ بَيْنَ الابْنِ وَالآبِ فِي الثَّالُوثِ. نَتَكَلَّمُ عَنِ الاخْتِلافِ بَيْنَ الأَدْوارِ ضِمْنَ الثَّالُوثِ، أَيِ الاخْتِلافِ الْمُتَعَلِّقِ بِعَمَلِ اللهِ. الآبُ هُوَ مَنْ يُرْسِلُ الابْنَ، وَالابْنُ، كَمَا ذَكَرْتُ سَابِقًا، هُوَ مَنْ يَأْتِي وَيُتَمِّمُ عَمَلَ الْفِداءِ، ثُمَّ يَتِمُّ إِرْسَالُ الرُّوحِ لِتَطْبِيقِ عَمَلِ الْفِداءِ فِي حَيَاةِ النَّاسِ.

إِذًا، هُنَا الابْنُ الأَرْضِيُّ مَعَ الأُقْنُومِ الثَّانِي مِنَ الثَّالُوثِ مُدْرِكٌ لِمَسْؤُولِيَّةِ الْخُضُوعِ الْمُتَبَادَلِ هَذِهِ. وَكانَ يَسُوعُ مُلْزَمًا بِفِعْلِ مَا أَرْسَلَهُ الآبُ لِفِعْلِهِ. وَلاحِقًا قِيلَ عَنْهُ إِنَّ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ هُوَ أَنْ يَفْعَلَ مَشِيئَةَ الآبِ. وَأَظُنُّ أَنَّ مَرْيَمَ وَيُوسُفَ لَمْ يَسْتَغْرِقَا وَقْتًا طَوِيلًا، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُمَا لَمْ يَفْهَما الأَمْرَ بِرُمَّتِهِ، لَقَدْ فَهِمَا حَتْمًا أَنَّ لَدَى يَسُوعَ مُهِمَّةً أَمَامَ اللهِ كَانَ قَدْ تَمَّ إِطْلاعُهُما عَلَيْها. أُكَرِّرُ، هُمَا لَمْ يَعْرِفا التَّفَاصِيلَ، لَكِنِّي أَظُنُّ أَنَّهُمَا تَكَلَّما مُطَوَّلًا فِي طَرِيقِ الْعَوْدَةِ إِلَى النَّاصِرَةِ عَنْ هَذِهِ الْحَادِثَةِ.

لَكِنْ يَسُرُّنِي إِدْرَاجُ لُوقَا لِلأَمْر. وَلُوقَا هُوَ الْوَحِيدُ الَّذِي يُخْبِرُنَا عَنِ الأَمْرِ. وَحِينَ يَكْتُبُ لُوقَا إِنْجِيلَهُ، فِي بِدَايَةِ الإِنْجِيلِ، يُخْبِرُنَا أَنَّهُ تَعَهَّدَ بِسَرْدِ وَاقِعِ الأُمُورِ. وَالدَّلالَةُ التَّارِيخِيَّةُ هِيَ أَنَّهُ أَجْرَى مُقَابَلَةً مَعَ مَرْيَمَ، لأَنَّهُ يَصِلُنَا الْمَزِيدُ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ عَنْ وِلادَتِهِ وَطُفُولَتِهِ وَحَياتِهِ الأَرْضِيَّةِ مِنْ لُوقَا ممَّا مِنْ أَيِّ شَخْصٍ آخَرَ. إِذًا، أَنَا وَاثِقٌ مِنْ أَنَّهُ بِفَضْلِ دَعْمِ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَقُوَّتِهِ، إِلَى جَانِبِ شَهَادَةِ مَرْيَمَ، نَحْصُلُ عَلَى هَذَا السَّرْدِ الَّذِي يُعِدُّنَا لِفَهْمِ وَعْيِ يَسُوعَ الذَّاتِيَّ الْمُتَنامِي وَتَرْكِيزَهُ عَلَى الْمُهِمَّةِ الَّتِي أَوْكَلَهُ بِهَا أَبُوهُ.