شخص المسيح - خدمات ليجونير
سياق صلاة يسوع
٦ أكتوبر ۲۰۲۲
شعب المسيح
۱۳ أكتوبر ۲۰۲۲
سياق صلاة يسوع
٦ أكتوبر ۲۰۲۲
شعب المسيح
۱۳ أكتوبر ۲۰۲۲

شخص المسيح

ملاحظة المُحرِّر: المقالة 3 من سلسلة "صلاة يسوع الكهنوتية"، بمجلة تيبولتوك.

خلال موسم عيد الميلاد، يليق بنا أن نركِّز بالفعل على صيرورة المسيح إنسانًا (التجسُّد)، وعلى كونه هو الملك. لكن إلى جانب هذه الأفكار المهمة، ينبغي أن نقول إن مسيح عيد الميلاد هو الكاهن (والنبي) الكامل، فضلًا عن كونه الملك أيضًا.

كان كهنة العهد القديم، ولا سيما رؤساء الكهنة، يقدِّمون الذبائح ويصلُّون لأجل شعبهم (لاويين 16: 15، 21). فقد كانوا وسطاءً بين الله والناس (عبرانيين 5: 1). وكان تتابُع رؤساء الكهنة في العهد القديم ظلًّا لرئيس الكهنة الأوحد والمجيد، الذي هو يسوع المسيح. وهو لم يكن مجرد إنسان شغل دور الوسيط بين الله والناس، لكنه كان في حقيقة الأمر هو الله-الإنسان الذي توسَّط بين الله والناس (عبرانيين 8: 6؛ انظر 1تيموثاوس 2: 5). علاوة على ذلك، لم يقدِّم المسيح مجرد ذبائح حيوانية أو تقدمات من الحبوب، لكنه قدَّم نفسه بصفته الذبيحة الأبدية الواحدة (عبرانيين 7: 27؛ 9: 12). وأخيرًا، لم يرفع المسيح صلوات ضعيفة، أو غير فعالة في بعض الأحيان، سواء عن نفسه أو عن الآخرين، لكنه قدم صلوات مجيدة وفعالة، ولا يزال يفعل ذلك (عبرانيين 5: 7؛ 7: 25).

إن صلاة المسيح الشفاعية التي رفعها إلى الآب في يوحنا 17 تحتوي على تضرعاته لأجل التلاميذ ولأجل جميع المؤمنين اللاحقين أيضًا. لكن بالإضافة إلى ذلك، كشف المسيح في هذه الصلاة، ولا سيما في يوحنا 17: 1-8، عن بعض جوانب من دوره كوسيط، الأمر الذي يسلِّط الضوء بدوره على طبيعته بصفته إلهًا حقًّا وإنسانًا حقًّا. كما أبرز العلاقة الخاصة التي تجمع بينه وبين الآب. في هذا المقال، سأقوم بتفسير يوحنا 17: 1-8، ثم أستفيض في الحديث عن الاتفاق الذي تمَّ بين الآب والمسيح بشأن تولِّيه دور الوسيط، وبشأن حمل المسيح اسم "المرسَل". وأخيرًا، سأقدِّم تشجيعًا على أن نعرف المسيح ونؤمن به بصورة أعمق.

تفسير يوحنا 17: 1-8

بدأ المسيح صلاته بتعبير "أَيُّهَا الآبُ"، ووصف نفسه بأنه "ابْنَكَ" (17: 1). هذه الكلمات تعكس بشكل رائع العلاقة الوثيقة والحميمية بين أقنومي الآب والابن في الثالوث، والتي تمتد من الأزل وتستمر طوال حياة المسيح على الأرض. لكن رغم هذه الفكرة الإيجابية، حملت أولى كلمات المسيح نغمة كئيبة: "قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ". وفي إنجيل يوحنا، يشير هذا التعبير إلى ساعة صلب المسيح (يوحنا 2: 4؛ 12: 23). بعد ذلك، قدَّم المسيح طلبته الأولى أو التماسه الأول، قائلًا: "مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضًا" (17: 1). هذا التمجيد المتبادَل بين الآب والابن يبدو للوهلة الأولى مثيرًا للدهشة، وذلك بسبب ارتباطه بحدث الصلب البشع العتيد أن يأتي (هذا التمجيد المتبادل يشمل الروح القدس أيضًا؛ يوحنا 16: 14).

بعد ذلك، أسَّس المسيح طلبته المتعلِّقة بالتمجيد المتبادل على ما أُعطِي له قبلًا. فقد "أعطى" الآبُ الابنَ "سُلْطَانًا عَلَى كُلِّ جَسَدٍ"، كما أعطاه المختارين "لِيُعْطِيَ [الابن] حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِكُلِّ [المختارين]" (17: 2). وفي هذه الصلاة، تبدو فكرة "العطاء" بارزةً. فإن عطاء الآب للابن كي يعطي الابن بدوره للمختارين يعكس وجود اتفاقية مسبقة بين الآب والابن. علاوة على ذلك، بما أن الابن كان يتمتَّع منذ الأزل بالفعل بكل السلطان، كونه هو الله، فلا بد إذن أن نواله كلَّ السلطان من الآب يتعلَّق بدوره كوسيطٍ، بصفته الله-الإنسان.

بعد ذلك، تعرَّف "الحياة الأبدية"، وهي "أَنْ يَعْرِفُوكَ [المختارون] أَنْتَ [أيها الآب] الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ" (17: 3). وإن وصف الآب بأنه "الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ" لا يعني أن المسيح أدنى من أن يكون هو الله بالكامل. ولماذا؟ لأن يوحنا بيَّن بوضوح في مواضع أخرى من إنجيله أن المسيح هو الله بالكامل (على سبيل المثال، يوحنا 1: 1؛ 5: 18؛ 10: 30؛ 17: 5؛ 20: 28). لكنَّ الفكرة المراد توصيلها مفادها أننا كي نعرف الله الآب الحقيقي معرفة صحيحةً، علينا أن ندرك علاقته بالمسيح، الذي هو الله بحقٍّ. وكان لقب المسيح الذي ذُكِر هنا مثيرًا للاهتمام؛ فهو "الَّذِي أَرْسَلْتَهُ [أيها الآب]".

ثم في يوحنا 17: 4، يَذكُر المسيح ما فعله من جانبه بموجب الاتفاقية المسبقة: "أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ". ومع أن المسيح نطق بهذه الكلمات مساء يوم الخميس، لكنه ضمَّ حدث الصلب الذي وقع يوم الجمعة إلى هذا التصريح ("عَلَى الأَرْضِ"). ومن المؤكَّد أن المسيح، بصفته رئيس الكهنة، كان من شأنه أيضًا أن يفعِّل عمل تقديم الذبيحة الذي أكمله بعد صعوده إلى السماء.

لكن، بعدما تحدَّث المسيح عن عمله "عَلَى الأَرْضِ" مباشرة، تحدَّث عن مجده المستقبلي لدى صعوده، قائلًا: "وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ" (17: 5). ومرة أخرى، تتجلَّى ألوهية المسيح بوضوح في إنجيل يوحنا. فقد كان المسيح عند الآب "قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ". علاوة على ذلك، ثمة تلميح في هذه الآية إلى جوانب مختلفة من المجد. ثمة مجدٍ في الأزل، عندما كان المسيح هو ابن الله الأزلي. وبشكلٍ ما، ثمة جانب مختلف من المجد تمتع به المسيح في حالة اتضاعه، بصفته الله-الإنسان، عندما كان على الأرض. وأخيرًا، ثمة مجد يتمتع به المسيح في السماء، وهو شبيهٌ بالمجد الذي كان له في الأزل، ولكنه مجد المسيح بصفته الله-الإنسان، وليس مجده في حالته السابقة للتجسد، أي بصفته ابن الله الأزلي.

ثم يتضمَّن يوحنا 17: 9-19 طلبات متصلة على نحو صريح وواضح بتلاميذ المسيح. يعرض يوحنا 17: 6-8 بعض الأسس التي تبرِّر استجابة الآب لهذه الطلبات. فالمسيح "أظهر اسم الآب لِلنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي" (الآية 6)، "وَهُمْ ... آمَنُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي" (الآية 8). ثمة تدرُّج في الجملة التالية: "كَانُوا [التلاميذ] لَكَ [للآب] وَأَعْطَيْتَهُمْ لِي، وَقَدْ حَفِظُوا كَلاَمَكَ" (الآية 6). يعني ذلك أن الآب هو الذي اختار التلاميذ، ثم أعطاهم للابن، ثم تجاوب التلاميذ بشكل سليم. وبالتالي، تمثَّل جزءٌ من الاتفاقية في أن يُعطي الآب شعبًا للابن، ثم يحرص الآب والابن (والروح القدس) معًا على أن يؤمن هؤلاء.

الاتفاقية

كما ذكرنا أعلاه، يتضمَّن يوحنا 17: 1-8 جوانب من اتفاقية ما أُبرِمت بين الآب والابن، بالارتباط بخلاص المختارين. ونرى في مواضع أخرى من إنجيل يوحنا أن هذه الاتفاقية شملت الروح القدس أيضًا (على سبيل المثال، يوحنا 3: 34؛ 14: 26؛ 15: 26؛ 16: 13-15). تحمل هذه الاتفاقية تسميات متعدِّدة. استخدم علماء اللاهوت المصلَحون في المقام الأول مصطلح "عهد الفداء"، أو "مَشُورَةُ السَّلاَمِ" (زكريا 6: 13)، أو باكتوم سالوتيس pactum salutis ("عهد الخلاص") كتسميات لهذه الاتفاقية.

باختصار، وفي ضوء الأفكار المتضمَّنة في الكتاب المقدس ككلَّ، عهد الفداء عبارة عن اتفاقية بين الأقانيم في الثالوث، أُبرِمت في الأزل لأجل خلاص المختارين. اشتملت هذه الاتفاقية على وعود، وعلى أمور تُعطَى، وعمل ينبغي إتمامه، وشخصين يرسِلان (الآب والابن)، وشخصين يُرسَلان (الابن والروح القدس)، وموافقة المسيح على أن يتجسَّد لتمثيل المختارين، وتمجيد متبادَل، إلى آخره. ومع أن هذه الاتفاقية أُبرمت في الأزل، هي متصلة بدور المسيح كوسيط، بصفته الله-الإنسان.

وبالتالي، فإن عهد الفداء وثيق الصلة بعهد النعمة، الذي هو اتفاقية أُبرِمت في حيِّز الزمن بين الله الواحد في ثلاثة أقانيم وبين المختارين. إلا أن بعض اللاهوتيين المصلَحين فضَّلوا عدم وجود عهدين أو اتفاقيتين منفصلتين فكريًّا، وأشاروا إلى وجود عهد واحد فحسب. ورأى هؤلاء أن بعض جوانب عهد الفداء متضمَّنة داخل عهد النعمة. وغالبية الاختلافات بين هذين الرأيين هي اختلافات على اللغة ومعاني الكلمات.

بمَ يخبرنا يوحنا 17: 1-8 عن الاتفاقية التي أُبرِمت بين الأقانيم في الثالوث؟ أعطى الآب عدة أشياء للمسيح، أبرزها المختارون (17: 2، 6؛ انظر أيضًا 6: 39؛ 10: 29). كما أعطاه "سُلْطَانًا عَلَى كُلِّ جَسَدٍ" (17: 2)، و"الْكَلاَمَ" الذي كان عليه أن يعطيه للمختارين (الآية 8؛ انظر 3: 34). وأخيرًا، أعطاه "الْعَمَلَ"، الذي يشمل كلَّ ما كان على المسيح أن يعمله "عَلَى الأَرْضِ" (17: 4؛ انظر 4: 34؛ 5: 36-37). وبالإضافة إلى كون الآب أعطى المسيح هذه الأمور، هو أيضًا "أرسل" المسيح (17: 3، 8) ووعد بأن يمجِّده (الآية 1؛ انظر 8: 54).

ومن خلال يوحنا 17: 1-8، نَعلَم أن المسيح أخذ المختارين، واعتنى بهم كما ينبغي. لكن، ثمة أمور "يعطيها" الابن أيضًا. فهو يعطي المختارين "حَيَاةً أَبَدِيَّةً" (17: 2: انظر أيضًا 6: 40؛ 10: 28)، ويعطيهم "كلام" الآب (17: 6؛ انظر 1: 1؛ 3: 34). كما أنه يضمن، مع الآب والروح القدس، أن "يحفظ المختارون كَلاَمَ الآب"، و"يعرفوا الحق"، و"يؤمنوا بأن الآب أرسل المسيح" (17: 6، 8). وفيما يتعلَّق بدور المسيح الكهنوتي المحدَّد لأجل المختارين، تمثَّل عمل المسيح في مقاساة مذلة الصلب ("قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ"؛ 17: 1)، وفي صلاته لأجلهم (الآيات 6-9). وفي ضوء أنه كان ينبغي على المسيح أن يمثل المختارين كإنسان، ويموت عنهم، اشتمل جزء من الاتفاقية على تجسُّده. وأخيرًا، فيما يتعلق بدور الابن المباشر من نحو الآب، "مجَّد" المسيحُ الآب عن طريق "إكمال الْعَمَلَ الَّذِي أعطاه الآب إياه ليعمله" (الآية 4؛ انظر 9: 4)، كما "أظهر اسْمَ الآب" للمختارين (17: 6؛ انظر 10: 25).

يسوع المسيح، الذي أرسلتَه

في صلاة المسيح التي رفعها بصفته رئيس الكهنة، وصف نفسه بأنه: "َيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ [أرسله الآب]" (17: 3). وفي إنجيل يوحنا، استُخدِم الفعل "يرسل" مرات عديدة، وتحديدًا ثماني وخمسون مرة (الفعل "يُرسل" مترجم في حقيقة الأمر عن كلمتين يونانيتين، هما pemp [التي وردت إحدى وثلاثين مرة]، وكلمة apostell [التي وردت سبع وعشرون مرة]. وهاتان الكلمتان مترادفتان في إنجيل يوحنا). وقد استُخدِم الفعل "يرسل" عدة مرات بين أقانيم الثالوث. فالآب يُرسِل المسيح (3: 17؛ 5: 36؛ 7: 28؛ انظر 1يوحنا 4: 9) والروح القدس (14: 26؛ 15: 26). والمسيح، المُرسَل، يرسل الروح القدس أيضًا (15: 26؛ 16: 7؛ راجع رؤيا 5: 6). وفي حال لم يكن هذا كافيًا، كان المؤمنون أيضًا جزءًا من فعل الإرسال: "كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ [أنا المسيح] أُرْسِلُكُمْ أَنَا" (20: 21؛ انظر 13: 20؛ 17: 18).

لمزيد من التوضيح لهذه الفكرة، نقول إن المسيح نسب لقب "الَّذِي أَرْسَلَنِي" إلى الآب في كثيرٍ من الأحيان (على سبيل المثال، 5: 23-24؛ 6: 38، 44؛ 8: 16؛ 12: 45؛ 14: 24؛ 16: 5). وبالمثل، قال المسيح عن نفسه أربع مرات بأنه ذاك الذي أرسله الآب (3: 34؛ 5: 38؛ 6: 29؛ 7: 3).

وماذا يمكن أن نتعلَّم عن شخص المسيح من هذا اللقب الذي نسبه إلى نفسه، وهو "الَّذِي أَرْسَلْتَهُ [أيها الآب]" (17: 3)؟ أولًا، نتعلَّم أن المسيح أقنوم من أقانيم الثالوث. فإن مسيحًا لا يمتُّ بصلة للثالوث لن يكون مسيحًا على الإطلاق. ومسيحٌ لا يتمتع سوى بعلاقة سطحية بالآب والروح القدس هو مجرد مسيح سطحي. لكن مسيح الكتاب المقدس هو مسيحٌ في شركة تامة مع الآب والروح القدس، هي التي تحدِّد طبيعته وهويته.

ثانيًا، نتعلَّم من ذلك أن إرسالية المسيح الخلاصية العظيمة كانت، ولا تزال، جزءًا من عمل ثالوثي. فالمسيح أُرسِل من الآب، وهو يُرسِل الروح القدس. فإن وضع خطة خلاصنا وتنفيذها إنما هو عمل ثالوثي. وكل أقنوم في الثالوث يؤدي العمل نفسه، لكن بطريقة تلائم تفرُّده الأقنومي، وعلى نحو غير منفصل عن الأقنومين الآخرين، بحيث في النهاية يقوم إلهٌ واحدٌ بالعمل. وإن أفعال الإرسال المختلفة تثبت ذلك. من هو المسيح؟ هو مَن أرسله الآب، ومَن يرسل الروح القدس. ومن هو الآب؟ هو مَن أرسل المسيح، ويُرسل الروح القدس. وما الغرض من أفعال الإرسال هذه؟ الغرض هو خلاص المختارين.

ثالثًا، يمكن أن نفهم فعل إرسال المسيح فهمًا أفضل عندما نتأمَّل في علاقة هذا الإرسال بالعلاقات داخل الثالوث. هنا نطأ أرضًا أكثر ضبابية. وسيفيدنا، أولًا، أن نعرض خلفيةً لهذا الموضوع قبل استخلاص أي استنتاجات بشأن إرسال المسيح. لطالما قالت الكنيسة إن العلاقات الداخلية بين أقانيم الثالوث هي أساس أعمالهم الخارجية المحدَّدة المتمثلة في الخلق والفداء. يعني ذلك أن الأدوار التي يلعبها كلُّ أقنوم في الثالوث في الخلق والفداء مماثلةٌ للعلاقات التي لطالما كانت موجودة داخل الثالوث بين الآب والابن والروح القدس. ومن ثَمَّ، بما أن الكتاب المقدس يبيِّن لنا أن هذه العلاقة موجودة بالفعل، علينا بحذرٍ أن نستخلص استنتاجات عن أعمال الأقانيم الخارجية من خلال علاقاتهم الداخلية، والعكس صحيحٌ. إلا أن بعض التحذير واجبٌ هنا، ولا سيما عند تناوُل دور المسيح في الفداء. ففي هذا الدور، الصلة بين العلاقات الداخلية بين الأقانيم وأعمالهم الخارجية موجودة بالفعل، لكن ينبغي أن تصفَّى عبر غربال (1) عهد الفداء، و(2) كينونة المسيح في دوره كوسيطٍ بصفته الله-الإنسان.

بعد عرض هذه الخلفية، كيف يمكن تطبيق الصلة بين العلاقات الداخلية بين الأقانيم وأعمالهم الخارجية على "أفعال الإرسال"؟ في إنجيل يوحنا، يبدو أنه يوجد رابط قويٌّ بين العلاقات الداخلية بين الأقانيم وأفعال الإرسال الخارجية. ففي الثالوث، ينبثق الروح القدس أزليًّا من الآب والابن، الأمر الذي يتوافق مع إرسال الآب والابن للروح القدس في فعل خارجي (15: 26). وفي الثالوث، الابن مولود أزليًّا من الآب (5: 26)، الأمر الذي يتوافق مع إرسال الآب للابن في فعل خارجي (7: 29؛ 8: 42). في ضوء هذه الروابط، أود أن أشير إلى نتيجة واحدة فحسب، يمكن أن تصحِّح سوء فهم محتملًا بشأن كون المسيح مُرسَلًا. فبالنظرة السطحية، ربما نظن أن أقنومًا إلهيًّا لا يمكن أن يُرسَل، لكنَّ معرفتنا بأن الولادة الأزلية للابن من الآب لا تؤثِّر في ألوهية المسيح تؤيِّد الحق المترتب على ذلك، ألا وهو أن إرسال الآب للمسيح لا يؤثر في ألوهيته.

معرفة أعمق بالمسيح 

في يوحنا 17: 8، ثمة توازٍ بين المعرفة والإيمان. قال المسيح للآب: "وَهُمْ قَبِلُوا وَعَلِمُوا يَقِينًا أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِكَ، وَآمَنُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي". في الكتاب المقدس، ليست المعرفة في كثير من الأحيان مجرد اكتسابٍ لمعلومات عقلية، بل كما نقرأ هنا، تكون المعرفة متصلة بالإيمان الحقيقي والثقة. وإن معرفة المؤمن للمزيد من المعلومات عن المسيح (أو تذكُّره لما يعرفه بالفعل وثباته فيه) معناه أن يعرف المسيح نفسه ويؤمن به بشكل أعمق.

إن التصريحات والحقائق الموجودة في يوحنا 17: 1-8 خاطفةٌ للأنفاس. فإننا نتعلم حقائق مهمة عن الواقع داخل الثالوث. فثمة تمجيد متبادل، وعهد فداء، وعلاقات إرسال. كذلك، نحن نتعلم حقائق مهمة عن شخص المسيح نفسه: فهو الله-الإنسان، وهو مُرسَل من الآب (ويرسِل الروح القدس)، وهو مات لأجلنا طواعية، ويصلِّي لأجلنا.

نتعلم أيضًا من هذه الآيات حقائق مهمة عن خلاصنا، الذي دُعِي هنا "الحياة الأبدية" (الآية 3). وهذه الحياة هي حياةٌ مع الله السرمدي. وهي حياة تُعطى لنا، نحن غير المستحقين، بواسطة المسيح (الآية 2)، وبها "نَحفَظ" و"نَقبَل" بسرور "الكلام" الثالوثي (الآيتان 6، 8؛ انظر 16: 12-15). كما أنها حياة فيها نعرف المسيح أكثر فأكثر، بقدر استطاعتنا، ونؤمن به، ونتوق إلى أن نراه في مجده.

أحد جوانب معرفة المسيح والإيمان به هو التمثُّل به (يوحنا 13: 15). في يوحنا 17: 1-8، يمدُّنا إدراكنا لعمق الشركة بين المسيح والآب (والروح القدس) بنموذجٍ رائع للطريقة التي يجب أن نتعامل بها مع المؤمنين الآخرين (يوحنا 11: 41-42). فالمسيح مارس التواصُل، وكان على استعداد أن يمجِّد شخصًا آخر، وأن يُرسَل، وكان هو نفسه مرسِلًا. كما كان على استعداد أن يكمل عملًا شاقًّا وصعبًا لفائدة الآخرين، وأن يُصلي لأجل الآخرين، ويستقبل العطايا ويعطيها. فقد أحب الآخرين، وأحد أسباب ذلك هو محبته للآب.

ليت الروح القدس يستخدم يوحنا 17: 1-8 ليعمِّق من معرفتنا وإيماننا بالابن الكهنوتي، الذي أرسله الآب.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

روبرت ج. كارا
روبرت ج. كارا
د. روبرت ج. كارا هو العميد، وكبير المسؤولين الأكاديميين، وأستاذ العهد الجديد بكلية اللاهوت المصلَحة بمدينة شارلوت، ولاية نورث كارولينا. وهو مؤلف الكتاب بعنوان Cracking the Foundation of the New Perspective on Paul ("زعزعة أساس المنظور الجديد عن بولس")، بالإضافة إلى كتاب تفسير للرسالة إلى العبرانيين لم يصدر بعد.