الصراع لمعرفة مشيئة الله
۸ يوليو ۲۰۲۱الحريَّة من الخوف
۱۵ يوليو ۲۰۲۱النجاح الدنيوي
"بالتأكيد هذه ليست النتيجة التي تنتظرها من شخص توقَّع له الجميع وهو في المدرسة الثانويَّة أن ينجح في الحياة". أردت أن أعترض، لكنَّني لم أستطع. فأنا لم أر صديقي الواثق بنفسه على هذا المنوال من قبل. لكن الخروج من علاقة مُحطَّمة في أعقاب فقدان الوظيفة سيفعل ذلك بك. لم يعد ناجحًا ولا راضيًا عن حياته، وكان يعرف ذلك. لم يستطع حتى التظاهر بعكس ذلك. بعد أن شعر بالإحباط وخيبة الأمل بسبب مجموعة من التوقُّعات التي لم تتحقَّق، بدأ يتساءل بصوت عالٍ: "ماذا يعني أن تنجح حقًا في الحياة؟"
على الرغم من أنَّه لم يكن يشعر بذلك، كان صديقي في مكانٍ أفضل ممَّا كان يمكن أن يدركه في تلك اللحظة. لأنه في أعماق حياته المُحطَّمة، كان الله يزيل الافتراضات الخاطئة حول النجاح الدنيوي، وبمرور الوقت كان الله يستبدل هذه الافتراضات بتعاليم كتابيَّة قويَّة ومُحدَّدة حول طبيعة النجاح الحقيقي.
على مدار اجتماعين، أوضحت أنَّه إذا كان آدم وحواء قد التحقوا بالمدرسة الثانويَّة، لكان توقَّع لهم الجميع أيضًا أن ينجحوا في الحياة. فقد صنعتهم يد الله، ولا ينقصهم شيء، وتم تأهيلهم تمامًا بالقدرة على الإثمار، والتكاثر، وملء الأرض (تكوين 1: 26-28)، كان هذان الشخصان على وشك النجاح. ثنائي نشط تنتظره العظمة.
ولكن بينما تتضح القصة تدريجيًّا، نعلم أنَّه لا يُمكنك الحكم على النجاح من مظهره الخارجي، لأن إمكانيَّة النجاح ليست وعدًا بالنجاح. في تكوين 3، وقع آدم وحواء تحت تأثير تعريف مختلف للنجاح –تعريف لم يأت من الله بل من الشرير. وفقًا للحيَّة، لا يكمن النجاح الحقيقي في أن نعكس صورة الله ولكن من خلال المساواة مع الله (آية 5).
بعد سقوط آدم وحواء، انقلب تصميم الله للعمل والانجاز والنجاح رأسًا على عقب. استُبدِل الله بالإنسان كهدف للنجاح. حلَّ الكبرياء محل التواضع كمُحرِّك للنجاح. حلَّ الترويج للذات محل بذل الذات كطريقة للنجاح. واستُبدِلت البركة الحقيقيَّة بالمُحصِّلة النهائيَّة كمعيار لقياس النجاح.
لهذا السبب عندما نحقِّق نجاحًا بسيطًا، تندلع حرب المجد داخلنا. بدلًا من الفرح المُقدَّس الناتج عن إنجاز العمل على نحو جيِّد، وهو إنجاز تم تحقيقه لمجد الله، نستغل الإنجاز كفرصة لنصنع اسمًا لأنفسنا. فنحن نسلِّط الضوء على أنفسنا بدلًا من الله، لأن طبيعتنا تميل نحو عبادة الأوثان بدلًا من العبادة الحقيقيَّة لله.
بقولي هذا، لا أقصد الإشارة بأن النجاح الدنيوي هو بطبيعته خطيَّة. تمتَّع العديد من شعب الله في الكتاب المُقدَّس بالتقدير والنجاح الدنيوي. كان يوسف هو الذراع اليُمنى لفرعون في مصر، وقد استُخدِم لإنقاذ إسرائيل أثناء المجاعة. كانت إستير ملكة للملك الفارسي أَحَشْوِيرُوش، وقد استُخدِمت لإنقاذ شعب الله من مؤامرة هامان الشرِّيرة. كان دانيال مُستشارًا للملك نبوخذ نصَّر، واستُخدِم ليُقدِّم مجد الله لأمة أجنبيَّة. هذه ليست سوى ثلاثة نماذج من العشرات التي يُمكننا الاختيار من بينها، ولكن تبقى الفكرة الثابتة هي: إن الله يشارك بفاعليَّة في تحقيق النجاح الدنيوي –المُتمثِّل في السلطة والثروة والمكانة– لشعبه، وتعزيز هذا النجاح لتحقيق أهدافه الإلهيَّة الصالحة.
ولكن بنفس الطريقة التي لا يكون فيها النجاح الدنيوي بطبيعته خطيَّة، فهو أيضًا ليس بطبيعته جيِّدًا – على الأقل ليس بعد الآن. يُمكن أن يكون النجاح الدنيوي وسيلة للخير، ولكن يُمكن أيضًا استخدامه للشر. سواء كان ذلك فخ الثروة والممتلكات (مرقس 4: 19)، أو الرجاء الزائف بالنسب والعطاء (1 كورنثوس 1: 26-31)، أو عبادة القوَّة والمكانة (مرقس 10: 35-45)، يحذِّرنا الكتاب المُقدَّس مرارًا وتكرارًا من فخ النجاح الدنيوي. يعرف الكتاب المُقدَّس أن للنجاح طريقة لإعادة تشكيلنا وفقًا لأولويَّات وممارسات العالم.
عرف الاقتصادي آدم سميث في القرن الثامن عشر هذا الميل للنجاح. وهو مشهور بحجَّته بأن أفضل طريقة لبناء اقتصاد مزدهر هي من خلال "الترويج لأنفسنا لا على أساس إنسانيَّة المجتمع بل على أساس محبَّته لذاته". لقد فهم أن دافع الأشخاص الساقطين للإنجاز والنجاح غالبًا لا ينشأ من قلب يميل نحو محبَّة الله والقريب ولكن قلب يتَّجه نحو محبَّة الذات.
والآن، كل هذا يثير تساؤلًا: ما هي الطبيعة الحقيقيَّة للنجاح؟
من وجهة نظري، هناك طريقتان يمكن أن نخطئ فيهما. من ناحية، بما أن النجاح بطبيعته ليس خيرًا ولا شرًّا، وبما أنه يأتي للأبرار والأشرار، فقد يبدو من الحماقة تحديد طبيعة النجاح بالعوامل الخارجيَّة وحدها. ومن ناحية أخرى، نظرًا لأن النجاح يتضمَّن بالضرورة ثمارًا واضحة، فمن السذاجة أيضًا قصر النجاح على العوامل الداخليَّة أو الخفيَّة فقط. بدلًا من ذلك، يجب أن نجمع هذين العاملين معًا وأن نتبع تعاليم الكتاب المُقدَّس حول الأمانة والإثمار. ماذا أعني بهذا؟
أحيانًا يؤدِّي العيش وفقًا لتعاليم الكتاب المُقدَّس إلى النجاح الدنيوي. أشار جوناثان إدواردز في كتابه "طبيعة الفضيلة الحقيقيَّة" (The Nature of True Virtue) إلى أن الله قد خلق العالم إلى درجة تجعل الحياة الصالحة غالبًا ما تعود بالفوائد الدنيويَّة. فالشخص النزيه غالبًا ما يحصل على الترقية. والعامل الجاد الذي يُمكن الوثوق به هو مَن يحصل على العلاوة. كما كان الأمر بالنسبة ليوسف وأستير ودانيال، غالبًا ما يكون النجاح الدنيوي نتيجة ثانويَّة للحياة الصالحة.
ولكن في أوقات أخرى، قد تكلِّفك الحياة الصالحة النجاح الدنيوي. عندما تدافع عمَّا هو صحيح، سيتم تجاوزك أحيانًا في الترقية أو العلاوة. عندما تختار بشجاعة فضح الظلم أو الفساد، فمن شبة المُؤكَّد أنك ستُحتَقر، وقد تفقد أحيانًا ترقية أو أكثر –أو حتى أسوأ من ذلك. لكن هذا مُتوقَّع. مرَّة أخرى، يُمكننا الرجوع إلى يوسف وأستير ودانيال. لم يختبر هؤلاء القدِّيسون النجاح الدنيوي فقط بسبب أمانتهم، ولكنَّهم أيضًا عانوا من فقدان النجاح الدنيوي بسبب أمانتهم. قد نقول إنَّه في بعض الحالات، كان الحصول على النجاح الدنيوي ثمرة الأمانة، وفي حالات أخرى، كان خسارة النجاح الدنيوي ثمنًا للأمانة.
ولكن شكرًا لله، فقد كان للنجاح الدنيوي تأثير ضعيف على قلوبهم. لقد كانوا ملتزمين جدًا بالأمانة بحيث يُمكنهم الحصول على النجاح الدنيوي أو تركه لأنَّه لم يكن الهدف. لم يمتلك النجاح الدنيوي قلوبهم. فالحقيقة هي أنَّه لا يمكن للكثيرين منَّا أن يمتلكوا النجاح الدنيوي دون أن يمتلكنا النجاح الدنيوي بدوره. اتضح أن الأمر يتطلَّب نضجًا روحيًّا كبيرًا لتكون ناجحًا. يجب أن نتضرَّع إلى الرب بألَّا يسمح لنا أبدًا بالنجاح الدنيوي أكثر ممَّا يُمكننا تحمُّله مع النضج الروحي الذي لدينا. "لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟" (مرقس 8: 36).
دعونا نلتزم بالحصول على النجاح الدنيوي والحفاظ عليه فقط إذا كان هذا النجاح ناتجًا عن الطاعة الأمينة لكلمة الله ومحفوظ بواسطتها. كان هذا هو التزام يشوع. فبينما كان يعد إسرائيل لدخول أرض الموعد، لم يركِّز على الاستراتيجيَّات العسكريَّة أو الأسلحة الماديَّة. بدلًا من ذلك، دعا الناس أن يعرفوا كل ما يطلبه سفر الشريعة ويعملوا به لأنه "حِينَئِذٍ تُفْلِحُ" (يشوع 1: 8).
تبدو كلمات يشوع إلى حدٍ كبير مثل كلمات الرب يسوع عندما قال: "طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ" (يوحنا 4: 34). كان قلب الرب يسوع وإرساليَّته هو أمانته تجاه أبيه وليس هتاف وتقدير الناس. لكن دعونا نقول الحقيقة، من عدَّة نواحي، جعل هذا الالتزام الرب يسوع غير مؤثِّر تمامًا من وجهة نظر العالم.
في الواقع، إذا مَنحَت المدارس الثانويَّة جائزة "الأقل احتماليَّة للنجاح في الحياة" (وأنا سعيد جدًا لأنها لا تفعل ذلك)، فمن شبه المُؤكَّد أن الرب يسوع كان هو المُرشَّح الأول للفوز بالجائزة. فهو وُلد خارج إطار الزواج لأم بلا اسم (لوقا 1-2)، وتبنَّاه نجَّار بسيط يُدعى يوسف من الناصرة –والجميع يعلم أنه لا يمكن أن يكون شيء صالح من الناصرة (يوحنا 1: 46). لا جمال ولا منظر فنشتهيه (إشعياء 53: 2)، وليس له حتى أين يسند رأسه (متى 8: 20). وكأنَّ كل ذلك لم يكن كافيًا، فقد مات بأبشع طريقة يمكن تخيُّلها، كمجرمٍ مُدان على الصليب (يوحنا 19).
والآن، أنا متأكِّد تمامًا من عدم وجود أي من هذه الصفات ضمن خطة العالم للنجاح. لكن هذا هو بيت القصيد. فالنجاح بالنسبة للرب يسوع لا يُقاس وفقًا لمعايير العالم لأن الرب يسوع ليس من هذا العالم. لا يُمكن تقييم نجاح أو فشل حياته وفقًا لمقاييس العالم، لأن الحياة التي عاشها والملكوت الذي يبنيه ليسوا من هذا العالم. ولكن لكون الرب يسوع ليس من هذا العالم، فهو المُخلِّص الكامل لهذا العالم.
فكِّر في الأمر. إذا كان آدم وحواء قد قلبا العالم رأسًا على عقب عندما تمسَّكوا بالمساواة بالله، فإن الرب يسوع هو الذي قلب العالم لوضعيته الصحيحة إذ أنه "لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً للهِ". وإذا كان آدم وحواء قد قلبا العالم رأسًا على عقب من خلال انتفاخهما بالكبرياء، فإن الرب يسوع هو الذي قلب العالم لوضعيته الصحيحة إذ أنه "أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ". وإذا كان آدم وحواء قد قلبا العالم رأسًا على عقب من خلال عصيان وصية الله، فإن الرب يسوع هو الذي قلبه لوضعيته الصحيحة إذ أنه "أَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (فيلبي 2: 6-8).
الرجل الأكثر نجاحًا على الإطلاق بدا وكأنَّه فشل في نظر العالم، ولكن في نظر الآب حقَّق نجاحًا حقيقيًّا، لأن الآب "رَفَّعَهُ... وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ" (آية 9).
إن الصليب هو جهالة للأمم وعثرة لليهود. ولكن للْمُخَلَّصِينَ هو التعريف الحقيقي للنجاح (1 كورنثوس 1: 18، 22-24).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.