المحاضرة 7: حِكْمَةُ اللهِ

هَذِهِ هِيَ الْمُحَاضَرَةُ ٧ لَنَا، وَفِيهَا سَنَنْتَقِلُ إِلَى الْأَصْحَاحِ ٢٨ مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ. الْأَصْحَاحُ ٢٨ مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ. إِنَّهُ قِطْعَةٌ أَدَبِيَّةٌ قَصِيرَةٌ؛ قَصِيدَةٌ قَصِيرَةٌ عَنِ الْحِكْمَةِ. فِي الْوَاقِعِ يُقَدِّمُ أَيُّوبُ إِجَابَتَهُ بَدْءًا مِنَ الْأَصْحَاحِ ٢٦، رَدًّا عَلَى أَقْصَرِ خِطَابٍ قَدَّمَهُ صَدِيقٌ وَهُوَ بِلْدَدُ الشُوْحِيُّ، وَدُوِّنَ فِي الْأَصْحَاحِ ٢٥. مِنْ ثَمَّ اسْتَنْفَذَ بِلْدَدُ طَاقَتَهُ عَقِبَ خَمْسِ آيَاتٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. ثُمَّ بَدَأَ أَيُّوبُ فِي رَدِّهِ. لَكِنْ فِي الْأَصْحَاحِ ٢٨، نَجِدُ قِطْعَةً أَدَبِيَّةً قَصِيرَةً. إِنَّهَا تُذَكِّرُنَا بَعْضَ الشَيْءِ بِمَقَاطِعَ أُخْرَى مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ مِثْلَ أَسْفَارِ أَدَبِ الْحِكْمَةِ؛ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ سِفْرُ الْجَامِعَةِ. وَتُذَكِّرُنَا بَعْضَ الشَيْءِ بِسِفْرِ الْأَمْثَالِ.

مَا هِيَ الْحِكْمَةُ؟ دَعُونَا نَخْتَارُ آيَةً، الْآيَةَ ١٢ مِنَ الْأَصْحَاحِ ٢٨ الَتِي تَقُولُ: "أَمَّا الْحِكْمَةُ فَمِنْ أَيْنَ تُوجَدُ، وَأَيْنَ هُوَ مَكَانُ الْفَهْمِ؟" بِطُرُقٍ عِدَّةٍ، يَتَنَاوَلُ سِفْرُ أَيُّوبُ الْحِكْمَةَ. أَيْنَ أَجِدُ جَوَابًا لِسُؤَالِ مُشْكِلَةِ الْأَلَمِ؟ أَيْنَ أَجِدُ ذَلِكَ الْحَلَّ لِلْمُعْضِلَاتِ الَتِي قَدْ أَرَّقَتْنِي مُنْذُ الْبَدْءِ؟ أَمَّا الْحِكْمَةُ فَمِنْ أَيْنَ تُوجَدُ؟ لَا أَقْصِدُ حِكْمَةَ الشَيْطَانِ وَلَا أَقْصِدُ حِكْمَةَ الْعَالَمِ، بَلْ أَقْصِدُ حِكْمَةَ اللَّهِ. يَا لَهَا مِنْ مَعْرَكَةٍ قَائِمَةٍ هُنَا، فَهِيَ مَعْرَكَةٌ مِنْ أَجْلِ الْقَلْبِ، وَهِيَ مَعْرَكَةٌ مِنْ أَجْلِ الرُوحِ، لَكِنْ هُنَاكَ مَعْرَكَةٌ قَائِمَةٌ مِنْ أَجْلِ الْعَقْلِ. إِنَّهَا مَعْرَكَةٌ مِنْ أَجْلِ الْفَهْمِ هُنَا. إِنَّهَا مَعْرَكَةٌ مَعْرِفِيَّةٌ تُشَنُّ فِي سِفْرِ أَيُّوبَ. يَقُولُ أَيْزِكْ وَاتِسْ (Isaac Watts) فِي مَقْطُوعَتِهِ لِلْمَزْمُورِ ١٤٧:

هُوَ مَنْ شَكَّلَ النُجُومَ، تِلْكَ الأَنْوَارَ فِي السَمَاءْ.

هُوَ مَنْ أَحْصَى عَدَدَهَا، وَدَعَاهَا بِأَسْمَاءْ،

فَحِكْمَتُهُ وَاسِعَةٌ وَلا تَعْرِفُ حُدودْ،

عَمِيقَةٌ تَبْتَلِعُ أَفْكَارِنَا وَعَلَيْهَا تَسُودْ.

"حِكْمَتُهُ وَاسِعَةٌ وَلَا تَعْرِفُ حُدُودْ"، أَيْنَ يُمْكِنُنِي أَنْ أَجِدَ الْحِكْمَةَ؟ فَالْأَصْحَاحُ ٢٨ يُعَدُّ نَوْعًا مِنَ الِاسْتِرَاحَةِ، وَقَصِيدَةٍ، وَلَحْظَةِ تَأَمُّلٍ. فَهُوَ يَبْحَثُ عَنِ الْقِصَّةِ بِأَكْمَلِهَا. يَبْحَثُ أَيُّوبُ عَنْ تَفْسِيرٍ حَوْلَ كَيْفَ تَسِيرُ الْأُمُورُ، أُمُورُ الْعَالَمِ وَأُمُورُ الْكَوْنِ وَكُلُّ مَا يَخُصُّ الْكَوْنَ، لِفَهْمِ كُلِّ شَيْءٍ. يَبْحَثُ عَنْ تَفْسِيرٍ شَامِلٍ لِفَهْمِ كُلِّ الْأُمُورِ مَعًا؛ لَيْسَ بَعْضِ الْمُكَوِّنَاتِ، بَلْ كُلِّ الْأُمُورِ مَعًا.

مَا هِيَ الْحِكْمَةُ؟ هَذَا أَحَدُ الْأَسْئِلَةِ الَتِي يَطْرَحُهَا الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ، بِمَا فِيهَا أَسْفَارُ الْحِكْمَةِ، تَطْرَحُ ذَلِكَ السُؤَالَ. فَفِي سِفْرِ الْجَامِعَةِ، يَسْأَلُ الْجَامِعَةُ، الْمَعْرُوفُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى بِاسْمِ كُوهِيلِيثْ (Koheleth) الِاسْمِ الْعِبْرِيِّ، يَسْأَلُ الْجَامِعَةُ: "أَمَّا الْحِكْمَةُ فَمِنْ أَيْنَ تُوجَدُ؟" فَالْحِكْمَةُ، بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ الْكِتَابِيِّ، هِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى رُؤْيَةِ الرَغْبَةِ فِي اخْتِيَارِ أَفْضَلِ هَدَفٍ وَأَسْمَاهُ مَعَ أَضْمَنِ وَسَائِلَ لتَحْقِيقِهِ. هَذِهِ هِيَ الْحِكْمَةُ الْكِتَابِيَّةُ. فَهُنَاكَ هَدَفٌ، وَهُنَاكَ أَيْضًا وَسَائِلُ لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ الْهَدَفِ. كَمَا أَنَّهُ الْهَدَفُ الْأَسْمَى، وَالْهَدَفُ الْأَفْضَلُ. أَيْنَ يُمْكِنُ إِيجَادُ هَذَا النَوْعِ مِنَ الْحِكْمَةِ؟

الْعِلْمُ يُقَدِّمُ جَوَابًا. إِنَّهُ الْكَوْنُ الَذِي نَجِدُ أَنْفُسَنَا فِيهِ. دَعُونَا نَبْدَأُ فِي الْأَصْحَاحِ ٢٨:

لِأَنَّهُ يُوجَدُ لِلْفِضَّةِ مَعْدَنٌ، وَمَوْضِعٌ لِلذَّهَبِ حَيْثُ يُمَحِّصُونَهُ. الْحَدِيدُ يُسْتَخْرَجُ مِنَ التُّرَابِ، وَالْحَجَرُ يَسْكُبُ نُحَاسًا. قَدْ جَعَلَ لِلظُّلْمَةِ نَهَايَةً، وَإِلَى كُلِّ طَرَفٍ هُوَ يَفْحَصُ. حَجَرَ الظُّلْمَةِ وَظِلَّ الْمَوْتِ. حَفَرَ مَنْجَمًا بَعِيدًا عَنِ السُّكَّانِ. بِلَا مَوْطِئٍ لِلْقَدَمِ، مُتَدَلِّينَ بَعِيدِينَ مِنَ النَّاسِ يَتَدَلْدَلُونَ.

أَيُّوبُ هُنَا يَتَحَدَّثُ عَنْ تَعْدِينِ الْمَعَادِنِ، وَالنُزُولِ إِلَى أَعْمَاقِ الْأَرْضِ بَحْثًا عَنِ الْمَعَادِنِ، بَحْثًا عَنِ الْحَدِيدِ وَالنُحَاسِ وَالْأَحْجَارِ الْكَرِيمَةِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ. وَعَبْرَ تِلْكَ الْأَنْفَاقِ يَطَأُ الْإِنْسَانُ أَمَاكِنَ لَمْ يَسْبِقْ لأَحَدٍ غَيْرِهِ أَنْ وَطَأَهَا؛ إِلَى أَعْمَاقِ الْأَرْضِ وَظُلْمَتِهَا.

وَيُوَضِّحُ فِي الْآيَةِ ٧: "سَبِيلٌ لَمْ يَعْرِفْهُ كَاسِرٌ". فَالطُيُورُ الْمُحَلِّقَةُ فِي السَمَاءِ، لَمْ تَنْزِلْ قَطُّ إِلَى تِلْكَ الْمَنَاجِمِ. فَهِيَ مَخْفِيَّةٌ عَنْهُمْ. وَمَا تَحْتَوِيهِ مَجْهُولٌ بِالنِسْبَةِ إلَيْهَا.

الْآيَةُ ١٠ تَقُولُ: "يَنْقُرُ فِي الصُّخُورِ سَرَبًا، وَعَيْنُهُ تَرَى كُلَّ ثَمِينٍ. يَمْنَعُ رَشْحَ الْأَنْهَارِ، وَأَبْرَزَ الْخَفِيَّاتِ إِلَى النُّورِ". مِنْ ثَمَّ نَجِدُ هُنَا الإنسانَ الْمُكْتَشِفَ، يَعْثُرُ عَلَى أَحْجَارٍ ثَمِينَةٍ، وَيَعْثُرُ عَلَى النُحَاسِ، وَيَعْثُرُ عَلَى الْفِضَّةِ وأيضًا الذَهَبِ وَغَيْرِهِ. لَكِنِ "الْحِكْمَةُ فَمِنْ أَيْنَ تُوجَدُ؟" فَأَنْتَ بِإِمْكَانِكَ الْحَفْرُ فِي الْأَرْضِ، وَسَتَعْثُرُ عَلَى هَذِهِ الأَشْيَاءِ لَكِنِ "الْحِكْمَةُ فَمِنْ أَيْنَ تُوجَدُ؟" لَقَدْ حَاوَلَ الْعِلْمُ الْإِجَابَةَ عَنْ هَذَا السُؤَالِ. الْحِكْمَةُ فَمِنْ أَيْنَ؟ مَا الَذِي يُفَسِّرُ سَبَبَ الْكَوْنِ؟ مِنْ أَيْنَ أَتَى الْكَوْنُ؟ هَلْ مِنَ الِانْفِجَارِ الْكَبِيرِ؟ وَمَاذَا كَانَ قَبْلَ الِانْفِجَارِ الْكَبِيرِ؟ مَا الَذِي تَسَبَّبَ فِي الِانْفِجَارِ الْكَبِيرِ؟ مَا الَذِي كَانَ هُنَاكَ قَبْلَ وُقُوعِ الِانْفِجَارِ الْكَبِيرِ بِجُزْءٍ مِنَ الثَانِيَةِ؟ وَبِالطَبْعِ، الْعِلْمُ لَا يَمْتَلِكُ أَيَّةَ إِجَابَةٍ، كُلَّ مَا يَسْتَطِيعُ الْعِلْمُ قَوْلَهُ هُوَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أيُّ شَيْءٍ.

كَذَلِكَ الْفَلْسَفَةُ حَاوَلَتِ الْإِجَابَةَ عَنْ هَذَا السُؤَالِ. إِنَّهُ السُؤَالُ عَيْنُهُ. فَهِيَ، أَيْ الْفَلْسَفَةُ، تَطْرَحُ السُؤَالَ، رُبَّمَا، عَلَى نَحْوٍ أَكْثَرَ عُمْقًا، لَكِنَّهُ لَا يَزَالُ السُؤَالَ عَيْنَهُ؛ لَكِنَّهُ مُجَرَّدُ صِيغَةٍ أَكْثَرَ تَعْقِيدًا. أُفَكِّرُ فِي، نَعَمْ، أُفَكِّرُ فِي الْمُوسِيقِيِّ جُونْ كَيْجْ (John Cage) فِي الْقَرْنِ ٢٠. الَذِي أَلَّفَ مَقْطُوعَةً مُوسِيقِيَّةً، مَقْطُوعَةً مُوسِيقِيَّةً مَشْهُورَةً لِلْغَايَةِ، مَقْطُوعَةً بِعُنْوَانِ "أَرْبَعِ دَقَائِقَ وَثَلاثٍ وَثَلاثِينَ ثَانِيَةً" وَذَلِكَ لِأَنَّ مُدَّتَهَا تَبْلُغُ ٤ دَقَائِقَ وَ٣٣ ثَانِيَةً. وَعَلَى مَا أَتَذَكَّرُ أَنَّها قَدْ عُزِفْتْ مُؤَخَّرًا فِي إِحْدَى الْحَفْلَاتِ الْمُوسِيقِيَّةِ. فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ صَمْتٍ تَامٍّ. لَا أَحَدَ يَعْزِفُ أَيَّ شَيْءٍ. فَالْأُورْكِسْتْرَا بِأَكْمَلِهَا تَجْلِسُ مَحَلَّهَا صَامِتَةً لِمُدَّةِ ٤ دَقَائِقَ وَ٣٣ ثَانِيَةً. لَقَدْ كُلِّفَ بِتَأْلِيفِ هَذِهِ الْمَقْطُوعَةِ الْمُوسِيقِيَّةِ. لَقَدْ كَانَ يُحَاوِلُ تَقْدِيمَ تَفْسِيرٍ. كَانَ يُحَاوِلُ تَقْدِيمَ تَعْرِيفٍ لِلْحِكْمَةِ. وَهِيَ أَنَّ مَا مِنْ إِجَابَةٍ. فَمَا مِنْ إِجَابَةٍ نِهَائِيَّةٍ. وَمَا مِنْ صُورَةٍ كَبِيرَةٍ. مَا مِنْ تَفْسِيرٍ شَامِلٍ وَحِيدٍ لِفَهْمِ كُلِّ الْأُمُورِ مَعًا. فَهُوَ، أَقْصِدُ جُونْ كَيْجْ، هُوَ نِتَاجُ مَذْهَبِ مَا بَعْدَ الْحَدَاثَةِ، أَوْ مَا قَدْ نُطْلِقُ عَلَيْهِ "الْحَدَاثَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ". فَمَا مِنْ صُورَةٍ كَبِيرَةٍ. لَكِنْ هُنَاكَ صُوَرٌ صَغِيرَةٌ، لَكِنْ مَا مِنْ تَفْسِيرٍ شَامِلٍ.

جُورْجْ لُوكَاسْ (George Lucas) مُخْرِجُ سِلْسِلَةِ حَرْبِ النُجُومِ وَكَاتِبُهَا، صَحِيحٌ أَنَّهُ صَدَرُ الْجُزْءُ الأَخِيرُ لَكِنْ فِي أَجْزَاءٍ سَابِقَةٍ مِنْ حَرْبِ النُجُومِ يُعَلِّقُ جُورْج لُوكَاسْ عَنْ مَعْنَى الْحَيَاةِ فَيَقُولُ: "لا تَسْأَلْ "لِمَاذَا؟" نَحْنُ هُنَا فَحَسْبُ. وَالْحَيَاةُ بَعِيدَةٌ عَنِ المَنْطِقِ". هَذِهِ هِيَ فَلْسَفَتُهُ عَنِ الْحَيَاةِ. "فَلْتَصْحَبْكَ الْقُوَّةُ"، وَمَا إِلَى ذَلِكَ. الْحِكْمَةُ فَمِنْ أَيْنَ تُوجَدُ؟ مَا مَعْنَى الْحَيَاةِ؟ فَهِيَ تَعْنِي "الْقُوَّةَ"، مَهْمَا كَانَتْ. قَلِيلٌ مِنْ هَذَا، وَبَعْضٌ مِنْ ذَلِكَ؛ قَلِيلٌ مِنَ التَصَوُّفِ الشَرْقِيِّ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ.

وَمَاذَا عَنِ الْأَبِيقُورِيِّينَ؟ فَلْنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ وَنَفْرَحْ لِأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ! مَا مِنْ تَفْسِيرٍ كُلِّي. مَا مِنْ تَفْسِيرٍ شَامِلٍ. أَمَامَكُمْ فَقَطْ اللَحْظَةُ الْحَاضِرَةُ أَوِ الْيَوْمُ. فَابْتَهَجُوا بِهِ. ابْتَهِجُوا قَدْرَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، لِأَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُون مَا يُخْفِيهِ الْغَدُ. فَمَا مِنْ صُورَةٍ كَبِيرَةٍ.

نَعَمْ، ذَلِكَ هُوَ السُؤَالُ الَذِي يَطْرَحُهُ أَيُّوبُ هُنَا فِي الْآيَةِ ١٢. أَمَّا الْحِكْمَةُ فَمِنْ أَيْنَ تُوجَدُ؟ هَلْ لِلْحَيَاةِ مَعْنًى؟ هَلْ لَهَا مَعْنًى فِي وَجْهِ الْكَوَارِثِ، أَوْ فِي وَجْهِ التَجَارِبِ، أَوْ فِي وَجْهِ الصُعُوبَاتِ؟ هَلْ نَحْنُ تَحْتَ رَحْمَةِ قُوًى عَمْيَاءَ، أوْ رَحْمَةِ الْقَدَرِ أَوْ الصُدْفَةِ؟ مَاذَا تَقُولُونَ حِينَ تَقَعُ الْكَوَارِثُ؟ فَإِحْدَى هَذِهِ الْكَوَارِثِ وَاقِعَةٌ فِي بَلَدِنَا؛ وَمَدْرَسَةُ سَانْدِي هُوكْ (Sandy Hook) الِابْتِدَائِيَّةُ مِثَالٌ عَلَى ذَلِكَ. فَإِحْدَى هَذِهِ الْمَآسِي الْفَظِيعَةِ الَتِي يُصَابُ بِهَا أَيُّ مُجْتَمَعٍ هِيَ مَقْتَلُ أَفْرَادِهِ. مَقْتَلُ شَبَابٍ وَأَطْفَالٍ وَفِتْيَةِ الْمَدَارِسِ الثَانَوِيَّةِ وَفَتَيَاتِهَا، وَطُلَّابِ الْجَامِعَةِ. مِنَ الْمُثِيرِ لِلِاهْتِمَامِ، أَنَّهُ فِي أَعْقَابِ مَأْسَاةِ مَدْرَسَةِ سَانْدِي هُوكْ الِابْتِدَائِيَّةِ، كَتَبَ صَمُوئِيلُ فِرِيدْمَانْ (Samuel Friedman) فِي صَحِيفَةِ نِيُويُورْكْ تَايِمْزْ (New York Times): "فِي أَيِّ مَأْسَاةٍ، يَبْدُو أَنَّ الْمَعْنِيِّينَ بِمَذْهَبِ الْإِنْسَانِيَّةِ غَائِبُونَ". هَلْ لَاحَظْتُمْ ذَلِكَ؟ فِي أَيِّ مَأْسَاةٍ، يَبْدُو أَنَّ الْمَعْنِيِّينَ بِمَذْهَبِ الْإِنْسَانِيَّةِ غَائِبُونَ. فَهُمْ لَا يَتَوَافَدُونَ بِشَاحِنَاتِهِمْ أَوْ غَيْرِهَا، لِيُقَدِّمُوا جَلَسَاتِ مَشُورَةٍ مِنْ مَذْهَبِ الْإِنْسَانِيَّةِ لِيَشْرَحُوا وَيُوَضِّحُوا الْمَأْسَاةَ الَتِي قَدْ وَقَعَتْ لِلتَوِّ؛ بِأَنَّهُ مَا مِنْ إِلَهٍ، وَمَا مِنْ تَفْسِيرٍ شَامِلٍ. فَفِي النِهَايَةِ، كُلُّنَا تَحْتَ رَحْمَةِ الْقُوَى الْعَمْيَاءِ الَتِي لِلصُدْفَةِ.

فِي مُجْتَمَعٍ عِلْمَانِيٍّ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ، جَمِيعُ الْجِنَازَاتِ الَتِي تَحْضُرُهَا هَذِهِ الْجَمَاعَةُ، تُلْقَى خِلالَهَا فِي الْغَالِبِ عِظَةٌ. وَمِنَ الْمُثِيرِ أَنَّهُ، فِي جِنَازَةِ مَدْرَسَةِ سَانْدِي هُوكْ الِابْتِدَائِيَّةِ، حَتَّى الرَّئِيسُ نَفْسُهُ أَلْقَى عِظَةً. فَهُوَ فِي الْوَاقِعِ اقْتَبَسَ مِنْ رِسَالَةِ كُورْنِثُوسَ الثَانِيَةِ مِنَ الْأَصْحَاحَيْنِ ٤ وَ٥. وَكَمَا تَعْلَمُونَ، إِنَّ رِسَالَةَ مَذْهَبِ الْإِنْسَانِيَّةِ غَيْرُ مُجْدِيَةٍ حِينَ تَقَعُ أَيُّ مَأْسَاةٍ، أَوْ حِينَ نَمُرُّ بِأَيِّ تَجْرِبَةٍ. فَمُتَبَنُّو مَذْهَبِ الْإِنْسَانِيَّةِ لَيْسَ لَدَيْهِمْ أَيُّ شَيْءٍ يُقَدِّمُونَهُ. لَيْسَ لَدَيْهِمْ أَيُّ شَيْءٍ يَقُولُونَهُ. هَلْ تَحْمِلُ الْحَيَاةُ أَيَّ مَعْنًى؟ هَلْ تَحْمِلُ الْحَيَاةُ أَيَّ قَصْدٍ؟ ذَلِكَ مَا فُرِضَ عَلَى أَيُّوبَ أَنْ يَسْأَلَهُ. إِنَّهُ مَا يُفْرَضُ عَلَيْنَا أَنَا وَأَنْتُمْ أَنْ نَطْرَحَهُ كُلَّمَا نَجِدُ أَنْفُسَنَا تَحْتَ رَحْمَةِ مَأْسَاةٍ مُرِيعَةٍ، أَوْ أَلَمٍ عَظِيمٍ يَشْمَلُ جَمِيعَ النَوَاحِي، أَلَمٍ عَظِيمٍ لِدَرَجَةِ أَنَّهُ يَفْرِضُ عَلَيْنَا الْأَسْئِلَةَ الصَعْبَةَ.

كَمَا تَتَذَكَّرُونَ مَا قِيلَ فِي الْأَصْحَاحِ ١٨، بِأَنْ يُسَاقَ إِلَى "مَلِكِ الْأَهْوَالِ". هَذَا كَانَ بِلَدَدِ الشُوحِيِّ. هَذِهِ كَانَتْ مَوْعِظَتَهُ. وَكَمَا تَتَذَكَّرُونَ، قَبْلَمَا أَدْلَى أَيُّوبُ بِذَلِكَ الْجَوَابِ الْمُدْهِشِ فِي نِهَايَةِ الْأَصْحَاحِ ١٩: "أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي". كَانَ بِلَدَدُ الشُوحِيُّ يَتَحَدَّثُ عَنِ الِانْقِيَادِ إِلَى "مَلِكِ الْأَهْوَالِ" وَذَلِكَ فِي مَوْعِظَتِهِ عَنِ الْمَوْتِ؛ وَعَنْ أَنَّ الْمَوْتَ هُوَ الْمُجْرِي الْعَظِيمُ لِلْمُسَاوَاةِ. الْمَوْتُ هُوَ الْمُجْرِي الْعَظِيمُ لِلْمُسَاوَاةِ. كُلُّ إِنْسَانٍ سَوْفَ يَمُوتُ، الْغَنِيُّ والْفَقِيرُ، حَسَنُ الصِيتِ وَسَيِّئُ السُمْعَةِ. كُلُّ إِنْسَانٍ سَوْفَ يَمُوتُ. فَنَحْنُ هُنَا لِفَتْرَةٍ مُؤَقَّتَةٍ. "أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً، وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ". رُبَّمَا كُوهِيلِيثْ، كَاتِبُ سِفْرِ الْجَامِعَةِ، كَانَ مُحِقًّا. فِي أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِلَا مَعْنًى، كُلَّ شَيْءٍ بَاطِلٌ. الْكُلُّ بَاطِلٌ. الْحَيَاةُ وَالْعَمَلُ وَاللَعِبُ وَالْعَلَاقَاتُ وَالصَدَاقَاتُ، فَكُلٌّ مِنْهَا بَاطِلٌ. وَكُلٌّ مِنْهَا سَرَابٌ. إِنَّهَا غَمَامَةٌ. إِنَّهَا غُبَارٌ يَظْهَرُ قَلِيلًا ثُمَّ يَضْمَحِلُّ. كُلُّ شَيْءٍ بِلَا أَيِّ مَعْنًى. كُلُّ شَيْءٍ بِلَا أَيِّ قَصْدٍ.

دَعُونَا نَعُودُ إِلَى الْأَصْحَاحِ ٧ مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ، وَتَحْدِيدًا إِلَى الْآيَةِ ١٧. وَنَقْرَأُ هُنَا عَنْ عَبَثِيَّةِ الْحَيَاةِ، فَيَقُولُ: "مَا هُوَ الْإِنْسَانُ" فِي الْآيَةِ ١٧: "مَا هُوَ الْإِنْسَانُ حَتَّى تَعْتَبِرَهُ، وَحَتَّى تَضَعَ عَلَيْهِ قَلْبَكَ؟ وَتَتَعَهَّدَهُ كُلَّ صَبَاحٍ، وَكُلَّ لَحْظَةٍ تَمْتَحِنَهُ؟" يَبْدُو هَذَا الْمَقْطَعُ كَمَا لَوْ أَنَّهُ تَمْثِيلِيَّةٌ تُجَسِّدُ الْمَزْمُورَ ٨، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ "مَا هُوَ الْإِنْسَانُ حَتَّى تَعْتَبِرَهُ، وَحَتَّى تَضَعَ عَلَيْهِ قَلْبَكَ؟" بِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ أَيُّوبَ يَسْأَلُ هَذَا فِي الْغَالِبِ، كَمَا أَعْتَقِدُ، مِنْ وُجْهَةِ نَظَرٍ تَهَكُّمِيَّةٍ. أَقْصِدُ: مَاذَا يَعْنِي الْإِنْسَانُ؟ لِمَاذَا تُثَبِّتُ تَرْكِيزَكَ عَلَى الْأَفْرَادِ؟ تُثَبِّتُ تَرْكِيزَكَ عَلَى الْإِنْسَانِ؟ "حَتَّى مَتَى"، الْآيَةُ ١٩: "حَتَّى مَتَى لَا تَلْتَفِتُ عَنِّي وَلَا تُرْخِينِي رَيْثَمَا أَبْلَعُ رِيقِي؟ أَأَخْطَأْتُ؟ مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا رَقِيبَ النَاسِ؟ لِمَاذَا جَعَلْتَنِي عَاثُورًا لِنَفْسِكَ؟"

وَإِلَى بَقِيَّةِ النَصِّ. فَأَيُّوبُ يَطْرَحُ السُؤَالَ "مَا هِيَ الْحَيَاةُ؟" وَ"مَا الْهَدَفُ مِنْهَا فِي النِهَايَةِ؟" وَ"مَا قَصْدُ وُجُودِي؟" وَ"لِمَاذَا أَنَا هُنَا؟". مَا هَذَا الَذِي كَتَبَهُ رُوبَرْتْ هِيرِيكْ (Robert Herrick)؟ -قَصِيدَةُ حَدِيقَةِ التُفَّاحِ الذَهَبِيِّ (Hesperides):

كُلَّما اسْتَطَعْتُمْ اجْمَعُوا بَرَاعِمَ الأزْهارْ،

فَالزَمَنُ الْهَرِمُ يَمْضِي كَالْبُخَارْ؛

وهَذِهِ الزَهْرَةُ عَيْنُهَا الْمُتَفَتِّحَةُ حالِيًّا،

سَتَذْبَلُ وَتَمُوتُ غَدًا.

كُلَّما اسْتَطَعْتُمْ اجْمَعُوا بَرَاعِمَ الْأَزْهَارِ لِأَنَّ الزَمَنَ يَمْضِي. والْوَقْتُ يَمُرُّ وَلَا يَعُودُ. فالسَاعَاتُ وَالدَقَائِقُ وَالثَوَانِي تَجْرِي بلَا تَوَقُّفٍ. وَغَدًا سَنَمُوتُ كُلُّنَا. وَسَنُدْفَنُ فِي الْأَرْضِ، وَفِي الْغَالِبِ سَنُنْسَى. جِيلٌ مِنَ الْآنَ، أَوْ بِالْكَثِيرِ جِيلَانِ، وَبِالْكَادِ سَنَجِدُ مَنْ يَتَذَكَّرُ وُجُودَنَا. فَمَا الْغَايَةُ مِنَ الْحَيَاةِ وَمَا مَعْنَاهَا؟

يَرْفُضُ أَيُّوبُ التَخَلِّيَ عَنْ مُعْتَقَدَاتِ إِيمَانِهِ. دَعُونَا نَعُودُ إِلَى الْأَصْحَاحِ ٢٧ وَتَحْدِيدًا إِلَى الْآيَةِ ٦ مِنْهُ الَتِي تَقُولُ: "تَمَسَّكْتُ بِبِرِّي وَلَا أَرْخِيهِ". هُنَا، يُمْكِنُكُمْ إِسَاءَةُ الظَنِّ فِي أَيُّوبَ فَتَقُولُونَ: "كَيْفَ يُمْكِنُ لِأَيِّ إِنْسَانٍ التَفَوُّهُ بِذَلِكَ؟" لَكِنْ مَا يَقُولُهُ هُنَا: "أَنَا مُتَمَسِّكٌ بِمَوْقِفِي هُنَا". إِذْ تَتَمَثَّلُ حُجَّتُهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِفْ أَيَّةَ خَطِيَّةٍ تُبَرِّرُ وُقُوعَ هَذِهِ الدَيْنُونَةِ عَلَيْهِ وَهَذِهِ التَجْرِبَةِ وَهَذِهِ الْمَشَقَّةِ. الْآنَ وَهُنَا، رُبَّمَا تُوَاجِهُونَ بَعْضَ الْمُشْكِلَاتِ مَعَ هَذَا. فَكَالْفِنْ فَقَدَ صَبْرَهُ عَلَى أَيُّوبَ مَعَ بُلُوغِهِ الْأَصْحَاحَ ٢٧. لَقَدْ كَانَ يُدَافِعُ عَنْهُ، لَكِنِ الْآنَ وَهُنَا فَقَدَ صَبْرَهُ. لَكِنْ أَنْتُمْ لَا تَفْقِدُوا صَبْرَكُمْ مَعَ أَيُّوبَ. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَيُّوبَ أَحَدُ رِجَالِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ الْمَشْهُورِينَ. وَمِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ قَدْ سَمِعْتُمْ عِبَارَةَ "صَبْرِ أَيُّوبَ".

لَكِنْ نَجِدُ هُنَا بَعْضَ التَلْمِيحِ أَنَّ أَيُّوبَ لَمْ يَكُنْ صَبُورًا. أَيُّوبُ مُتَمَسِّكٌ بِبِرِّهِ، وَأَعْتَقِدُ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ مَوْجُودَةٌ فِي رِسَالَةِ يَعْقُوبَ الرَسُولِ، نَجِدُهَا فِي الْأَصْحَاحِ ٥ مِنْ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ. فَنَحْنُ سَنَدْرُسُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي إِحْدَى الْمُحَاضَرَاتِ الْأَخِيرَةِ لِدِرَاسَتِنَا مَعًا، لَكِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ "قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ" رُبَّمَا مِنَ الْأَفْضَلِ تَرْجَمَتُهَا إِلَى "لَقَدْ سَمِعْتُمْ بِتَمَسُّكِ أَيُّوبَ" أَوْ إِلَى "لَقَدْ سَمِعْتُمْ بِتَصْمِيمِ أَيُّوبَ". فَفِي خِضَمِّ هَذِهِ التَجْرِبَةِ، حَافَظَ عَلَى تَمَسُّكِهِ بِقُوَّةٍ. فَقَدْ تَشَبَّثَ بتَمَسُّكِهِ وَتَصْمِيمِهِ بِشِدَّةٍ. وَنَرَى هُنَا فِي الْآيَةِ ٦ مِنَ الْأَصْحَاحِ ٢٧: "تَمَسَّكْتُ بِبِرِّي وَلَا أَرْخِيهِ".

أَيُّوبُ يَتَبَنَّى مُعْتَقَدًا إِيمَانِيًّا، وَيَتَمَثَّلُ هَذَا الْمُعْتَقَدُ الْإِيمَانِيُّ فِي أَنَّهُ رَجُلٌ مُسْتَقِيمٌ، فِي إِنَّهُ رَجُلٌ تَقِيٌّ. فَهُوَ يُحِبُّ الرَبَّ. فَقَدْ كَرَّسَ حَيَاتَهُ لِخِدْمَةِ الرَبِّ. فَهُوَ لَيْسَ بِلَا خَطِيَّةٍ، لَكِنَّ اللَّهَ نَفْسَهُ قَدْ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ فِي مُقَدِّمَةِ السِفْرِ. فَاَللَّهُ أَيْضًا قَدْ أَكَّدَ شَهَادَةَ أَيُّوبَ. "تَمَسَّكْتُ بِبِرِّيٍّ". كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَقْتَنِعْ بِتَفْسِيرِ أَصْدِقَائِهِ وَلَا بِمَنْظُورِهِمْ لِلْعَالَمِ بِأَنَّ الْأَلَمَ وَالْمُعَانَاةَ دَائِمًا مَا يَكُونَا عُقُوبَةً، وَدَيْنُونَةً مِنَ اللَّهِ دَائِمًا، وَقِصَاصًا، وَأَنَّكَ تَأْخُذُ مِنَ الْحَيَاةِ مَا تَضَعُهُ فِيهَا. أَنْتَ تَحْصُدُ مَا تَزْرَعُهُ. إِنَّهُ النَشِيدُ الْوَحِيدُ الذِي عَلَى لِسَانِهِمْ، وَالَذِي ظَلُّوا يُرَدِّدُونَهُ حَتَّى النِهَايَةِ. كَانَتْ حُجَّتُهُمْ مُرِيعَةً، لَكِنَّهُمْ رَافَعُوا عَنْهَا بِبَرَاعَةٍ. أَمَّا حُجَّةُ أَيُّوبَ فَكَانَتْ صَائِبَةً، لَكِنَّهُ لَمْ يَبْرَعْ فِي الدِفَاعِ عَنْهَا. "تَمَسَّكْتُ بِبِرِّي". بِمَاذَا تُعَزُّونَ إِنْسَانًا يَمُرُّ بِأَلَمٍ أَوْ بِتَجْرِبَةٍ أَوْ بِضِيقَةٍ؟ مَعَ أَنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ شَخْصٌ مُؤْمِنٌ وَتَقِيٌّ. إِنَّهُ شَخْصٌ ذُو إِيمَانٍ. إِنَّهُ شَخْصٌ يُحِبُّ الرَبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. إِنَّهُ شَخْصٌ يَتْبِعُ الرَبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ. إِنْسَانٌ يُرِيدُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ كُلَّ شَيْءٍ فِي حَيَاتِهِ، لَكِنْ تَظَلُّ هَذِهِ التَجَارِبُ تَقَعُ، وَهَذِهِ الصُعُوبَاتُ تُقَابِلُهُ. وَرُبَّمَا يَقُولُ: "مَا الْهَدَفُ مِنْ هَذَا بِرُمَّتِهِ؟ مَا جَدْوَى هَذَا بِرُمَّتِهِ؟ مَا جَدْوَى التَقْوَى؟ مَا جَدْوَى اتِّبَاعِ الرَبِّ يَسُوعَ؟ مَا جَدْوَى الْإِنْجِيلِ؟ اُنْظُرُوا إِلَيَّ. تَأَمَّلُوا مَا قَدْ حَاقَ بِي". وَأَنْتَ عَلَى بُعْدِ شَعْرَةٍ فَقَطْ مِنْ مَذْهَبِ التَهَكُّمِيَّةِ؛ أَنْ تَكُونَ مُتَهَكِّمًا عَلَى الْحَيَاةِ، أَنْ تَكُونَ مُتَهَكِّمًا عَلَى اللَّهِ. وَرُبَّمَا أَنْتَ نَفْسُكَ تَطْرَحُ هَذَا السُؤَالَ. "أَمَّا الْحِكْمَةُ فَمِنْ أَيْنَ تُوجَدُ، وَأَيْنَ هُوَ مَكَانُ الْفَهْمِ؟"

الآنَ، دَعُونَا نَتَتَبَّعُ هَذِهِ الحُجَّةَ. الآيَةُ ١٣ مِنَ الأَصْحَاحِ ٢٨:

لَا يَعْرِفُ الْإِنْسَانُ قِيمَتَهَا وَلَا تُوجَدُ فِي أَرْضِ الْأَحْيَاءِ. الْغَمْرُ يَقُولُ: لَيْسَتْ هِيَ فِيَّ، وَالْبَحْرُ يَقُولُ: لَيْسَتْ هِيَ عِنْدِي. لَا يُعْطَى ذَهَبٌ خَالِصٌ بَدَلَهَا، وَلَا تُوزَنُ فِضَّةٌ ثَمَنًا لَهَا. لَا تُوزَنُ بِذَهَبِ أُوفِيرَ أَوْ بِالْجَزْعِ الْكَرِيمِ أَوِ الْيَاقُوتِ الْأَزْرَقِ. لَا يُعَادِلُهَا الذَّهَبُ وَلَا الزُّجَاجُ، وَلَا تُبْدَلُ بِإِنَاءِ ذَهَبٍ إِبْرِيزٍ.

لَا يُمْكِنُكَ شِرَاءُ الْحِكْمَةِ. حَتَّى وَإِنْ كُنْتَ رَجُلَ أَعْمَالٍ أَوْ رَائِدَ أَعْمَالٍ. حَتَّى وَإِنْ حَقَّقَتْ الْمَلَايِينَ، بَلْ حَتَّى وَإِنْ حَقَّقَتْ الْمِلْيَارَاتِ مِنَ الْأَمْوَالِ. حَتَّى وَإِنِ امْتَلَكْتَ طَائِرَةً خَاصَّةً وَ١٧ مَنْزِلًا فِي أَمَاكِنَ شَتَّى. حَتَّى وَإِنْ حَقَّقَتْ كُلَّ هَذَا فِي هَذَا الْعَالَمِ. حَتَّى وَإِنْ نَجَحَتْ فِي تَحْقِيقِ كُلِّ ذَلِكَ. فَأَنْتَ مِثَالٌ، نَعَمْ، أَفْضَلُ مِثَالٍ لِلرَأْسِمَالِيَّةِ. وَقَدْ نَجَحْتَ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ. وَرُبَّمَا لَمْ تَكُنْ تملِكُ شَيْئًا، لَكِنَّكَ الْآنَ تَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ. وَقَدْ تَسَلَّقْتَ السُلَّمَ. لَقَدْ نَجَحْتَ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ. فَأَنْتَ أَحَدُ أَعْظَمِ الْأَمْثِلَةِ فِي الْإِلْهَامِ الْأَمْرِيكِيِّ، ثَرِيٌّ عِصَامِيٌّ. لَكِنْ، هَلْ اشْتَرَيْتَ الْحِكْمَةَ؟ هَلْ يُمْكِنُكَ شِرَاءُ الْحِكْمَةِ؟ هَلْ يُمْكِنُكَ الذَهَابُ إِلَى الْمَتْجَرِ؟ هَلْ يُمْكِنُكَ تَصَفُّحُ مَتْجَرٍ إِلِكْتِرُونِيٍّ، وَتَضَعُهَا وَتُضِيفُهَا، أَيْ الْحِكْمَةَ، إِلَى عَرَبَةِ الْمُشْتَرَيَاتِ وَتَشْتَرِيهَا، وَيُوصِلُهَا إِلَيْكَ عَامِلُ التَوْصِيلِ فِي شَاحِنَةٍ، شَاحِنَةٍ بُنِّيَّةِ اللَوْنِ أَوْ شَاحِنَةِ فِيدِكْسْ (FedEx)، وَتَأْتِي إِلَيْكَ فِي صُنْدُوقٍ مَكْتُوبٍ عَلَيْهِ "حِكْمَةٌ"، فَهَا هِيَ الْحِكْمَةُ، لِفَهْمِ كُلِّ الْأُمُورِ. إِنَّهَا مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ فَهْمِ كُلِّ الْأُمُورِ. فَتَفْتَحُ الصُنْدُوقَ، وَتَجِدُهَا عِبَارَةً عَنْ جِهَازٍ مِنْ شَرِكَةِ أَمَازُونْ (Amazon)، ذَلِكَ الْجِهَازِ الَذِي يَبْتَاعُونَهُ حَالِيًّا، الَذِي يُدْعَى أَلِكْسَا (Alexa)، فَتَتَحَدَّثُ إِلَيْهَا، وَتُجِيبُكَ بِمَا تَرْغَبُ فِيهِ، فَهَذَا الْجِهَازُ قَدْ يُزَوِّدُكَ بِالْحِكْمَةِ. "أَعْطِينِي الْحِكْمَةَ. أَخْبِرِينِي، أَخْبِرِينِي عَنِ الْحِكْمَةِ". فَتَتَوَقَّفُ عَنِ الْحَدِيثِ إِلَيْهَا، تَتَوَقَّفُ لِثَانِيَةٍ وَإِذَا بِضَوْءٍ أَزْرَقَ خَافِتٍ يَشِعُّ، وَيَقُولُ لَكَ: "أَنَا لَا أَفْهَمُ سُؤَالَكَ".

لَقَدْ بَحَثَ أَيُّوبُ عَنِ الْحِكْمَةِ. الْعَالَمُ يَبْحَثُ عَنِ الْحِكْمَةِ. الشَبَابُ يَبْحَثُونَ عَنِ الْحِكْمَةِ. طُلَّابُ الْجَامِعَةِ يَبْحَثُونَ عَنِ الْحِكْمَةِ؛ يَبْحَثُونَ عَنْ مَعْنَى الْحَيَاةِ، مَا الَذِي يَشْرَحُ كُلَّ الْأُمُورِ مَعًا. "لِمَاذَا أَنَا هُنَا؟" وَ"مَا هِيَ غَايَتِي؟" وَ"مَا هِيَ وَظِيفَتِي؟" لِذَا، أَيُّوبُ كَانَ يَتَخَيَّلُ هَذَا فِي تَشْبِيهِ التَعْدِينِ عَنِ الذَهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ.

الْإِنْسَانُ يَسْتَطِيعُ فِعْلَ الْكَثِيرِ جِدًّا. فَلَا يُصَدَّقُ مَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ فِعْلَهُ. فَهَلْ يَقْتَنِي الْإِنْسَانُ الْحِكْمَةَ؟ هَلْ هُوَ يُدْرِكُ هُوِيَّتَهُ؟ أَمَّا الْحِكْمَةُ فَمِنْ أَيْنَ تُوجَدُ؟ ثُمَّ تَرَوْنَ جَوَابَ أَيُّوبَ فِي الْآيَةِ ٢٣ الَتِي تَقُولُ:

"اللَّهُ يَفْهَمُ طَرِيقَهَا، وَهُوَ عَالِمٌ بِمَكَانِهَا". فِي الْوَاقِعِ، إِنَّهُ مُجَرَّدُ تَلْمِيحٍ بَسِيطٍ إِلَى مَا السَبِيلُ الْمُتَّجِهُ إِلَيْهِ سِفْرُ أَيُّوبَ. أَيْنَ تَجِدُونَ التَفْسِيرَ الشَامِلَ الَذِي يَشْرَحُ كُلَّ الْأُمُورِ وَيَرْبُطُهَا مَعًا، الَذِي يَفْهَمُ حَتَّى مُشْكِلَةَ الْأَلَمِ وَالْمُعَانَاةِ؟ وَالْإِجَابَةُ هِيَ: اللَّهُ يَفْهَمُ هَذِهِ الْمُشْكِلَةَ. فَأَيُّوبُ هُنَا قَدْ بَدَأَ فِي إِدْرَاكِ أَنَّ ذَلِكَ الْإِنْسَانَ، الَّذِي بِمَجْهُودِهِ وَبَحْثِهِ، لَا يَسْتَطِيعُ فَحْصَ أَعْمَاقِ الْوَاقِعِ الَذِي يَنْطَوِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ مِثْلِ الْأَلَمِ وَالْمُعَانَاةِ. لَكِنَّ اللَّهَ يَسْتَطِيعُ، فَالْخُضُوعُ لَهُ، وَالثِقَةُ بِهِ هُمَا حَيْثُ نَجِدُ الْحِكْمَةَ.