المحاضرة 4: محبة الله المُحسنة

فِي مُحَاضَرَتِنا السَّابِقَةِ، تَنَاوَلْنَا الْجَانِبَ السَّلْبِيَّ لِلْوَفاءِ، وَمَا يَجْرِي حِينَ نَمُرُّ فِي عَذَابِ الْخِيانَةِ وَالْغَدْرِ، بَيْنَما نُحاوِلُ فَهْمَ الْجَانِبِ الْوَفِيِّ فِي مَحَبَّةِ اللهِ. وَالْيَوْمَ، كَما وَعَدْتُ، سَنَتَطَرَّقُ إِلَى الْجَانِبِ الْمُعاكِسِ لِذَلِكَ، الطَّرِيقَةُ الإِيجَابِيَّةُ الَّتِي يُكَلِّمُنَا بِها الْكِتابُ الْمُقَدَّسُ عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الْوَفِيَّةِ. قَبْلَ الْقِيامِ بِذَلِكَ، أُرِيدُ الْقِيامَ بِاعْتِرافٍ ما. حِينَ كُنْتُ فِي الْكُلِّيَّةِ وَفِي مَعْهَدِ اللَّاهُوتِ، دَرَسْتُ اللُّغَةَ الْيُونَانِيَّةَ طَوالَ سِتِّ سَنَواتٍ، وَبِالتَّالِي أَصْبَحَتْ لَدَيَّ خَلْفِيَّةٌ وأَسَاسٌ فِي التَّعابِيرِ الْيُونَانِيَّةِ فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ. فِي حِينِ أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَحِيدَةَ الَّتِي دَرَسْتُ فِيهَا الْعِبْرِيَّةَ، كانَتْ فِي فَصْلٍ دِراسِيٍّ فِي كُلِّيَّةِ اللَّاهُوتِ، حَيْثُ غِبْتُ عَنْ نِصْفِ الْفَصْلِ الدِّراسِيِّ بِسَبَبِ الْمَرَضِ. وَبِالتَّالِي فَإِنَّ خَلْفِيَّتِي فِي الْعِبْرِيَّةِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا.

فِي الْوَاقِعِ، حِينَ كُنْتُ عَائِدًا إِلَى الدِّيارِ مِنَ الْجَامِعَةِ فِي هُولَنْدَا، وَاتَّجَهْتُ إِلَى مَطارِ سِخِيبولَ لِلْعَوْدَةِ إِلَى أَمِيرْكَا، كانَ معي وَزْنٌ زائِدٌ، وَلَمْ أَكُنْ أَمْلِكُ مَالًا كَافِيًا لِدَفْعِ الْغَرامَةِ، وَمَا فَعَلْتُهُ لإِنْقاذِ الْمَوْقِفِ هُوَ تَرْكُ كِتابِي الْمُقَدَّسِ الْعِبْرِي فِي مَطارِ سِخِيبُول، فَاسْتَطَعْتُ أَنْ أَحِدَّ مِنَ الْوَزْنِ الزَّائِدِ، لأَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ كانَ كَبِيرًا جِدًّا. وَبَعْدَ أَنْ وَصَلْتُ إِلَى هَذَا الْبَلَدِ، لَمْ أُكَلِّفْ نَفْسِي عَناءَ شِراءِ كِتابٍ آخَرَ. وَبِالتَّالِي فَإِنَّ مَعْرِفَتِي لِلُّغَةِ الْعِبْرِيَّةِ ضَعِيفَةٌ، بِالْكادِ أَعْرِفُ الأَحْرُفَ الأَبْجَدِيَّةَ. لَكِنْ بِمُساعَدَةِ الْقَوامِيسِ صِرْتُ مُلِمًّا بِهَا قَلِيلًا. لَكِنِّي لَسْتُ عَالِمَ لُغَةٍ عِبْرِيَّةٍ قَدِيمَةٍ بِأَيِّ شَكْلٍ مِنَ الأَشْكالِ.

لَكِنْ ثَمَّةَ كَلِمَةٌ واحِدَةٌ فِي الْعِبْرِيَّةِ، وبِضْعُ كَلِماتٍ أَعْرِفُها، وَإِحْداهَا أَسَاسِيَّةٌ وَمُهِمَّةٌ جِدًّا فِي مَفْهُومِ مَحَبَّةِ اللهِ بِرُمَّتِهِ الَّذِي نَجِدُهُ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، إِنَّهَا كَلِمَةٌ تَرِدُ مِرارًا وَتَكْرَارًا، وَهْيَ كَلِمَةُ "حِيسِيد". وَقَدْ تَمَّتْ تَرْجَمَةُ تِلْكَ الْكَلِمَةِ بِطُرُقٍ عَدِيدَةٍ وَمُخْتَلِفَةٍ. أَحْيانًا تَتِمُّ تَرْجَمَتُها بِبَساطَةٍ بِكَلِمَةِ "رَحْمَةٍ"، وَأَحْيَانًا تَتِمُّ تَرْجَمَتُها بِكَلِمَةِ "لُطْفٍ"، وَأَحْيانًا تَتِمُّ تَرْجَمَتُها بِعِبارَةِ "مَحَبَّةِ الْعَهْدِ". أَمَّا التَّرْجَمَةُ الأَكْثَرُ شُيُوعًا، وَالأَكْثَرُ اسْتِخْدامًا هْيَ كَلِمَةُ "إِحْسَانٍ"، بالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الْحالاتِ تَتِمُّ تَرْجَمَتَهُا بِعِبارَةِ "مَحَبَّةِ اللهِ الْوَفِيَّةِ"، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْمَفْهُومُ فِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ جِدًّا فِي أَسْفارِ مُوسَى الْخَمْسَةِ. وَهْيَ كَلِمَةٌ يَتِمُّ اسْتِعْمالُها لِوَصْفِ عَلاقَةِ اللهِ بِشَعْبِ إِسْرائِيلَ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ، وَتَعَهَّدَ لَهُمْ بِأَنْ يَكُونَ لَهُمْ إِلَهًا، وَبِأَنْ يَكُونُوا لَهُ شَعْبًا. إِذًا، عَبْرَ يَمِينِ الْعَهْدِ، يُقَدِّمُ اللهُ مَحَبَّتَهُ لِلأُمَّةِ الَّتِي كَوَّنَها عَبْرَ إِخْراجِهَا مِنَ الْعُبُودِيَّةِ، وَرِبَاطُ ذَلِكَ الْعَهْدِ هُوَ مَفْهُومُ الْـ"حِيسِيد" أَوِ الْمَحَبَّةِ الثَّابِتَةِ أَوِ الإِحْسانِ.

تَذَكَّرُوا مُجَدَّدًا سِفْرَ النَّبِيِّ مِيخَا فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، حِينَ حَاوَلَ النَّاسُ فِعْلَ مَا نَفْعَلُهُ الْيَوْمَ، نُرِيدُ أَنْ يَتِمَّ تَلْخِيصُ كُلِّ شَيْءٍ بِثَلاثَةِ دُرُوسٍ سَهْلَةٍ. لِذَا أَنَا مُتَأَكِّدٌ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ انْزَعَجَ مِنَ الأَشْخاصِ الَّذِينَ أَرادُوا، لِمَسْؤُولِيَّةِ الْيَهُودِيِّ تُجاهَ رَبِّ الْعَهْدِ، أَنْ يَتِمَّ تَلْخِيصُها بِعباراتٍ بَسِيطَةٍ. وَالسُّؤالُ الَّذِي يَتِمُّ طَرْحُهُ هُنَا هُوَ "مَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ؟" وَالْجَوابُ الَّذِي نَقَلَهُ النَّبِيُّ مِيخَا عَنْ لِسانِ اللهِ هُوَ "مَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ (أَوِ الْبِرَّ) وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلَهِكَ". فَكِّرُوا قَلِيلًا فِي الأَمْرِ، إِنِ اسْتَطَعْنا اتِّباعَ هَذَا التَّلْخِيصِ الْمُرَكَّزِ، فًتَبَلْوُرُ جَوْهَرِ حَياةِ التَّقْوَى يُمْكِنُ اخْتِصارُهُ بِهَذِهِ الأُمُورِ الثَّلاثَةِ: فِعْلُ الْحَقِّ، وَمَحَبَّةُ الرَّحْمَةِ، وَالسُّلُوكُ بِتَواضُعٍ أَمامَ اللهِ. الْجُزْءُ الثَّانِي مِنْ تِلْكَ النَّصِيحَةِ، مَحَبَّةُ الرَّحْمَةِ، هُوَ كَلِمَةُ "حِيسِيد". "مَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ؟"، يَقُولُ مِيخَا، أَلَّا تَصْنَعُوا الْحَقَّ فَحَسْبُ، بَلْ أَنْ تُبْدُوا إِحْسانًا وَمَحَبَّةً ثابِتَةً، أَوْ مَا أُسَمِّيهِ هُنَا فِكْرَةَ الْمَحَبَّةِ الْوَفِيَّةِ.

كانَ لَدَيَّ صَدِيقٌ، كانَ تِلْمِيذًا لِي فِي مَعْهَدِ اللَّاهُوتِ مُنْذُ سَنَواتٍ عِدَّةٍ، وَهْوَ يَخْدُمُ الآنَ كَراعٍ مُنْذُ سَنَواتٍ عِدَّةٍ. وَهْوَ قالَ لِي، قالَ إِنَّ لَدَيْهِمْ عِبارَةً فِي عَائِلَتِهِمْ يَسْتَعْمِلُونَها بِشَكْلٍ مُتَكَرِّرٍ، وَقُلْتُ "مَا هِيَ تِلْكَ الْعِبارَةُ؟" فَقالَ "فِي عائِلَتِنا نَتَكَلَّمُ عَنِ الْتِصاقِنا بِالْمُلْتَصِقِ"، فَقُلْتُ "الالْتِصاقُ بِالْمُلْتَصِقِ"؟ لَمْ أَسْمَعْ يَوْمًا عِبارَةً مُماثِلَةً. مَا مَعْنَى الالْتِصاقُ بِالْمُلْتَصِقِ؟ فقالَ "هَلْ تَعْلَمُ كَيْفَ نَلْتَصِقُ بِالْمُلْتَصِقِ؟" فَقُلْتُ "لا، لا أَعْلَمُ. مَا الَّذِي تَقْصِدُهُ بِالالْتِصاقِ بِالْمُلْتَصِقِ؟" فَقالَ "هذا يَعْنِي أَنَّنَا فِي عَائِلَتِنا نَلْتَصِقُ أَحَدُنَا بِالآخَرِ مَهْمَا كانَ". هَذا مِنَ الأُمُورِ الْجَمِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِوِحْدَةِ الْعائِلَةِ، أَيْ أَنَّكَ حِينَ تَكُونُ مُنْخَرِطًا فِي علاقَاتٍ مَا، مِنَ الصَّعْبِ جِدًّا أَنْ تَتَمَلَّصَ مِنْهَا، لأَنَّكُمْ أَقارِبُ، لأَنَّكُمْ عَائِلَةٌ، لَدَيْكُمْ أُمٌّ وَاحِدَةٌ فَقَطْ فِي هَذَا الْعَالَمِ، وَلَدَيْكَ أَبٌ وَاحِدٌ فَقَطْ فِي هَذَا الْعَالَمِ، وَهْيَ لَمَأْساةٌ كَبِيرَةٌ حِينَ تَتَدَمَّرُ تِلْكَ الْعلاقَةُ.

كَمْ يَكُونُ أَمْرٌ رائِعٌ لِبِلادِنا إِنْ تَبَنَّى الْكُلُّ ذَلِكَ الشِّعارَ فِي بُيُوتِهِمْ "نَحْنُ نَلْتَصِقُ بِالْمُلْتَصِقِ". هَذِهِ الْعِبارَةُ تَعْكِسُ مَا يَتَكَلَّمُ عَنْهُ مِيخَا حِينَ يَقُولُ إِنَّهُ يَجْدُرُ بِنَا أَنْ نُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَإِنَّهُ يَجْدُرُ بِنَا أَنْ نَكُونَ ثَابِتِينَ وَأُمناءَ فِي مَحَبَّتِنا. كَمَا ذَكَرْتُ، إِنَّ مَفْهُومَ مَحَبَّةِ اللهِ الْوَفِيَّةِ مُنْتَشِرٌ فِي جَمِيعِ أَنْحاءِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَفِي حالاتٍ عِدَّةٍ. لَكِنِّي أَعْتَقِدُ أَنَّ التَّعْبِيرَ الأَكْثَرَ وُضُوحًا عَنِ الأَمْرِ فِي أَيِّ مكانٍ فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، مَوْجُودٌ فِي سِفْرِ النَّبِيِّ هُوشَعَ. نَقُولُ عَنْ سِفْرِ عامُوسَ، إِنَّ الْمَوْضُوعَ الأَسَاسِيَّ فِي عَامُوسَ هُوَ عَدْلُ اللهِ، فِعْلُ الْحَقِّ، لَكِنَّ الْمَوْضُوعَ الأَسَاسِيَّ فِي سِفْرِ هُوشَعَ هُوَ مَحَبَّةُ الرَّحْمَةِ.

إِذًا، فَلْنُخَصِّصْ بِضْعَ دَقَائِقَ لِنَتَذَكَّرَ رِسالَةَ سِفْرِ هُوشَعَ. سَأَبْدَأُ بِالأَصْحَاحِ الرَّابِعِ، سَأَتَقَدَّمُ إِلَى الأَمَامِ قَلِيلًا. فِي الآيَةِ الأُولَى حَيْثُ نَسْمَعُ الدَّعْوَةَ إِلَى الاعْتِكافِ، يَبْدَأُ الأَصْحاحُ الرَّابِعُ بِالْكَلِماتِ الآتِيَةِ "اِسْمَعُوا قَوْلَ الرَّبِّ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ: «إِنَّ لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً، (أَوْ لِلرَّبِّ مُخَاصَمَةً)، مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ". ما يَحْدُثُ هُنَا هُوَ أَنَّ هُوشَعَ يَسْلُكُ بِصِفَتِهِ نَبِيًّا كَنائِبٍ عامٍّ فِي مَحْكَمَةٍ، إِنَّهُ يَسْتَدْعِي لِلْمَحْكَمَةِ، إِنَّهُ يَرْفَعُ دَعْوَى مِنْ إِلَهِ الْعَهْدِ إِلَى شَعْبٍ خانَ اللهَ وَسَلَكَ بِالْغَدْرِ لِدَرَجَةِ ارْتِكابِ الزِّنَى الرُّوحِيِّ. إذًا، هَا إِنَّ النَّبِيَّ يَقُومُ بِهَذَا الاسْتِدْعاءِ وَيُطْلِقُ هَذِهِ الدَّعْوَةَ إِلَى الاعْتِكافِ. "اِسْمَعُوا قَوْلَ الرَّبِّ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ: "إِنَّ لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً"". هُو لا يَقُولُ "فَلْنَجْتَمِعْ في جَلْسَةِ دَرْدَشَةٍ حَوْلَ الْمَوْقِدِ يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُقِيمَها مَعَكُمْ"، اللهُ غَاضِبٌ وَهْوَ يُعْلِنُ حُكْمَهُ الآنَ عَلَيْكُمْ. السُّؤالُ هُوَ "مَا الَّذِي عَجَّلَ هَذَا الاسْتِدْعاءَ النَّبَوِيَّ مِنَ اللهِ؟"

فَلْنُلْقِ نَظْرَةً. إِنَّ لِلرَّبِّ مُحاكَمَةً "لأَنَّهُ لاَ أَمَانَةَ وَلاَ إِحْسَانَ وَلاَ مَعْرِفَةَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ." ما الَّذِي يَقُولُهُ هُنَا؟ لَيْسَ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُثَقَّفِينَ، وَلا أَنَّكُمْ غَيْرُ عِلْمِيِّينَ، وَلا أَنَّكُمْ لا تَمْلِكُونَ أَيَّةَ مَعْرِفَةٍ مُتَطَوِّرَةٍ. لَكِنْ حِينَ يَقُولُ إِنَّهُ لا تُوجَدُ أَمَانَةٌ فِي هَذِهِ الأَرْضِ، فَالأَمَانَةُ الَّتِي يَتَكَلَّمُ اللهُ عَنْهَا هُنَا هِيَ أَمَانَةُ اللهِ. فَأَمانَةُ اللهِ قَدْ حُجِبَتْ، أَمَانَةُ اللهِ مُهْمَلَةٌ، أَمَانَةُ اللهِ قَدْ أُخْفِيَتْ، وَكَلِمَةُ اللهِ رُفِضَتْ. بِمَ يُمْكِنُ تَشْبِيهُ ذَلِكَ فِي زَمانِنَا؟ وَدَعاهُمُ اللهُ إِلَى الْعَمَلِ، قَالَ "إِلَيْكُمْ سَبَبَ إِجْرائِي مُحاكَمَةٍ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ تُوجَدُ أَمَانَةٌ". ثانِيًا، لا تُوجَدُ رَحْمَةٌ أَوْ لا يُوجَدُ وَلاءٌ، لا تُوجَدُ مَحَبَّةٌ ثَابِتَةٌ. أَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَسْفَلَ وَلا أَرَى هَذِهِ. هَذَا أَساسُ عَلاقَتِي بِكُمْ يَا شَعْبِي، وَأَنَا لا أَجِدُ ذَلِكَ فِي إِسْرائِيلَ. لا تُوجَدُ أَمانَةٌ وَلا رَحْمَة ٌوَلا مَعْرِفَةُ اللهِ فِي الأَرْضِ.

مَا هِيَ عَوَاقِبُ ذَلِكَ؟ فَلْنَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ "قَتْلٌ وَسِرْقَةٌ وَفِسْقٌ، (كَسَرُوا جَمِيعَ الْقَوَانِينِ، إِثْمٌ وَجُمُوحٌ)، وَدِمَاءٌ تَلْحَقُ دِمَاءً. لِذَلِكَ تَنُوحُ الأَرْضُ وَيَذْبُلُ كُلُّ مَنْ يَسْكُنُ فِيهَا مَعَ حَيَوَانِ الْبَرِّيَّةِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، وَأَسْمَاكِ الْبَحْرِ أَيْضًا تَنْتَزِعُ". ثُمَّ يَقُولُ لاحِقًا "قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ". شَعْبِي، الشَّعْبُ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، الشَّعْبُ الَّذِي افْتَدَيْتُهُ من العبوديَّة، قَدْ هَلَكَ الآنَ. لَيْسَ بِسَبَبِ غِيابِ الطَّعامِ، وَلا بِسَبَبِ غِيابِ قُوَّةٍ عَسْكَرِيَّةٍ، بَلْ بِسَبَبِ عَدَمِ مَعْرِفَتِي". "لأَنَّكَ أَنْتَ رَفَضْتَ الْمَعْرِفَةَ أَرْفُضُكَ أَنَا حَتَّى لاَ تَكْهَنَ لِي. وَلأَنَّكَ نَسِيتَ شَرِيعَةَ إِلَهِكَ أَنْسَى أَنَا أَيْضًا بَنِيكَ". هَلْ يُمْكِنُكُمْ تَخَيُّلُ ذَلِكَ؟ هَلْ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَتَخَيَّلُوا اللهَ يَقُولُ لأَحَدِهِمْ "سَوْفَ أَنْسَى أَوْلادَكَ، لَكِنْ هَذَا هُوَ حُكْمِي لأَنَّكَ نَسِيتَنِي. جَعَلْتُكُمْ أُمَّةَ كَهَنَةٍ، دَعَوْتُكُمْ لِتَكُونُوا نُورًا لِلأُمَمِ، لَكِنَّكُمْ لَمْ تَعُودُوا أَوْفِياءَ لِلْعَهْدِ".

الآنَ، لْنَرْجِعْ إِلَى الأَصْحَاحِ الافْتِتاحِيِّ لِسِفْرِ هُوشَعَ لِنُكَوِّنَ صُورَةً حَوْلَ كَيْفِيَّةِ تَعامُلِ اللهِ مَعَ الأَمْرِ. يَبْدَأُ السِّفْرُ بِالْكَلِماتِ الآتِيَةِ "أَوَّلَ مَا كَلَّمَ الرَّبُّ هُوشَعَ، قَالَ الرَّبُّ لِهُوشَعَ «اذْهَبْ خُذْ لِنَفْسِكَ امْرَأَةَ زِنًى وَأَوْلاَدَ زِنًى، لأَنَّ الأَرْضَ قَدْ زَنَتْ زِنًى تَارِكَةً الرَّبَّ!» فَذَهَبَ وَأَخَذَ جُومَرَ بِنْتَ دِبْلاَيِمَ، فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا، فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «ادْعُ اسْمَهُ يَزْرَعِيلَ، لأَنَّنِي بَعْدَ قَلِيلٍ أُعَاقِبُ بَيْتَ يَاهُو عَلَى دَمِ يَزْرَعِيلَ، وَأُبِيدُ مَمْلَكَةَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنِّي أَكْسِرُ قَوْسَ إِسْرَائِيلَ فِي وَادِي يَزْرَعِيلَ». سَيَكُونُ وَلَدُكَ نَذِيرًا لِمَا هُوَ آتٍ، مَمْلَكَةُ الشَّمالِ سَتُدَمَّرُ وَتُسْبَى سَبْيًا، لِذَا أُرِيدُ مِنْكَ أَنْ تُسَمِّيَ هَذَا الْوَلَدَ يَزْرَعِيلَ. "ثُمَّ حَبِلَتْ أَيْضًا وَوَلَدَتْ بِنْتًا، فَقَالَ لَهُ الله: «ادْعُ اسْمَهَا لُورُحَامَةَ"، أيْ "لا رَحْمَةَ بَعْدَ الآنَ"، "لأَنِّي لاَ أَعُودُ أَرْحَمُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا، بَلْ أَنْزِعُهُمْ نَزْعًا"، إِنَّهَا نِهايَةُ الْـ"حِيسِيد". أَنْتُمْ تَرْفُضونَنِي وَأَنا أَرْفُضُكُمْ، هَذِهِ وَثِيقَةُ طَلاقٍ يُعْطِيهَا اللهُ لِشَعْبٍ زانٍ. "ادْعُ اسْمَهَا لُورُحَامَةَ"، لا رَحْمَةَ لَكَ بَعْدَ الآنَ.

لَكِنَّهُ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ "وَأَمَّا بَيْتُ يَهُوذَا فَأَرْحَمُهُمْ وَأُخَلِّصُهُمْ بِالرَّبِّ إِلَهِهِمْ، وَلاَ أُخَلِّصُهُمْ بِقَوْسٍ وَبِسَيْفٍ وَبِحَرْبٍ وَبِخَيْلٍ وَبِفُرْسَانٍ". إذًا، ما زَالَ يُعْطِي رَجَاءً لِبَقِيَّةٍ سَيَفْدِيهَا. "ثُمَّ فَطَمَتْ لُورُحَامَةَ وَحَبِلَتْ فَوَلَدَتِ ابْنًا، فَقَالَ اللهُ..." إنَّهَا الْعِبارَةُ الَّتِي أَعْتَبِرُها الأَكْثَرَ إِثارَةً لِلْمَشاعِرِ، قالَ «ادْعُ اسْمَهُ لُوعَمِّي" ما يَعْنِي حَرْفِيًّا "لَسْتُمْ شَعْبِي"، ادْعُ ابْنَكَ "لَسْتُمْ شَعْبِي". تَذَكَّرُوا أَنَّ هذَا إِعْلانُ اللهِ لأُمَّةٍ أَنْشَأَهَا وَوَلَدَها وقالَ لَهَا "تَكُونُونَ لِي شَعْبًا وَأَكُونُ لَكُمْ إِلَهًا"، وَهْوَ يَقُولُ الآنَ "لُوعَمِّي، لَسْتُمْ شَعْبِي، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ شَعْبِي وَأَنَا لاَ أَكُونُ لَكُمْ "لَكِنْ"... هَذِهِ الْكَلِمَةُ مُهِمَّةٌ جِدًّا فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، جاءَ فِيهَا "يَكُونُ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُكَالُ وَلاَ يُعَدُّ، وَيَكُونُ عِوَضًا عَنْ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: لَسْتُمْ شَعْبِي، يُقَالُ لَهُمْ: أَبْنَاءُ اللَّهِ الْحَيِّ. وَيُجْمَعُ بَنُو يَهُوذَا وَبَنُو إِسْرَائِيلَ مَعًا وَيَجْعَلُونَ لأَنْفُسِهِمْ رَأْسًا وَاحِدًا، وَيَصْعَدُونَ مِنَ الأَرْضِ، لأَنَّ يَوْمَ يَزْرَعِيلَ عَظِيمٌ». «قُولُوا لإِخْوَتِكُمْ «شَعْبِي» وَلأَخَوَاتِكُمْ «حِيسِيد».

إذًا، فِي الْعِبارَةِ الأَخِيرَةِ، لا تَنْتَهِي الْقِصَّةُ بِتَسْمِيَتِهِمْ "لُوعَمِّي" بَلْ "عَمِّي". تَكُونُونَ لِي شَعْبًا، وَأَنَا أُدِيمُ لَكُمْ مَحَبَّتِي الثَّابِتَةَ، مَحَبَّتِي الْوَفِيَّةَ تُجاهَكُمْ.  فِي هَذِهِ الأَثْناءِ، جاءَ فِي الأصْحاحِ الثَّانِي "حَاكِمُوا أُمَّكُمْ حَاكِمُوا، لأَنَّهَا لَيْسَتِ امْرَأَتِي وَأَنَا لَسْتُ رَجُلَهَا، لِتَعْزِلَ زِنَاهَا عَنْ وَجْهِهَا وَفِسْقَهَا مِنْ بَيْنِ ثَدْيَيْهَا، لِئَلاَّ أُجَرِّدَهَا عُرْيَانَةً وَأَوْقِفَهَا كَيَوْمِ وِلاَدَتِهَا، وَأَجْعَلَهَا كَقَفْرٍ، وَأُصَيِّرَهَا كَأَرْضٍ يَابِسَةٍ، وَأُمِيتَهَا بِالْعَطَشِ". وَيَسْتَمِرُّ إِعْلانُ الدَّيْنُونَةِ طوالَ الأصْحاحِ الثَّانِي. ثُمَّ نَصِلُ لاحِقًا في الأصْحاحِ الثانِي وُصُولًا إِلَى الآيَةِ 19 رَجاءُ الْمُسْتَقْبَلِ، حِينَ يَقُولُ اللهُ "وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي إِلَى الأَبَدِ. وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ وَالإِحْسَانِ وَالْمَرَاحِمِ". سَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي مُجَدَّدًا، سَأَتَزَوَّجُكِ مُجَدَّدًا عَلَى الرَّغْمِ مِنْ زِناكِ، سَتَنْتَصِرُ رَحْمَتِي فِي هَذِهِ الْعَلاقَةِ، وَسَتَعْرِفِينَ الرَّبَّ. "وَأَزْرَعُهَا لِنَفْسِي فِي الأَرْضِ، وَأَرْحَمُ لُورُحَامَةَ، وَأَقُولُ لِلُوعَمِّي أَنْتَ شَعْبِي، وَهُوَ يَقُولُ: أَنْتَ إِلَهِي».

ثُمَّ تَصِلُ التَّعْلِيماتُ إِلَى هُوشَعَ فِي الأصْحَاحِ الثَّالِثِ. "وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «اذْهَبْ أَيْضًا أَحْبِبِ امْرَأَةً حَبِيبَةَ صَاحِبٍ وَزَانِيَةً، كَمَحَبَّةِ الرَّبِّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ مُلْتَفِتُونَ إِلَى آلِهَةٍ أُخْرَى وَمُحِبُّونَ لأَقْرَاصِ الزَّبِيبِ». فَاشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي بِخَمْسَةَ عَشَرَ شَاقِلَ فِضَّةٍ وَبِحُومَرَ وَلَثَكِ شَعِيرٍ. وَقُلْتُ لَهَا: «تَقْعُدِينَ أَيَّامًا كَثِيرَةً لاَ تَزْنِي وَلاَ تَكُونِي لِرَجُلٍ، وَأَنَا كَذَلِكَ لَكِ»." إذًا نَجِدُ هَذَا الزَّواجَ الثَّانِي الْمَجِيدَ مَعَ انْتِصارِ مَحَبَّةِ اللهِ. لَكِنْ لاحِظُوا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ وَيَشْتَرِيَ عَرُوسَهُ وَيُخْرِجَهَا مِنَ الْعُبُودِيَّةِ.

إِنْ رَجَعْنا إِلَى سِفْرِ الْخُرُوجِ إِلَى نَامُوسِ الْقَداسَةِ، فَسَتَتَذَّكَرُونَ الْقَوانِينَ الْغَرِيبَةَ الْمَوْضُوعَةَ هُناكَ الَّتِي تُخْبِرُ كَيْفَ أَنَّ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَخْدُمُونَ بِالسُّخْرَةِ يَجِبُ أَنْ يَتِمَّ فِدَاؤُهُمْ بِالْمَالِ الْمَدْفُوعِ لأَهْلِ الْعَرُوسِ. إِنْ كانَ أَحَدُهُمْ مُفْلِسًا وَكانَ يَدِينُ بِالْمَالِ لأَحَدِهِمْ، بِإِمْكانِهِ تَسْدِيدُ الدَّيْنِ عَبْرَ الْعَمَلِ، حِينَ يُصْبِحُ خَادِمًا بِالسُّخْرَةِ لِهَذَا الشَّخْصِ. وَإِنْ وَصَلَ مَعَ زَوْجَةٍ وَأَوْلادٍ إِلَى ذَلِكَ الْوَضْعِ وَحالَةِ الْعُبُودِيَّةِ تِلْكَ، وَعَمِلَ طَوالَ السَّنَواتِ السَّبْعِ، فَحِينَ يُطْلَقُ سَراحُهُ فَإِنَّ زَوْجَتَهُ وَأَوْلادَهُ الَّذِينَ جَاءَ بِهِمْ يُطْلَقُ سَراحُهُمْ مَعَهُ. لَكِنْ قِيلَ لَنا فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ أَمْرٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَهْوَ أَنَّهُ إِنْ تَزَوَّجَ وَهْوَ فِي الْعُبُودِيَّةِ وَتَزَوَّجَ إِحْدَى الْخادِماتِ أَوْ رُبَّمَا حَتَّى ابْنَةَ السَّيِّدِ وَأَنْجَبَ الأَوْلادَ مِنْهَا وحانَ وَقْتُ إِطْلاقِ سَراحِهِ، فَبِإِمْكانِهِ الذَّهابُ حُرًّا، لَكِنْ لا يُمْكِنُهُ أَنْ يَصْطَحِبَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَوْلادَهُ. عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ أَنْ يُسَدِّدَ دَيْنَهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصْبِحَ غَنِيًّا بِمَا يَكْفِي لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الاعْتِناءِ بِزَوْجَتِهِ وَأَوْلادِهِ. وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ وَيَدْفَعَ الْمالَ لأَهْلِ الْعَرُوسِ لِكَيْ يَفْدِيَ زَوْجَتَهُ.

وَهَذَا الْمَبْدَأُ الْمَقْصُورُ عَلَى فِئَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي إِسْرائِيلَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ تَمَّ الارْتِقاءُ بِهِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ لِيُصْبِحَ طَرِيقَةً لِوَصْفِ الخِدْمَةِ الرَّائِعَةِ للْمَسِيحِ نَفْسِهِ الَّذِي يَأْتِي وَيَشْتَرِي عَرُوسَهُ وَيُحَرِّرُها مِنْ عُبُودِيَّةِ إِبْلِيسَ. الْمَسِيحُ يَدْفَعُ الْمالَ لأَهْلِ الْعَرُوسِ. هَذَا مَا يَقْصِدُهُ بُولُسُ بِقَوْلِهِ "لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ" لَقَدِ اشْتُرِيتُمْ بِدَمِ الْمَسِيحِ. لَقَدِ اشْتَرَى عَرُوسَهُ، وَقَدِ اشْتَراهَا وَحَرَّرَها مِنَ الْعُبُودِيَّةِ. هَذَا يَنْطَبِقُ تَمامًا عَلَى مَا يَجْرِي هُنَا فِي قِصَّةِ جُومَرَ وَهُوشَعَ كَمَا فِي نَامُوسِ سِفْرِ الْخُرُوجِ، بِحَيْثُ أَنَّ الْمَحَبَّةَ الَّتِي بِمُوجَبِها يُمارِسُ اللهُ رَحْمَتَهُ الثَّابِتَةَ وَوَفاءَهُ لَنا ظَاهِرَةٌ بِوُضُوحٍ. جَوْهَرُ "حِيسِيد" مَوْجُودٌ عَلَى الصَّلِيبِ حِينَ يَشْتَرِينَا الْمَسِيحُ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ.

أَخِيرًا، يَظْهَرُ هَذَا الْمَبْدَأُ فِي رِسَالَةِ بُولُسَ إِلَى مُؤْمِنِي رُومِيَةَ، حَيْثُ أَنَّهُ بَعْدَ اخْتِبارِ رَوْعَةِ عِنايَةِ اللهِ الَّتِي بِمُوجَبِها تَمَّ تَبَنِّينا فِي عَائِلَتِهِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنْ رَأَيْنا ذَلِكَ، فِي الآيَةِ 31 مِنَ الأَصْحاحِ 8 يَقُولُ مَا يَلِي: "فَمَاذَا نَقُولُ لِهَذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا فَمَنْ عَلَيْنَا!" إِنْ كانَ اللهُ مَعَنا فَمَنْ عَلَيْنَا. هَذِهِ الْعِبارَةُ اللَّاتِينِيَّةُ هِيَ مِنْ أَكْثَرِ الْعِباراتِ مَجْدًا فِي تَارِيخ ِالْكَنِيسَةِ، "دِيُوس بْرُو نُوبِيس" اللهُ لَنَا. هَذَا يُصَوِّرُ الْمَفْهُومَ الْكُلِّيَّ لِلْمَحَبَّةِ الْوَفِيَّةِ. "فَمَاذَا نَقُولُ لِهَذَا؟" إِنْ كانَ الْكُلُّ عَلَيْنَا، مَاذَا إِذًا؟ إِنْ كانَ اللهُ مَعَنا فَلا يَهُمُّ مَنْ يَكُونُ عَلَيْنا. "اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟ مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ! مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ الْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضًا، الَّذِي هُوَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِ اللهِ، الَّذِي أَيْضًا يَشْفَعُ فِينَا!"

هُنَا يَأْتِي السُّؤالُ الْبَلاغِيُّ الَّذِي لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ إِلَّا جَوابٌ وَاحِدٌ "مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا، (سُوبِر فِينْسِيمُوس)، يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى"، لاحِظُوا أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الْقَائِمَةِ أَنْ تَكُونَ مُفَصَّلَةً، بَلْ تَوْضِيحِيَّةً أَوْ نَمُوذَجِيَّةً. لا شَيْءَ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الأُمُورِ "يقْدِرُ أَنْ يفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا".

حِينَ يَقُولُ بُولُسُ "مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟" فإِنَّ الْجَوابَ عَلَى هَذَا السُّؤالِ هُوَ "لا شَيْءَ"، لا أَحَدَ، لا قُوَّةَ، لأَنَّ "حِيسِيد"، مَحَبَّةَ اللهِ الْوَفِيَّةَ، لَيْسَتْ أَبَدِيَّةً فَحَسْبُ، وَهْيَ لَيْسَتْ مَحَبَّةً مُقَدَّسَةً فَحَسْبُ، إِنَّهَا مَحَبَّةٌ ثابِتَةٌ، إِنَّهَا مَحَبَّةٌ مُلازِمَةٌ، بِحَيْثُ أَنَّنَا نَحْنُ الَّذِينَ نِلْنَا مَحَبَّةَ الآبِ، نَنْعَمُ بِهَا الآنَ، وَإِلَى الأَبَدِ.