المحاضرة 30: الكتابُ المُقَدَّسُ وَعِلْمُ الدِّفَاعِيَّاتِ (الجُزْءُ الْخَامِسُ)

في آخر جزء من هذه المناقشات حول صحة الكتاب المقدس وسلطته، يناقش د. سبرول بعض الحجج المثيرة للاهتمام التي تم تقديمها في تاريخ الكنيسة للدفاع عن الكتاب المقدس. في هذه المحاضرة، يتطرق إلى كتاب كالفن بعنوان "مبادئ الديانة المسيحية"، حيث قدم كالفن نفسه بعض الحجج غير العادية لسلطة الكتاب المقدس.

نَصِلُ الْآنَ إِلَى الْمُحَاضَرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ سِلْسِلَةِ دِرَاسَتِنَا لِنَزَاهَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَسُلْطَتِهِ. وَمَعَ أَنَّنَا تَطَرَّقْنَا قَلِيلًا إِلَى بَعْضِ الْقَضَايَا الرَّئِيسِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدِّفَاعِ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، ثَمَّةَ بَعْضُ الْحُجَجِ اللَّافِتَةِ الَّتِي قُدِّمَتْ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ لِلدِّفَاعِ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. يَحْضُرُنِي بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ كِتَابُ جُونْ كَالْفِنْ فِي الْقَرْنِ السَّادِسَ عَشَرَ. فَفِي كِتَابِهِ الشَّهِيرِ بِعُنْوَانِ "أُسُسُ الدِّينِ الْمَسِيحِيِّ"، قَدَّمَ بَعْضَ الْحُجَجِ غَيْرِ الْمُعْتَادَةِ الْمُؤَيِّدَةِ لِسُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. قَطْعًا، كَانَ كَالْفِنْ مُدْرِكًا تَمَامًا بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ كَتَبَهُ كُتَّابٌ بَشَرِيُّونَ. وَمَعَ ذَلِكَ، كَانَ مُقْتَنِعًا بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ لَا يَزَالُ، بِفَضْلِ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ، هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ الْحَقِيقِيَّةُ، وَيَجِبُ قَبُولُ سُلْطَتَهُ كَمَا لَوْ أَنَّ اللَّهَ نَفْسَهُ يُكَلِّمُنَا بِصَوْتٍ مَسْمُوعٍ.

فِي كِتَابِ "أُسُسُ الدِّينِ الْمَسِيحِيِّ"، أَشَارَ كَالْفِنْ إِلَى عِدَّةِ أَسْبَابٍ، مَوْضُوعِيَّةٍ، مُسْتَمَدَّةٍ مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ نَفْسِهِ، رَأَى أَنَّهَا أَدِلَّةٌ مُهِمَّةٌ تُثْبِتُ سُلْطَةَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَنُسَمِّي هَذِهِ الْأَدِلَّةَ، إِنْ جَازَ التَّعْبِيرُ، بِالْحُجَجِ أَوِ الْبَرَاهِينِ الدَّاخِلِيَّةِ عَلَى صِحَّةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لِتَمْيِيزِهَا عَنِ الْحُجَجِ الْخَارِجِيَّةِ الْمُسْتَمَدَّةِ مِنْ عِلْمِ الْآثَارِ وَمَا شَابَهَهُ. يُثِيرُ ذَلِكَ اهْتِمَامِي نَوْعًا مَا لِأَنَّنَا قَلَّمَا نَجِدُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أُنَاسًا يُدَافِعُونَ عَنْ سُلْطَةِ الْكِتَابِ بِأُسْلُوبِ كَالْفِنْ. لَكِنْ بِسَبَبِ دَوْرِهِ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ، أَعْتَقِدُ أَنَّهُ مِنَ الْمُهِمِّ أَنْ نَتَمَعَّنَ فِي دِرَاسَةِ رَأْيِهِ.

حِينَ فَحَصَ كَالْفِنْ نَصَّ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَدَرَسَ مَا دَعَاهُ بِالْبَرَاهِينِ الدَّاخِلِيَّةِ، كَانَتِ الْكَلِمَةُ الَّتِي اسْتَخْدَمَهَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى الْأَدِلَّةِ هِيَ "indicia"، أَيِ الْمُؤَشِّرَاتُ، أَوِ الْبَرَاهِينُ الْمَوْضُوعِيَّةُ، الَّتِي تُظْهِرُ الْأَصْلَ الْفَائِقَ للطَّبِيعَةِ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَبَعْضُ الْبَرَاهِينِ الَّتِي أَعَارَهَا اهْتِمَامًا تَضَمَّنَتْ أُمُورًا مِثْلَ قِدَمِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. لِذَلِكَ قُلْتُ إِنَّ بَرَاهِينَهُ تَبْدُو غَرِيبَةً بَعْضَ الشَّيْءِ، لِأَنَّنَا لَا نُدَافِعُ الْيَوْمَ عَنْ صِحَّةِ وَثِيقَةٍ مَا بِالِاسْتِنَادِ إِلَى عُمْرِهَا. لَكِنْ، كَانَ كَالْفِنْ يَقْصِدُ أَنَّ الْإِعْلَانَ الْعَامَّ، أَيْ إِعْلَانَ اللَّهِ عَنْ ذَاتِهِ مِنْ خِلَالِ الطَّبِيعَةِ، هُوَ أَمْرٌ لَازَمَ الْجِنْسَ الْبَشَرِيَّ مُنْذُ فَجْرِ الْخَلِيقَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْتَظِرْ دُهُورًا كَيْ يُكْمِلَ ذَلِكَ الْإِعْلَانَ الْعَامَّ بِإِعْلَانِ كَلِمَتِهِ الْمَكْتُوبِ. وَبِالتَّالِي، قَالَ كَالْفِنْ إِنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ مَوْجُودٌ مُنْذُ أَمَدٍ طَوِيلٍ.

لَيْسَ ذَلِكَ فَحَسْبُ، لَكِنْ عَبْرَ تَارِيخِ وُجُودِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، الْعَهْدَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ، يُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ أَوَّلًا إِنَّ مَا مِنْ كِتَابٍ حَظِيَ بِمِثْلِ هَذَا الِاهْتِمَامِ التَّفْصِيلِيِّ بِحِفْظِهِ. وَمِنْ بَيْنِ كِتَابَاتِ الْعَالَمِ الْقَدِيمِ، لَمْ يَخْضَعْ كِتَابٌ لِلتَّقْيِيمِ النَّقْدِيِّ، وَلِاهْتِمَامِ الْكَتَبَةِ وَالنُّسَّاخِ بِحِفْظِهِ، مِثْلُ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. ثَانِيًا، لَمْ يَخْضَعْ أَيُّ كِتَابٍ قَدِيمٍ لِمَا يُشْبِهُ الْفَحْصَ الدَّقِيقَ لِتَفَاصِيلِهِ مِثْلُ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. فَمَا مِنْ كِتَابٍ قَدِيمٍ خَضَعَ لِهَذَا الْقَدْرِ الْكَبِيرِ مِنَ التَّحْلِيلِ، وَالْفَحْصِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ، مِثْلُ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَفِي ضَوْءِ التَّحْلِيلِ الْمُذْهِلِ وَالدَّقِيقِ لِمُحْتَوَاهُ، لَمْ يَظَلَّ مَوْجُودًا فَحَسْبُ، بَلْ ظَلَّ بِاسْتِمْرَارٍ الْكِتَابَ الْأَكْثَرَ مَبِيعًا سَنَوِيًّا فِي الْعَالَمِ. إِذَنْ، اجْتَازَ هَذَا الْكِتَابُ امْتِحَانَ الزَّمَنِ، وَصَمَدَ أَمَامَ الْهُجُومِ الْجَذْرِيِّ الَّذِي شُنَّ عَلَيْهِ خِلَالَ الْقَرْنَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ، بِحَيْثُ إِذَا كَانَ كَالْفِنْ مُنْبَهِرًا بِقِدَمِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ فِي الْقَرْنِ السَّادِسَ عَشَرَ، أَنَا مُتَيَقَّنٌ أَنَّهُ كَانَ لِيُصْبِحَ أَكْثَرَ انْبِهَارًا بِمَكَانَتِهِ الْحَالِيَّةِ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ وَابِلِ النَّقْدِ الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ.

ثُمَّ تَحَدَّثَ عَنْ بُرْهَانٍ آخَرَ، وَهُوَ الطَّبِيعَةُ السَّمَاوِيَّةُ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. مُجَدَّدًا، نَادِرًا مَا نَسْمَعُ هَذِهِ الْحُجَّةَ الْيَوْمَ. لَكِنَّهَا فِكْرَةٌ اسْتَخْدَمَهَا كَالْفِنْ، وَأَجِدُهَا مُتَّفِقَةً مَعَ اخْتِبَارِي الشَّخْصِيِّ مَعَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. دَعُونِي فَقَطْ أُطْلِعُكُمْ قَلِيلًا بِشَكْلٍ عَابِرٍ عَلَى هَذَا الِاخْتِبَارِ الشَّخْصِيِّ. بَدَأَتْ مَسِيرَتِي الْأَكَادِيمِيَّةُ، بِالتَّأْكِيدِ، فِي الْجَامِعَةِ، حَيْثُ تَخَصَّصْتُ فِي الْفَلْسَفَةِ. وَمِنَ الْجَامِعَةِ، انْتَقَلْتُ إِلَى كُلِّيَّةِ اللَّاهُوتِ، حَيْثُ دَرَسْتُ اللَّاهُوتَ، لَكِنْ وَاصَلْتُ أَيْضًا دِرَاسَةَ الْفَلْسَفَةِ. ثُمَّ خِلَالَ دِرَاسَاتِي الْعُلْيَا فِي أُورُوبَّا، وَاصَلْتُ دِرَاسَةَ اللَّاهُوتِ فِي إِطَارِ نَظَرِيَّاتِ النَّقْدِ الْأَعْلَى وَمَا إِلَى ذَلِكَ. لَكِنْ أَيْضًا، فِي الدِّرَاسَاتِ الْعُلْيَا، وَاصَلْتُ السَّعْيَ إِلَى دِرَاسَةِ الْفَلْسَفَةِ. وَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ هُوَ أَنَّهُ بِدِرَاسَتِي لِلْفَلْسَفَةِ كَتَخَصُّصٍ، أَوْ كَمَجَالٍ أَكَادِيمِيٍّ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَجَالَ، رُبَّمَا أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ مَجَالٍ آخَرَ، يُؤَهِّلُ الدَّارِسِينَ لِعَمَلِيَّةِ التَّحْلِيلِ النَّقْدِيِّ الدَّقِيقَةِ. فَمِنْ أَوَّلِ الْأُمُورِ الَّتِي تَتَعَلَّمُهَا فِي دِرَاسَةِ الْفَلْسَفَةِ هُوَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا هُوَ مَطْبُوعٌ صَحِيحًا أَوْ جَدِيرًا بِالثِّقَةِ، وَأَنَّهُ ثَمَّةَ مَبَادِئُ لِلتَّحْلِيلِ، أَوْ لِإِثْبَاتِ الصِّحَّةِ أَوْ الزَّيْفِ، يَجِبُ تَطْبِيقُهَا عَلَى أَيِّ نَصٍّ مَكْتُوبٍ، عِنْدَ تَقْيِيمِ قُوَّةِ الْحُجَجِ، مَثَلًا.

وَبَعْدَ اِجْتِيَازِي تِلْكَ الْبَوْتَقَةَ الْأَكَادِيمِيَّةَ الْخَاصَّةَ، تَعَلَّمْتُ قَطْعًا فِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ جِدًّا أَنْ أَقْرَأَ كُتُبَ الْفَلَاسِفَةِ بِعَيْنٍ فَاحِصَةٍ، وَأَلَّا أَفْتَرِضَ صِحَّةَ كُلِّ مَا أَقْرَأُهُ. وَهَكَذَا، نَقَلْتُ هَذِهِ الْمُؤَنَ مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْمَوَاهِبِ مِنْ خَلْفِيَّتِي إِلَى كُلِّ نَصٍّ أَدَبِيٍّ أَقْرَأُهُ. لَكِنَّنِي اكْتَشَفْتُ أَمْرًا مَلْحُوظًا، وَهُوَ أَنَّنِي حِينَ أَقْرَأُ صَفَحَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، أَجِدُ أَنَّ صَفَحَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هِيَ الَّتِي تَنْقُدُنِي، وَلَسْتُ أَنَا الَّذِي أَنْقُدُهَا. فَإِنَّنِي أَجِدُ فِي مُحْتَوَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ مَا يَفُوقُ كَثِيرًا أَفْكَارَ أَكْثَرِ الْأَشْخَاصِ بَرَاعَةً وَإِبْدَاعًا، حَتَّى إِنَّنِي أَقِفُ مَذْهُولًا أَمَامَ سِعَةِ نِطَاقِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ، وَهُوَ مَا دَعَاهُ كَالْفِنْ بِالطَّبِيعَةِ السَّمَاوِيَّةِ، أَيْ كَيْفَ يَصِفُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ طَبِيعَةَ اللَّهِ بِعُمْقٍ شَدِيدٍ، لِدَرَجَةِ أَنَّنِي انْشَغَلْتُ طَوَالَ حَيَاتِي بِمُحَاوَلَةِ سَبْرِ غَوْرِ عُمْقِ مَا تُقَدِّمُهُ صَفَحَاتُ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَأُدْرِكُ أَنَّنِي حَتَّى وَإِنْ عِشْتُ ثَلَاثَ حَيَوَاتٍ أُخْرَى، لَنْ أَكُونَ قَدْ خَدَشْتُ سِوَى سَطْحِ الْعَظَمَةِ الْفَائِقَةِ لِمُحْتَوَى هَذَا الْكِتَابِ. أَتَعَجَّبُ حِينَ يَشْعُرُ النَّاسُ بِالضَّجَرِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، أَوْ حِينَ يُصْبِحُونَ عَدَائِيِّينَ حِينَ يَقْرَأُونَ كَلَامَهُ، وَلِذَلِكَ لِجَمَالِ وَوُضُوحِ الْحَقِّ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ.

اِعْتَادَ سِي. إِسْ. لُوِيسْ التَّحَدُّثَ عَمَّا أَسْمَاهُ "مَا لَهُ وَقْعُ الْحَقِّ"، بِحَيْثُ حِينَ تَسْمَعُهُ، تَعْلَمُ أَنَّكَ تُصْغِي إِلَى الْحَقِّ. وَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي لَمْ يَشَأْ دَاوُدُ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ أَنْ يَسْمَعَهُ، لَكِنْ أُجْبِرَ عَلَى سَمَاعِهِ حِينَ جَاءَ إلَيْهِ نَاثَانُ النَّبِيُّ كَاشِفًا خَطِيَّتَهُ. وَحِينَ سَمِعَ دَاوُدُ ذَلِكَ، انْفَتَحَتْ عَيْنَاهُ وَأُذُنَاهُ، وَأَدْرَكَ أَنَّ هَذَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ. أُشَبِّهُ ذَلِكَ أَيْضًا بِقِصَّةِ عَالِي فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، الَّذِي كَانَ ابْنَاهُ مُنْفَلِتَيْنِ، وَقَصَّرَ فِي تَأْدِيبِهِمَا. تَذْكُرُونَ أَنَّ صَمُوئِيلَ الشَّابَّ وُضِعَ تَحْتَ مَسْؤُولِيَّةِ عَالِي. وَذَاتَ مَسَاءٍ، بَيْنَمَا كَانَ كُلٌّ مِنْ عَالِي وَصَمُوئِيلَ نَائِمَيْنِ، سَمِعَ صَمُوئِيلُ صَوْتًا يُنَادِيهِ "صَمُوئِيلُ". فَاسْتَيْقَظَ صَمُوئِيلُ، وَذَهَبَ، وَأَيْقَظَ عَالِي وَسَأَلَهُ: "هَلْ نَادَيْتَنِي؟" فَأَجَابَهُ عَالِي: "كَلَّا، لَا بُدَّ مِنْ أَنَّكَ تُعَانِي عُسْرَ هَضْمٍ. فَأَنَا نَائِمٌ بِعُمْقٍ، عُدْ إِلَى فِرَاشِكَ". وَبَعْدَ دَقَائِقَ قَلِيلَةٍ، سَمِعَ الصَّوْتَ مُجَدَّدًا: "صَمُوئِيلُ" فَعَادَ صَمُوئِيلُ وَأَيْقَظَ عَالِي. فَقَالَ لَهُ عَالِي: "مَهْلًا، إِنْ حَدَثَ ذَلِكَ مُجَدَّدًا، فَقَدْ يَكُونُ هُوَ الرَّبَّ". وَقَطْعًا، بَعْدَ بِضْعِ لَحَظَاتٍ، سَمِعَ اسْمَ صَمُوئِيلَ مُجَدَّدًا وَمُتَكَرِّرًا: "صَمُوئِيلُ، صَمُوئِيلُ". وَهَذِهِ الْمَرَّةَ، رَدَّ صَمُوئِيلُ قَائِلًا: "تَكَلَّمْ يَا رَبُّ لِأَنَّ عَبْدَكَ سَامِعٌ". ثُمَّ كَشَفَ اللَّهُ لِصْمُوئِيلَ الدَّيْنُونَةَ الْوَشِيكَةَ الَّتِي سَيُوقِعُهَا عَلَى بَيْتِ عَالِي.

بَعْدَمَا حَدَثَ ذَلِكَ، وَفِي الصَّبَاحِ، سَأَلَ عَالِي صَمُوئِيلَ: "هَلْ كَلَّمَكَ اللَّهُ؟" فَأَجَابَ: "نَعَمْ". فَقَالَ عَالِي: "أَخْبِرْنِي بِمَا قَالَهُ لَكَ". فَقَالَ صَمُوئِيلُ: "كَلَّا". فَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُطْلِعَ عَالِي عَلَى تِلْكَ الْأَخْبَارِ الْمُرَوِّعَةِ. فَأَدْرَكَ عَالِي أَنَّ ثَمَّةَ خَطْبًا مَا، فَقَالَ: "اسْمَعْ أَيُّهَا الشَّابُّ، أَخْبِرْنِي بِمَا كَلَّمَكَ بِهِ اللَّهُ، وَإِلَّا فَهَكَذَا يَعْمَلُ لَكَ ٱللَّهُ وَهَكَذَا يَزِيدُ". وَهَكَذَا، أَطْلَعَ صَمُوئِيلُ عَالِي عَلَى فَحْوَى رِسَالَةِ الدَّيْنُونَةِ الَّتِي كَشَفَهَا لَهُ اللَّهُ. وَالْأَمْرُ اللَّافِتُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيَّ هُوَ أَنَّهُ حِينَ سَمِعَ عَالِي تِلْكَ الرِّسَالَةَ كَانَ رَدُّهُ: "هُوَ ٱلرَّبُّ". فَمِنْ خِلَالِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْآتِيَةِ مِنَ الْعَلَاءِ، تَمَكَّنَ عَالِي فَوْرًا مِنْ فَهْمِ الرِّسَالَةِ السَّمَاوِيَّةِ وَإِدْرَاكِهَا، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ سَمَاعَهَا. هَذَا مَا أَقْصِدُهُ. فَحِينَ أَقْرَأُ فِي صَفَحَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، ثَمَّةَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ لَا أَرْغَبُ فِي سَمَاعِهَا، وَتُزْعِجُنِي، وَمَعَ ذَلِكَ، وَكَمَا قَالَ يَسُوعُ: "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي". فَإِنَّنِي أَشْعُرُ بِسَمَاوِيَّةِ الْكَلَامِ، وَأَعْتَقِدُ أَنَّنِي أَفْهَمُ تَمَامًا مَا قَصَدَهُ كَالْفِنْ. لَكِنْ مُجَدَّدًا، الَّذِينَ لَا يَشْعُرُونَ بِسَمَاوِيَّةِ الْكَلَامِ لَا يَقْتَنِعُونَ بِهِ كَمَا يَنْبَغِي.

أَشَارَ كَالْفِنْ أَيْضًا إِلَى التَّوَافُقِ بَيْنَ كُلِّ أَجْزَاءِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. يَبْذُلُ النُّقَّادُ كُلَّ مَا بِوُسْعِهِمْ لِإِبْرَازِ التَّنَاقُضَاتِ. فَأَحَدُ كُتَّابِ الْأَنَاجِيلِ قَالَ إِنَّهُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ظَهَرَ مَلَاكَانِ، بَيْنَمَا ذَكَرَ آخَرُ مَلَاكًا وَاحِدًا، فَيَقُولُ الْبَعْضُ: "هَذَا تَنَاقُضٌ فِي الْمَصَادِرِ". قَطْعًا، لَيْسَ هَذَا تَنَاقُضًا، مَا لَمْ يَقُلِ النَّصُّ - أَوْ أَحَدُ الْكُتَّابِ - "كَانَ هُنَاكَ مَلَاكٌ وَاحِدٌ فَقَطْ"، وَقَالَ آخَرُ "كَانَ هُنَاكَ مَلَاكَانِ". عِنْدَئِذٍ، يَكُونُ هَذَا تَنَاقُضًا. لَكِنْ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مَلَاكَانِ، فَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ وَاحِدٌ. وَإِذَا ذَكَرَ أَحَدُ الْكُتَّابِ مَلَاكًا وَاحِدًا، فَرِوَايَتُهُ تَخْتَلِفُ عَنْ رِوَايَةِ الَّذِي ذَكَرَ الْمَلاكَيْنِ، لَكِنَّهُمَا لَيْسَا مُتَنَاقِضَيْنِ. لَكِنَّ النَّاسَ يُسَارِعُونَ إِلَى الْحُكْمِ عَلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَمُجَدَّدًا، أَرَى أَنَّ مِنْ أَهَمِّ الْفَوَائِدِ الَّتِي يُمْكِنُ لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي يُصَارِعُ مَعَ هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يَحْظَى بِهَا هِيَ إِيجَادُ كِتَابٍ يَحْوِي كُلَّ أَنْوَاعِ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي قَدَّمَهَا أَتْبَاعُ النَّقْدِ الْأَعْلَى، وَالْحُلُولَ الَّتِي قُدِّمَتْ. هَذَا مَا كُنْتُ أَفْعَلُهُ طَوَالَ حَيَاتِي. وَأَقُولُ إِنَّهُ كَانَ بِإِمْكَانِي أَنْ أَكْتُبَ تَفْسِيرًا مُحَافِظًا لِكُلِّ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، أُدَافِعُ فِيهِ عَنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، دُونَ الْاقْتِبَاسِ مِنْ أَيِّ مَصْدَرٍ مُحَافِظٍ، لِأَنَّهُ فِي مُقَابِلِ كُلِّ خَمْسَةِ نُقَّادٍ يُشَكِّكُونَ فِي نَصٍّ مَا، يُوجَدُ خَمْسَةٌ آخَرُونَ يُشَكِّكُونَ فِي نَصٍّ آخَرَ، بَيْنَمَا يُؤَكِّدُونَ صِحَّةَ النَّصِّ الْأَوَّلِ. إِذَنْ، تَرَوْنَ كَيْفَ تَبْدُو الْعَمَلِيَّةُ. لَكِنْ مُجَدَّدًا، بِرَأْيِي، التَّوَافُقُ وَالْوَحْدَةُ الْمُتَشَابِكَةُ الَّتِي تَتَجَلَّى فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هُوَ أَمْرٌ لَمْ أَعْهَدْهُ فِي أَيِّ كِتَابٍ آخَرَ طَوَالَ حَيَاتِي.

كَذَلِكَ، مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَعْتَرِضُ النَّاسُ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هِيَ "أَخْلَاقِيَّاتُ" الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. فَيَبْدُو أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يُعَلِّمُ عَنْ إِلَهٍ ظَالِمٍ وَشِرِّيرٍ، فَرَضَ قَوَانِينَ تُجَرِّدُ الْإِنْسَانَ مِنْ إِنْسَانِيَّتِهِ، وَإِلَهٍ يَقْتُلُ النَّاسَ كَمَا فَعَلَ فِي الطُّوفَانِ، إِلَى آخِرِهِ. وَمَعَ ذَلِكَ، إِذَا نَظَرْنَا إِلَى أَخْلَاقِيَّاتِ أَرِسْطُو النِّيقُومَاخِيَّةِ، الَّتِي ظَلَّتْ بَاقِيَةً أَيْضًا مُنْذُ الْقَدِيمِ، وَهِيَ النَّمُوذَجُ فِي الْأَخْلَاقِيَّاتِ، نَجِدُ أَنَّهَا لَا تَرْتَقِي وَلَوْ قَلِيلًا إِلَى مُسْتَوَى الْعَدَالَةِ الَّذِي نَجِدُهُ فِي الْقَانُونِ الْأَخْلَاقِيِّ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. لَا يُحِبُّ النَّاسُ سَمَاعَ مَا يَقُولُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ عَنِ الْأَخْلَاقِ، وَلَا يُحِبُّونَ سَمَاعَ أَنَّنَا يَجِبُ أَلَّا نَزْنِيَ. لَكِنَّنَا نَعْلَمُ جَمِيعًا، كَمَا أَشَارَ كَانْطْ فِي حُجَّتِهِ الْأَخْلَاقِيَّةِ، مَدَى اسْتِقَامَةِ شَرِيعَةِ اللَّهِ الْبَارَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَمُجَدَّدًا، حِينَ أَقْرَأُ شَرِيعَةَ اللَّهِ، وَتُوضَعُ أَخْلَاقِي فِي مُقَارَنَةٍ بِمِعْيَارِ الْأَخْلَاقِ الْمُقَدَّمِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، أَجِدُ أَنَّهُ مِنْ عَدَمِ الْأَمَانَةِ أَنْ نُحَاوِلَ نَقْدَهُ، بَدَلًا مِنْ أَنْ نَجْعَلَهُ يَنْقُدُنَا، لِأَنَّهُ يُبَكِّتُنَا.

هَذِهِ فَقَطْ بَعْضٌ مِنَ الْبَرَاهِينِ الدَّاخِلِيَّةِ، نَاهِيكَ عَنْ أَنَّ مِنْ أَهَمِّ الْأَدِلَّةِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هُوَ النُّبُوَّاتُ. فَحِينَ يَتَنَبَّأُ أُنَاسٌ عَنْ أُمُورٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ، لَا بِأُسْلُوبٍ عَامٍّ غَامِضٍ، وَإِنَّمَا بِتَفَاصِيلَ مُحَدَّدَةٍ، تَتَحَقَّقُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِشَكْلٍ دَقِيقٍ وَمُحَدَّدٍ، يَكْشِفُ ذَلِكَ الْأَصْلَ الْفَائِقَ لِلطَّبِيعَةِ لِتِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ. قِيلَ إِنَّهُ تُوجَدُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِمِئَةِ نُبُوَّةٍ مُحَدَّدَةٍ وَتَفْصِيلِيَّةٍ عَنِ الْمَسِيَّا فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، تَمَّتْ بِوُضُوحٍ فِي شَخْصِ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ. وَكَيْ يَكُونَ ذَلِكَ مُجَرَّدَ مُصَادَفَةٍ، قُدِّرَتْ الِاحْتِمَالَاتُ لَا بِالْمِلْيَارَاتِ، أَوْ بِالتِّرِلْيُونَاتِ، بَلْ بِرَقْمٍ لِامتِنَاهِي الْأَصْفَارِ الَّتِي نَعْجِزُ حَتَّى عَنْ إِحْصَائِهَا، أَنْ تَتَحَقَّقَ كُلُّ تِلْكَ الْأُمُورِ مُصَادَفَةً فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ.

مِنَ اللَّافِتِ أَنَّ هَذَا مِنْ أَسْبَابِ مُلَاحَقَةِ جَمَاعَةِ "نَدْوَةِ يَسُوعَ" الْيَوْمَ لِلنُّبُوَّاتِ، لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَعْظَمَ بُرْهَانٍ دَاخِلِيٍّ عَلَى الْأَصْلِ الْإِلَهِيِّ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هُوَ النُّبُوَّاتُ الْمُحَدَّدَةُ. وَفِي الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ، هَاجَمَتْ لِيبْرَالِيَّةُ الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِيلَادَ الْمَسِيحِ الْعَذْرَاوِيِّ، مُحَاوِلَةً دَحْضِ نُبُوَّةِ إِشْعِيَاءَ عَنِ الْعَذْرَاءِ الَّتِي سَتَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَالَّتِي شَهِدَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ عَنْ تَحَقُّقِهَا فِي مِيلَادِ يَسُوعَ مِنْ عَذْرَاءَ. لَكِنِ الْآنَ، تَتَمَادَى جَمَاعَةُ "نَدْوَةِ يَسُوعَ"، مُحَاوِلَةً دَحْضَ مِيلَادِ يَسُوعَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. وَبِالْحَقِيقَةِ، عَبْرَ تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ بِأَكْمَلِهِ، لَا يُوجَدُ وَلَوْ دَلِيلٌ وَاحِدٌ ضِدَّ الْمَوْقِعِ التَّارِيخِيِّ لِمِيلَادِ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ. لَكِنْ لِمَاذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَهْدَافِ جَمَاعَةِ "نَدْوَةِ يَسُوعَ"؟ لِأَنَّهُ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، قَالَ مِيخَا النَّبِيُّ: "أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا"، أَيْ إنَّ مِيلَادَ الْمَسِيَّا فِي بَيْتِ لَحْمٍ كَانَ وَاحِدًا مِنَ النُّبُوَّاتِ الْمُحَدَّدَةِ فِي الْعَالَمِ الْقَدِيمِ.

سَأُسَرِّعُ الْوَتِيرَةَ قَلِيلًا. قَالَ كَالْفِنْ إِنَّ هَذِهِ الْبَرَاهِينَ وَغَيْرَهَا هِيَ أَدِلَّةٌ مَوْضُوعِيَّةٌ تُثْبِتُ الْأَصْلَ الْإِلَهِيَّ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْبَرَاهِينَ فَعَّالَةٌ بِمَا يَكْفِي لِسَدِّ أَفْوَاهِ الْمُشَاكِسِينَ. لَكِنَّهُ قَالَ: "لَنْ يَقْتَنِعَ النَّاسُ بِسُهُولَةٍ بِهَذِهِ الْبَرَاهِينِ الْمَوْضُوعِيَّةِ، أَوْ بِهَذِهِ الْمُؤَشِّرَاتِ (indicia)، إِلَى أَنْ تُعَزِّزَ خِدْمَةُ وَعَمَلُ الرُّوحِ الْقُدُسِ هَذِهِ الْبَرَاهِينَ الْمَوْضُوعِيَّةَ".

يَجِبُ أَنْ نَتَوَخَّى الْحَذَرَ هُنَا. تَحَدَّثَ كَالْفِنْ عَمَّا دَعَاهُ بِالشَّهَادَةِ الدَّاخِلِيَّةِ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ، الَّتِي هِيَ لَيْسَتْ جُزْءًا مِنَ الْبَرَاهِينِ الْمَوْضُوعِيَّةِ، لَكِنَّهَا شَيْءٌ يَحْدُثُ فِي دَاخِلِنَا، حَيْثُ يُقْنِعُنَا الرُّوحُ الْقُدُسُ حِينَ نَقْرَأُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ بِأَنَّنَا أَمَامَ مَا لَا يَقِلُّ عَنْ حَقِّ اللَّهِ. لَمْ يَنْحَدِرْ كَالْفِنْ إِلَى تَبَنِّي التَّصَوُّفِ الشَّخْصِيِّ، قَائِلًا: "مَا مِنْ دَلِيلٍ مَوْضُوعِيٍّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ، بَلْ فَقَطْ عَلَيْكَ أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ بِالْإِيمَانِ. فَأَنْتَ تُؤْمِنُ بِهِ لِأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ يُخَاطِبُ قَلْبَكَ، إِلَى آخِرِهِ". كَلَّا، كَلَّا، كَلَّا. إِلَيْكَ مَا يَقْصِدُهُ كَالْفِنْ. أَوَّلًا، شَهَادَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ الدَّاخِلِيَّةُ لَا تَعْنِي أَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ يَهْمِسُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ أَوْ فِي أُذُنَيْهِ بِمَعْلُومَاتٍ جَدِيدَةٍ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا. فَهَذِهِ فِكْرَةٌ غْنُوسِيَّةٌ. كَمَا لَا تَعْنِي أَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ يُقَدِّمُ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ غَيْرُ مُتَاحٍ لِلَّذِينِ لَمْ يَمُرُّوا بِذَلِكَ الِاخْتِبَارِ الدَّاخِلِيَّ. أُكَرِّرُ، هَذَا نَوْعٌ مِنَ التَّصَوُّفِ. بَلْ يَقْصِدُ كَالْفِنْ أَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ يَجْعَلُ الْمُؤْمِنَ يَرْضَخُ أَوْ يَسْتَسْلِمُ لِلْمُؤَشِّرَاتِ أَوِ الْأَدِلَّةِ.

وَمَا مَعْنَى أَنْ يَرْضَخَ لِلْأَدِلَّةِ؟ أَتَذْكُرُونَ أَنَّنِي فِي بِدَايَةِ هَذِهِ السِّلْسِلَةِ مَيَّزْتُ بَيْنَ الْبُرْهَانِ وَالْإِقْنَاعِ؟ قَالَ كَالْفِنْ إِنَّهُ لِأَنَّنَا بِالطَّبِيعَةِ فِي عَدَاءٍ ضِدَّ فِكْرِ اللَّهِ وَحَقِّهِ، حَتَّى إِنْ ظَهْرَ اللَّهُ أَمَامَنَا، أَوْ كَمَا قَالَ يَسُوعُ إِنَّهُ حَتَّى إِنْ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَوْتِ، سَيَرْفُضُ النَّاسُ أَنْ يُصَدِّقُوا ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ تَصْدِيقَهُ. وَمَعَ أَنَّ الْبُرْهَانَ دَامِغٌ، يَظَلُّ النَّاسُ غَيْرَ مُقْتَنِعِينَ، لَا لِأَنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ، وَإِنَّمَا لِأَنَّهُمْ يُكِنُّونَ عَدَاءً وَتَحَيُّزًا ضِدَّ حَقِّ اللَّهِ. قَالَ كَالْفِنْ إِنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَا يُقَدِّمُ بَرَاهِينَ جَدِيدَةً أَوْ إِضَافِيَّةً، أَوْ حُجَّةً جَدِيدَةً، لَكِنَّهُ يَهْدِمُ أَسْوَارَ الْعَدَاءِ فِي قُلُوبِنَا ضِدَّ حَقِّ اللَّهِ، فَيَجْعَلُنَا مُسْتَعِدِّينَ لِلِاسْتِسْلَامِ لِلْبَرَاهِينِ الْجَلِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ.

إِذَنْ، قَصَدَ كَالْفِنْ مَا قَصَدَهُ بُولُسُ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى كُورِنْثُوسَ- فِي الْأَصْحَاحِ الثَّانِي - حِينَ تَحَدَّثَ عَنِ الْحَقَائِقِ الَّتِي يُحْكَمُ فِيهَا رُوحِيًّا، ثُمَّ تُقْبَلُ، حِينَ يَهْدِمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ جُدْرَانَ نُفُورِنَا مِنْهَا.