المحاضرة 9: المحبة أغابي

فِي مُحَاضِرَتِنا السَّابِقَةِ تَنَاوَلْنَا النَّوْعَ الثَّالِثَ مِنَ الْمَحَبَّةِ، الَّذِي نُمَيِّزُهُ فِي اللَّاهُوتِ وَهْوَ مَحَبَّةُ اللهِ الرَّاضِيَةُ. سَأَسْتَعْرِضُ ذَلِكَ مُجَدِّدًا، تُوجَدُ ثَلاثُ طُرُقٍ نَتَكَلَّمُ بِهَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ: مَحَبَّتُهُ الْمَيَّالَةُ إِلَى الْخَيْرِ، وَمَحَبَّتُهُ الْمُحْسِنَةُ، وَثَالِثًا، مَحَبَّتُهُ الرَّاضِيَةُ. لا يَجِبُ أَنْ نَخْلِطَ تِلْكَ الأَنْواعَ الثَّلاثَةَ مِنَ الْمَحَبَّةِ مَعَ مَا سَمِعَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ أَحْيانًا يُقالُ مِنْ أَمامِ الْمَنْبَرِ بِشَأْنِ الْكَلِمَاتِ الثَّلاثِ الَّتِي تَعْنِي "مَحَبَّةً" فِي اللُّغَةِ الْيُونَانِيَّةِ، هَذَا مَوْضُوعٌ رَئِيسِيٌّ تَسْمَعُونَهُ، وَهْوَ أَنَّهُ حِينَ يَتَكَلَّمُ الْكِتابُ الْمُقَدَّسُ عَنِ الْمَحَبَّةِ يَجِبُ أَنْ نَحْرِصَ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ الْمَحَبَّةِ تَمَّ تَوْضِيحُهَا فِي اللُّغَةِ الْيُونَانِيَّةِ الْقَدِيمَةِ. وَالْيَوْمَ سَنَتَناوَلُ هَذِهِ الْكَلِماتِ الثَّلاث الَّتِي تَعْنِي مَحَبَّةً وَمَعْناها.

الْكلِمَةُ الأُولَى هِي الاسمُ "إيروس"، والثَّانِيَةُ هِيَ الاسْمُ الْمُشْتَقُّ مِنَ الْفِعْلِ "فِيلَيْنْ" أَوْ "فِيلِينْ"، وَالثَّالِثَةُ هِيَ الاسْمُ الَّذِي سَمِعَ عَنْهُ الأَغْلَبِيَّةُ وَهْوَ "أَغَابِي". إذًا هَذِهِ هِيَ الكلماتُ الثَّلاث لِلْمَحبَّةِ الَّتِي يَجِدُها الْمَرْءُ فِي اللُّغَةِ الْيُونَانِيَّةِ الْقَدِيمَةِ.

أَفْضَلُ وَسِيلَةٍ لِدِراساتِ الْكَلِماتِ، نَسْتَعِينُ بِهَا لِدِراسَةِ الْكَلِمَاتِ الْيُونَانِيَّةِ فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، تَتَمَثَّلُ بِالْعَمَلِ الضَّخْمِ الَّذِي قامَ بِتَحْرِيرِهِ "غِيرْهارْد كِيتِيل"، وَهْوَ "قَامُوسُ كِيتِيل اللَّاهُوتيُّ" لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ، حَيْثُ إنَّ عُلَمَاءَ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ مِنْ جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ اضْطَلَعُوا بِمَهَمَّةِ الْقِيامِ بِبَحْثٍ شَامِلٍ حَوْلَ اسْتِعْمالِ كَلِماتٍ يُونَانِيَّةٍ مُحَدَّدَةٍ فِي أَيِّ أَدَبٍ يَعُودُ إِلَى الْعُصورِ الْقَدِيمَةِ. إِذًا، إِنْ وَجَدْتُمْ كَلِمَةً فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ مِثْلَ الْكَلِمَةِ الَّتِي تَعْنِي "إِيمانًا" فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، كَانُوا يَدْرُسُونَ وَظِيفَتَها فِي الْيُونَانِيَّةِ الْهُومِيرِيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ بَيْنَ الشُّعَراءِ الْيُونَانِيِّينَ الأَخِيرِينَ، وَبَيْنَ الْفلاسِفَةِ الْيُونانِيِّينَ، وَوَظِيفَتَها فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، أَوْ عُذْرًا، فِي التَّرْجَمَةِ الْيونَانِيَّةِ لِلْعَهْدِ الْقَدِيمِ، التَّرْجَمَةِ السَّبْعِينِيَّةِ، ثُمَّ يَدْرُسُونَ كَيْفِيَّةَ اسْتِعْمالِها فِي الأَنَاجِيلِ، وَمِنْ ثَمَّ فِي الرَّسائِلِ، وَمِنْ ثَمَّ فِي الْكَنِيسَةِ الأُولَى، إِلَى آخِرِهِ، بِحَيْثُ إنَّكَ وَلَدَى انْتِهائِكَ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ تَكُونُ قَدْ كَوَّنْتَ فَهْمًا شَامِلًا لِمَعْنَى الْكَلِمَةِ.

كَمَا قُلْتُ مِرَارًا لِطُلَّاِبي، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الأَدَاةَ صَنَعَها نُقَّادٌ يَقُومُونَ بِالنَّقْدِ الأَعْلَى، أَشْخاصٌ بَارِعُونَ فِي نَقْدِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، إِلَّا أَنَّها وَمِنْ وُجْهَةِ نَظَرٍ أَكَادِيمِيَّةٍ تُشَكِّلُ أَعْظَمَ أَداةٍ لِلْبَحْثِ فِي الْعِلْمِ الْمَسِيحيِّ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى مَعْرِفَةٍ مُتَعَمِّقَةٍ لِمَعانِي الْكَلِماتِ الْمَوْجُودَةِ فِي نَصِّ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ. وَإِنْ بَحَثْتُمْ عَنْ كَلِمَةِ "أَغَابِي" فِي قَامُوسِ "كِيتل" فَسَتَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَدْخَلَ بِالذَّاتِ كَتَبَهُ عَالِمُ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ "إيثِيرْبِرْتْ سْتَافِر"، وَهْوَ مَشْهورٌ بِآثارِهِ ضِمْنَ لاهُوتِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، كَمَا بِآثارِهِ فِي اللُّغَةِ الْيُونانِيَّةِ. وَمَا يَفْعَلُهُ فِي دِراسَتِهِ هُوَ أَنَّهُ يُكَرِّسُ الْوَقْتَ أَوَّلًا لِدِراسَةِ مَعْنى الْكَلِمَةِ الْيُونَانِيَّةِ "إِيرُوس"، وَكَلِمَةُ "إِيرُوس" لَمْ تَرِدْ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، لَكِنْ بِمَا أَنَّهَا كَلِمَةٌ بَارِزَةٌ فِي اللُّغَةِ الْيُونَانِيَّةِ يُمْكِنُ تَفْسِيرُها أَوْ تَعْرِيفُها عَلَى أَنَّهَا مَحَبَّةٌ. وَبِمَا أَنَّ الْيُونانِيِّينَ مَيَّزُوا بَيْنَ مُخْتَلِفِ أَنْواعِ الْمَحَبَّةِ فَمِنَ الْمُهِمِّ أَنْ نُكَوِّنَ فَهْمًا أَساسِيًّا عَنْهَا.

فِي اللُّغَةِ الإِنْكْلِيزِيَّةِ، تَشْتَقُّ الْكَلِمَةُ الإِنْكْلِيزِيَّةُ "إِيرُوتيك" مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْيُونانِيَّةِ، لأنَّ كَلِمَةَ "إِيرُوس" تُشِيرُ إِلَى مَحَبَّةٍ حِسِّيَّةٍ، مَحَبَّةٍ مُثَقَّلَةٍ بِإيِحاءَاتٍ جِنْسِيَّةٍ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا فَحَسْبُ، فَفِي اللُّغَةِ الْيُونَانِيَّةِ الْكْلاسِيكِيَّةِ الْكَلِمَةُ الَّتِي تَعْنِي مَحَبَّةَ "إِيرُوس" تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِها أَيْضًا مَعَانٍ شَيْطَانِيَّةً، وَهْيَ الْمَحَبَّةُ الَّتِي غَالِبًا مَا كانَ يَتِمُّ الاحْتِفالُ بِهَا فِي الطُّقُوسِ الْوَثَنِيَّةِ، لا سِيَّمَا فِي الْبَغاءِ الْمُقَدَّسِ وَالْعَرْبَدَةِ فِي الْعالَمِ الْقَدِيمِ، حَيْثُ كانَ النَّاسُ يَحْتَفِلُونَ بِالْحُبِّ عَبْرَ الشُّرْبِ حَتَّى الثُمالَةِ، وَحَشْوِ بُطُونِهِمْ بِأَطايِبِ الطَّعَامِ، وَالتَّوَصُّلِ إِلَى مَرْحَلَةِ إِطْلاقِ الْعَنانِ لِنَشاطِهِمِ الْجِنْسِيِّ، فَيَتَحَوَّلُ الأَمْرُ إِلَى عَربَدَةٍ، وَهْوَ كانَ نَوْعًا مِنَ الْحُبِّ مُتَأَثِّرًا بِالشَّرِّ وَحَتَّى بِالتَّمَلُّكِ الشَّيْطانِيِّ.

وَمَعَ تَطَوُّرِ الْكَلِمَةِ فِي الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ، بَرَزَتْ مُحَاوَلاتٌ لِتَطْهِيرِهَا. كُلٌّ مِنْ أَفْلاطونَ وَأَرِسْطُو، وَعَبْرَ اسْتِعْمالِ كَلِمَةِ "إيرُوس"، حَاوَلَ تَجْرِيدَها مِنْ أَيِّ مَفْهُومٍ شَيْطانِيٍّ، بَقِيَتْ تُسْتَعْمَلُ لِلدَّلالَةِ عَلَى تَعابِيرَ حِسِّيَّةٍ وَمُيُولٍ حِسِّيَّةٍ لَكِنْ بِدُونِ أَنْ تَرْتَبِطَ بِالدَّلالَةِ السَّلْبِيَّةِ عَلَى مَا هُوَ شَيْطَانِيٌّ. إِذًا، إِنَّ "سْتُوفِر" وَأَثْنَاءَ مُعَالَجَتِهِ بَذَلَ مَجْهُودًا كَبِيرًا لإِظْهارِ تَطَوُّرِ كَلِمَةِ "إِيرُوس". لَكِنْ مُجَدَّدًا، وَلِكَيْ نَفْهَمَ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ لا تُسْتَعْمَلُ لِلإِشارَةِ إِلَى الْمَحَبَّةِ، أَكانَ بِدَالَّتِها مَا قَبْلَ الأَفْلاطُونِيَّةِ حَيْثُ كانَتْ تَحْمِلُ مَفْهُومًا شَيْطَانِيًّا، أَوْ حَتَّى بَعْدَ أَنْ طَهَّرَها الْفَلاسِفَةُ الْيُونانِيُّونَ ظَلَّتْ غَائِبَةً عَنْ نَصِّ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. مَا تَجِدُهُ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ هُمَا النَّوْعانِ الآخَرَانِ مِنَ الْمَحَبَّةِ: "فِيلِين"، وَ"أَغابِي".

الآن، فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَلِمَةِ الْمُشْتَقَّةِ مِنْ "فِيلِين"، نَحْنُ نَعْرِفُها كَوْنَها تُشَكِّلُ جُزْءًا مِنِ اسْمِ مَدِينَةٍ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَمَدِينَةٍ فِي أَمِيرْكَا وَهْيَ فِيلادِلْفْيا. وَحِينَ نَتَكَلَّمُ عَنْ مَدِينَةِ فِيلادِلْفْيا، فَلِتِلْكَ الْمَدِينَةِ لَقَبٌ وَهْيَ الْمَدِينَةُ الْمُطْلِقَةُ أَصْوَاتَ ازْدِراءٍ لـ "بَابا نُوِيل"، لا، لَيْسَ هَذَا اللَّقَبَ الَّذِي أُفَكِّرُ فِيهِ. تَشْتَهِرُ مَدِينَةُ فِيلادِلْفْيَا بِكَوْنِهَا مَدِينَةَ الْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ. وَمُجَدَّدًا، كَلِمَةُ "أَدِيلْفُوس" فِي اللُّغَةِ الْيُونَانِيَّةِ تَعْنِي "أَخْ"، وَ"فِيلِيئَا" تَعْنِي "يُحِبُّ". إِذًا، خُذْ مَفهُومَ الأُخُوَّةِ وَمَفْهُومَ الْمَحَبَّةِ وَاجْمَعْهُمَا فَتَحْصُلَ عَلَى مَدِينَةِ "فِيلادِلْفْيا". عَادَةً نُفَكِّرُ فِي "فِيلِيئُو" أَوْ "فِيلِين" عَلَى أنَّها نَوْعٌ مِنَ الْمَحَبّةِ يَتِمُّ اخْتِبارُهُ بَيْنَ الأَصْدِقاءِ، حَيْثُ أَنَّنَا نُحِبُّ أَحَدُنا الآخَرَ وَيُكِنُّ أَحَدُنا مَوَدَّةً عَمِيقَةً لِلآخَرِ لَكِنَّهَا تَفْتَقِرُ إِلَى الْمَحَبَّةِ الْفائِقَةِ الَّتِي يَتِمُّ التَّعبِيرُ عَنْها بِلُغَةِ ما هُوَ فَائِقٌ لِلطَّبِيعَةِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالـ"أَغابِي".

يُمْكِنُنا أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنْ مَحَبَّةِ الْقَرِيبِ أَوْ مُجَدَّدًا عَنْ بِناءِ صداقَةٍ جَيِّدَةٍ مَعَ الْغَيْرِ وَمُمَارَسَةِ الصَّدَاقَةِ، لَكِنَّ مَفْهُومَ الْمَحَبَّةِ الْفَائِقَ الَّذِي نَجِدُهُ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ يَتَمَثَّلُ بِكَلِمَةِ "أَغَابِي" الرَّاسِخَةِ وَالْمُتَأَصِّلَةِ فِي شَخْصِ اللهِ نَفْسِهِ، وَهَذِهِ هِيَ الْمَحَبَّةُ الْمُنْسَكِبَةُ فِي قُلُوبِنا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. تَذَكَّرُوا أَنَّنَا حِينَ بَدَأْنا هَذِهِ الدِّراسَةَ عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ تَنَاوَلْنَا تَعْلِيمَ يُوحَنَّا فِي الرَّسائِلِ، حَيْثُ يَقُولُ يُوحَنَّا إِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحِبَّ أَحَدُنَا الآخَرَ لأَنَّ الْمَحَبَّةَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ. مِنَ الْواضِحِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ مَوْلُودًا مِنْ جَدِيدٍ، لا يَجِبُ أَنْ يَحْدُثَ تَحَوُّلٌ فائِقٌ لِلطَّبِيعَةِ فِي شَخْصِيَّتِكَ لِكَيْ تَخْتَبِرَ الْمَحَبَّةَ الأَخَوِيَّةَ. ثَمَّةَ مَحَبَّةٌ طَبِيعِيَّةٌ يُمْكِنُنَا اخْتِبارُهَا بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ تَجْدِيدِنا، لَكِنَّ الانْتِقالَ إِلَى أَعْلَى مُسْتَوًى مِنَ الـ"أَغابِي" هُوَ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلِفَةٌ تَمَامًا.

سَنُخَصِّصُ بَعْضَ الْوَقْتِ لاحِقًا لِنَقُومَ بِتَحْلِيلٍ مُتَعَمِّقٍ لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَمَا تَبْدُو عَلَيْهِ الـ"أَغَابِي"، عَبْرَ دِرَاسَةِ أَوْ عَلَى الأَقَلِّ دِرَاسَتِنا بِإِيجازٍ فِي مُحَاضَرَتَيْنِ عَلَى مَا نَرْجُو، كُورِنْثُوسَ الأُولَى 13 الأصحاحُ الْمُفَضَّلُ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ عَنِ الْمَحَبَّةِ، حَيْثُ إنَّهُ حِينَ يَتَكَلَّمُ بُولُسُ عَنِ الْمَحَبَّةِ إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَنْ نَوْعٍ مُحَدَّدٍ مِنَ الْمَحَبَّةِ، إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَنِ الْمَحَبَّةِ الـ"أَغَابِي" وَهْيَ الأَعْظَمُ عَلَى الإِطْلاقِ، سَنَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا عَلَى حِدَةٍ. لَكِنِ الآنَ نَحْنُ نَرَى أَنَّهُ يُوجَدُ نَوْعٌ مُمَيَّزٌ مِنَ الْمَحَبَّةِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ يَتَمَتَّعُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ كَوْنَهُمْ وُلِدُوا ثَانِيَةً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَقَدِ انْسَكَبَتْ هَذِهِ الْمَحَبَّةُ فِي قُلُوبِنا، وَبِفَضْلِها أَصْبَحَ بِإِمْكانِنَا الاقْتِداءُ بِمَحَبَّةِ اللهِ، وَهَذا مَا دُعِينَا لِفِعْلِهِ. اللهُ يُحِبُّنَا بِمَحَبَّةِ الـ"أَغَابِي" وَعَلَيْنا أَنْ نَسْلُكَ بِهَذِهِ الْمَحَبَّةِ الـ"أَغَابِي"، مِنْ خِلالِ الْمَحَبَّةِ الَّتِي نَكُنُّها أَحَدُنا لِلآخَرِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي نُعَبِّرُ عَنْهَا بِسُلوكِنا فِي جَمِيعِ أَنْحاءِ الْعالَمِ. سَأُكَرِّسُ بَعْضَ الْوَقْتِ لِلتَّأَمُّلِ فِي بَعْضِ المَراجِعِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّتِي تَتَكَلَّمُ عَنِ الْمَطالِبِ الَّتِي يَفْرِضُها اللهُ عَلَيْنَا بَعْدَ أَنْ حَثَّ نُفُوسَنا عَلَى الْمَحَبَّةِ. أَحَدُ تَعالِيمِ يَسُوعَ الْجَوْهَرِيَّةِ هُوَ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أَعْطَاها لِتَلامِيذِهِ بِأَنْ يُحِبُّوا أَعْداءَهُمْ.

أَذْكُرُ أَنِّي اسْتَمَعْتُ إِلَى مُحاضَرَاتِ "جايْ آدَامْز" مُنْذُ سَنَواتٍ عِدَّةٍ حَوْلَ مُشْكِلَةِ تَفَكُّكِ الزِّيجاتِ بِسُهُولَةٍ أَكْبَرَ فِي بِلادِنا، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَحَدَّثَ إِلَى شَخْصٍ كانَ عَلَى وَشَكِ الطَّلاقِ، وَقالَ هَذَا الشَّخْصُ لِـ"جايْ" بَيْنَمَا كانَ يُقَدِّمُ لَهُ الْمَشُورَةَ إِنَّهُ أَرادَ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ لأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ يُحِبُّها، فَقَالَ "جاي" "مَهْلًا اللهُ أَمَرَكَ بأَنْ تُحِبَّها، يَقُولُ الْكِتابُ الْمُقَدَّسُ "أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ الْكَنِيسَةَ"، لَيْسَ الأَمْرُ اخْتِيارِيًّا لكَ، لا يُمْكِنُكَ أَنْ تُقَرِّرَ أَنَّكَ لَمْ تَعُدْ تُحِبُّها، يَجِبُ أَنْ تُحِبَّ زَوْجَتَكَ". قَالَ "لَيْسَ أَنِّي لا أُحِبُّها"، قالَ "لا أُرِيدُ الْعَيْشَ مَعَها فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ"، فَقَالَ لَهُ جاي "لِنَفْرِضْ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ أَوْ أَنَّكَ انْتَقَلْتَ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ وَانْتَقَلَتْ إِلَى الْمَنْزِلِ الْمُجاوِرِ، عِنْدَئِذٍ هِيَ تُصْبِحُ قَرِيبَتَكَ، وَيَقُولُ اللهُ إِنَّهُ يَجْدُرُ بِكَ أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ"، فَقَالَ هَذَا الرَّجُلُ لِلدُّكْتُور آدامْزْ "أَنْتَ لا تَفْهَمُ، لا يُمْكِنُنِي تَحَمُّلُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، حَتَّى إِنِّي لا أُرِيدُ الْعَيْشَ فِي جِوارِها"، فَقالَ الدُّكْتُور آدَامْز "فَهِمْتُ أَنْتَ تَقُولُ لِي إِنَّكَ تُكِنُّ لَهَا مَشاعِرَ عِدَائِيَّةً"، فَأَجَابَ "نَعَمْ، هَذَا صَحِيحٌ"، فَقَالَ "بِتَعْبِيرٍ آخَرَ أَنْتَ تَعْتَبِرُها عَدُوًّا لَكَ"، فَاسْتَطاعَ الشَّابُّ أَنْ يَتَوَقَّعَ مَا سَيَسْمَعُهُ، قَالَ "هَلْ يَجِبُ أَنْ أُذَكِّرَكَ بِمَا يَأْمُرُ الْمَسِيحُ شَعْبَهُ بِهِ؟ وَهْوَ أَنْ يُحِبُّوا أَعْداءَهُمْ؟" فَلَمْ يَعُدْ يُوجَدُ لَدَى الْمِسْكِينِ أَيُّ مَهْرَبٍ بَعْدَ أَنِ اسْتَجْوَبَهُ "جاي آدامز".

لَكِنَّ هَذَا جَوْهَرِيٌّ، هَذَا فِكْرٌ جَوْهَرِيٌّ أَعْلَنَهُ يَسُوعُ فِي الْمَوْعِظَةِ عَلَى الْجَبَلِ حِينَ قالَ لِتَلامِيذِهِ إِنَّهُمْ مَدْعُوُّونَ لِتَجاوُزِ الْحُدُودِ الْبَشَرِيَّةِ لِلْمَحَبَّةِ، ولأَنْ يُحِبُّوا أَعْداءَهُمْ. فَلْنَتَناوَلِ النَّصَّ، لَقَدْ نَسَخْتُهُ فِي كِتابِي "مَحْبُوبٌ مِنَ اللهِ"، وَكُنْتُ أُحاوِلُ اتِّباعَ الْخُطُوطِ الْعَرِيضَةِ الأَسَاسِيَّةِ لِهَذَا الْكِتابِ فِي هَذِهِ السِّلْسِلَةِ مِنَ الْمُحاضَرَاتِ. لَكِنْ فِي مَتَّى 5: 43-48 نَقْرَأُ مَا يَلِي: قالَ يَسُوعُ «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ." لاحِظُوا أَنَّهُ حِينَ قالَ يَسُوعُ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ "مَكْتُوبٌ، تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ". حِينَ يَسْتَعْمِلُ يَسُوعُ الْعِبارَةَ الاسْتِهْلالِيّةَ "مَكْتُوبٌ" فَإِنَّهُ يُشِيرُ بِشَكْلٍ مُحَدَّدٍ وَوَاضِحٍ إِلَى ما جاءَ فِي الْعَهْدِ الْقدِيم،ِ وحِينَ يَسْتَعْمِلُ عِبارَةَ "سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ" فَهْوَ يَسْتَعْمِلُ تَعْبِيرًا اصْطِلاحِيًّا كانَ بَنُو جِيلِهِ يَفْهَمُونَهُ، كانَ يُشِيرُ إِلَى "الْحَلْقَةِ" أَيِ الشَّرِيعَةِ الشَّفَهِيَّةِ لِمُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ، مُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ الَّذِينَ وَضَعُوا لاهوتَهُمْ، وَهْوَ كانَ غالِبًا مُنْحَرِفًا عَنْ تَعالِيمِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ.

إذًا، يَجِبُ أَنْ تُدْرِكَ أَنَّهُ حِينَ يُصَحِّحُ يَسُوعُ نَظْرَةَ بَنِي جِيلِهِ لِلْعَهْدِ الْقَدِيمِ، فَهْوَ لا يَعْتَرِضُ عَلَى الْعَهْدِ الْقَدِيمِ بَلْ يَعْتَرِضُ عَلَى تَحْرِيفِ مُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ لِلْعَهْدِ الْقَدِيمِ. إذًا، هُوَ قالَ "سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ"، هَذِهِ هِيَ الْمَحَبَّةُ الْمُحْسِنَةُ هُنَا، "وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْلٍ تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هَكَذَا؟ فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ".

ما يَقُولُهُ يَسُوعُ هُنَا هُوَ إِنَّهُ يَجْدُرُ بِكُمْ أَنْ تَكُونُوا كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ كَامِلٌ. أَنْ تَكُونَ كَامِلًا بِالْمَعْنَى الْمُطْلَقِ يَعْنِي أَنْ تَتَمَتَّعَ بِجَمِيعِ الصِّفاتِ الْحَسَنَةِ، أَوْ مَا نُسَمِّيهِ "اسْتِقامَةً". وَيَقُولُ يَسُوعُ إِنَّهُ يَجْدُرُ بِكَ أَنْ تَسْلُكَ وَأَن تُبْدِيَ ما لا يَقِلُّ عَنِ اسْتِقامَةِ اللهِ الْقَدِيرِ، الَّذِي يُحِبُّ الناسَ حَتَّى عِنْدَمَا يُبْغِضُونَهُ، الَّذِي يُحْسِنُ إِلَى مَنْ يَضْطَهِدُ ابْنَهُ. أَنْتُمْ مَدْعُوُّونَ إِلَى تَجَاوُزِ مَشاعِرِ الْحِقْدِ وَالانْتِقامِ الطَّبِيعِيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي تُمَّيِزُ الْبَشَرِيَّةَ السَّاقِطَةَ. الآنَ وَبَعْدَ أَنِ انْضَمَمْتُمْ إِلَى الْمَلَكُوتِ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْلُكُوا بِأَخْلاقِيَّاتِ الْمَلَكُوتِ، الَّتِي جَوْهَرُهَا عَقِيدَةُ الْمَحَبَّةِ هَذِهِ.

إِحْدَى الْمُناقَشَاتِ الأَكْثَرِ إِثَارَةً للاهْتِمامِ فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ حَوْلَ هَذَا الأَمْرِ هِيَ الْمُناقَشَةُ الَّتِي كانَتْ لِيَسُوعَ مَعَ بُطْرُسَ. فِي نِهايَةِ حَيَاةِ يَسُوعَ، بَعْدَ الْقِيامَةِ، حِينَ ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ عِنْدَ بَحْرِ طَبَرِيَّة، وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ وَتُومَا وَنَثَنائِيلَ وَغَيْرِهِمْ. وَفِي هَذِهِ الْمُناقَشَةِ نَسْمَعُ الْكَلِمَاتِ الآتِيَةَ "فَبَعْدَ مَا تَغَدَّوْا قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ: "يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هَؤُلاَءِ؟". أَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ اللَّافِتِ أَنَّهُ دَعاهُ سِمْعانَ هُنَا وَلَيْسَ بُطْرُسَ، لأَنَّهُ مِنَ الْمُناقَشَةِ السَّابِقَةِ فِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلِبُّسَ، وَأَثْنَاءَ اعْتِرافِ بُطْرُسَ حِينَ أَسْماهُ يَسُوعُ الصَّخْرَةَ أَنْكَرَ بُطْرُسُ الْمَسِيحَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَهْوَ يَقُولُ الآنَ "أَتُحِبُّنِي يَا سِمْعَانَ؟" أَغَابِي "أَكْثَرَ مِنْ هَؤُلاءَ؟"

يُوجَدُ الْتِباسٌ فِي طَرِيقَةِ إِعْلانِ ذَلِكَ فِي النَّصِّ، لَسْنَا مُتَأَكِّدِينَ مِمَّا قَصَدَهُ يَسُوعُ. هَلْ كَانَ يَسُوعُ يَقُولُ لبُطْرُسَ "هَلْ تُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِمَّا تُحِبُّ أَصْدِقاءَكَ هُنَا، الرُّسُلَ وَالتَّلامِيذَ الآخَرِينَ؟ أَمْ إِنَّهُ يَقُولُ "أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّونَنِي؟" أَمْ إِنَّ كَلِمَةَ "هَؤُلاءِ" تُشِيرُ إِلَى شِباكِهِ وَأَجْهِزَةِ الصَّيْدِ؟ هَلْ تُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِمَّا تُحِبُّ حَياتَكَ كَصَيَّادِ سَمَكٍ؟ قَدْ يَكُونُ الْجَوَابُ أَيَّ احْتِمالٍ مِنْ هَذِهِ، لَسْنَا مُتَأَكِّدينَ، لَكِنَّنا وَاثِقُونَ مِنْ أَنَّ يَسُوعَ يَسْتَعْمِلُ كَلِمَةَ "أَغَابِي" هُنَا حِينَ قالَ "هَلْ تُحِبُّنِي مَحَبَّةَ أغَابِي؟" فَأَجابَ بُطْرُسُ عَلَى السُّؤالِ، اسْمَعُوا ما قالَهُ "نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ". بِتَعْبِيرٍ آخَرَ، يُوجَدُ انْتِهارٌ مُسْتَتِرٌ هُنَا حَيْثُ يَقُولُ بُطْرُسُ "لِمَاذَا تَسْأَلُنِي إِنْ كُنْتُ أُحِبُّكَ؟ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ". لَكِنَّ أَحَدَ الأُمُورِ الْغَرِيبَةِ فِي هَذَا التَّبادُلِ هُوَ أَنَّهُ حِينَ يَقُولُ يَسُوعُ "هَلْ تُحِبُّنِي مَحَبَّةَ أَغَابِي؟" يُجِيبُ بُطْرُسُ: "نَعَمْ يَا رَبُّ أَنَا أُحِبُّكَ مَحَبَّةَ "فِيلِين"، أُحِبُّكَ بِهَذِهِ الْمَحَبَّةِ.

إِلَيْكُمُ الأَمْرَ الَّذِي يَبْدُو المُفَسِّرُونَ غَيْرَ مُتَأَكِّدِينَ مِنْهُ، هَلْ يُوجَدُ فَارِقٌ بَسِيطٌ مُسْتَتِرٌ هُنَا فِي هَذَا التَّبَادُلِ حَيْثُ يَقُولُ يَسُوعُ: "نَعَمْ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ تُحِبُّنِي مَحَبَّةَ "فِيلِين"، لَكِنْ هَلْ تُحِبُّنِي مَحَبَّةَ "أَغَابِي"؟ الْوَجْهُ الآخَرُ لِلْعُمْلَةِ هُوَ أَنَّ يُوحَنَّا فِي كِتاباتِهِ الأُخْرَى بَيْنَ الْحِينِ وَالآخَرِ يَسْتَعْمِلُ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَعْنِيانِ مَحَبَّةَ "فِيلِين" وَ"أغابِي" بِالتَّبادُلِ كَمَا لَوْ أَنَّهُمَا كانَتَا مُرادِفَتَيْنِ. إِذًا، رُبَّما لا يُوجَدُ مَغْزًى مَعَيَّنٌ مِنْ تَغْييرِ الْكَلِمَةِ الَّتِي تُشِيرُ إِلَى الْمَحَبَّةِ هُنَا فِي هَذِهِ الْمُناقَشَةِ، لَسْتُ وَاثِقًا، لَكِنْ مِنَ اللَّافِتِ أَنَّنَا نَجِدُها هُنَا فِي النَّصِّ. فَلْنَرَ مَا يَحْدُثُ مِنَ الآنَ فَصاعِدًا، قَالَ لَهُ: «نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ»، قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ارْعَ خِرَافِي». هَذِهِ رِسَالَةٌ لِكُلِّ رَاعي كَنِيسَةٍ فِي الْعَالَمِ، إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ الْمَسِيحَ فَكَيْفَ تُظْهِرُ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ؟ "أَتُحِبُّنِي أَحِبَّ كَلْبِي، أَتُحِبُّنِي أَحِبَّ خِرَافِي"، "إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي"، قالَ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ، "ارْعَ خِرَافِي".

"قَالَ لَهُ أَيْضًا ثَانِيَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا أَتُحِبُّنِي؟»، مُجَدَّدًا اسْتَعْمَلَ كَلِمَةَ "أغَابِي"، قَالَ لَهُ: «نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ»، مجدَّدًا "فِيلِين". قَالَ لَهُ يسوع: «ارْعَ غَنَمِي». هَلْ يَقُولُ الأَمْرَ نَفْسَهُ هُنَا؟ هَلْ هَذَا مُجَرَّدُ تَبْدِيلٍ لِلْكَلِمَاتِ خِرافٍ وَغَنَمٍ، أَمْ يَقُولُ الْبَعْضُ إِنَّ مَسْؤُولِيَّةَ الرَّاعِي تَقْضِي بِأَنْ يَعْتَنِيَ بِالْمُؤْمِنِ الْجَدِيدِ أَوْ بِالنَّعْجَةِ الصَّغِيرَةِ، وَعَلَيْكَ الاعْتِناءُ بِهَؤلاءِ لَكِنْ عَلَيْكَ الاعْتِناءُ بِالْكِبارِ أَيْضًا، عَلَيْكَ أَنْ تُطْعِمَهُمْ، عَلَيْكَ أَنْ تَرْعاهُمْ، لَسْتُ أَعْلَمُ. "قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا أَتُحِبُّنِي؟»، لَكِنْ هَذِهِ المْرَّةَ انْتَقَلَ يَسُوعُ إِلَى كَلِمَةِ "فِيلِين" بَعْدَ أَنْ قالَ لَهُ بُطْرُسُ مَرَّتَيْنِ إِنَّهُ يُحِبُّهُ مُسْتَعْمِلًا الْكَلِمَةَ نَفْسَها. عِنْدَئذٍ اسْتَعْمَلَ يَسُوعُ الْكَلِمَةَ نَفْسَها قَائِلًا "هَلْ تُحِبُّنِي بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ؟" وَمَكْتُوبٌ "فَحَزِنَ بُطْرُسُ لأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: أَتُحِبُّنِي؟"

لا يَسَعُكَ سِوَى الاسْتِنْتَاجِ أَنَّ سَبَبَ السُّؤالِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَالاسْتِجْوابِ، سَألَهُ يَسُوعُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لأَنَّ النَّاسَ سَأَلُوهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ "هَلْ تَعْرِفُهُ؟"، وَثَلاثَ مَرَّاتٍ أَنْكَرَ بُطْرُسُ يَسُوعَ، والآنَ، لَمَّا تَمَّ اسْتِرْدادُهُ كَتِلْمِيذٍ. سَأَلَهُ يَسُوعُ "أَتُحِبُّنِي يَا بُطْرُسُ؟" "نَعَمْ يَا رَبُّ أُحِبُّكَ". "أَتُحِبُّنِي يا بُطْرُسُ؟" "نَعَمْ أُحِبُّكَ". "أَتُحِبُّنِي يَا بُطْرُسُ؟" ثَلاثَ مَرَّاتٍ، كَيْفَ اسْتَطاعَ بُطْرُسُ أَلَّا يَفْهَمَ الْمَغْزَى مِنْ ذَلِكَ؟ لا عَجَبَ فِي كَوْنِهِ حَزِنَ. "قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ارْعَ غَنَمِي. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لَمَّا كُنْتَ أَكْثَرَ حَدَاثَةً كُنْتَ تُمَنْطِقُ ذَاتَكَ وَتَمْشِي حَيْثُ تَشَاءُ. وَلَكِنْ مَتَى شِخْتَ فَإِنَّكَ تَمُدُّ يَدَيْكَ وَآخَرُ يُمَنْطِقُكَ، وَيَحْمِلُكَ حَيْثُ لاَ تَشَاءُ». قَالَ هَذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ سيموتُهَا بُطْرُسُ. وَلَمَّا قَالَ هَذَا قَالَ لَهُ: «اتْبَعْنِي».

لَكِنَّ يَسُوعَ اسْتَعْمَلَ الْفِعْلَ "يُحِبُّ" فِي هَذَا السِّياقِ. أَظُنُّ أَنَّنَا سَنَجِدُ الأَمْرَ وَاضِحًا حِينَ نَجِدُ شَرْحًا لِلـ"أغابي" فِي كُورِنْثُوسِ الأُولَى 13. مِثْلَمَا حَثَّ الْمَسِيحُ بُطْرُسَ عَلَى إِبْداءِ مَحَبَّةِ اللهِ الْكَامِنَةِ فِي الـ"أغابي" عَبْرَ الْخِدْمَةِ وَالاهْتِمامِ بِشَعْبِ اللهِ، هَكَذَا نَحْنُ أَيْضًا لَدَيْنَا هَذِهِ الْمَأْمُورِيَّةُ نَفْسُها حِينَ نَكُونُ قَدْ تَسَلَّمْنا مِنَ السَّماءِ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ الْمُنْسَكِبَةَ فِي قُلُوبِنَا، لإِظْهارِهَا عَبْرَ الاهْتِمامِ وَالرِّعايَةِ وَالإِطْعامِ وَبَذْلِ أَنْفُسِنَا لأَجْلِ شَعْبِ اللهِ.