هل للخطيئة درجات؟ - خدمات ليجونير
ما هي الكفّارة المحدودة؟
۲۳ مارس ۲۰۲۳
ما هي الوكالة؟
۳۰ مارس ۲۰۲۳
ما هي الكفّارة المحدودة؟
۲۳ مارس ۲۰۲۳
ما هي الوكالة؟
۳۰ مارس ۲۰۲۳

هل للخطيئة درجات؟

من الناحية التاريخيّة، أدركتْ كلّ من الكنيسة الكاثوليكيّة والبروتستانتيّة أنّ للخطيئة درجات. تميّز الكنيسة الكاثوليكيّة بين الخطيئة المُميتة، والخطيئة العَرَضيّة. الهدفُ من هذا التمييز هو أنّه يوجد بعض الخطايا الجسيمة والشنيعة والخطيرة، لدرجة أنّ ارتكابَها يُعتبر مُميتًا، بمعنى أنّها تُميت أو تقتل نعمة التبرير الساكنة في روح المؤمن. بحسبِ عقيدتهم اللاهوتيّة، ليست كلّ الخطايا فاتكة إلى هذه الدرجة. فهنالك بعض الخطايا الحقيقيّة ولكنّها خطايا عرضيّة، وهي أقلّ خطورة من حيث آثارها، لكن ليست لها القدرة على قتل نعمة التبرير كما هي الحال مع الخطايا المميتة.

رفضَ العديد من البروتستانت الإنجيليّين فكرةَ وجود درجات للخطيئة، لأنّهم يعرفون أنّ الإصلاح البروتستانتيّ رفضَ تمييز الكنيسة الكاثوليكيّة بين الخطايا المُميتة والعرضيّة. نتيجةً لذلك، وصلوا إلى استنتاج مفاده أنّه لا يوجد تمييز بين الخطايا في البروتستانتيّة.

ينبغي علينا العودة إلى آراء الإصلاحيّين أنفسِهم. كان جون كالفن ينتقدُ الكنيسة الكاثوليكيّة بصراحة، وينتقدُ تمييزَها بين الخطيئة المُميتة والعرضيّة. قال كالفن إنّ كلّ الخطايا مُميتة، بمعنى أنّها تستوجب الموت. يُذكّرنا يعقوب في رسالته: "لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ ٱلنَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي ٱلْكُلِّ" (يعقوب 2: 10). حتّى أصغر الخطايا، هي خيانة كونيّة. نحن نفشل في الشعور بخطورة أفعالنا إلى هذه الدرجة، إنّما هذا صحيح.

عندما أرتكب خطيئة ما، فإني بذلك أختارُ إرادتي لا إرادةَ الله القدير. ضمنيًّا، أنا أقول بشكل أساسيّ إنّني أذكى وأحكم وأبرّ وأقوى من الله نفسه. قال كالفن إنّ كلّ الخطايا مُميتة، بمعنى أنّ الله مُبرَّر إنْ قضى على كلّ واحد منّا بسبب أصغر خطيئة ارتكبناها. في الواقع، عقاب الخطيئة موجود منذ اليوم الأوّل من خلق الإنسان: "وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا، لِأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ. (تكوين 2: 17). لكنّ الله لا يتعامل معنا دائمًا بناءً على عدالته، بل بحسب النعمة، فيسمح لنا أنْ نعيش، ويتحرّك ليحقّق فداءَنا. قال كالفن إنّ كلّ الخطايا مُميتة لأنّنا نستحقّ أن نموتَ بسببها، ولكن لا يوجد خطيئة مُميتة بمعنى أنّها قادرة أنْ تقضي على نعمة خلاصنا. لا بدّ لنا أنْ نتوبَ، نعم، لكنّ النعمة المُبرّرة التي يُعطينا إيّاها الروح القدس لا يُمكن لخطايانا أنْ تقتلَها. أكّد كالفن بشدّة وكلّ واحد من المصلحين الآخرين، أنّ هنالك فرقًا بين الخطايا الصغرى، وما أسموه بالخطايا الجسيمة والشنيعة. 

من المهمّ أن يفهم المسيحيّون هذا التمييز، لكي نقدر أنْ نتعلّمَ كيف نعيش بمحبّة نحو بعضنا البعض. يُمكن لخطيئة التعليق على الأمور التافهة، التي من خلالها يبدأ الناس بالتعليق المستمرّ على تجاوزاتِ بسيطة في المجتمع، أنّ تمزّق جسد المسيح. يأتي الضرر الكبير عندما نغذّي هذه الخطيئة بنار الثرثرة والافتراء. نحن مدعوّون للصبر والتسامح على الفشل الذي يُعاني منه مسيحيّون آخرون. هذا لا يعني أنْ نتراخى بشأنِ الخطيئة، لأنّه يوجد خطايا مُعيّنة ذَكرَ العهد الجديد بأنّها خطيرة، ولا ينبغي السماح بها في الكنيسة. خطيئةُ الزنا خطيرة، وخطيئة سفاح القربى تستلزم التأديب الكنسيّ. والعهد الجديد يذكر بشكل مُتكرّر خطايا السُكرِ والقتل وارتكاب الفحشاء. هذه الخطايا مُدمّرة لدرجة أنّها تستدعي تأديب الكنيسة عند ظهورها.

يقول الله إنّ دخول السماء هو فقط على أساس استحقاق المسيح، ولكن عند دخولنا إليها، ستوزّع علينا المكافآت بحسب أعمالنا.

عندما نتأمّل بتحذيرات الكتاب المقدّس، يتّضح لنا أنّه يوجد درجات مختلفة من الخطيئة. هنالك ما لا يقلّ عن اثنين وعشرين إشارة في العهد الجديد إلى درجات من المكافآت التي تُمنح للقدّيسين في السماء، حيث يوجد مستويات مختلفة ومكافآت مختلفة وأدوار مختلفة في السماء. يُحذّرنا الكتاب المقدّس من أنْ نزيد على شدّة دينونتنا. قال يسوع لبيلاطس البنطيّ: "ٱلَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ" (يوحنا 19: 11). يقيس يسوع الذنب ويقيّمه، وعندما يكون الشعور بالذنب والمسؤوليّة أكبر، تأتي دينونة أعظم. ونجد هذه الفكرة منتشرة في كلّ العهد الجديد.

ترتكز فكرة تدرّج الخطايا والمكافآت على عدالة الله. إن ارتكبتُ ضُعفَ عدد الخطايا التي يرتكبها شخص آخر، فإنّ العدالة تتطلّب أنْ تكونَ العقوبة مناسبة للجريمة. وإنْ كنتُ أتمتّع بضُعف فضائل أيّ شخص آخر، فإنّ العدالة تتطلّب أنْ أحصلَ على مكافأة أكبر. يقول الله إنّ دخول السماء هو فقط على أساس استحقاق المسيح، ولكن عند دخولنا إليها، ستوزّع علينا المكافآت بحسب أعمالنا. سيحصل أولئك الذين أكثروا في القيام بالأعمال الصالحة على مكافآت أكبر. وأولئك الذين استخفّوا وأهملوا القيام بالأعمال الصالحة، سيحصلون على مكافأة صغيرة في السماء. وبالطريقة نفسها، سيعاني الذين عادوا الله بشدّة من عذاب أليم في الجحيم. أمّا الذين كانوا أقلّ عداء منهم، فسيكون لهم عقاب أخفّ تحت يدَي الله. إنّ عدالَته كاملة، وعندما يدين، سيأخذ في الاعتبار جميع الأسباب التخفيفيّة. قال يسوع: "وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا ٱلنَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ ٱلدِّينِ" (متى 12: 36).

لماذا من المهمّ بالنسبة إلينا التشديد على هذه المسألة؟ لقد تحدّثت مرارًا إلى رجال يعانون من خطيئة الاشتهاء، وكانوا يقولون لأنفسهم أو لي: "بما أنّني سقطت في خطيئة الاشتهاء، فلمَ لا أرتكب خطيئة الزنا أيضًا. لن أكونَ في حالة أسوأ في نظر الله، لهذا، لأنهي ما ابتدأت به." أمّا أنا فأجيبهم دائمًا: "لا، لأنّه يمكن أنْ تُصبحَ في وضع أسوأ بكثير." ستكون الدينونة على خطيئة الزنا الفعليّة أشدّ بكثير من الدينونة على خطيئة الاشتهاء. سوف يتعاملُ الله معنا على هذا المستوى، ومن الغباء أنْ يقولَ الشخص الذي ارتكب جنحة: "بما أنّني ارتكبت جُنحة، فلم لا أحوّلها أيضًا إلى جناية." حاشا لنا أنّ نُفكّر بهذه الطريقة، وإنْ فعلنا ذلك، فسنواجه دينونةَ الله العادلة. فلنتذكّر هذا بينما نسعى إلى بناء ضمير مسيحيّ وشخصيّة مسيحيّة.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.