المحاضرة 6: بغض الله

بَيْنَما نُتابِعُ دِرَاسَتَنا لِمَحَبَّةِ اللهِ فِي حَلْقَتِنا الْمَاضِيَةِ، تَكَلَّمْنا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ السِّيادِيَّةِ فِي اخْتِيارِهِ شَعْبًا لِلْخَلاصِ. وَكُلَّمَا تَصارَعْنا بِشَأْنِ مَسْأَلَةِ اخْتِيارِ الْمَفْدِيِّينَ وَالأَشْخاصِ الَّذِين يَتِمُّ التَّغاضِي عَنْهُمْ نَسْأَلُ عَنْ حُدُودِ مَحَبَّةِ اللهِ. فِي الْوَاقِعِ، عِنْدَمَا نَدْرُسُ رِسالَةَ رُومِيَةَ والأصْحاحَ 9 نَرَى إِشارَاتٍ إِلَى بُغْضِ اللهِ، وَلَيْسَ بُغْضَ الإِنْسانِ للهِ، بَلْ بُغْضُ اللهِ للنَّاسِ. وَهَذَا الأَمْرُ يَجْعَلُنا نَرْتَجِفُ فِعْلًا، لأَنَّنَا اعْتَدْنَا التَّفْكِيرِ أَنَّهُ لا يُمْكِنُ للهِ أَنْ يَشْعُرَ بِالْبُغْضِ تُجاهَ خَلِيقَتِهِ.

فَلْنُلْقِ نَظْرَةً عَلَى هَذَا النَّصِّ الصَّعْبِ الَّذِي نَجِدُهُ فِي رُوْمِيَةَ 9 حَيْثُ نُصادِفُ فِكْرَةَ بُغْضِ اللهِ. نَبْدَأُ فِي الأَصْحَاحِ 9 وَالآيَةِ 6، حَيْثُ يَقُولُ بُولُسُ "وَلَكِنْ لَيْسَ هَكَذَا حَتَّى إِنَّ كَلِمَةَ اللهِ قَدْ سَقَطَتْ. لأَنْ لَيْسَ جَمِيعُ الَّذِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ، وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعًا أَوْلاَدٌ. بَلْ «بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ». أَيْ لَيْسَ أَوْلاَدُ الْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ اللهِ، بَلْ أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلًا. لأَنَّ كَلِمَةَ الْمَوْعِدِ هِيَ هَذِهِ: «أَنَا آتِي نَحْوَ هَذَا الْوَقْتِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ابْنٌ». هُنَا نَجِدُ عَقِيدَةَ الاخْتِيارِ؛ "وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ"، يَقُولُ بُولُسُ، "بَلْ رِفْقَةُ أَيْضًا، وَهِيَ حُبْلَى مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ أَبُونَا. لأَنَّهُ وَهُمَا لَمْ يُولَدَا بَعْدُ، وَلاَ فَعَلَا خَيْرًا أَوْ شَرًّا، لِكَيْ يَثْبُتَ قَصْدُ اللهِ حَسَبَ الِاخْتِيَارِ، لَيْسَ مِنَ الأَعْمَالِ بَلْ مِنَ الَّذِي يَدْعُو، قِيلَ لَهَا: «إِنَّ الْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ». كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ».

هُنَا يَطْرَحُ بُولُسُ السُّؤالَ مُسْتَبِقًا رُدُودَ فِعْلِ قُرَّائِهِ "فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ عِنْدَ اللهِ ظُلْمًا؟ حَاشَا! لأَنَّهُ يَقُولُ لِمُوسَى: «إِنِّي أَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ"، (هَذِهِ سِيادَةُ نِعْمَةِ اللهِ)، "وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ». فَإِذًا لَيْسَ لِمَنْ يَشَاءُ وَلاَ لِمَنْ يَسْعَى، بَلْ لِلَّهِ الَّذِي يَرْحَمُ". ثُمَّ جاءَ فِي الآيَةِ 18: "فَإِذًا هُوَ يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُقَسِّي مَنْ يَشَاءُ". إذًا، بَيْنَما نَتَطَرَّقُ إِلَى هَذِهِ الْعَقِيدَةِ نَجِدُ التَّصْرِيحَ الأَصْعَبَ عَلَى الإِطْلاقِ؛ "أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ". بِالطَّبْعِ، حِينَ يَسْتَعْمِلُ بُولُسُ هَذَا الأُسْلُوبَ إِنَّهُ يَسْتَهِلُّهُ بِكَلِمَةِ "مَكْتُوب"، لأَنَّ مَا يَكْتُبُهُ فِي رُومِيَةَ 9 تِسْعَةٍ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِبُغْضِ اللهِ لِعِيسُو هُوَ اقْتِباسٌ مُبَاشِرٌ مِنَ الأَصْحاحِ الأَوَّلِ مِنْ سِفْرِ النَّبِيِّ مَلاخِي فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ.

هُنَا، نَقْرَأُ لِلْمَرَّةِ الأُولَى النَّصَّ الَّذِي جاءَ فِيهِ أَنَّ اللهَ يُبْغِضُ شَعْبَهُ، فِي الأَصْحاحِ الأَوَّلِ. سَأُنْعِشُ ذَاكِرَتَكُمْ، حَيْثُ نَقْرَأُ فِي الأَصْحاحِ الأَوَّلِ ثِقْلَ كَلِمَةِ الرَّبِّ لإِسْرائِيلَ عَلَى لِسانِ مَلاخِي "أَحْبَبْتُكُمْ، قَالَ الرَّبُّ. وَقُلْتُمْ: بِمَا أَحْبَبْتَنَا؟ أَلَيْسَ عِيسُو أَخًا لِيَعْقُوبَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ". كَيْفَ يَجْدُرُ بِنَا أَنْ نَفْهَمَ ذَلِكَ؟ تُوجَدُ طُرُقٌ عِدَّةٌ لِتَنَاوُلِ هَذَا النَّصِّ الصَّعْبِ، وَقَدْ تَنَاوَلَهُ مُفَسِّرُونَ مُخْتَلِفُونَ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ. الطَّرِيقَةُ النَّمُوذَجِيَّةُ لِتَفْسِيرِ هَذَا النَّصِّ الصَّعْبِ تَقْضِي بِالتَّأَمُّلِ فِي هَذِهِ الْكَلماتِ أَوَّلًا عَلَى لِسانِ مَلاخِي، وَمِنْ ثَمَّ حِينَ تَكَرَّرَتْ عَلَى لِسانِ الرَّسُولِ بُولُسَ فِي رِسالَةِ رُومِيَةَ، بِبَسَاطَةٍ كَأُسْلُوبٍ لِلْكلامِ، كَنَوْعٍ مِنْ عِلْمِ اللُّغَةِ والدِّراساتِ الْعِبْرِيَّةِ وَكَتَعْبِيرٍ اصْطِلاحِيٍّ لا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ بِالْمَعْنَى الْحَرْفِي الْمُباشِرِ، بَلْ إِنَّهُ يُعَبِّرُ بِبَساطَةٍ عَنْ فِكْرَةِ نَوْعٍ مِنَ التَّفْضِيلِ.

وَثَمَّةَ خَلْفِيَّةٌ كِتابِيَّةٌ وَسَابِقَةٌ لِتَفْسِيرِ كَلِماتٍ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فِي طَرِيقَةِ الْكَلامِ هَذِهِ عَلَى أنَّها نَوْعٌ مِنَ التَّفْضِيلِ، حَيْثُ إنَّنا إِنْ تَرْجَمْناهَا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، فَإِنَّنَا نَقُولُ إِنَّ اللهَ يُعْلِنُ بِبَسَاطَةٍ أَنَّهُ فَضَّلَ يَعْقُوبَ عَلَى عِيسُو، أَوْ أَنَّ مَحَبَّتَهُ لِيَعْقُوبَ أَعْظَمُ مِنْ مَحَبَّتِهِ لِعِيسُو. إِنَّهُ يُحِبُّ الاثْنَيْنِ، لَكِنَّهُ يُحِبُّ أَحَدَهُما أَكْثَرَ مِنَ الآخَرِ، وَبُغْيَةَ التَّعْبِيرِ عَنِ التَّفْضِيلِ وَعَنْ شِدَّةِ الْمَحَبَّةِ الَّتِي يُكِنُّهَا لِيَعْقُوبَ مُقَارَنَةً بِعِيسُو عَنْ طَرِيقِ التَّبَايُنِ، الْمَحَبَّةُ الأَعْظَمُ الَّتِي يُكِنُّهَا اللهُ لِيَعْقُوبَ تَجْعَلُ مِنَ الْمَحَبَّةِ الَّتِي يُكِنُّها لِعِيسُو تَبْدُو مِثْلَ الْبُغْضِ لَدَى الْمُقارَنَةِ بَيْنَهُما.

يُوجَدُ أَسَاسٌ تَارِيخِيٌّ لِذَلِكَ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، فَلْنُلْقِ نَظْرَةً عَلَى ذَلِكَ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ. فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ فِي الأَصْحَاحِ 29 نَجِدُ سَرْدًا لِعَلاقَةِ يَعْقُوبَ بِزَوْجَتَيْهِ رَاحِيلَ وَلَيْئَةَ، تَذَكَّرُوا كَيْفَ أَنَّ حَماهُ لابانَ خَدَعَهُ حَيْثُ تَوَصَّلا إِلَى اتِّفاقٍ يَقْضِي بِأَنْ يَخْدُمَ لابانَ لِسَبْعِ سَنَواتٍ، وَبِأَنَّهُ نَتِيجَةَ تِلْكَ الْعُبُودِيَّةِ يُعْطِيهِ لابانُ ابْنَتَهُ رَاحِيلَ زَوْجَةً. وَبَعْدَ أَنْ خَدَمَ سَبْعَ سَنَواتٍ، فِي تِلْكَ الأَثْناءِ لَمْ تَكُنِ الابْنَةُ الْبِكْرُ قَدْ تَزَوَّجَتْ، فَتَراجَعَ لابانُ عَنِ الاتِّفاقِ وَدَسَّ لَيْئَةَ فِي فِراشِ يَعْقُوبَ، وقالَ لَهُ "إِنْ أَرَدْتَ رَاحِيلَ فَسَيَكُونُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَزَوَّجَ لَيْئَةَ أَوَّلًا، وَأَنْ تَعْمَلَ لِسَبْعِ سَنَواتٍ أُخْرَى لِكَيْ تَحْصُلَ عَلَى رَاحِيلَ". وَهْوَ كانَ مُلْتَزِمًا جِدًّا بِراحِيلَ لِدَرَجَةِ أَنَّهُ وَافَقَ عَلَى ذَلِكَ لِكَيْ يَرْبَحَ يَدَهَا فِي الزَّوَاجِ.

وَالآنَ نَتَفَقَّدُ هَذِهِ الْعَائِلَةَ الَّتِي تَأَسَّسَتْ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَنَقْرَأُ فِي الآيَةِ 31 مِنَ الأَصْحاحِ 29 مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ "ورَأى الرَّبُّ أنَّ لَيْئَةَ مَكْرُوهَةٌ"، لاحِظُوا أَنَّ وَصْفَ عَلاقَةِ يَعْقُوبَ بِلَيْئَةَ، زَوْجَتِهِ الأُولَى، هُوَ أَنَّ لَيْئَةَ مَكْرُوهَةٌ. "فَفَتَحَ رَحِمَهَا، وَأمَّا رَاحِيلُ فَكَانَتْ عَاقِرًا. فَحَبِلَتْ لَيْئَةُ وَوَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ رَأُوبَيْنَ. لأنَّهَا قَالَتْ: «إنَّ الرَّبَّ قَدْ نَظَرَ إلَى مَذَلَّتِي. إنَّهُ الْآنَ يُحِبُّنِي رَجُلِي». وَحَبِلَتْ أيْضًا وَوَلَدَتِ ابْنًا، وَقَالَتْ: «إنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ أنِّي مَكْرُوهَةٌ فَأعْطَانِي هَذَا أيْضًا». فَدَعَتِ اسْمَهُ «شَمْعُونَ». وَحَبِلَتْ أيْضًا وَوَلَدَتِ ابْنًا، وَقَالَتِ: «الْآنَ هَذِهِ الْمَرَّةَ يَقْتَرِنُ بِي رَجُلِي، لأنِّي وَلَدْتُ لَهُ ثَلاثَةَ بَنِينَ»".

مَعَ كُلِّ حَمْلٍ مِنْ حَالاتِ الْحَمْلِ الثَّلاثِ تِلْكَ كانَتْ لَيْئَةُ تَرْجُو أَنْ يُحِبَّها يَعْقُوبُ، لأَنَّهُ كَمَا يَبْدُو، وَفِي تَصَوُّرِها عَلَى الأَقَلِّ، وَوَفْقَ مَا جَاءَ فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ أَنَّهُ تَصَوُّرُ اللهِ، كانَتْ غَيْرَ مَحْبُوبَةٍ. لَكِنْ إِنْ رَجَعْنَا آيَةً وَاحِدَةً إِلَى الْوَراءِ فِي الآيَةِ 29، لا، فَلْنَرْجِعْ إِلَى الآيَةِ 28 "فَفَعَلَ يَعْقُوبُ هَكَذَا. فَأكْمَلَ أسْبُوعَ هَذِهِ، فَأعْطَاهُ رَاحِيلَ ابْنَتَهُ زَوْجَةً لَهُ. وَأعْطَى لابَانُ رَاحِيلَ ابْنَتَهُ بَلْهَةَ جَارِيَتَهُ جَارِيَةً لَهَا. فَدَخَلَ (يَعْقُوبُ) عَلَى رَاحِيلَ أيْضًا". وَإِلَيْكُمْ بَيْتَ الْقَصِيدِ؛ "وَأحَبَّ أيْضًا رَاحِيلَ أكْثَرَ مِنْ لَيْئَةَ".

لاحِظُوا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ "أَحْبَبْتُ رَاحِيلَ وَأَبْغَضْتُ لَيْئَةَ" أَوْ "أَحَبَّ رَاحِيلَ وَأَبْغَضَ لَيْئَةَ". كُلُّ مَا جَاءَ فِي الآيَةِ التَّاسِعَةِ وَالْعِشْرِينَ هُوَ أَنَّ يَعْقُوبَ أَحَبَّ رَاحِيلَ أَكْثَرَ مِمَّا أَحَبَّ لَيْئَةَ، وَأَنَّهُ كَانَ يُوجَدُ تَفْضِيلٌ وَبُعْدٌ أَعْظَمُ مِنَ الْمَحَبَّةِ يَشْعُرُ بِهِ حِيالَ الْوَاحِدَةِ مُقارَنَةً بِالأَخْرَى. لَكِنْ مِنْ خِلالِ الْمُقارَنَةِ، بِمَ شَعَرَتْ لَيْئَةُ؟ بِأَنَّهَا غَيْرُ مَحْبُوبَةٍ بَتاتًا. وَلَمَّا قَالَتْ "لَقَدْ أَنْجَبْتُ لَهُ ثلاثَةَ بَنِينٍ لَعَلَّهُ يُحِبُّنِي" فَهْي كَانَتْ تَقْصِدُ الآتِي "رُبَّمَا سَيُحِبُّنِي مِثْلَمَا يُحِبُّ أُخْتِي رَاحِيلَ". إِذًا، نَجِدُ هُنَا تِلْكَ الْفِكْرَةَ الْعِبْرِيَّةَ حَيْثُ تُوجَدُ دَرَجَةٌ مِنَ الْمَحَبَّةِ، حَيْثُ إنَّ الْوَاحِدَةَ أَعْلَى مِنَ الأُخْرَى، بِحَيْثُ إنَّهُ عَنْ طَرِيقَةِ التَّبَايُنِ، الْمَحْبُوبَةُ أَقَلُّ مِنَ الأُخْرَى تُعْتَبَرُ غَيْرَ مَحْبُوبَةٍ، أَوْ نَقِيضَ الْمَحَبَّةِ وَهْوَ الْبُغْضُ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الأَمْرُ وَاضِحًا فِي ذَلِكَ النَّصِّ، فَلْنَذْهَبْ إِلَى الْعَهْدِ الْجَدِيدِ لِنَنْظُرَ إِلَى مَا قَدْ يَكُونُ الْمَثَلُ الأَبْرَزُ عَلَى هذَا الَّنوْعِ مِنَ الأُسْلُوبِ الَّذِي نَجِدُهُ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. نَجِدُ ذَلِكَ فِي إِنْجِيلِ لُوقَا فِي الأَصْحاحِ 14 فِي حَدِيثٍ لِيَسُوعَ. حَيْثُ إنَّنَا فِي الآيَةِ 25 من الأَصْحاحِ 14 مِنْ إِنْجِيلِ لُوقَا نَقْرَأُ مَا يَلِي: "وَكَانَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ سَائِرِينَ مَعَهُ، فَالْتَفَتَ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا. وَمَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا. وَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا لاَ يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ".

ثُمَّ يُتابِعُ وَيَسْتَعْمِلُ الْمَزِيدَ مِنَ الأَمْثَالِ التَّوْضِيحِيَّةِ تُبَيِّنُ كَيْفَ أَنَّ الإِنْسانَ الْحَكِيمَ وَقَبْلَ الْقِيامِ بِأَيِّ الْتِزامٍ عَلَيْهِ أَنْ يُفَكِّرَ فِي الْعَوَاقِبِ، عَلَيْهِ أَنْ يُفَكِّرَ فِي الْكُلْفَةِ. وَهَؤُلاءِ الأَشْخَاصُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْقَفْزَ فِي عَرَبَةِ يَسُوعَ وَأَنْ يَرْكَبُوا فِي قِطارِهِ وَأَنْ يَجْلِسُوا هُناكَ وَيَنالُوا كُلَّ الْبَركاتِ الَّتِي يُعْطِيهَا وَهْوَ يَشْفِي الْمَرْضَى وَالْعُمِي وَالصُّمَّ وَغَيْرَهُمْ، إِنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ "مَهْلًا إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ تِلْمِيذًا لِي فَثَمَّةَ ثَمَنٌ يَجِبُ دَفْعُهُ، تُوجَدُ كُلْفَةٌ كَبِيرَةٌ لِلأَمْرِ. تَوَقَّفْ وَاحْسِبْ تِلْكَ الْكُلفَةَ قَبْلَ أَنْ تَتْبَعَنِي. لأَنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَعِدًّا لِتُبْغِضَ أُمَّكَ وَأَباكَ وَلِتُبْغِضَ أَوْلادَكَ وَلِتُبْغِضَ حَيَاتَكَ لا يُمْكِنُكَ أَنْ تَكُونَ تِلْمِيذًا لِي".

إِذًا، يُقَدِّمُ يَسُوعُ لِبَنِي جِيلِهِ شَرْطًا أَسَاسِيًّا لِلتَّلْمَذَةِ، وَهْوَ بُغْضُ الْعَائِلَةِ. إِذًا، ها إِنَّ يَسُوعَ الَّذِي يَحْفَظُ نَامُوسَ اللهِ بِشَكْلٍ كَامِلٍ خِلالَ حَيَاتِهِ، وَالَّذِي فَهِمَ الْوَصِيَّةَ الْخَامِسَةَ بِوُضُوحٍ الَّتِي تَدْعُو إِلَى أَنْ يُكْرِمَ أباهُ وَأُمَّهُ وَأَنْ يُحِبَّ قَرِيبَهُ كَنَفْسِهِ، لَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ بُعْدَ الْمَحَبَّةِ الْمَطْلُوبِ فِي شَرِيعَةِ الله ِمِثْلَما فَعَلَ يَسُوعُ، هَلْ يَعْنِي ذَلِكَ حَرْفِيًّا أَنَّكَ إِنْ أَرَدْتَ الانْضِمامَ إِلَى جَماعَةِ تَلامِيذِي فَيَجِبُ أَنْ تَمْتَلِئَ ضَغِينَةً وَعَداوَةً وَحِقْدًا تُجاهَ وَالِدَيْكَ؟ هَلْ يَجِبُ أَنْ تَكْرَهَ أَوْلادَكَ؟ لا، إِنَّهُ يَسْتَعْمِلُ مُجَدَّدًا لُغَةَ التَّفْضِيلِ الْعِبْرِيَّةِ هَذِهِ، إِنَّهُ يَقُولُ "سَأَطْلُبُ مِنْكُمُ الْتِزامًا كَبِيرًا وَتَفَانِيًا كَبِيرًا وَمَحَبَّةً كَبِيرَةً إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَكُونُوا تَلامِيذِي، لِدَرَجَةِ أَنَّكُمْ إِنْ أَجْرَيْتُمْ مُقارَنَةً فَأَنْتُمْ بِالتَّالِي تُبْغِضونَ وَالِدِيكُمْ، وَتَكْرَهُونَ عَائِلَتَكُمْ، وَتَكْرَهُونَ أَوْلادَكُمْ، وَتَكْرَهُونَ حَياتَكُمْ بِالْمُقارَنَةِ".

إِذًا، أَظُنُّ أَنَّنَا نُدْرِكُ ذَلِكَ، بِالطَّبْعِ، حِينَ نَقْرَأُ ذَلِكَ، لَمْ يَسْبِقْ أَنْ جَاءَ إِلَىَّ أَحَدِهِمْ قَائِلًا "لِماذا يَسُوعُ هَذَا، الَّذِي يُفْتَرَضُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَحَبَّةَ اللهِ الْمُتَجَسِّدَةَ، يَقُولُ لِلنَّاسِ إِنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبْغِضُوا وَالِدِيهِمْ وَأَنْ يُبْغِضُوا أَوْلادَهُمْ؟" نَحْنُ نَفْهَمُ بِوُضُوحٍ حِينَ نَقْرَأُ هَذَا النَّصَّ أَنَّ لَيْسَ هَذَا مَا أَرَادَ قَوْلَهُ، أَرادَ إِظْهارَ تَفَوُّقِ الْمَحَبَّةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ نُكِنَّها لَهُ عَلَى جَمِيعِ أُمُورِ هَذَا الْعَالَمِ، وَمِنْ ضِمْنِها أَكْثَرُ مَنْ نُحِبُّ هُنَا. الآنَ، بَعْدَ إِلْقَاءِ نَظْرَةٍ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الأَمْثِلةِ فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، يُمْكِنُنا بِسُهولَةٍ أَنْ نَسْتَنْتِجَ قَائِلِينَ: "لَيْسَ عَلَيْنا أَنْ نَقْلَقَ أَبَدًا بِشَأْنِ مَا إِذَا كانَ اللهُ يُبْغِضُ النَّاسَ أَوْ ما شابَهَ".

نَحْنُ نَمِيلُ إِلَى الاعْتِقادِ أَنَّ الْبُغْضَ لا يَلِيقُ أَبَدًا بِاللهِ. وَأَحَدُ الأُمُورِ الَّتِي يُشَدِّدُ عَلَيْهَا الْكِتابُ الْمُقَدَّسُ مِرَارًا هُوَ أَنَّنَا بَيْنَمَا كُنَّا لا نَزالُ خُطاةً كانَتْ مَحَبَّةُ اللهِ عَظِيمَةً جِدًّا تُجاهَنا، لِدَرَجَةِ أَنَّهُ حَتَّى عِنْدَمَا كُنَّا مُنْفَصِلِينَ عَنْهُ تَغَلَّبَتْ مَحَبَّتُهُ عَلَى عِدَائِيَّتِنا. وَبِالتَّالِي، لَيْسَ لَدَى اللهِ أَيُّ عِدَائِيَّةٍ. لَكِنِّي أَظُنُّ أَنَّكُمْ تَتَفاجَأُونَ إِنْ قُلْتُ إِنَّ اللهَ أَوِ الْكِتابَ الْمُقَدَّسَ يَتَكَلَّمُ عَنْ بُغْضِ اللهِ تُجاهَنا بِقَدْرِ مَا أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَنْ مَحَبَّتِهِ تُجاهَنا. وَلا أَظُنُّ أَنَّنَا نُجِيبُ عَلَى السُّؤالِ بِشَكْلٍ كَامِلٍ إِنِ اعْتَبَرْنا هَذِهِ الْمُصْطَلحاتِ مُجَرَّدَ أُسْلُوبِ لُغَةٍ عِبْرِيٍّ أَوْ لُغَةِ تَفْضِيلٍ، لأَنَّهُ يُوجَدُ بُعْدٌ فِي مَوْقِفِ اللهِ مِنَ الْخُطاةِ يَعْكِسُ نَوْعًا مِنَ الاشْمِئْزازِ التَّامِّ وَالْقَرَفِ يَشْعُرُ بِهِ اللهُ تُجَاهَ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ الْمُتَمَرِّدِ. حِينَ يَغْضَبُ مِنْ إِسْرائيلَ، يَقُولُ علَى لِسانِ أَنْبِيائِهِ: "بَغَضْتُ كَرِهْتُ أَعْيَادَكُمْ وَلَسْتُ أَلْتَذُّ بِاعْتِكَافَاتِكُمْ" إِنَّها تُشْعِرُنِي بِالْقَرَفِ. الذَّبائِحُ الَّتِي تُقَدِّمُونَهَا بِرِياءٍ رَائِحَتُها كَرِيهَةٌ وَمُقْرِفَةٌ. هَذَا أُسْلُوبٌ عَنِيفٌ يَدُلُّ عَلَى غَضَبِ اللهِ الشَّدِيدِ جَرَّاءَ الرِّياءِ وَسَطَ بَنِي شَعْبِهِ.

لَكِنْ فَلْنَرْجِعْ قَلِيلًا إِذَا أَمْكَنَ إِلَى الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، إِلَى سِفْرِ الْمَزامِيرِ. لِنُلْقِيَ نَظْرَةً عَلَى الْمَزْمُورِ الْخَامِسِ ابْتِداءً مِنَ الآيَةِ الأُولَى. الْمَزْمُورُ 5 الَّذِي يَتَضَمَّنُ دَعْوَةً إِلَى الانْتِباهِ، يَبْدَأُ بِالْكَلِمَاتِ الآتِيَةِ "لِكَلِمَاتِي أَصْغِ يَا رَبُّ. تَأَمَّلْ صُرَاخِي". هَا إِنَّ صَاحِبَ الْمَزْمُورِ يُصَلِّي إِلَى اللهِ. "اسْتَمِعْ لِصَوْتِ دُعَائِي يَا مَلِكِي وَإِلَهِي، لأَنِّي إِلَيْكَ أُصَلِّي. يَا رَبُّ بِالْغَدَاةِ تَسْمَعُ صَوْتِي. بِالْغَدَاةِ أُوَجِّهُ صَلاَتِي نَحْوَكَ وَأَنْتَظِرُ". والآنَ اسْمَعُوا كَيْفَ أَنَّ كاتِبَ الْمَزْمُورِ، وَبِوَحْيٍ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، يَصِفُ شَخْصَ اللهِ، "لأَنَّكَ أَنْتَ لَسْتَ إِلَهًا يُسَرُّ بِالشَّرِّ، لاَ يُسَاكِنُكَ الشِّرِّيرُ".

نَذْكُرُ شَكْوَى حَبَقُّوقَ حِينَ سَمَحَ اللهُ بِوُقُوعِ شَرٍّ بِدُونِ رَادِعٍ وَلا عِقَابٍ فِي الأُمَّةِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَفْهَمَ ذَلِكَ، قَالَ "يا رَبُّ، أَنْتَ إِلَهٌ قُدُّوسٌ جِدًّا لِدَرَجَةِ أنَّ "عَيْنَيْكَ أَطْهَرُ مِنْ أَنْ تَنْظُرَا الشَّرَّ"، إِنَّهُ الشُّعُورُ نَفْسُهُ الَّذِي يَصِفُهُ صَاحِبُ الْمَزْمُورِ هُنَا، وَيَقُولُ "لاَ يَقِفُ الْمُفْتَخِرُونَ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ. أَبْغَضْتَ كُلَّ فَاعِلِي الإِثْمِ. تُهْلِكُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِالْكَذِبِ. رَجُلُ الدِّمَاءِ وَالْغِشِّ يَكْرَهُهُ الرَّبُّ". هَلْ تَرَوْنَ ذَلِكَ؟ مَرَّتَيْنِ فِي هَذَا الْمَقْطَعِ مِنَ الْمَزْمُورِ يَتَكَلَّمُ صَاحِبُ الْمَزْمُورِ عَنْ كُرْهِ اللهِ لِلشَّرِّ؛ أَبْغَضْتَ كُلَّ فَاعِلِي الإِثْمِ، وَكَرِهْتَ رَجُلَ الدِّماءِ وَالْغِشِّ، لَيْسَ أَنَّ اللهَ يَنْزَعِجُ قَلِيلًا مِنْ رَجُلِ الدِّماءِ أَوْ مِنْ رَجُلِ الْكِذْبِ وَالْغِشِّ وَالْخِداعِ، بَلْ إِنَّ اللهَ يَكْرَهُهُ. هَذَا كَلامٌ قَوِيٌّ، وَأَظُنُّ أَنَّهُ يَجْدُرُ بِنَا أَنْ نَأْخُذَ ذَلِكَ عَلَى مَحْمَلِ الْجِدِّ.

نَحْنُ نَقُولُ دَائِمًا هَذِهِ الْجُمْلَةَ الْمُبْتَذَلَةَ "اللهُ يَكْرَهُ الْخَطِيَّةَ لَكِنَّهُ يُحِبُّ الْخَاطِئَ"، هَذَا هُراءُ. اللهُ لا يُرْسِلُ الْخَطِيَّةَ إِلَى الْجَحِيمِ، إِنَّهُ يُرْسِلُ الْخَاطِئَ إِلَى الْجَحِيمِ، لأَنَّهُ يَمْقِتُ الْخَاطِئَ غَيْرَ التَّائِبِ، الَّذِي يُصْبِحُ مَوْضِعَ غَضَبِهِ. وَالسَّبَبُ الَّذِي يَجْعَلُنَا نُصارِعُ جَرَّاءَ هَذِهِ الاخْتِلافاتِ، حَيْثُ أَنَّهُ مِنْ ناحِيَةٍ يَتَكَلَّمُ الْكِتابُ الْمُقَدَّسُ عَنِ الْبُعْدِ الْمُذْهِلِ لِمَحَبَّةِ اللهِ لأَنَّهُ أَحَبَّنَا وَنَحْنُ بَعْدُ خُطاةٌ، لَكِنَّهُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى يَتَكَلَّمُ عَنْ مَقْتِهِ إِيَّانَا، وَعَنْ كَوْنِنا مُقْرِفِينَ فِي عَيْنَيْهِ وَلا يُمْكِنُهُ تَحَمُّلُ النَّظَرِ إِلَيْنَا بِسَبَبِ آثامِنا.

مَعْنَى ذَلِكَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ أَيُّهَا الأَحِبَّاءَ هُوَ أَنَّهُ تُوجَدُ حُدُودٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ، وَلا يُمْكِنُنَا أَنْ نَفْهَمَ الْمَحَبَّةَ أَوْ مَوْقِفَ اللهِ تُجَاهَ خَلِيقَتِهِ السَّاقِطَةِ عَلَى أَنَّهُ حَصْرِيًّا مَوْقِفُ مَحَبَّةٍ، لأَنَّ الْكِتابَ الْمُقَدَّسَ يُعَدِّلُ تَمْجِيدَهُ لِعَظَمَةِ مَحَبَّةِ اللهِ الْفَائِقَةِ بِتِلْكَ التَّحْذِيراتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُدُودِ مَحَبَّتِهِ، الَّتِي وَعِنْدَ الْجَانِبِ الآخَرِ لَهَا يُوجَدُ الْغَضَبُ الإِلَهِيُّ وَيُوجَدُ الْمَقْتُ الإِلَهِيُّ. أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَا أَقُولُهُ هُنَا يَتَعارَضُ مَعَ الرِّسالَةِ الَّتِي يَتِمُّ وَعْظُهَا كُلَّ يَوْمٍ فِي مُجْتَمَعِنا وَأَرْضِنا. ثَمَّةَ مَفْهُومٌ أَسْمَعُهُ كُلَّ يَوْمٍ من وُعَّاظٍ لا أَجِدُهُ أَبَدًا فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، وَهْوَ الْمَفْهُومُ الآتِي: مَحَبَّةُ اللهِ غَيْرُ الْمَشْرُوطَةِ. سَأَدْرُسُ ذَلِكَ تَفْصِيلًا فِي مُحَاضَرَتِنا الْمُقْبِلَةِ. أَمَّا الآنَ فَسَأَكْتَفِي بِقَوْلِ ذَلِكَ: أَوَّلًا، أُرِيدُ طَرْحَ سُؤالٍ، مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ هَذِهِ الْفِكْرَةُ؟ أَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ؟ وَمَاذَا يُبَيِّنُ هَذَا الْمَفْهُومُ؟

لِنَفْرِضْ أَنِّي أَعِظُ أَمَامَ غَيْرِ مُؤْمِنِينَ، وَأَنِّي أَقُولُ لِهَؤُلاءِ الْقَوْمِ "اللهُ يُحِبُّكُمْ بِدُونِ شُرُوطٍ". قِيلَ لَنَا فِي مَعْهَدِ اللَّاهُوتِ إِنَّكَ حِينَ تَعِظُ فَأَنْتَ لا تُشَارِكُ عِظَةً وَاحِدَةً بَلْ تُشَارِكُ ثَلاثَ عِظاتٍ، الْعِظَةَ الَّتِي يَسْمَعُها النَّاسُ، وَالْعِظَةَ الَّتِي ظَنَنْتَ أَنَّكَ وَعَظْتَها، وَالْعِظَةَ الَّتِي تَمَّتْ مُشَارَكَتُهَا فِعْلِيًّا، وَهْيَ لَيْسَتْ مُتَطَابِقَةً، إِذًا، يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَ ذَلِكَ. أَنَا أَسْأَلُ نَفْسِي "مَاذَا يَسْمَعُ هَذَا الإِنْسانُ غَيْرُ التَّائِبِ وَغَيْرُ المؤْمِنِ حِينَ يَسْتَمِعُ إِلَى عِظَةٍ وَيَسْمَعُ هَذَا الإِعْلانَ "اللهُ يُحِبُّكَ بِدُونِ شُرُوطٍ"؟ دَعْنِي أُطْلِعُكَ عَلَى مَا يَسْمَعُهُ، إِنَّهُ يَسْمَعُ مَا يَلِي "اللهُ يُحِبُّنِي كَمَا أَنَا، لَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أَتُوبَ عَنْ خَطَايَايَ، لَسْتُ فِي حَاجَةٍ إِلَى مُخَلَّصٍ، لَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أَقْلَقَ بِشَأْنِ الذَّهابِ إِلَى الْجَحِيمِ، لأَنَّ اللهَ الَّذِي يُحِبُّ الْجَمِيعَ بِلا شُرُوطٍ لَنْ يُرْسِلَ أَحَدًا إِلَى الْجَحِيمِ. إِذًا، بِإِمْكانِي الاسْتِمْرارُ فِي عَيْشِ حَياةٍ جَهَنَّمِيَّةٍ كَمَا أَنَا بِدُونِ أَنْ أَقْلَقَ مُجَدَّدًا بِشَأْنِ الإِساءَةِ إِلَى اللهِ، لأَنَّهُ لا يَشْعُرُ أَبَدًا بِالإِساءَةِ، لأَنَّ مَحَبَّتَهُ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ".

يُمْكِنُنِي التَّفْكِيرُ فِي رِسَالَةٍ أَكْثَرَ خُطُورَةً أَنْقُلُها لِلنَّاسِ، بَدَلًا مِنَ الْوُقوفِ وَإِعْلانِ مَحَبَّةِ اللهِ غَيْرِ الْمَشْرُوطَةِ. أَمَّا الدَّافِعُ لِذَلِكَ طَبْعًا، فَهْوَ أَنَّ الْوَاعِظَ الَّذِي اخْتَبَرَ نِعْمَةَ اللهِ وَاخْتَبَرَ مَحَبَّةَ اللهِ الْفَادِيَةَ، مَغْمُورٌ جِدًّا بِمَحَبَّةِ اللهِ الْفادِيَةِ تِلْكَ، لِدَرَجَةِ أَنَّهُ يُرِيدُ التَّعْبِيرَ عَنْهَا بِأَقْوَى الْعِباراتِ. لِذَا فَهُوَ يَقُولُ "مَحَبَّةُ اللهِ رَائِعَةٌ جِدًّا، إِنَّهَا قَوِيَّةٌ جِدًّا، إِنَّهَا فَائِقَةٌ جِدًّا لِدَرَجَةِ أَنَّهُ يُمْكِنُنا الْقَوْلُ إِنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ". لا تَفْعَلْ ذَلِكَ لأَنَّكَ تُشارِكُ رِسَالَةً خَاطِئَةً. وَضَعَ اللهُ شَرْطًا أَسَاسِيًّا لِخَلاصِ أَيِّ إِنْسَانٍ؛ عَلَى هَذَا الإِنْسَانِ أَنْ يَقْبَلَ الْمَسِيحَ بِالإِيمانِ وَأَنْ يَثِقَ بِهِ وَحْدَهُ، وَإِلَّا فَسَيَعْرِفُ هَذَا الشَّخْصُ الْغَضَبَ الإِلَهِيَّ فَقَطْ إِلَى الأَبَدِ. ثَمَّةَ مَحَبَّةٌ مُنْبَثِقَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَطالُ النَّاسَ أَجْمَعِينَ، وَهْيَ مُخْتَلِفَةٌ عَنْ مَحَبَّتِهِ الَّتِي تُخَلِّصُ، هَذِهِ هِيَ الْمَحَبَّةُ الَّتِي سَنَدْرُسُها فِي مُحاضَرَتِنا الْمُقْبِلَةِ.