المحاضرة 2: الأَلَمُ وَالْمُعَانَاةُ

الآنَ، انْتَقِلُوا مَعِي إِلَى الأَصْحَاحِ ٢ مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ لِنَقْرَأَ سَوِيًّا الآيَةَ الافْتِتَاحِيَّةَ.

وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ لِيَمْثُلَ أَمَامَ الرَّبِّ.

الآنَ، تَذْكُرُونَ مِنَ الْمُحَاضَرَةِ الأُولَى، فِي الأَصْحَاحِ ١، أَنَّ الشَيْطَانَ كَانَ قَدْ جَاءَ إِلَى مَحْضَرِ اللهِ. فِي الأَصْحَاحِ ١ وَالآيَةِ ٦ نَقْرَأُ: "وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ. فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: "مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟"". وَفِي نِهَايَةِ الأَصْحَاحِ ١، سُمِحَ لِلشَيْطَانِ بِتَدْمِيرِ حَيَاةِ أَيُّوبَ؛ وَتَدْمِيرِ أُسْرَتِهِ إِذْ فَقَدَ أَبْنَاءَهُ ١٠، وَخَسَارَةِ أَيُّوبَ كُلَّ مَا لَهُ مِنْ ثَرْوَةٍ. إِذْ كَانَتْ ثَرْوَةُ أَيُّوبَ فِي صُورَةِ جِمَالٍ وَمَوَاشٍ وَمَا إِلَى ذَلِكَ. كَانَ رَجُلًا فَاحِشَ الثَرَاءِ.

ثُمَّ فِي الأَصْحَاحِ ٢. كَانَ قَدْ وُضِعَ حَدٌّ لِلشَيْطَانِ فِي الأَصْحَاحِ ١ بِأَنْ يُهْلِكَ كُلَّ مَا لأَيُّوبَ، لَكِنْ أَلَّا يَقْتَرِبَ مِنْ أَيُّوبَ نَفْسِهِ. لَكِنَّ الشَيْطَانَ اشْتَكَى قَائِلًا: "هَلْ مَجَّانًا" فِي الآيَةِ ٩ مِنَ الأَصْحَاحِ قَائِلًا: "هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟"، "هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟" أَيْ أَنَّ السَبَبَ الْوَحِيدَ لِمَخَافَةِ أَيُّوبَ للهِ يَكْمُنُ فِي الْحَيَاةِ الرَغْدَةِ. إِذْ يَمْتَلِكُ كُلَّ شَيْءٍ، فَالْحَيَاةُ لَمْ تَقْسُ عَلَى أَيُّوبَ، فهو يَتَمَتَّعُ بِرَغَدِ الْعَيْشِ. لَكِنِ ارْفَعْ عَنْهُ كُلَّ هَذَا، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ. أَيُّوبُ لَمْ يَقْتَرِفْ ذَلِكَ. فَفِي الآيَةِ ٢١ مِنَ الأَصْحَاحِ ١، أَجَابَ أَيُّوبُ قَائِلًا: "الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ "فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا".

وَالآنَ قَدْ أُحْضِرَ الشَيْطَانُ أَمَامَ اللهِ مَرَّةً أُخْرَى. فَيُعَرِّفُهُ اللهُ بِأَنَّ أَيُّوبَ "رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. وَإِلَى الْآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ، وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لِأَبْتَلِعَهُ بِلَا سَبَبٍ" (الآيَةُ ٣)، "بِلا سَبَبٍ"، يَا لَهَا مِنْ عِبَارَةٍ مُثِيرَةٍ لِلاهْتِمَامِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ إِنَّهَا الْكَلِمَةُ الْعِبْرِيَّةُ "هِينُّومْ". بِمَعْنَى أَنَّ اللهَ يَقُولُ لِلشَيْطَانِ: "لَقَدْ هَيَّجْتَنِي لأُؤْذِيَ عَبْدِي أَيُّوبَ إِذْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَيُّ سَبَبٍ وَبِلا أَيِّ دَاعٍ". الأَمْرُ الَذِي قَدْ يُثِيرُ بِدَاخِلِنَا شُعُورًا بِأَنَّ الْحَيَاةَ غَيْرُ عَادِلَةٍ؛ وَأَنَّهَا حَيَاةٌ عَشْوَائِيَّةٌ. فَإِنْ كَانَ اللهُ ذَاتُهُ يُوقِعُ أَحْدَاثًا بِدُونِ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَيُّ سَبَبٍ، وَبِلا أَيِّ داعٍ لِوُقُوعِهَا، وَعَلَى الأَرْجَحِ بِلا أَيِّ مُبَرِّرٍ أَوْ عَلَى الأَقَلِّ يَبْدُو كَذَلِكَ. يَبْدُو كَذَلِكَ لِلشَيْطَانِ. وَأَحْيَانًا يَبْدُو كَذَلِكَ لَنَا. يَفْعَلُ اللهُ صَنِيعَهُ حَسَبَ عِنَايَتِهِ وَحَسَبَ أَمْرِ سِيَادَتِهِ. فَهُوَ يَسْمَحُ بِحُدُوثِ الأُمُورِ. وَيَبْدُو أَنَّهَا بِلا أَيِّ سَبَبٍ. وَيَبْدُو أَنَّها بِلا أَيِّ دَاعٍ.

لَقَدْ مَرَرْتُ بِضَيْقَةٍ مَا مُنْذُ ٢٠ سَنَةً تَقْرِيبًا، كَانَتْ ضِيقَةً شَخْصِيَّةً، وَمَسْأَلَةً عَائِلِيَّةً. وَأَتَذَكَّرُ حَدِيثِي إِلَى صَدِيقٍ عَزِيزٍ مُقَرَّبٍ إِلَيَّ، كَانَ أُسْتَاذًا لِلْعَهْدِ الْقَدِيمِ. وَحْدَهُمْ أَسَاتِذَةُ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ مَنْ قَدْ يَكْتُبُونَ مُلَاحَظَاتٍ مِثْلَ التَالِيَةِ وَقَالَ فِيهَا: "لَقَدْ يَئِسْتُ مِنْ مُحَاوَلَةِ فَهْمِ الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ، لَكِنِّي أَتَسَاءَلُ إِذَا كُنْتَ قَدِ اخْتَبَرْتَ أَحَدَ اخْتِبَارَاتِ هِينُّومْ هَذِهِ؟" فَكَانَ عَلَيَّ الْبَحْثُ عَنْ مَعْنَى كَلِمَةِ هِينُّومْ هَذِهِ. فَأَدْرَكْتُ أَنَّهَا كَلِمَةٌ عِبْرِيَّةٌ، وَفَهِمْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتَبِسُ مِنَ الْأَصْحَاحِ ٢ مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ بِأَنَّهُ يَبْدُو لَنَا أَحْيَانًا أَنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ أُمُورًا غَيْرَ مَنْطِقِيَّةٍ، بِلَا أَيِّ سَبَبٍ، وَبِلَا أَيِّ مُبَرِّرٍ ظَاهِرٍ يُمْكِنُنَا اسْتِيعَابُهُ.

أُفَكِّرُ فِي قَصِيدَةِ "هُجُومِ اللِّوَاءِ الْخَفِيفِ" (Charge of the Light Brigade) لِلشَاعِرِ أَلْفِرِيدْ لُورْدْ تِينِيسُونْ (Alfred Lord Tennyson). وَهِيَ قَصِيدَةٌ عَنِ الْقُوَّاتِ الرُوسِيَّةِ فِي حَرْبِ الْقَرْمِ فِي خَمْسِينِيَّاتِ الْقَرْنِ التَاسِعَ عَشَرَ تَقْرِيبًا. "لَيْسَ لَنَا أَنْ نَسْأَلَ لِمَاذَا. مَا لَنَا سِوَى الذَهَابِ وَالْمَوْتِ". أَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ نَسْعَى لِلْحَيَاةِ وَتَجَارِبِهَا وَصُعُوبَاتِهَا؟ لَا نَسْأَلُ عَنْ سَبَبٍ. لَا نَطْلُبُ مُبَرِّرًا؟ نُطِيعُ فَحَسْبُ. فَنَحْنُ مُجَرَّدُ جُنُودٍ فِي الْمَعْرَكَةِ وَلَيْسَ لَنَا الْحَقُّ فِي الِاسْتِفْسَارِ، أَوْ السُؤَالِ عَنِ الْعَوَامِلِ الَتِي خَلْفَ سِيَاسَاتٍ وَقَرَارَاتٍ مُعَيَّنَةٍ. مُهِمَّتُنَا هِيَ الطَاعَةُ فَحَسْبُ. أَنْ تُطِيعَ وَتَمُوتَ فَحَسْبُ. هَلْ الْأَمْرُ هَكَذَا؟

إِنَّهُ يَوْمٌ آخَرُ. فِي الْأَصْحَاحِ ٢ وَالْآيَةِ ١: "وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللَّهِ". يَوْمٌ آخَرُ. مَرَّةً أُخْرَى، "وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ"، يَوْمًا ثَانِيًا. لَمْ نُخْبَرْ كَمِ الْمُدَّةُ الْفَاصِلَةُ بَيْنَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَانِي.  وَفِي هَذِهِ الْمَرَّةِ، أَجَابَ الشَيْطَانُ الرَبَّ؛ فَيَقُولُ فِي الْآيَةِ ٤:

جِلْدٌ بِجِلْدٍ، وَكُلُّ مَا لِلْإِنْسَانِ يُعْطِيهِ لِأَجْلِ نَفْسِهِ. وَلَكِنْ ابْسِطِ الْآنَ يَدَكَ وَمَسَّ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ".  فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: "هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلَكِنِ احْفَظْ نَفْسَهُ".

أُعْطِيَ الشَيْطَانُ الْإِذْنَ. هُنَاكَ حُدُودٌ لَهُ. "وَلَكِنِ احْفَظْ نَفْسَهُ". وَضَعَ اللَّهُ الْحَدَّ. إِذْ قَالَ: "إِلَى هَذَا الْحَدِّ وَلَا تَتَخَطَّاهُ. لَكِنْ دَاخِلَ هَذَا الْحَدِّ، دَاخِلَ هَذَا الْحَدِّ أَوْ هَذَا الْجَانِبِ مِنَ الْحُدُودِ، لَكَ أَنْ تفْعَلَ مَا يَحْلُو لَكَ، ومَا يَرُوقُ لَكَ. قَدْ تَمَسَّهُ، لَكِنْ لَا تَقْتُلْهُ".

يُثِيرُ هَذَا دُفْعَةً مِنَ الْمُشْكِلَاتِ، وَعَدَدًا مِنَ الْقَضَايَا، وَكَثْرَةً مِنَ الصُعُوبَاتِ. يُثِيرُ قَضَايَا مُتَعَلِّقَةً بِالْعَافِيَةِ. أَلا يَقُولُ الْبَشَرُ: "إِذَا كُنْتَ تَتَمَتَّعُ بِعَافِيَتِكَ، فَقَدْ مَلَكْتَ كُلَّ شَيْءٍ؟" الْبَشَرُ يَقُولُونَ هَذَا، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ هَذَا لَيْسَ صَحِيحًا بِالطَبْعِ، لَا مَعْنَى لَذَلِكَ. قَدْ تَمْتَلِكُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُعْوِزُكَ الْعَافِيَةُ. مَا وَقْعُ هَذِهِ الْفَلْسَفَةِ عَلَى شَخْصٍ مَرِيضٍ، شَخْصٍ سَقِيمٍ، شَخْصٍ أُصِيبَ بِالسَرَطَانِ، وَيُصَارِعُ ضِدَّهُ؟ هَلْ فَقَدُوا كُلَّ شَيْءٍ؟ أَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا سُعَدَاءَ؟ أَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجِدُوا الرِضَا؟ أَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجِدُوا غَايَةً مَنْطِقِيَّةً وَمَعْنًى لِلْحَيَاةِ وَفِيهَا؟ هَلْ فَقَدُوا كُلَّ شَيْءٍ لِأَنَّهُمْ مَرِضُوا؟

لا، نَحْنُ لا نُؤْمِنُ بِذَلِكَ. "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ" يَعْقُوبُ الأَصْحَاحُ ١ وَالآيَةُ ٢. وَسَيَسْتَطْرِدُ يَعْقُوبُ لِيَتَحَدَّثَ عَنْ أَيُّوبَ فِي الأَصْحَاحِ ٥ مِنْ رِسَالَتِهِ.

لَقَدِ اخْتَبَرَ أَيُّوبُ الْمَرَضَ، مَرَضًا يُشْبِهُ مَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِ الإِيْدْزْ رُبَّما، حَيْثُ يَخُورُ الْجَسَدُ وَتَتَفَشَّى الْقُرُوحُ عَلَى الْبَشَرَةِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ. يُوَضِّحُ السِفْرُ بَعْضَ خَوَاصِّ هَذَا الْمَرَضِ. إِذْ بَدَا أَنَّ أَسْنَانَهُ قَدْ تَسَاقَطَتْ، وَأَنْفَاسَهُ عَفِنَتْ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّ عِبَارَةَ "جِلْدٍ عَلَى عَظْمٍ" قَدْ أَتَتْ مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ. مَرَضٌ مُنْهِكٌ. وَقَدْ حَاوَلَ الْبَعْضُ تَصْنِيفَهُ عَسَى يَكُونُ دَاءَ الْفِيلِ. فِي الْآيَةِ ٨ مِنَ الْأَصْحَاحِ ٢ نَقْرَأُ وَصْفًا دَقِيقًا يَقُولُ: "فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقَفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسَطِ الرَّمَادِ". تِلْكَ الْقُرُوحُ الَتِي يَرْغَبُ الْمَرْءُ فِي حَكِّهَا، وَحِينَ يَشْرَعُ، لَا يَكُفُّ عَنْ حَكِّهَا. سَأَدْفَعُكُمْ لِحَكِّ أَجْسَادِكُمُ الْآنَ. لَكِنْ أتَفْهَمُونَ؟ إِنَّهُ مَرَضٌ، لَكِنَّهُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ؛ إِنَّهُ مَرَضٌ يُهَدِّدُ الْحَيَاةَ. ومَرَضٌ يُشْعِرُهُ بِخَطَرِ فُقْدَانِ حَيَاتِهِ.

فَهَلِ الْمَرَضُ جُزْءٌ مِنْ مَشِيئَةِ اللهِ لَنَا؟ هَلِ الْمَرَضُ جُزْءٌ مِنْ خُطَّةِ اللهِ لَنَا؟ وَإِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِسِيَادَةِ اللهِ، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِأَنَّ مَا مِنْ شَيْءٍ يَحْدُثُ خَارِجَ أَمْرِ اللهِ، كَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَحْدُثُ، لأَنَّ اللهَ أَمَرَ بِحُدُوثِهِ، أَمَا مِنْ شَيْءٍ يَحْدُث خَارِجَ الْمَشِيئَةِ الْقَضَائِيَّةِ للهِ الْقَدِيرِ؟ إِذَا كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِهَذَا النَوْعِ مِنَ السِيَادَةِ، سَتَرَوْنَ الْمَرَضَ جُزْءًا مِنْ خُطَّةِ اللهِ وَقَصْدِهِ. لا شَيْءَ يَخْرُجُ عَنْ سِيَادَتِهِ، حَتَّى السَقَمُ، وَالْمَرَضُ هُمَا جُزْءٌ مِنْ خُطَّةِ اللهِ. لَكِنَّ هَذَا يُثِيرُ قَضَايَا مِثْلَ مُشْكِلَةِ الأَلَمِ وَمُشْكِلَةِ الْمُعَانَاةِ. فَإِمَّا اللهُ يَفْتَقِرُ إِلَى الْقُوَّةِ إِمَّا يَفْتَقِرُ إِلَى الصَلاحِ. فَإِنْ كَانَ اللهُ ذَا سِيَادَةٍ، فَحَتْمًا سَيَفْتَقِرُ إِلَى الصَلاحِ - سَيَكُونُ غَيْرَ صَالِحٍ، أَوْ إِنَّهُ صَالِحٌ لَكِنْ يَفْتَقِرُ إِلَى السِيَادَةِ. هَذِهِ مُعْضِلَةٌ قَدِيمَةُ الْعَهْدِ. كَيْفَ يَكُونُ كِلاهُمَا صَحِيحًا، وَيَنْهَشُ الْمَرَضُ جَسَدَ أَبْنَائِهِ؟ فَقَدْ تُنْكِرُونَ قُدْرَتَهُ. قَدْ يَكُونُ هَذَا أَحَدَ الْمَسَارَاتِ الْفَلْسَفِيَّةِ اللَاهُوتِيَّةِ المُتَّخَذَةِ: أَنْ تُنْكِرُوا قُدْرَتَهُ. كَمَا يَقُولُ مَثَلًا الْمُعَلِّمُ الْيَهُودِيُّ كُوشْنَر (Kushner) فِي كِتَابِ حِينَ يُصِيبُ الشَرُّ الصَالِحِينَ. حِينَ يَقَعُ الشَرُّ عَلَى الصَالِحِينَ، يَنْتَابُكَ شَكٌّ حِيَالَ السِفْرِ، بِأَنَّهُ مَا مِنْ إِنْسَانٍ صَالِحٍ. فَكُلُّنَا، أَجْمَعُونَ خُطَاةٌ. فَكُلُّنَا بِالطَبِيعَةِ أَبْنَاءُ آدَمَ السَاقِطُونَ، لَكِنْ دَعُونَا نُعْطِي الْمُعلِّمَ كُوشْنَر الْحَقَّ فِي هَذَا. حِينَ يُصِيبُ الشَرُّ الصَالِحِينَ، دَعُونَا نُعَدِّلُ الْعُنْوَانَ قَلِيلًا: حِينَ يُصِيبُ الشَرُّ شَعْبَ اللهِ. حِينَ يُصِيبُ الشَرُّ الْمُؤْمِنِينَ. فَالْمُؤْمِنُونَ يُصَابُونَ بِالسَرَطَانِ. الْمُؤْمِنُونَ يُصَابُونَ بِالْخَرَفِ. الْمُؤْمِنُونَ يَفْقِدُونَ أَطْرَافَهُمْ، شَعْبُ اللهِ والأَتْقَى مِنْ بَيْنِ شَعْبِ اللهِ.

أَسْتَحْضِرُ بَعْضَ الذِكْرَيَاتِ عَنْ أَصْدِقَاءٍ لِي يُحِبُّونَ الرَبَّ وَيَخْدُمُونَه كَوُعَّاظٍ. أَتَذَكَّرُ جَلِيًّا وَاعِظًا أَمِينًا عَزِيزًا وَغَاليًا عَلَى قَلْبِي، أَحَبَّ الْحَقَّ وَأَحَبَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ وَأَحَبَّ عَقَائِدَ النِعْمَةِ. أَذْكُرُ أَنَّهُ ذَاتَ مَرَّةٍ كانَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَكِنْ مَقْلُوبًا، وَيَتَلَفَّظُ بِكَلِمَاتٍ بَذِيئَةٍ. كَانَ قَدْ فَقَدَ الْقُدْرَةَ عَلَى إِدْرَاكِ الْوَاقِعِ تَمَامًا. فَقَدْ كَانَ قَدْ تَاهَ فِي غَيْبَةٍ بَعِيدَةٍ. لَمْ أَسْتَطِعْ حَتَّى التَوَاصُلَ مَعَهُ مِنْ بَعْدِهَا. وَأَتَذَكَّرُ اجْتَمَاعِي لِلصَلاةِ مَعَهُ ذَاتَ مَرَّةٍ، وَكَانَ يَلْعَنُنِي. هَذَا كَانَ وَاعِظًا بِالإِنْجِيلِ، وَفِي قَرَارَةِ نَفْسِي، أَتَسَاءَلُ: "لِمَاذَا يَا رَبِّي؟ لِمَاذَا هَذَا الرَجُلُ؟ إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، إِنَّهُ رَجُلٌ تَقِيٌّ، فَقَدْ قَضَى حَيَاتَهُ بِأَسْرِهَا يُنَادِي بِعَقَائِدِ النِعْمَةِ وَيَعِظُ بِالإِنْجِيلِ، وَقَدِ اسْتَخْدَمْتَهُ أَنْتَ بِقُدْرَةٍ؟ وَالآنَ، وَفِي خَرِيفِ حَيَاتِهِ، يَبْدُو وَكَأَنَّهُ سُمِحَ لِلشَيْطَانِ أَنْ يُوقِعَ بِهِ أَشَرَّ تَجَارِبِهِ. لِمَاذَا؟

رُبَّمَا اللهُ لَيْسَ بِالْقُوَّةِ الَتِي تَظُنُّهُ بِهَا. هَذَا مَا يُرَدِّدُهُ المُعَلِّمُ كُوشْنَر بِقَوْلِهِ حِينَ يُصِيبُ الشَرُّ الصَالِحِينَ. اللهُ لَيْسَ، اللهُ لَيْسَ مُتَسَلِّطًا؛ الشَيْطَانُ هُوَ الْمُتَسَلِّطُ. نَحْنُ نَحْيَا فِي عَالَمٍ ثُنَائِيِّ الْقُوَى؛ فَأَحْيَانًا يَكُونُ اللهُ هُوَ الْمُتَسَلِّطُ، وَفي أَحْيَانٍ أُخْرَى، يَكُونُ الشَرُّ هُوَ الْمُتَسَلِّطُ. الشَيْطَانُ هُوَ الْمُتَسَلِّطُ. الأَمْرُ يُشْبِهُ رَمْيَ عُمْلَةٍ لِلْقُرْعَةِ. بِحَسَبِ إِلَى أَيِّ جَانِبٍ تَقِفُ. بِحَسَبِ فِي أَيِّ إِطَارٍ زَمَنِيٍّ تَكُونُ. بِحَسَبِ أَيِّ رَقْمٍ بَرِيدِيٍّ تَتْبَعُ. فَرُبَّمَا تَتْبَعُ رَقْمًا بَرِيدِيًّا لِمِنْطَقَةٍ تُسَيْطِرُ عَلَيْهَا السِيَادَةُ، ثُمَّ تَسْلُكُ الطَرِيقَ السَرِيعَ ثُمَّ تَنْعَطِفُ وَفَجْأَةً تَجِدُ نَفْسَكَ فِي عَطْفَةٍ أَوْ زُقَاقٍ. فِي ثُقْبٍ، أَوْ فِي طَيَّةٍ فَضَائِيَّةٍ فِيهَا الشَرُّ هُوَ الْمُتَسَلِّطُ. الشَرُّ هُوَ الْمُسَيْطِرُ. فَهَذَا هُوَ الْعَالَمُ الَذِي نَحْيَا فِيهِ. هَذَا الرَأْيُ أَحَدُ الْحُلُولِ لِمُشْكِلَةِ الأَلَمِ.

بَيْنَمَا الآخَرُ يَتَمَثَّلُ فِي نُكْرَانِ صَلَاحِ اللهِ. اللهُ ذُو سِيَادَةٍ نَعَمْ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِالضَرُورَةِ صَالِحًا؛ أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ صَالِحًا بِالنَحْوِ الَذِي تَرَاهُ عَلَيْهِ صَالِحًا. الإِسْلامُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا. الإِسْلامُ يَتَبَنَّى السِيَادَةَ، مَشِيئَةَ اللهِ. فَكُلُّ شَيْءٍ ضِمْنَ مَشِيئَةِ اللهِ. بِغَضِّ النَظَرِ عَنْ مَاهِيَّتِهِ، إِنَّهُ مَشِيئَةُ اللهِ. فتُغْتَصَبُ النِسَاءُ وَيُهْتَكُ الأَطْفَالُ وتُقْطَعُ الرُؤُوسُ بِلا أَيِّ سَبَبٍ وَاضِحٍ، سِوَى أَنَّهُ مَشِيئَةُ الله. فَاللهُ لَيْسَ بِصَالِحٍ. فَالصَلاحُ مِنَ الصِفَاتِ الثَانَوِيَّةِ فِي عَقِيدَةِ اللهِ فِي الإِسْلامِ.

أَوْ تُنْكِرُ الأَلَمَ ذَاتَهُ، بِالقَوْلِ إِنَّ الأَلَمَ لَيْسَ وَاقِعِيًّا. الأَلَمُ مُجَرَّدُ أَمْرٍ غَيْبِيٍّ مِنْ نِتَاجِ خَيَالِكَ. مَارِي بَيْكِر إِيدِي (Mary Baker Eddy) مُؤسِّسَةُ طَائِفَةِ الْمَسِيحِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ. تَرُوقُ لِي هَذِهِ الْمُزْحَةُ الْفُكَاهِيَّةُ. وَيَنْبَغِي لَكُمْ مَعْرِفَةُ أَنَّ دِيل (Deal) مَكَانٌ فِي مَدِينَةِ كِنْتْ (Kent) بِالْقُرْبِ مِنْ رَامْزْجَيْت (Ramsgate)، جَنُوبِي شَرْقِي إِنْجِلْتِرَا. فَقَدْ قَالَ عَالِمٌ مَسِيحِيٌّ مِنْ دِيل ذَاتَ مَرَّةٍ: "عَلَى الرَغْمِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ وَاقِعِيًّا، حِينَ أَجْلِسُ عَلَى دَبُّوسٍ فَيَخْتَرِقُ بَشَرَتِي، فَلا يَرُوقُ لِي مَا أَتَخَيَّلُ أَنِّي أَشْعُرُ بِهِ. عَلَيْكَ بِالتَمَعُّنِ فِي الأَمْرِ، لَكِنَّهَا مُزْحَةٌ صَغِيرَةٌ جَمِيلَةٌ عَنِ الطَبِيعَةِ غَيْرِ الْمَنْطِقِيَّةِ لِلتَظَاهُرِ بِأَنَّ الأَلَمَ لَيْسَ حَقِيقِيًّا. لأَنَّكَ بِالتَأْكِيدِ تَخْتَبِرُ ذَلِكَ، لَكِنَّكَ "تَتَوَهَّمُ" أَنَّكَ فَقَطْ تَخْتَبِرُهُ، عِنْدَمَا تَجْلِسُ عَلَى دَبُّوسٍ. بِالنِسْبَةِ إِلَى غَالِبِيَّتِنَا هَذَا أَمْرٌ غَيْرُ مَنْطِقِيٍّ تَمَامًا. الأَلَمُ وَاقِعٌ حَقِيقِيٌّ فِي حَيَاتِنَا وَوَسَطَ عَائِلاتِنَا وَفِي مَنَازِلِنَا وَفِي كَنَائِسِنَا وَفِي الْعَالَمِ مِنْ حَوْلِنَا.

فَالْعَالَمُ مُمْتَلِئٌ بِالْجُرُوحِ وَالأَمْرَاضِ. إِذْ إِنَّ الْمَرَضَ مُسَيْطِرٌ عَلَى حَيَاةِ الْبَعْضِ، مُسَيْطِرٌ عَلَى عَائِلاتٍ وَعَلَى زِيجَاتٍ. يُفَكِّرُ الْمَرْءُ فِي طِفْلٍ يُعَانِي السَرَطَانَ وَيُعَالَجُ فِي الْمُسْتَشْفَى. مِنْ رَسَائِلَ تُرْسَلُ، كَمَا أَرْسَلُوا لِي الْأُسْبُوعَ الْمَاضِيَ، تُوحِي بِأَنَّ هَذَا الطِفْلَ رُبَّمَا لَنْ يَعِيشَ طَوِيلًا. ثُمَّ، بِعِنَايَةِ اللَّهِ السِيَادِيَّةِ، يَحْدُثُ تَحَوُّلٌ وَتَهِلُّ الْأَخْبَارُ السَارَّةُ وَمُؤَشِّرٌ يَدُلُّ، رُبَّمَا، وَعَبْرَ مَسَارٍ طَوِيلٍ وَصَعْبٍ إِلَى حَدٍّ مَا، بأنَّ الْأَمَلَ يَعُودُ مَرَّةً أُخْرَى. لَقَدْ جَازَ بَعْضُكُمْ بِهَذَا قَبْلًا. يَعْرِفُ بَعْضُكُمْ تَمَامًا مَا أَقْصِدُهُ.

هَلْ مَشِيئَةُ اللَّهِ الشِفَاءُ دَائمًا؟ مِنَ الْوَاضِحِ كَلَّا. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، كَانَ تِيمُوثَاوِسُ يُعَانِي آلَامًا فِي الْمَعِدَةِ، رُبَّمَا قُرْحَةً، إِحْدَى تِلْكَ الْقُرَحِ الْمُلْتَهِبَةِ؛ رُبَّمَا عَانَى ارْتِجَاعًا حَمْضِيًا، قَبْلَ زَمَنِ الْأَدْوِيَةِ الْمَوْصُوفَةِ الْآنَ وَالْأَدْوِيَةِ الْجَيِّدَةِ وَالْأَدْوِيَةِ الْفَعَّالَةِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ، فَنَصَحَهُ بُولُسُ قَائِلًا: "اسْتَعْمِلْ خَمْرًا قَلِيلًا مِنْ أَجْلِ مَعِدَتِكَ". كَانَتْ نَصِيحَةً لِأَغْرَاضٍ صِحِّيَّةٍ، كَمَا تَعْلَمُونَ. أَوْ تَرْكَهُ لِتُرُوفِيمُسَ مَرِيضًا فِي أَفَسُسَ. هَذَا هُوَ الرَسُولُ الَذِي كَانَ يَمْتَلِكُ قُوَّاتٍ لِصُنْعِ عَجَائِبَ وَإِجْرَاءِ مُعْجِزَاتٍ. لَكِنَّهُ اضْطُرَّ أَنْ يَتْرُكَ تُرُوفِيمُسَ خَلْفَهُ. فَحَتَّى بُولُسُ الرَسُولُ لَمْ يَكُنْ بِاسْتِطَاعَتِهِ شِفَاءُ كُلِّ إِنْسَانٍ. ثُمَّ نَقْرَأُ فِي 2 كُورْنِثُوسَ ١٢ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا حَتَّى عَلَى شِفَاءِ نَفْسِهِ. كَانَ فِي جَسَدِهِ تِلْكَ الشَوْكَةُ، أَيًّا كَانَتْ. فَرُبَّمَا كَانَتْ سَقَمًا فِي نَظَرِهِ، لِأَنَّهُ بِسَبَبِ شَيْءٍ مَا قَالَ إِلَى أَهْلِ غَلَاطِيَةَ: "اُنْظُرُوا، مَا أَكْبَرَ الْأَحْرُفَ الَّتِي كَتَبْتُهَا إِلَيْكُمْ بِيَدِي!" وَقَدْ صَلَّى ٣ مَرَّاتٍ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُزِيلَهَا اللَّهُ، لَكِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْتَجِبْ وَلَمْ يُزِلْهَا. لِذَا لَا يُعَدُّ الشِفَاءُ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ دَوْمًا. إِذْ يَقْصِدُ اللَّهُ لِبَعْضِنَا السَيْرَ فِي طُرُقِ ضَعْفِ صِحَّةِ الْجَسَدِ وَضَعْفِ صِحَّةِ الْعَقْلِ. مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ لِلْبَعْضِ مِنْ شَعْبِهِ، كَمَا كَانَ الْأَمْرُ لِأَيُّوبَ. مَرَضٌ هُزَالٌ مُنْهِكٌ مُرِيعٌ أَوْشَكَ عَلَى وَضْعِ حَدٍّ لحَيَاتِهِ.

وَهُنَا نَتَعَرَّفُ عَلَى زَوْجَةِ أَيُّوبَ. فَنَحْنُ لَمْ نَسْمَعْ عَنْهَا قَبْلًا. فَنَتَعَرَّفُ عَلَى زَوْجَةِ أَيُّوبَ فِي نِهَايَةِ الأَصْحَاحِ ٢. إِذْ نَقْرَأُ:

فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِهِ. فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقَفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسْطِ الرَّمَادِ. فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: "أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ اللهَ وَمُتْ!".

"بَارِكِ اللهَ وَمُتْ!" وَالَتِي جَاءَتْ فِي تَرْجَمَاتٍ أُخْرَى "جَدِّفْ عَلَى اللَّهِ وَمُتْ" أَوْ "الْعَنِ اللَّهَ وَمُتْ". عَلَى مَدَارِ الْقُرُونِ، لَمْ يَمْدَحِ الْمُفَسِّرُونَ زَوْجَةَ أَيُّوبَ. فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا أُوغَسْطِينُوسُ بِوَصْفِ "دِيَابُولِي أَدِيُوتْرِيكْسْ" (diaboli adiutrix). لَسْتُمْ بِحَاجَةٍ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَاتِينِيَّةِ لِتَعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مَدْحًا. إِنَّهَا "مُسَاعِدَةُ الشَيْطَانِ"، كَمَا قَالَ أُوغُسْطِينُوسُ. أَمَّا كَالْفِنْ، الَذِي أَلْقَى ١٥٩ عِظَةً مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ مِنْ عَامِ ١٥٥٤ إِلَى ١٥٥٥، عَلَى مَدَارِ ١٤ شَهْرًا. عِظَاتٍ لَمْ تُلْقَ فِي أَيَّامِ الأحد. بَلْ كَانَتْ عِظَاتٍ تُلْقَى فِي مُنْتَصَفِ الْأُسْبُوعِ، عَظَاتٍ وَقْتَ الْغَدَاءِ فِي أَيَّامِ الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ، وَأَحْيَانًا فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ التَالِي؛ وَظَلَّتْ عَلَى هَذَا الِانْتِظَامِ الدَوْرِيِّ. لَكِنَّ الْأَمْرَ اسْتَمَرَّ ١٤ شَهْرًا، فِي مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ ١٦. وَكَانَ كَالْفِنْ قَدْ أَشَارَ إِلَى زَوْجَةِ أَيُّوبَ بِوَصْفِ "أُورْجَانُومْ سَاتَانِي" (organum satani). مَرَّةً أُخْرَى، هُوَ لا يَمْدَحُهَا بَلْ يَعْنِي أَنَّهَا "عُضْوٌ فِي الشَيْطَانِ". أَمَّا تُومَا الْإِكْوِينِيُّ فَقَالَ: "لَقَدْ اسْتَبْقَى الشَيْطَانُ زَوْجَةَ أَيُّوبَ لِهَذَا الْغَرَضِ تَحْدِيدًا، فَكَانَتْ أَدَاتَهُ الَتِي اسْتَخْدَمَهَا".

لَكِنْ لَطَالَمَا شَعَرْتُ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ الْآخَرِينَ اتَّسَمُوا بِالْحِدَّةِ الْمُفْرِطَةِ فِي تَفْسِيرَاتِهِمْ لِزَوْجَةِ أَيُّوبَ الْمِسْكِينَةِ. كَمَا تَعْلَمُونَ، لَقَدْ فَقَدَتْ هِيَ أَيْضًا أَبْنَاءَهَا الْعَشَرَةَ. فَرُبَّمَا نَجِدُ تَفْسِيرًا وَسَطِيًّا لِهَذِهِ الْآيَةِ: فَهِيَ تَقُولُ لِزَوْجِهَا، بَعْدَمَا اسْتَنْتَجَتْ أَنَّ سَبَبَ بَلِيَّتِهِمَا وَمَعَانَاتِهِمَا أَنَّ الرَّبَّ قَدْ لَعَنَهُمَا، فَهِيَ لَا تُرِيدُ رُؤْيَةَ زَوْجِهَا يُعَانِي الْمَزِيدَ، "بَارِكِ اللَّهَ وَمُتْ وَأنْهِ الْأَمْرَ سَرِيعًا".

أَمَّا جَوَابُ أَيُّوبَ فَكَانَ بِالطَبْعِ: "تَتَكَلَّمِينَ كَلَامًا كَإِحْدَى الْجَاهِلَاتِ!" الْجَهْلُ بِالْمَفْهُومِ الْكِتَابِيِّ هُنَا. قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: "لَيْسَ إِلَهٌ"، بِهَذَا الْمَعْنَى. فَهِيَ تَكَلَّمَتْ مِنْ مَنْظُورٍ دُنْيَوِيٍّ شَرِّيرٍ. فَكَمَا لَوْ كَانَتْ تَتَحَدَّثُ مِنْ مَنْظُورٍ إِلْحَادِيٍّ. فَتَحَدَّثَتْ مِثْلَ النَاكِرِينَ لِوُجُودِ اللَّهِ. "أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالشَّرَّ لَا نَقْبَلُ؟ فِي كُلِّ هَذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ". يَا لَهُ مِنْ تَصْرِيحٍ صَاعِقٍ مِنْ أَيُّوبَ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ "أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالشَرَّ لَا نَقْبَلُ؟" مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. كَمَا تَرَوْنَ، تَشَبُّثُ أَيُّوبَ بِعَقِيدَةِ سِيَادَةِ اللَّهِ حَتَّى فِي مَرَضِهِ. لا يَقْبَلُ الْخَيْرَ فَحَسْبُ، بَلْ الشَرَّ أَيْضًا. لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ إِنَّ اللَّهَ صَانِعُ الشَرِّ. فَيَقُولُ إِقْرَارُ إِيمَانِ وَسْتْمِنِسْتَرْ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، وَإِقْرَارُ الْإِيمَانِ الْمُعَمَّدَانِيُّ لِسَنَةِ ١٦٨٩ مِنَ الْقَرْنِ ١٧، بِحَسَبِ اتِّبَاعِهِمْ لِلَاهُوتِ الْعُصُورِ الْوُسْطَى فِي هَذَا الْأَمْرِ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ صَانِعَ الشَرِّ. وَإِلَّا فَإِنَّ هَذَا سَيَجْعَلُ اللَّهَ ذَاتَهُ خَاطِئًا. فَمَا الرَابِطُ بَيْنَ اللَّهِ وَالشَرِّ؟ اللَّهُ هُوَ الْمُسَيْطِرُ، فَمَا مِنْ شَيْءٍ يَحْدُثُ خَارِجَ سُلْطَانِهِ، لَكِنَّ الْأُمُورَ تَحْدُثُ حَسَبَ الْعِلَلِ الْأُولَى وَالثَانَوِيَّةِ. الْأُمُورُ تَحْدُثُ حَسَبَ الْعِلَلِ الْأُولَى وَالثَانَوِيَّةِ. وَمَرَّةً أُخْرَى، هَذِهِ لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ عَقِيدَةٍ مُصْلَحَةٍ. وَلَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ عَقِيدَةٍ بِيُورِيتَانِيَّةٍ مِنَ الْقَرْنِ ١٧. بَلْ فِي الْوَاقِعِ كَانَتْ عَقِيدَةَ تُومَا الْإِكْوِينِيِّ مِنَ الْعُصُورِ الْوُسْطَى.

"أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالشَّرَّ لَا نَقْبَلُ؟" مَاذَا يَقُولُ أَيُّوبُ لَنَا؟ فِي الْوَاقِعِ، مَهْمَا كَانَتِ الْإِجَابَةُ الْفَلْسَفِيَّةُ وَاللَّاهُوتِيَّةُ عَنْ سُؤَالِ مُشْكِلَةِ الْأَلَمِ، فَمِنَ الْمُهِمِّ لِلْغَايَةِ أَنْ نَحْيَا حَيَاتَنَا بِيَقِينٍ مُطْلَقٍ أَنَّ مَا مِنْ شَيْءٍ خَارِجَ سُلْطَانِ اللَّهِ وَتَحَكُّمِهِ الْمُطْلَقِ، فِي السَرَّاءِ وَالضَرَّاءِ، فِي الْخَيْرِ أَوِ الشَرِّ. مَاذَا يَقُولُ بُولُسُ فِي الْآيَةِ ٢٨مِنَ الأَصْحَاحِ ٨ مِنْ رِسَالَةِ رُومِيَةَ؟ "كُلُّ الْأَشْيَاءِ"، وَهَذَا يَقِينُنَا، "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ". هَذَا مَا يَنْبَغِي أَنْ نَتَّكِلَ عَلَيْهِ. وَهَذَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَزِّيَنَا.