نطهِّر أنفسنا كما أن المسيح هو طاهر - خدمات ليجونير
طِلبات المسيح
۱۸ أكتوبر ۲۰۲۲
مملكة كهنة
۲۵ أكتوبر ۲۰۲۲
طِلبات المسيح
۱۸ أكتوبر ۲۰۲۲
مملكة كهنة
۲۵ أكتوبر ۲۰۲۲

نطهِّر أنفسنا كما أن المسيح هو طاهر

ملاحظة المُحرِّر: المقالة 6 من سلسلة "صلاة يسوع الكهنوتية"، بمجلة تيبولتوك.

إذا كان لديك اليوم، أو كان لك فيما مضى، أولاد صغار، فعلى الأرجح ستكون على دراية كبيرة بالمشهد التالي، مثل أن يرتدي ابنك قبعة البيسبول الخاصة بك فيكون على وشك الاصطدام بحائط يعجز عن رؤيته، أو أن تتعثر ابنتك وهي تحاول المشي مرتديةً حذاء والدتها. فإن رؤية محاولاتهم أن يقلِّدوك أو يقلِّدوا زوجتك هو أمر لطيف ومحرك للمشاعر، لكن جهودهم هذه تثير الدهشة بالأكثر لسبب آخر لا نتذكره في كثير من الأحيان، ألا وهو أن أولادنا، بفعل كلٍّ من الطبيعة والتنشئة، سيكبرون حتمًا ليصيروا مثلنا، ويتصرفوا مثلنا تمامًا. ومع ذلك، فهم ينظرون إلينا، ويريدون أن يبذلوا كلَّ ما بوسعهم ليكونا مثلنا كما نحن الآن، الأمر الذي قد يتجلَّى في القبعة والحذاء. فهم متلهفون أن يكبروا، ولا يطيقون الانتظار.

ثمة ديناميكية مُشابهة تجري في 1 يوحنا 3: 3، الذي يقول: "وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هذَا الرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ" (1 يوحنا 3: 3). كتب يوحنا هنا إلى المؤمنين عن العلاقة بين أن يكون المرء ابنًا حقيقيًّا لله وبين سلوكه الأخلاقي. وإن فهمنا لما يقوله يوحنا أساسي بالنسبة لنا فيما نسعى إلى السلوك في ضوء هوية المسيح، وهويتنا نحن الآن فيه (وكذلك في ضوء ما لم نصبح عليه بعد). وكي نفعل ذلك، نحتاج أن ننظر عن كثب إلى طبيعة ومحتوى ذلك الرجاء الذي يقال إنه عند جميع أولاد الله الحقيقين في المسيح. وسيساعدنا ذلك في توضيح ما يعنيه قولنا بأن كلَّ أولاد الله يطهرون أنفسهم، وعلاقة ذلك بحقيقة أن المسيح هو طاهر.

في البداية، من الواضح أن يوحنا يُعرِّف أولاد الله الحقيقيين بأنهم أشخاص عندهم "هذا" الرجاء. فهو يريد منا أن نتذكَّر ذلك الوعد المحدَّد الذي أشار إليه لتوِّه في القرينة السابقة لهذه الآية. فمنذ بداية الرسالة، خاطب يوحنا قراءه من المسيحيين بلقب "أولاد". يتعدَّى هذا اللقب كونه مجرد تعبيرٍ عن مشاعر المحبة، لكنه يؤدي بنا إلى التعبير العظيم الذي جاء في 1 يوحنا 3: 1-2، "اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! ... ٱلْآنَ نَحْنُ أَوْلَادُ ٱللهِ". يشير هذا اللقب إذن إلى تبنِّي الله لنا بواسطة اتحادنا بالمسيح، ابنه الوحيد والمحبوب. فكلُّ المميزات والبركات التي حصل عليها يسوع بصفته ابن الله المتجسد صار جميع الذين جُعِلوا فيه واتحدوا به بالإيمان شركاءً فيها، كما يقول بولس: "فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ" (رومية 8: 17).

لكن، إذا كنا وارثين مع المسيح، وبالتالي فقد ابتدأنا نملك معه بالفعل عندما صعد إلى الآب، فلمَ نظل نقاسي مقاومةً من العالم؟ ولمَ يصل الحال بالبعض في الكنيسة إلى مغادرتها سعيًا وراء وعود العالم؟ يبدو أن اختبارنا الشخصي لا يعكس في كثير من الأحيان حقائق الفداء. ابتدأ يوحنا يفسِّر لنا ذلك في 1 يوحنا 3: 1-2. فأولًا، إذا كان العالم يقاوم الله، ويرفض الاعتراف به ملكًا، فلا يمكننا أن نتوقع سوى المعاملة نفسها لأولاده. وتُذَكِّرنا تعليقات يوحنا السابقة في 1 يوحنا 2: 18-19 بأن الذين ارتدُّوا لطالما كانوا منحازين إلى العالم، ولم يكونوا قط في المسيح.

ثانيًا، شدَّد يوحنا على طبيعة "الآن وليس بعد" التي تميِّز تبنِّينا في المسيح. فقد ردَّد ما قاله لتوه قبلًا، وهو أننا حقًّا أولاد الله الآن، ثم أضاف أيضًا أن ما سنصير عليه لم يُظهَر بعد. يثير ذلك سؤالين بديهيين: متى إذن سيُظهَر ذلك؟ وما الذي سينطبق علينا في المستقبل ولا ينطبق علينا الآن بصفتنا أولاد الله؟ قدم يوحنا جوابًا مقنعًا على كلا السؤالين. فقد أشار إلى أنه عندما يُظهَر المسيح، أي في مجيئه الثاني، سنكون مثله، وسيحدث ذلك لأننا سنراه كما هو (1 يوحنا 3: 2).

فمع أن يسوع، ابن الله الداودي، أخذ بالفعل ملكوتًا أبديًّا، وابتدأ يتسلَّط على خليقة جديدة بدأت من الكنيسة، لكن بعيدًا عن قيامته وصعوده، هذا الحُكم لملكوت الخليقة الجديدة يُمارَس داخليًّا وعلى نحو غير منظور إلى حدٍّ كبير. وفقط عند مجيء المسيح ثانيةً ليتمِّم مُلكه، ويأتي بالسماوات الجديدة والأرض الجديدة، سيكتمل فداء الله للنظام المخلوق ككلِّ، على نحو علني ومنظور تمامًا. وعندما نرى المسيح مترأسًا ملكًا على الخليقة الجديدة التي لا يمكن إفسادها مرة أخرى، فحينئذ فقط نحن أيضًا، بصفتنا أبناء الله وبناته بالتبني، والوارثين في المسيح، سنُقام من بين الأموات، ونتطهَّر بالكامل، ومن ثَمَّ نوهب في مجدٍ أن نملك معه بالكامل وبشكل نهائي أمام كلِّ العالم. هذا هو "الرجاء" الذي عندنا في المسيح، وعند كل أولاد الله، في مواجهة مقاومة العالم وارتداد الإخوة الكذبة.

ما الذي يعنيه، إذن، القول بأن جميع الذي عندهم هذا التوقُّع الأخروي (الأخير، والنهائي، المتعلِّق بالأيام الأخيرة) المحدَّد يطهِّرون أنفسهم، كما أن المسيح هو طاهر؟ الفعل "يطهر" يُستخدم في كثير من الأحيان في العهد الجديد وفي الترجمات اليونانية للعهد القديم لوصف التطهير الذي يجعل الشيء أو الشخص مقبولًا وصالحًا للاستخدام في محضر الله وفي الهيكل (على سبيل المثال، خروج 19: 10؛ العدد 8: 21؛ يوحنا 11: 55؛ أعمال الرسل 21: 24، 26؛ 24: 18). وهنا في 1 يوحنا 3: 3، كما في نصوص أخرى أيضًا (يعقوب 4: 8؛ 1 بطرس 1: 22)، استُخدِم الفعل بمعنى أخلاقي يعبِّر عن الطهارة الأخلاقية. فأولئك الذي عندهم هذا الرجاء اليقيني بأنهم سيقامون ويتمجَّدون للانضمام إلى الابن في حُكمه الأبدي، يجب أن يعيشوا حياة من التعاون الأخلاقي مع الروح القدس، كي يصيروا طاهرين، وصالحين، نظير يسوع تمامًا، لاستخدام الآب المقدَّس.

الآن نحن أولاد الله، ومن ثَمَّ، فإننا نسلك داخليًا كخليقة جديدة. لكننا نعلم أيضًا أن ميراثنا الكامل هو أننا سنكون مثل يسوع القائم من بين الأموات في طهارته الممجَّدة. نستطيع أن نشبه ذلك، إذن، بالمثال الذي بدأنا به هذا المقال. فنظير الأطفال الذين يرتدون ثياب والديهم، يُطهِّر المؤمنون الذين عندهم هذا الرجاء أنفسهم كما أن المسيح هو طاهر. فهم يسعون وراء القداسة منذ الآن لأنهم يَعلَمون جيدًا هويتهم وهوية ذاك الذي سيصيرون مثله في المستقبل. وهم متلهِّفون أن يكبروا، ولا يطيقون الانتظار.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

ماثيو أ. دودريك
ماثيو أ. دودريك
د. ماثيو أ. دودريك هو أستاذ مساعد للعهد الجديد بكلية لاهوت الإصلاح بمدينة سانفورد، ولاية فلوريدا.