إنجيل الواقع - خدمات ليجونير
هل يصمد المركز؟
۱ ديسمبر ۲۰۲۲
بالحقيقة ملتزمون بقوانين وإقرارات الإيمان التاريخي المصلَح
۱٤ يناير ۲۰۲۳
هل يصمد المركز؟
۱ ديسمبر ۲۰۲۲
بالحقيقة ملتزمون بقوانين وإقرارات الإيمان التاريخي المصلَح
۱٤ يناير ۲۰۲۳

إنجيل الواقع

ملاحظة المُحرِّر: المقالة 10 من سلسلة "الأناجيل"، بمجلة تيبولتوك.

إن الأناجيل متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا لم تَعُد بكافية للكثيرين ممَّن يعيشون في القرن الحادي والعشرين. وفي أثناء البحث عن يسوعٍ أكثر استساغة، يتَّجه مؤلفو الروايات من قبيل دان براون (Dan Brown)، مؤلِّف رواية The Da Vinci Code ("شفرة دافينشي")، واللاهوتيون النسويون من قبيل إيلين باجلز (Elaine Pagels)، ومعاونيهم في الإعلام والثقافة الشائعة إلى أناجيل الأبوكريفا التي أصدرها الهراطقة الأوائل. يزعم هؤلاء أن هذه الأناجيل تحوي نسخة سليمة وبديلة من المسيحية الأولى، يمكنها أن تدعم نسوية عصرنا هذا، وانحلاله الأخلاقي. لكن مقارنة أناجيل العهد الجديد بتلك الأناجيل التي كُتبت بعدها بعدة قرون إنما فقط يثبت أن أناجيل العهد الجديد هي أسفار تاريخية حقيقية.

هل تَذكُر الضجة التي حدثت مؤخرًا حول اكتشاف مخطوطة قديمة بعنوان "إنجيل يهوذا"؟ فقد صرَّحت وسائل الإعلام وقتها أن تلك الوثيقة وصفت يهوذا بأنه كان رجلًا صالحًا أسلم يسوع فقط لأن يسوع هو مَن أمره بذلك. وأشارت التقارير ضمنًا إلى أن الكنيسة أساءت فهم الأمر طوال كلِّ هذه القرون، وأن يهوذا لم يكن خائنًا شريرًا، بل كان تلميذًا بارزًا منحه يسوع معرفة خاصة. وأشارت التغطية الإعلامية إلى وجوب أن نعيد الآن تقييم مدى معرفتنا بيسوع. وأصبحت ترجمة تلك المخطوطة هي الأكثر مبيعًا، وقامت قناة ناشيونال جيوجرافيك، التي كانت وراء إصدار هذا النص، بعرض فيلم وثائقي تليفزيوني عن هذا الموضوع.

لكن، هل سمعتَ بقية القصة؟ لم تكن وسائل الإعلام التي روَّجت لإنجيل يهوذا حريصة بالقدر نفسه على تقديم تقاريرها حول الكيفية التي قام بها العلماء واللاهوتيون بدحض كلِّ هذه الادعاءات، إلى حد أنهم وجهوا لقناة ناشيونال جيوجرافيك تهمة "سوء التصرف العلمي". ومع ذلك، أظهرت "سجلات التعليم العالي" أن الإثارة الإعلامية، وسطحية الثقافة الدارجة، والمغريات التجارية قد غطَّت على البحث العلمي والأكاديمي الحقيقي.

وقد أغفلت وسائل الإعلام معلومة بسيطة مفادها أن تلك المخطوطة ذكرت أن يهوذا لم يسلم يسوع بناء على طلبه بغرض التكفير عن خطايا العالم، بل ذكرت في المقابل أن يهوذا أراد تقديم يسوع ذبيحةً لروح شرير يُدعَى ساكلاس. يُظهِر لنا ذلك استحالة أن تكون هذه المخطوطة تقليدًا مسيحيًّا بديلًا.

لكن المشكلة الأكبر هي أن ترجمة هذه المخطوطة لم تكن ترجمة أمينة. فما ترجمته "ناشيونال جيوجرافيك" إلى "روح" (حيث وُصِف يهوذا بأنه "الروح الثالثة عشر") كان ينبغي ترجمته إلى "شيطان" أو "روح شرير" (بحيث يكون يهوذا هو "الشيطان الثالث عشر"). وقد ذكرت هذه الترجمة الأكثر مبيعًا أن يهوذا "أُفرِز لأجل الجيل المقدس"، في حين كان ينبغي ترجمة ذلك إلى "أُفرِز من الجيل المقدس". وربما كان أكبر خطأ في الترجمة هو إغفال أداة نفي، والقول بأن يهوذا "سيصعد إلى الجيل المقدس"، في حين تقول المخطوطة فعليًا إن يهوذا "لن يصعد إلى الجيل المقدس".

قام مترجمو ناشيونال جيوجرافيك بترجمة هذا النص بحيث يُفهَم منه عكس ما يقوله فعليًا. ويبدو أن الهراطقة الغنوسيين أنفسهم الذين كتبوا هذا النص لم يتبنُّوا عن يهوذا نظرة احترام كبير.

لكن في المناخ الديني السائد في يومنا هذا، أي شيء يحمل صبغة غنوسية تكون له جاذبية خاصة. آمن الغنوسيون بأن العالم المادي وهمٌ، وبأن الروح هي كلُّ ما يهم. وبالتالي، فإن الجسد وما تفعله به لا يمثل أية أهمية. وبالنسبة لعلماء لاهوت هذا العصر، يعني ذلك أن كونك رجلًا أو امرأة لا يشكل أيَّ فارق. فمثل هذه التفاصيل المادية للجسد ليس لها أدنى تأثير على الأمور الروحية. وبالتالي، صرنا نسمع عن نجوم هوليوود، المعروفين بارتكابهم الزنى وتعاطيهم المخدرات، بينما يتحدثون كثيرًا في الوقت نفسه عن مدى "روحانيتهم".

إن الغنوسية بعيدة كلَّ البعد عن أن تكون فرعًا مشروعًا من المسيحية. ويُزعَم أنه فيما سبق، وصفها رجال الكنيسة بالهرطقة حتى يتسنى لهم قمع النساء، وتثبيت أقدام المسيحية القومية كوسيلة لفرض سلطتهم ونفوذهم، لكن في المقابل، نقول إن الغنوسية أشبه بنقيض المسيحية.

وإن الأناجيل الحقيقية تبرز الفرق بين الاثنين. فإن الأناجيل متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا عبارة عن روايات تاريخية واقعية. وهي لم تُكتَب في صيغة شعرية -مثلما هو الحال في القصص الأسطورية لهوميروس وفيرجيل- بل كُتِبت في صيغة نثرية، وهو الأسلوب الأدبي المستخدَم لكتابة التاريخ. قال سي إس لويس إنه لو كانت الأناجيل قصصًا خيالية، فتلك ستكون معجزة في حد ذاتها، لأن هذا النوع من الخيال النثري الواقعي لم يُختَرَع إلا بعد هذا بستة عشر قرناً. في المقابل، الأناجيل الغنوسية -مثل إنجيل مريم المجدلية، وإنجيل فيلبس، وإنجيل يهوذا- هي في غالبيتها حوار فلسفي يتبع نمط كتابات أفلاطون. علاوة على ذلك، تستمدُّ أناجيل الكتاب المقدس محتواها من العالم المادي الفعلي -حيث نقرأ عن مذاود، وأعراس، وزنابق الحقل- ذلك العالم الذي يرفضه الغنوسيون.

تعرض الأناجيل القانونية صورة متماثلة عن يسوع. فمع أن شخصيته لا تُشبه أي إبداع خيالي، لكنها كانت مألوفة ومتسقة عبر كلِّ الأناجيل، بل وفي إنجيل يوحنا الذي كُتب بأسلوب مختلف تمامًا. أما الصورة التي ترسمها الأناجيل الغنوسية، فهي شديدة الاختلاف. فبالإضافة إلى التصوف الفلسفي المليء بالمصطلحات الذي يظهر في الحوارات والأحاديث، نقرأ فيها أيضًا، في "روايات طفولة يسوع"، وصفًا لطفل عدواني يقضي على المتنمرين بقواه الخارقة.

كذلك، توضح لنا أحداث القيامة في الأناجيل الكثير. فقد يبدو لنا أن الأحداث التي ترويها مفكَّكة وغير مترابطة، لكن بالنظر إليها عن كثب، نجد أنها نابعة من وجهات نظر أفراد معيَّنين، بحيث نرى الأحداث من خلال أعين مريم المجدلية، وبطرس، والتلميذين السائرين على طريق عمواس. يعني ذلك أن تلك الروايات هي شهادات شهود عيان.

فيسوع -الذي استطاع بجسده المقام أن يأكل سمكًا، والذي حمل جسده ندوب الصليب، وأمكن أن يُلمس- هو ابن الله المتجسد الذي مات نتيجة التعذيب، وقام ثانية كي يخلِّصنا من خطايانا. هذه حقيقة تاريخية. أما الأناجيل الزائفة، والروايات والدراسات التي تؤيِّدها، فهي محض خيال.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

جين إدوارد فيث
جين إدوارد فيث
الدكتور جين إدوارد فيث هو عميد كليَّة باتريك هنري في مدينة بورسيلفيل بولاية فيرجينيا وأستاذ فخري للأدب بها. وهو مُؤلِّف للعديد من الكتب، بما في ذلك كتاب "الله في العمل" (God at Work) و"القراءة بين السطور" (Reading between the Lines).