نموت عن الخطايا ونحيا للبرِّ - خدمات ليجونير
التطبيق العملي للعناية الإلهية على حياتنا
۹ أغسطس ۲۰۲۲
زوجات الشيوخ
۱۷ أغسطس ۲۰۲۲
التطبيق العملي للعناية الإلهية على حياتنا
۹ أغسطس ۲۰۲۲
زوجات الشيوخ
۱۷ أغسطس ۲۰۲۲

نموت عن الخطايا ونحيا للبرِّ

ملاحظة المُحرِّر: المقالة 5 من سلسلة "العناية الإلهية"، بمجلة تيبولتوك.

لا توجد ديانة في كلِّ تاريخ العالم تتضمَّن دعوة تُشبه الإنجيل المسيحي لا من بعيد ولا من قريب. فمنذ بداية هذه الديانة، وبكلمات المسيح نفسه، يقال لنا: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي" (مرقس 8: 34). فهذه الدعوة، كما أشار جون بايبر، هي دعوة إلى الموت.

لطالما كان ذلك على عكس توقعاتنا المعتادة. فإننا منذ سنواتنا الأولى، نسعى إلى أن نقبض على الحياة بكلتا يدينا، وإلى أن نعيشها بكلِّ ما فيها. فأين، إذن، تَكمُن القوة الجاذبة في كلمات يسوع التي جذبت كثيرين جدًا له عبر العصور؟

لم تتضح إجابة هذا السؤال على الفور حتى لتلاميذ يسوع أنفسهم بينما كانوا معه على الأرض. فعندما أعلن يسوع عزمه على أن يصعد إلى أورشليم قرب نهاية فترة خدمته على الأرض، عبَّر توما عما كان يدور في أذهان التلاميذ الآخرين عندما قال: "لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضًا لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ!" (يوحنا 11: 16). ونعلم أن فكرة موت المسيح، وأنه سيتوجب عليهم في اتباعهم له أن يخسروا هم أيضًا حياتهم، بدت محيِّرة لهم (مرقس 9: 30-32؛ يوحنا 12: 23-26). لكن فقط بعد موت المسيح وقيامته، ابتدأ المعنى الكامل لصيغة دعوة الإنجيل يتضح ويتبلور. فما لم يكن منطقيًا للعقل البشري قبل الجلجثة أصبح في أعقاب ذلك، ومن خلال شرح الرسل له، منطقيًا ومفهومًا على نحو مجيد، في ضوء عظمة خلاص الله. ولذا، ليس من المثير للدهشة إذن أن يصبح مبدأ "أن تموت لتحيا"، والذي جسَّده المسيح نفسه، فكرة متكررة في تعاليم ووصايا العهد الجديد.

يظهر هذه المبدأ على نحو بارز في عدة مواضع. ففي شرح بولس للإنجيل في الرسالة إلى رومية، تحدَّث عن كون المؤمنين قد "اعتمدوا" لموت المسيح (رومية 6: 3). وبالمثل، في الرسالة إلى فيلبي، قال بولس إن هدفه من حياة الإيمان هو أن يكون "مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ" [أي بموت المسيح]" (فيلبي 3: 10). وبهذا، قال بولس إن كلًّا من بداية الحياة المسيحية واستمرارها يتضمنان حاجةً إلى الموت.

ردَّد بطرس صدى هذا الكلام نفسه في رسالته الأولى. ففي حديثه إلى المؤمنين المُشتَّتين عبر أنحاء العالم الروماني بسبب الاضطهاد، والذين كانوا يصارعون لفهم الغرض من آلامهم، قال (رابطًا كلامه مرة أخرى بالمسيح): "الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ" (1 بطرس 2: 24). يُعَد هذا الكلام من أقوى التفسيرات لما قصده المسيح بقوله إننا ينبغي أن نموت لنحيا.

الفكرة المفتاحية التي تبرز بوضوح في تصريح بطرس هي إن حياتنا كمؤمنين لا يمكن أن تنفصل عما عاشه المسيح واجتازه لأجلنا. فما فعله الرب يسوع لأجل شعبه هو أساس كلِّ ما يعمله فينا بروحه. وعندما يوحِّدنا الروح القدس بالمسيح، يخرجنا من دائرة الموت الروحي، ويدخلنا إلى جدة الحياة (الحياة الجديدة) بالمسيح. هذا الاتحاد الخلاصي هو حجر الأساس لما يعنيه أن تكون مسيحيًّا. وفي هذا الاتحاد، نُعطَى القدرة على أن نحيا الحياة الجديدة التي ننالها بالميلاد الجديد والتبرير. وما كان مستحيلًا علينا عندما كنا أمواتًا روحيًا - أي السلوك في طرق الله والحياة لمجده – صار بمقدورنا الآن أن نعمله بواسطة نعمته التي تمكِّننا من ذلك.

إلا أن ما يمثل أهمية كبيرة في حديث بطرس في هذا السياق هو أن موت يسوع يمدُّنا أيضًا بمثالٍ لهذه الطريقة الجديدة في عيش الحياة. فهو يقول: "لأَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالًا لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ" (1 بطرس 2: 21).

كذلك، كان انتقاء بطرس لكلماته مفيدًا إذ قال إننا مدعوون إلى أن نموت "عن" الخطية. يعني ذلك، كما أوضح كالفن في تفسيره لهذا المقطع، إننا نموت عن هذا العالم (بصفته نظامًا ساقطًا) حتى يتسنَّى لنا أن نحيا لله في المسيح. فإننا نُعطَى توجُّهًا جديدًا تمامًا في الحياة. فلم نعد نميل بالطبيعة إلى أن نحب هذا العالم الحاضر الشرير، أو نحيا له، بل في المقابل صارت قلوبنا وأذهاننا مهتمة بما فوق، حيث المسيح جالس في المجد (كولوسي 3: 1-2).

وإن تبنِّي هذا التوجه الجديد تمامًا في الحياة – الذي مركزه المسيح، وليس الذات- يعني أننا لسنا فقط سنتكل على ذاك الذي حررنا من دائرة الموت الروحي، لكننا أيضًا سنتطلع إليه ونقتدي به في ناسوته المجيد بصفته مثالًا لحياتنا الجديدة، نحن أولاده.

أشار إدموند كلوني (Edmund Clowney) إلى استخدام بطرس كلمة غير معتادة عندما قال إن المسيح يقدم لنا مثالًا كي "نتبع خُطُوَاتِهِ" (1 بطرس 2: 21). ترسم هذه الكلمة صورة لطفل يتعلم الكتابة عن طريق تتبع النقاط والخطوط المرسومة له. ومن ثَمَّ، فعندما يتعلق الأمر بألف باء الحياة المسيحية، يكون المسيح هو المثال لبشريتنا.

في رسالة بطرس الثانية، أشار إلى بعض السمات الرئيسية لشكل هذه الحياة الجديدة، مثل الفضيلة، والمعرفة، والتعفف (ضبط النفس)، والصبر (الثبات)، والتقوى، والمودة الأخوية، والمحبة (2 بطرس 1: 5-7). هذه بعضٌ من "الثمار" التي أشار بطرس إليها بصفتها دليلًا على الحياة الجديدة في المسيح (الآية 8). ذكر بولس ويسوع سمات أخرى أيضًا، لكنَّ ما ينطبق عليها جميعها هو أنها صفات متمثلة بالمسيح.

لطالما أغوينا بحصر تركيزنا في جانب واحد من جوانب نمونا في النعمة، وهو "الموت عن الخطية "، الذي دعاه جيل أقدم من المؤمنين بالإماتة. لكن هذا، كما رأينا، مجرد جزء من هذا النمو. فقد تحدث ذلك الجيل الأقدم نفسه من المؤمنين أيضًا عن "الإحياء" - أي السلوك بموجب البر الذي لنا في المسيح. فكما أن إزالة الأعشاب الضارة والغرس هما عنصران أساسيان من زراعة حديقة جميلة، هكذا أيضًأ حاجتنا إلى الموت عن الخطية والحياة للبر، إذا ما أردنا أن نزرع حياةً تعكس جمال المسيح.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

مارك ج. جونستون
مارك ج. جونستون
القس مارك ج. جونستون هو راعي كنيسة ترينيتي الإنجيلية المشيخية في ريتشهيل، بدولة أيرلندا الشمالية. وهو أحد المسؤولين في دار نشر Banner of Truth Trust. وهو مؤلف للعديد من الكتب، منها كتاب This World Is Not My Home: Reflections for Pilgrims on the Way ("هذا العالم ليس وطني: تأملات لأجل السائحين في الطريق")؛ وكتاب Let's Study Colossians and Philemon ("هيا ندرس الرسالة إلى كلوسي والرسالة إلى فليمون").