الإصلاح والرجال المسؤولون عنه - خدمات ليجونير
تطبيق الخلاص
۱۲ يونيو ۲۰۲۲
قلعة الحق: مارتن لوثر
۹ ديسمبر ۲۰۲۲
تطبيق الخلاص
۱۲ يونيو ۲۰۲۲
قلعة الحق: مارتن لوثر
۹ ديسمبر ۲۰۲۲

الإصلاح والرجال المسؤولون عنه

يُعتَبَر الإصلاح البروتستانتي الاستعلان الأشد تأثيرًا وتغييرًا للعالم لعمل نعمة الله منذ ميلاد الكنيسة وتوسُّعها الأول. وهو لم يكن عملًا منفردًا، أو عملًا بقيادة رجل واحد، بل إن هذه الحركة المُغيرِّة للتاريخ حدثت على مراحل مختلفة، وعلى مدار عقود كثيرة، وكان تأثيرها التراكمي هائلًا. كتب فيليب تشاف (Philip Schaff)، مؤرِّخ الكنيسة الشهير، قائلًا:

يُعَد إصلاح القرن السادس عشر أعظم حدث وقع في التاريخ بعد حدث دخول المسيحية إلى التاريخ. وهو يمثِّل نهاية العصور الوسطى وبداية الأزمنة الحديثة. وابتداءً بالمجال الديني، أعطى الإصلاح دفعة قوية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لكلِّ حركة جريئة وتَقَدُّميّة، جاعلًا من البروتستانتية القوة الدافعة الرئيسية في تاريخ الحضارة الحديثة. كان الإصلاح، في جوهره، استعادةً لإنجيل يسوع المسيح الحَقِيّقِيّ، وهي الاستعادة التي أحدثت تأثيرًا لا مثيل له في الكنائس، والدول، وفي مسار الحضارة الغربية أيضًا.

فبتوجيهٍ من الله للأحداث، كان المشهد العالمي آنذاك متأهبًا للإصلاح على نحو فريد. فقد كانت الكنيسة بحاجة ماسة إلى الإصلاح، وجسَّدت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية الظلمة الروحية، وكان الكتاب المقدس مغلقًا، والجهل الروحي مسيطرًا على عقول الناس، وحُرِّفَت رسالة الإنجيل، وحظي التقليد الكنسي بأفضلية على الحق الإلهي، وأُهمِلت القداسة الشخصية، وكانت الرائحة الكريهة والفاسدة المنبعثة من التقاليد التي من صُنع الإنسان تغطي كلًّا من البابا والكهنة، وامتدت عدوى الفساد والشر إلى كلٍّ من العقيدة والسلوك العملي.

من ناحيةٍ أخرى، كان فجر يوم جديد يبزغ، إذ كانت الدول الإقطاعية في تراجُعٍ، مُفسحة المجال للدول المستقلة. وكان الاستكشاف في توسُّع وازدياد، حيث اكتشف كريستوفر كولومبوس العالم الجديد في عام 1492. وكانت الطرق التجارية تُفتتح. كما شهد هذا الوقت ظهور طبقة متوسطة في المجتمع. وكانت فرص التعلُّم تزداد، والمعرفة تتضاعف. وحسَّن اختراع يوهانس جوتنبرج لآلة الطباعة (1454) بشكل كبير من عملية نشر الأفكار. وفي ظل كلِّ هذه المؤثرات، أصبح عصر النهضة في أزهى مراحله. علاوة على ذلك، كان تغيير إضافي في المشهد العالمي على وشك الحدوث من خلال الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر، جالبًا معه تغييرات كبرى، ولا سيما في كنيسة يسوع المسيح.

في ضوء هذه التغيُّرات الجذرية، تفرض بعض الأسئلة نفسها: ما العوامل التي أدَّت إلى الإصلاح البروتستانتي؟ وأين بدأ الإصلاح؟ وكيف نشأت هذه الحركة القوية؟ وأين انتشرت؟ ومَن هم القادة الرئيسيون الذين أشعلوا فتيلها؟ وما الحقائق الكتابية التي أُطلِق لها العنان على العالم في ذلك الوقت؟ للبدء في الإجابة على هذه الأسئلة، ينبغي أن نركِّز على عمالقة الإيمان الذين قادوا الإصلاح.

المُصلحون السلطويون

في بداية القرن السادس عشر، ابتدأ الله يقيم مجموعة من الأشخاص أقوياء العزيمة، المعروفين في التاريخ باسم المُصلِحين. صحيح أنه قبل ذلك الوقت، كان هناك مُصلِحون بالفعل في الكنيسة، لكن أولئك الأشخاص الذين برزوا في تلك الفترة كانوا هم قادة الإصلاح الأفضل من الناحية التعليمية، والأكثر تقوى وأمانة، الذين شهدتهم الكنيسة على الإطلاق. كان هؤلاء الرجال متعمِّقين في كلمة الله، ويتَّسمون بشجاعة مقدامة في مواجهة المقاومة. كما كانوا مدفوعين بقناعات عميقة بالحق، وبمحبةٍ لكنيسة المسيح، دفعتهم إلى محاولة ردِّها مرة أخرى إلى معيارها الخالد. فببساطة، تاق هؤلاء الرجال إلى أن يروا شعب الله يعبدون الله بحسب كلمة الله. كان هؤلاء الرجال أنوارًا ساطعة في يوم حالك الظلام.

يقول المؤرخ ستيفن نيكولز (Stephen Nichols) في هذا الشأن: "لم ينظر المُصلحون إلى أنفسهم على أنهم مخترعون، أو مكتشفون، أو مبتدعون".

لكنهم، في المقابل، رأوا فقط أنهم يجرون إعادة اكتشاف. فهم لم يكونوا بصدد عمل شيء من الصفر، بل بالأحرى كانوا ينعشون ما كان ميتًا. فقد عادوا مرة أخرى إلى الكتاب المقدس، وإلى الحقبة الرسولية، وكذلك إلى آباء الكنيسة الأوائل، مثل أوغسطينوس (354-430)، ليستمدوا منهم الإطار الذي به يستطيعون إعادة تشكيل الكنيسة وإصلاحها. وكان لدى هؤلاء المُصلحين قول شهير هو: Ecclesia reformata, semper reformanda، ومعناه "كنيسة مُصلَحة هي دائمًا كنيسة مصلِحة".

يُطلَق على المُصلحين لقب "السلطويين" لأن جهودهم في سبيل الإصلاح كانت مدعمة من بعض السلطات الحاكمة على الأقل، ولأنهم آمنوا بأنه على السلطة المدنية أن تفرض الإيمان الحقيقي. ويُستخدَم هذا اللقب لتمييز هؤلاء المصلِحين عن المُصلحين المتشدِّدين (المنتمين إلى طائفة معيدي المعمودية، أو "الأنابابتيست")، الذين لم تحظَ جهودهم بأيِّ دعمٍ من السلطات. يطلَق على هؤلاء المُصلحين أيضًا لقب "السلطويين" [magisterial] لان كلمة magister الإنجليزية قد تعني "المعلِّم"، حيث شدَّد الإصلاح السلطوي بالفعل على سلطة المعلِّمين.

الكتاب المقدس وحده 

بمرور الوقت، صارت رسالة المُصلِحين تتلخَّص في خمسة شعارات تُعرَف باسم "سولا" الإصلاح: سولا سكريبتورا ("الكتاب المقدس وحده")، سولاس كريستوس ("المسيح وحده")، سولا جراتيا ("النعمة وحدها")، سولا فيدا ("الإيمان وحده")، سولى ديو جلوريا ("مجد الله وحده"). وقد صار الشعار الأول، وهو سولا سكريبتورا، هو المعيار الذي يميِّز حركة الإصلاح.

توجد فقط ثلاثة أشكال محتمَلة من السلطة الروحية. أولًا، سلطان الرب وسلطة إعلانه المكتوب؛ ثانيًا، سلطة الكنيسة وقادتها؛ ثالثًا، سلطة العقل البشري. وعندما نادى المُصلحون قائلين "الكتاب المقدس وحده"، كانوا يعبِّرون عن تقيُّدهم بسلطان الله كما يعبِّر عنه الكتاب المقدس. عبَّر جيمس مونتجومري بويس (James Montgomery Boice) عن جوهر هذا الإيمان كالتالي: "إن الكتاب المقدس وحده، وليس البابا، أو الكنيسة، أو التقليد الكنسي، أو المجامع الكنسية، أو حتى الأحاسيس والمشاعر الشخصية، هو سلطتنا النهائية والمطلقة، فقط الكتاب المقدس وحده". وكان الإصلاح في جوهره هو أزمة تتعلق بتحديد السلطة التي ينبغي أن تحظى بالأولوية والسيادة. ادَّعت روما أن سلطة الكنيسة تعتمد على سلطة الكتاب المقدس والتقليد، وسلطة الكتاب المقدس والبابا، وسلطة الكتاب المقدس والمجامع الكنسية. لكن، آمن المصلحون بأن السلطة تنتمي إلى الكتاب المقدس وحده.

كتب تشاف يقول:

بينما رجع أتباع المذهب الإنساني إلى الكتابات الكلاسيكية القديمة، منعشين روح الوثنية اليونانية والرومانية من جديد، رجع المصلحون إلى الكتاب المقدس بلغاته الأصلية، منعشين روح المسيحية الرسولية من جديد. وقد دفعهم حماسٌ من نحو الإنجيل، لم يُعرَف منذ أيام بولس. فقد قام المسيح من قبر تقاليد البشر، وكرز مرة أخرى بكلامه، كلام الحياة والقوة. والكتاب المقدس، الذي كان حتى ذلك الوقت كتابًا مخصَّصًا للكهنة وحدهم، تُرجِم من جديد، وعلى نحو أفضل من أيِّ وقت مضى، إلى لغات أوروبا المحلية والدارجة، وأصبح كتاب عامة الشعب. ومنذ ذلك الحين، صار بإمكان أيِّ مسيحي أن يتقدَّم بنفسه إلى ينبوع الوحي، ويجلس عند قدمي المعلِّم الإلهي، دون إذن أو تدخل من الكاهن.

نبع النعمة الإلهية 

أدى هذا التقيُّد بالكتاب المقدس وحده إلى إعادة اكتشاف عقائد النعمة. وأيُّ رجوع إلى الكتاب المقدس لا بد أن يقود إلى الحق المتعلِّق بسيادة الله في النعمة المُخَلّصة. وإن "السولا" الأربع الأخرى - سولاس كريستوس (المسيح وحده)، سولا جراتيا (النعمة وحدها)، سولا فيدا (الإيمان وحده)، سولى ديو جلوريا (مجد الله وحده) - تفيض من سولا سكريبتورا (الكتاب المقدس وحده).

كان المُصلح الأول راهبًا أوغسطينيًّا، قام بتسمير خمس وتسعين أطروحة معارضة للممارسة الكاثوليكية الرومانية المتعلِّقة ببيع صكوك الغفران، على باب كنيسة القلعة في فيتنبرغ بألمانيا، في 31 أكتوبر عام 1517. وكان هذا الراهب يُدعَى مارتن لوثر (1483-1546). وهذا التصرف الجريء الصادر عن راهب يحمل مطرقة هو ما أطلق حركة الإصلاح. ثم تبعه مُصلِحون آخرون، مثل أولريش زوينجلي (1484-1531)، وهيو لاتيمر (1487-1555)، ومارتن بوسر (1491-1551)، وويليام تيندل (نحو 1494-1536)، وفيليب ميلانكثون (1497-1560)، وجون روجرز (1500-1555)، وهينريتش بولينجر (1504-1575)، وجون كالفن (1509-1564). وجميع هؤلاء كانوا مكرَّسين في ثبات للحق الكتابي والنعمة السيادية.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

ستيفن لوسان
ستيفن لوسان
الدكتور ستيفن لوسان هو مؤسس هيئة خدمات وانباشون (OnePassion). وهو عضو هيئة التدريس في خدمات ليجونير، ومدير برنامج الدكتوراه في الخدمة في كلية لاهوت (The Master’s Seminary)، ومدير لمعهد الوعظ التفسيري. وقد كتب أكثر من عشرين كتابًا.