إنْ كان الله يتمتّع بالسيادة، فلماذا نصلي؟ - خدمات ليجونير
ما الذي كان قبل الله؟
۱۱ أبريل ۲۰۲۳
خمسة أمور ينبغي عليك أنْ تعرِفَها عن الرسول بولس
۲۰ أبريل ۲۰۲۳
ما الذي كان قبل الله؟
۱۱ أبريل ۲۰۲۳
خمسة أمور ينبغي عليك أنْ تعرِفَها عن الرسول بولس
۲۰ أبريل ۲۰۲۳

إنْ كان الله يتمتّع بالسيادة، فلماذا نصلي؟

لا شيء يغيب عن نظر الله، ولا شيء يتجاوز حدودَ قدرته. الله هو المرجع الأخير في كلّ الأمور. إنْ ظننتُ ولو للحظة واحدة، أنَّ ذرَّةً واحدةً تهيم في الكون خارج تحكُّم وسلطان الله القدير، فلن أقوى على النوم هذه الليلة. تعتمد ثقتي في المستقبل على ثقتي بالله الذي يتحكَّم في التاريخ. لكن، كيف يمارس الله تلك السيطرة، وكيف يُظهِر تلك السلطة؟ كيف يُحقِّق الله الأشياءَ التي يقضي سياديًّا بحدوثها؟

قال أوغسطينوس إنّ لا شيء يحدث في هذا الكون بدون إرادةِ الله، وأنّ الله، بطريقةٍ ما، يُعيِّن كلّ ما يحدث. لم يكن أوغسطينوس يحاول إعفاءَ الناس من مسؤوليَّة أفعالهم، لكنّ تعاليمه تثير سؤالًا: إنْ كان لله سيادة على أفعال الناس ونواياهم، فلماذا نُصلّي في الأساس؟ تدور مسألة ثانويَّة حول السؤال: "هل الصلاة تُغيِّر حقًّا أيّ شيء؟" دعني أجيب عن السؤال الأوّل بالقول إنّ الله صاحب السيادة يأمر في كلمته المُقدَّسة أن نُصلِّي. الصلاة ليست أمرًا اختياريًّا للمؤمن؛ بل هي مطلوبة.

قد نسأل: "ماذا لو لم ينتج عن الصلاة شيء؟" ليس هذا بحثنا. فبغضّ النظر عمَّا إذا كانت الصلاة تُفيد بأيّ شيء، إنْ أمرنا الله بالصلاة، يجب أنْ نُصلِّي. إنّه سبب كافٍ أنّ الربّ إله الكون، خالق وضابط كلّ شيء، يأمر بها. ومع ذلك، فهو لا يأمرنا بالصلاة فحسب، بل يدعونا أيضًا إلى إعلان طلباتنا. يقول يعقوب: "لَسْتُمْ تَمْتَلِكُونَ، لأَنَّكُمْ لاَ تَطْلُبُونَ" (يعقوب 4: 2). كما يخبرنا أيضًا: "طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا" (يعقوب 5: 16). يقول الكتاب المقدس مرارًا وتكرارًا إنّ الصلاة أداة فعَّالة. إنها نافعة؛ وهي تعمل.

يقدم جون كالفن، في كتابه "أسس الدين المسيحيّ"، بعض الملاحظات العميقة عن الصلاة:

قد يقول أحدهم: ألا يعلم الله، حتى من دون القيام بتذكيره، ما يضايقنا وما هو الأفضل لنا، بحيث ليس من الضروريّ أنْ نزعجَه بصلواتنا كما لو كان نائمًا، أو كما لو كانت عيناه ناعستين فنوقظه بأصواتنا؟ أمّا الذين يفكّرون بهذه الطريقة، فهم لا يلاحظون ماذا كانت غاية الربّ من تعليمه شعبه أن يُصلُّوا، فإنّه لم يُعيِّن الصلاة لفائدته هو بل لمصلحتنا نحن. وهو الآن يشاء —وهذا يحقّ له— أن يُوفَى حقّه كما يجب، إقرارًا من الإنسان بأنّ كلّ ما يرغب فيه الإنسان ويحسبه مفيدًا له يأتي من عند الله، وأنّ في أداء الصلاة شهادةً لذلك. ولكن فائدة هذه التقدمة التي بها نُقدِّم عبادتنا لله تعود علينا. لهذا اهتمّ الآباء القدّيسون بالصلاة بأكثر حماسة كلّما ازداد تعظيمهم بثقةٍ أكبر لإحسانات الله عليهم وعلى الآخرين...

 

لا يزال من المهمّ جدًّا بالنسبة إلينا أنْ نطلب وجهَه: أوّلًا، لكي تنفجّر قلوبُنا برغبة حماسيّة ومشتعلة لطلب وجهه ولنحبّ ونخدمه، فيما نتعوَّد أنْ نلوذَ إليه عند كلّ احتياج كما لمرساة مُقدَّسة. وثانيًا، حتّى لا تتسرَّب إلى قلوبنا أيّ رغبة تُخجلنا من أنْ نجعله شاهدًا، فيما نتعلَّم أنْ نطرحَ كلّ رغباتنا أمام عينَيْه، بل أنْ نسكبَ عنده قلوبَنا بكليتها. وثالثًا، لكي نكونَ مستعدِّين أن نستقبلَ إحساناته بامتنان قلبي وشكر حقيقيّ، ومن خلال الصلاة نتذكّر أنّها تأتي من لدنه. (كالفن، أسس الدين المسيحي، [لويزفيل: وستمنستر جون نوكس، 1960]، الكتاب 3، الفصل 20، المقطع 3.)

إن الصلاة ليست مناجاة للنفس، أو مجرّد تدريب في التحليل النفسيّ العلاجيّ، أو تلاوة دينيَّة. إنّ الصلاة حوار مع الله الشخصيّ نفسه.

الصلاة، مثل كل شيء آخر في الحياة المسيحيَّة، هي لمجد الله ولمنفعتنا، بهذا الترتيب. فكلّ ما يفعله الله، وكلّ ما يسمح به ويُعيِّنه، هو بالمعنى الأسمى لمجده. وصحيح أيضًا أنّه في حين أنّ الله يطلب مجدَه بشكل خاصّ، فإنّ الإنسان ينتفع عندما يتمجَّد الله. نحن نصلِّي لتمجيد الله، ولكننا نصلِّي  أيضًا من أجل الحصول على بركات الصلاة من يده. إنّ الصلاة هي لمنفعتنا، حتّى في ضوء حقيقة أنّ الله يعلم النهاية منذ البداية. إنّه لامتياز لنا أن نكرِّس كلّ وجودنا المحدود لمجد حضوره غير المحدود.

كان أحد الموضوعات الكبرى للإصلاح هو فكرة أنّه لا بدّ أن نعيش حياتَنا كلّها تحت سلطان الله، ولمجد الله، وفي محضر الله. إنّ الصلاة ليست مناجاة للنفس، أو مجرّد تدريب في التحليل النفسيّ العلاجيّ، أو تلاوة دينيَّة. إنّ الصلاة هي حوار مع الله الشخصيّ نفسه. في فعل الصلاة وديناميكيّتها، أضع حياتي كلّها أمامه ليمتحنها. نعم، إنّه يعرف ما يدور في ذهني، ولكن ما زال لديَّ امتياز التعبير له عمَّا هو موجود. فهو يقول: "تعال. تحدَّث إليَّ. اجعل طلباتك معروفة لديَّ". لذلك نحن نأتي لنعرفه ونُعرَف منه.

هناك شيء خاطئ في السؤال: "إنْ كان الله يعلم كلّ شيء، فلماذا نُصلِّي؟" يفترض السؤال أنّ الصلاةَ ذات بُعدٍ واحد، وتُعرَّف ببساطة على أنّها دعاء أو تضرّع. على العكس، الصلاة مُتعدِّدة الأبعاد. لا تُلقي سيادة الله بظلالها على صلاة العبادة. إنّ معرفة الله المُسبَقة أو مشورته المحتومة لا تُبطل صلاة التسبيح. فالشيء الوحيد الذي يجب أنْ تفعله الصلاة هو أنْ تُعطينا سببًا أكبر للتعبير عن إجلالنا لطبيعة الله. إنْ كان الله يعلم ما سأقوله قبل أنْ أتلفّظ به، فإنّ معرفته هذه، بدلًا من تقييد صلاتي، تُعزِّز جمال تسبيحي.

أنا وزوجتي قريبان جدًّا من بعضنا أكثر من أيّ شخصَيْن آخرَيْن. غالبًا ما أعرفُ ما ستقولُه قبل أنْ تنطق به. والعكس صحيح أيضًا. ولكن ما زلت أحبّ أنْ أسمعَها وهي تُعبّر عمّا يدور في ذهنها. إنْ كان هذا الأمر صحيحًا عند الإنسان، فما مدى صّحته بالنسبة إلى الله؟ لدينا امتياز لا مثيل له لمشاركة أفكارنا العميقة مع الله. بالطبع، يُمكننا ببساطة أنْ ندخلَ مخدع الصلاة، وأنْ نتركَ الله يقرأ ما في عقولنا، وندعو ذلك صلاة. لكن هذا ليس شركة معه، وبالتأكيد ليس تواصل معه.

نحن مخلوقات نتواصل في المقام الأوّل من خلال الكلام. من الواضح أنّ الصلاة المنطوقة هي شكل من أشكال الكلام، وهي وسيلة لنا لتكون لنا شركة مع الله ونتواصل معه. من جانب معيّن، يجب أنْ تؤثّر سيادة الله على موقفنا من الصلاة، على الأقلّ فيما يتعلَّق بالعبادة. على الأقلّ، يجب أنْ يدفعَنا فهمنا لسيادة الله إلى حياة صلاة الشكر المكثَّفة. بسبب هذه المعرفة، يجب أنْ نرى أنّ كلّ بركة، وكلّ عطيّة صالحة وكاملة، هي تعبير عن وفرة نعمته. فكلّما فهمنا سيادة الله، امتلأت صلواتنا بالشكر.

بأيّ طريقة يمكن لسيادة الله أنْ تؤثِّرَ سلبًا على صلاة التوبة والاعتراف؟ قد نستنتج أنّ خطيّتنا هي في نهاية المطاف مسؤوليَّة الله، وأنّ اعترافنا هو اتّهام بالذنب ضدّ الله نفسه. يعلم كلّ مسيحيّ حقيقيّ أنّه لا يستطيع لوم الله على خطيّته. قد لا أفهم العلاقة بين السيادة الإلهيَّة والمسؤوليَّة البشريَّة، لكنني أدركُ أنّ ما ينبع من شرّ قلبي لا يُمكن أنْ يُنسَب إلى إرادة الله. لذلك يجب أنْ نُصلِّي لأننّا مذنبون، ننشد العفو من لدن القدُّوس الذي أسأنا إليه.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.