هل يصمد المركز؟ - خدمات ليجونير
دينونة ورحمة
۱ ديسمبر ۲۰۲۲
إنجيل الواقع
۱ ديسمبر ۲۰۲۲
دينونة ورحمة
۱ ديسمبر ۲۰۲۲
إنجيل الواقع
۱ ديسمبر ۲۰۲۲

هل يصمد المركز؟

ملاحظة المُحرِّر: المقالة 9 من سلسلة "الأناجيل"، بمجلة تيبولتوك.

سمعتُ الكلمات التالية تتردَّد آلاف المرات: "كارز كلفيني؟ أليس هذا تناقضًا؟ فالكالفينية تقوِّض من الكرازة". تكرَّر هذا الاتهام كثيرًا لدرجة أن قليلين هم مَن أصبحوا يبذلون جهدًا لمناقشته؛ وفي المقابل، صار ببساطة أمرًا مسلَّمًا به. وبغض النظر عن أن بعضًا من أعظم كارزي الكنيسة كانوا كالفينيين، يلزم فقط أن يُذَكِّرنا أحدهم برجال مثل جورج وايتفيلد، ودافيد برينرد، وويليام كاري، "أبو الإرساليات الحديثة". لكن يقال لنا ردًّا على ذلك: "صحيح أن هؤلاء الرجال كانوا كارزين عظماء وكالفينيين في الوقت نفسه، لكن كان ذلك لأنهم كانوا متناقضين مع أنفسهم". هل هذا صحيح؟

حقيقة الأمر هي أن الكالفينية لا تتعارض مع الكرازة، لكنها فقط تتعارض مع بعض الأساليب الكرازية، مثل أسلوب التلاعب بالمشاعر الذي ابتدعه أتباع مذهب النهضة مثل تشارلز فيني. لكنَّ هذه الأساليب متعارضة مع الكتاب المقدس نفسه، وبالتالي ليس من الخطأ رفضها. فكي تكون الكرازة مرضية لله، يجب أن تتماشى مع التعليم الكتابي ككلٍّ. ولكن كيف تبدو مثل هذه الكرازة؟

الإجابة النموذجية على هذا السؤال جاءت في كتاب ر. ب. كوبر (R. B. Kuiper) الصغير بعنوان God-Centred Evangelism ("الكرازة التي مركزها الله") من إصدار دار نشر Banner of Truth. يستعرض هذا الكتاب النطاق الكامل للتعليم الكتابي عن موضوع الكرازة. عرَّف كوبر الكرازة ببساطة شديدة بأنها "المناداة بالإنجيل"، وأوضح أن كتابه "يعبِّر عن توق إلى كرازة مركزها الله، في مقابل تلك الكرازة التي مركزها الإنسان". ثم قدَّم في الكتاب فكرًا لاهوتيًّا عن الكرازة.

تعرض الفصول الأولى من هذا الكتاب بعض الافتراضات اللاهوتية المسبقة اللازمة لوجود كرازة مركزها الله. وأوضح كوبر أن الله نفسه هو مصدر وأصل الكرازة، لأنه خطَّط لخلاص الخطاة من قبل تأسيس العالم. ثم أعقبت هذا مباشرة دراسات مطوَّلة عن محبة الله، واختياره للخطاة، وعهده. وبعد إرساء هذه الأسس اللاهوتية الضرورية، تناول كوبر الجوانب الكتابية المتعدِّدة للكرازة، بدءًا من سيادة الله الكلية والإرسالية العظمى.

في الإرسالية العظمى، أوصى يسوع أتباعه بأن يتلمذوا "جميع الأمم"؛ وبالتالي، فإن نطاق الكرازة كوني وعام. ينبغي المناداة بالإنجيل للجميع. فإذا كنا نؤمن حقًّا بما يخبرنا به الكتاب المقدس بشأن ضرورة الإيمان بالمسيح للخلاص، سيصير مدى إلحاح الكرازة واضحًا جليًّا. تقوِّض بعض العقائد غير القويمة من مدى إلحاح الكرازة بتعليمها بأن غير المؤمنين سيحصلون على "فرصة ثانية" بعد الموت. لكن، ما من تبرير كتابي لمثل هذا التعليم، والتأكيد عليه هو محض تخمين.

ينبغي أن يكون دافعنا الرئيسي إلى الكرازة هو محبتنا لله ومحبتنا للقريب. فالذين يحبون الله سيطيعون في سرور وفرح تكليفه لهم بالكرازة والتلمذة. والذين يحبون قريبهم لن يرغبوا لهم في شيء أعظم من الحياة الأبدية. فإن هدفهم سيكون أن يروا الله ممجدًا بواسطة خلاص خطاة نظيرهم، حتى تنمو الكنيسة.

وإن وسائل الكرازة التي عيَّنها الله هي كلمته نفسها. فبالمناداة بكلمة الله، يخلق الروح القدس بفاعلية الإيمان في قلوب البشر. والرسالة المحدَّدة للكرازة هي الإنجيل. أوجز بولس هذه الرسالة في 1 كورنثوس 15: 3-5، قائلًا: "فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ". وعندما يسأل أولئك الذين يسمعون الإنجيل عمَّ ينبغي أن يفعلوا ليخلصوا، يخبرنا الكتاب المقدس بأن الإجابة هي كالتالي: "آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ" (أعمال الرسل 16: 31).

في الفصول الأخيرة من كتاب كوبر، قدَّم لنا بعض القضايا من قبيل الغيرة في الكرازة، والمنهجية الكتابية للكرازة، والتعاون في الكرازة، والمقاومة التي تتعرض لها الكرازة، وغلبة الكرازة. كما يُذَكِّرنا بأننا نستطيع أن ننادي بالإنجيل في رجاء عظيم، مشتاقين أن نرى ثمر كرازتنا، في الوقت الذي سيكون فيه "جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِ وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: «الْخَلاَصُ لإِلهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ" (رؤيا 7: 9-10).

لطالما حاولت الكنيسة تحقيق أهداف سامية بأساليب دنيوية. دعونا ننتبه إذن إلى مناشدة كوبر، ونتخلَّى عن الأساليب التي مركزها الإنسان. وليتنا نتمم الإرسالية العظمى بطريقة تمجد الله.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

كيث ماثيسون
كيث ماثيسون
الدكتور كيث ماثيسون هو أستاذ علم اللاهوت النظامي في كليَّة الإصلاح للكتاب المقدس (Reformation Bible College) بمدينة سانفورد في ولاية فلوريدا، وهو مُؤلِّف للعديد من الكتب، بما في ذلك "العشاء الرباني: إجابات على الأسئلة الشائعة" (The Lord’s Supper: Answers to Common Questions).