ماذا نقصد عندما نتكلّم عن "قُدسيّة الحياة البشريّة"؟ - خدمات ليجونير
مكانة الصلاة
۲۳ فبراير ۲۰۲۳
يسوع المسيح: حَمَلُ الله
۲ مارس ۲۰۲۳
مكانة الصلاة
۲۳ فبراير ۲۰۲۳
يسوع المسيح: حَمَلُ الله
۲ مارس ۲۰۲۳

ماذا نقصد عندما نتكلّم عن “قُدسيّة الحياة البشريّة”؟

إنّ قُدسيّة الحياة البشريّة من منظور الكتاب المقدّس، مُتجذّرة ومتأصّلة في الخلق. فلا يُنظر إلى الجنس البشريّ كحادث كونيّ طارئ، إنّما هو وليد خلق قام به الله الأزليّ بعناية. إنّ كرامة الإنسان مُستمدّة من الله، فالخالق خصّص للإنسان قيمةً عاليةً كمخلوق محدود واعتماديّ وطارئ.

تُحدّد لنا رواية الخلق في سفر التكوين إطارًا لكرامة الإنسان:

وَقَالَ ٱللهُ: نَعْمَلُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ ٱلْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ ٱلْأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ ٱلدَّبَّابَاتِ ٱلَّتِي تَدِبُّ عَلَى ٱلْأَرْضِ. فَخَلَقَ ٱللهُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ ٱللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ (تكوين 1: 26-27)

ما يُميّز البشر عن جميع المخلوقات الأخرى، هو أنّهم مخلوقون على صورة الله. إنّ خَتْمَهم على صورة الله ومثاله، يربط الله والبشر بشكل لا مثيلَ له. وعلى الرغم من عدم وجود دليل كتابيّ على رؤية إنسان على شبه الله، إلّا أنّه يوجد كرامة رفيعة مُقترنة بهذه العلاقة الفريدة مع الخالق.

لم يبقَ الإنسان طاهرًا، لكنّه لا يزال بشريًّا. طالما نزال بشرًا، فإنّنا نحتفظُ بصورة الله بمعناها الأوسع. ما زلنا مخلوقات كريمة. ربّما لم نَعُد مُستحقّين، إلّا أنّه ما زال لنا قيمة. هذه هي رسالةُ الكتاب المقدّس المُجلجِلة عن الفداء. إنّ المخلوقاتِ التي خلقها الله، هي المخلوقاتُ نفسها التي هو مدفوع إلى فدائها.

آيات كثيرة من العهد القديم تتحدّث عن كرامة الحياة البشريّة كونها قائمة على الخلق الإلهيّ، ومنها ما يلي:

رُوحُ ٱللهِ صَنَعَنِي،
وَنَسَمَةُ ٱلْقَدِيرِ أَحْيَتْنِي. (أيّوب 33: 4)

ٱعْلَمُوا أَنَّ ٱلرَّبَّ هُوَ ٱللهُ!
هُوَ صَنَعَنَا، وَلَهُ نَحْنُ؛
شَعْبُهُ وَغَنَمُ مَرْعَاهُ. (مزمور 100: 3)

وَيْلٌ لِمَنْ يُخَاصِمُ جَابِلَهُ.
خَزَفٌ بَيْنَ أَخْزَافِ ٱلْأَرْضِ!
هَلْ يَقُولُ ٱلطِّينُ لِجَابِلِهِ: مَاذَا تَصْنَعُ؟
أَوْ يَقُولُ: عَمَلُكَ لَيْسَ لَهُ يَدَانِ؟
وَيْلٌ لِلَّذِي يَقُولُ لِأَبِيهِ: مَاذَا تَلِدُ؟
وَلِلْمَرْأَةِ: مَاذَا تَلِدِينَ؟
هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ وَجَابِلُهُ:
اِسْأَلُونِي عَنِ ٱلْآتِيَاتِ!
مِنْ جِهَةِ بَنِيَّ وَمِنْ جِهَةِ عَمَلِ يَدِي أَوْصُونِي!
أَنَا صَنَعْتُ ٱلْأَرْضَ وَخَلَقْتُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَيْهَا.
يَدَايَ أَنَا نَشَرَتَا ٱلسَّمَاوَاتِ،
وَكُلَّ جُنْدِهَا أَنَا أَمَرْتُ. (اشعياء 45: 9-12)

وَٱلْآنَ يَارَبُّ أَنْتَ أَبُونَا؛
نَحْنُ ٱلطِّينُ وَأَنْتَ جَابِلُنَا؛
وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ. (اشعياء 64: 8)

وما يُثير انتباهَنا، هو أنّ يسوع المسيح قدّم أهمّ تفسير لمنظور العهد القديم حول قُدسيّة الحياة:

قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لَا تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلًا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لِأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ. (متى 5: 21-22)

لكلمات يسوع هذه أهميّة أساسيّة في فهمنا لقُدسيّة الحياة. لقد وسّع يسوع هنا مضامين ناموس العهد القديم. كان يتحدّث إلى القادة الدينيّين الذين كان استيعابهم للوصايا العشر ضيّقًا ومُبسّطًا. كان الناموسيّون في عصره واثقين من أنّهم لو أطاعوا النواحي المنصوص عليها صراحةً في الناموس، فبإمكانهم أنْ يُهنّئوا أنفسهم على فضائلهم العظيمة. لكنّهم فشلوا في فهم مضامين الناموس الأوسع. بالنسبة إلى يسوع، ما هو غير مُفصّل في الناموس، كان الناموس يتضمّنه بمعانيه الأوسع.

لا يُحرّمُ الناموس بعضَ السلوكيّات والمواقفَ السلبيّة فحسب، بل يستلزم ضمنيًّا بعض السلوكيّات والمواقف الإيجابيّة.

تظهر هذه السمة المميّزة في الناموس عندما توسّع يسوع في تحريم الزنا:

قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لَا تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى ٱمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. (متى 5: 27-28)

أوضحَ يسوع في هذا النصّ، أنّ الشخصَ الذي يمتنع عن فعل الزنا الجسديّ، ليس بالضرورة مُطيعًا لكلّ الناموس. الوصيّة المتعلّقة بالزنا معقّدة، فهي لا تتضمّن فقط العلاقة الجنسيّة الفعليّة غير المشروعة، إنّما أيضًا كلّ ما يقع بين الشهوة والزنا. وصفَ يسوع الشهوة بأنّها زنى في القلب.

لا يُحرّمُ الناموسُ بعض السلوكيّات والمواقف السلبيّة فحسب، بل يطالبُ بشكل ضمنيّ ببعض السلوكيّات والمواقف الإيجابيّة. أي، إنْ كان الزنا مُحرّمًا، فهذا يعني أيضًا أنّ العفّة والطهارة مطلوبتان.

عندما نُطبّق هذه الأنماط التي وضعها يسوع على مسألة تحريم جريمة القتل، سيتّضح لنا أنّه علينا من جهة، الامتناع عن كلّ ما يتضمّنه التعريف الواسع للقتل، ومن جهة أخرى، نحن مأمورون للعمل بشكل إيجابيّ على إنقاذ الحياة وتحسينها ورعايتها. يُفترض بنا أنْ نتجنّبَ القتل بكلّ تشعّباته، وفي الوقت نفسه، علينا أنْ نبذُلَ ما في وسعنا لرعاية الحياة وتعزيزها.

لقد اعتبرَ يسوع الشهوةَ جزءًا من الزنا، وكذلك اعتبرَ الغضبَ والافتراءَ غير المبرّرَيْن جزءًا من القتل. وكما أنّ الشهوةَ هي زنى في القلب، كذلك الغضب والافتراء هما قتلٌ في القلب.

بعد أنْ قامَ يسوع بتوسيع نطاق الوصايا العشر لتشملَ مسائلَ أخرى كالشهوة والافتراء، لم يقصد بذلك أنّ اشتهاء شخص آخر أمر شرّير بقدر ما هو الحال في العلاقة الجسديّة غير المشروعة. وبالمثل، لم يقل يسوع إنّ الافتراء شرّ مثل القتل. ما قاله بالفعل هو أنّ وصيّة تحريم القتل، تشمل وصيّة ضدّ أيّ شيء يتضمّن إيذاء شخص ما بطريقة ظالمة.

كيف ينطبق كلّ هذا على مسألة الإجهاض؟ نرى في تعليم يسوع توكيدًا شديد اللهجة على قُدسيّة الحياة. بإمكاننا وصف القتل في القلب، كالافتراء على الآخرين، بأنّه قتل "مُحتمل". إنّه قتل مُحتمل، لأنّه من المُحتمل أنْ يقودَ الغضبُ والافتراء على سبيل المثال، إلى ارتكاب جريمةِ قتلٍ جسديّة كاملة. بالطبع، إنّهما لا يقودان دائمًا إلى هذه العاقبة. الغضب والافتراء على الآخرين أمران مُحرّمان، ليس بسبب ما قد ينتج عنهما، إنّما بسبب الضرر الفعليّ الذي يُلحقانه بنوعيّة الحياة.

إنّه ارتباط هشّ (رقيق) ولكنّه ذات صلة في الوقت نفسه، حين نربط مناقشةَ قُدسيّةِ الحياة بالإجهاض. حتّى إنْ كان من غير المُمكن إثبات أنّ الجنين هو كائن بشريّ حيّ بالفعل، فلا شكّ أنّ هنالك احتمال بأنْ يُصبحَ كذلك. بمعنى آخر، الجنين هو شخص ينمو، وهو ليس احتمالًا في حالة مُجمّدة. فالجنين يمرّ بعمليّة ديناميكيّة – وإن لم يحدث تدخّل أو تقع كارثة غير متوقّعة، سيُصبح بالتأكيد كائنًا بشريًّا بالتمام والكمال.

يرى يسوع المسيح أنّ الوصيّة التي تُحرّم القتل، لا تتضمّن فقط جريمة القتل الفعليّة، إنّما أيضًا أعمال قتل من المُحتمل حدوثها. لقد علّم يسوع أنّه من غير القانونيّ ارتكاب جريمة قتل مُحتملة لحياة فعليّة. ما هي إذن تبعات ارتكاب جريمة تدمير فعليّ لحياة مُحتمَلة؟

التدمير الفعليّ لحياة مُحتمَلة، ليس نفسه التدمير المُحتَمَل لحياة فعليّة. هاتان الحالتان غير متطابقتَيْن، لكنّهما يُشبهان بعضهما بما يكفي لجعلنا نتوقّف ونتأمّل بعناية في العواقب المحتَمَلة، قبل أنْ نقوم بتدمير حياة مُحتمَلة. إنْ كان هذا الجانب من الناموس لا يُحرّم الإجهاض بشكل كامل ونهائيّ ضمن تحريمه الواسع والمعقّد للقتل، فمن الواضح أنّ الجانبَ الثاني يفعل ذلك.

ينطوي التحريم السلبيّ للوصيّة على مواقف وتصرّفات إيجابيّة. على سبيل المثال، تُطالب الوصيّة الكتابيّة ضدّ الزنا بالعفّة والطهارة أيضًا. وبالطريقة نفسها، عندما تُذكَر وصيّة بشكل إيجابيّ، فإنّ نقيضَها السلبيّ مُحرّم ضمنيًّا. مثلًا، إنْ أمَرَنا الله أن نكونَ وكلاءَ صالحين لأموالنا، فمن الواضح أنّه لا يريدنا أنْ نهدرَ أموالَنا. إنّ الوصيّة الإيجابيّة \بأنْ نكونَ مُجتهدينَ في العمل، تحمل في طيّاتها تحريمًا سلبيًّا ضدّ الكسل خلال العمل.

يتضمّن التحريم السلبيّ للقتل الفعليّ والقتل المُحتمَل تفويضًا إيجابيًّا للعمل الدؤوب من أجل حماية الحياة ودعمها. إنّ معارضة القتل هي تشجيع للحياة. الإجهاض لا يُعزّز حياة الجنين، وعلى الرغم من أنّ بعضهم يقولون إنّ الإجهاض يُعزّز نوعيّة حياة الذين لا يرغبون في إنجاب الأولاد، إلّا أنّه لا يعزّز حياة الشخص المعنيّ بالإجهاض، ألا وهو الطفل الذي لم يولد بعد.

يدعمُ الكتابُ المقدّس بشدّة وعلى الدوام القيمة العظيمة للحياة البشريّة كلّها. للفقراء والمضطهدين والأرامل والأيتام والمعوّقين كلّهم قيمة كبيرة في الكتاب المقدّس. بالتالي، يجب على أيّ مناقشة في مسألة الإجهاض أنْ تتصارعَ مع هذا الموضوع الرئيسيّ في الكتاب المقدّس. عندما يتمّ بسهولة تدمير الحياة البشريّة المحتَمَلة، أو التخلّص منها بسعر زهيد، سيحلّ طيفٌ مُظلم على كامل مسرح قُدسيّة الحياة وكرامة الإنسان.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.